كيف يمارس زعيم حركة طالبان سلطته في أفغانستان؟
تاريخ النشر: 30th, January 2024 GMT
كابل- على الرغم من مرور عامين و7 أشهر من وصول حركة طالبان إلى السلطة في أفغانستان وكفاحها لبناء دولة، فإنها لم تتمكن حتى الآن من تشكيل حكومة رسمية وصياغة دستور وبناء علاقات مع المجتمع الدولي.
ويرأس الحكومة المؤقتة -التي أعلنتها الحركة بعد أسابيع من استلامها السلطة في أغسطس/آب 2021- مجلس وزراء يتكون من 33 وزيرا كانوا مسؤولين سابقين في طالبان أو موالين لها مثل وزير التجارة نور الدين عزيزي، ويخضع بعضهم لعقوبات الأمم المتحدة والولايات المتحدة.
ويتولى الملا محمد حسن آخوند، المقرب من زعيم الحركة منصب رئيس الوزراء بالوكالة، ويشغل أحد مؤسسيها الملا عبد الغني برادر -الذي قاد مفاوضات السلام مع واشنطن– منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية.
ويشغل الملا عبد السلام حنفي منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الإدارية، والمولوي عبد الكبير منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون السياسية، وسراج الدين حقاني حقيبة الداخلية، ويتولى نجل مؤسس الحركة المولوي محمد يعقوب مجاهد منصب وزير الدفاع، وأمير خان متقي حقيبة الخارجية، وذبيح الله مجاهد هو المتحدث باسم الحكومة الأفغانية.
سيطرة مطلقة
خلال الأشهر الستة الأولى من حكم طالبان، بدا كما لو أن مجلس الوزراء هو الذي سيشكل سياسات الحكم ويبت في القضايا المصيرية والأساسية، لكن تم تجاوزه بشكل متزايد من قبل زعيم الحركة الشيخ هبة الله آخوند زاده.
يقول مصدر في القصر الرئاسي للجزيرة نت "سيطر زعيم طالبان على مفاصل الدولة، وحدد لكل مسؤول دائرة عمله، ولا يستطيع أي أحد التحدث في أمور مصيرية مهما يكن شأنه وتاريخه في الحركة. وحتى أجندة مجلس الوزراء، يجب أن يطلع عليها الزعيم قبل مناقشتها في المجلس، والقرارات التي تمت الموافقة عليها فيه يجب أن يوافق عليها الزعيم قبل إعلانها".
تُسمي طالبان حكومتها "الإمارة الإسلامية في أفغانستان"؛ وهو لقب النظام الأول الذي أسسته الحركة في تسعينيات القرن الماضي واعتادوا الإشارة إليه طوال كفاحهم الذي دام عقدين من الزمن. ويشرف زعيمها على جميع شؤون الدولة والمجتمع وفق المنظور الديني.
يوضح مصدر بوزارة العدل للجزيرة نت أن "زعيم طالبان آخوند زاده يسيطر على جميع الإدارات الحكومية، كما أن تعيين وإقالة أي مسؤول من صلاحيته فقط، وما يميزه عن الحكام السابقين هي طاعة المسؤولين المطلقة له".
وعند التدقيق في تشكيل الحكومة الحالية، سنرى أن زعيم الحركة حدد مهام اللجان السياسية والعسكرية والمالية فيها، وأن الجميع يقومون بالمهام الموكلة إليهم، وملتزمون بالطاعة المطلقة ولا يستطيعون مناقشة قضايا مهمة ومصيرية.
وظهرت هذه الديناميكية، التي لا تزال تتطور، إلى العلن عندما ألغى آخوند زاده في اللحظة الأخيرة عودة الفتيات إلى المدارس الثانوية التي وعدت بها طالبان منذ مدة طويلة، ورغم التذمر الداخلي على مستوى القيادة، فإنهم ومن باب مبدأ الطاعة لا يستطيعون نقد القرار وإنما قبوله.
ومن يعترض، عليه التنحي من منصبه كما حدث مع أول وزير للتعليم العالي عبد الباقي حقاني، وقد بدأ الدبلوماسيون الأجانب وخبراء الشأن الأفغاني يتحدثون عن ظهور "مراكز القوة" بين الحركة في كابل وقندهار.
صلاحية واسعة
لا يدير زعيم طالبان ودائرته من المستشارين والمقربين في ولاية قندهار كل جوانب الحكم بشكل دقيق، وقد شُكلت عدة لجان متخصصة لدراسة السياسة، والسعي إلى التوصل إلى توافق في المواقف والآراء، وأخرى لتنفيذ القرارات مثل لجنة عودة الشخصيات السياسية السابقة إلى أفغانستان.
يقول مصدر في القصر الرئاسي للجزيرة نت "يوصي زعيم طالبان بلجنة التدقيق والمحكمة العليا لأجل رئيسها عبد الحكيم حقاني لمكانته في الحركة، ويملك الزعيم صلاحية واسعة لتعيين حكام الأقاليم وإقالتهم ومسؤولين آخرين، ولا يستشير أحدا في مثل هذه الأمور".
ويبدو أن من يملك السلطة فعليا في طالبان لا يزال يُعين وفق عوامل متعددة ومتجذرة ومعايير تم وضعها خلال قتال الحركة القوات الأميركية والأجنبية في أفغانستان. ونادرا ما تكون الألقاب الحكومية الرسمية حاسمة في حد ذاتها.
يقول الكاتب والباحث السياسي حكمت جليل للجزيرة نت إن "مهتمين كُثرا بالشأن الأفغاني حاولوا تقييم مدى قوة بعض الفصائل، ولكن منذ استيلاء طالبان على السلطة، انخرطت في عملية متغيرة باستمرار للحفاظ على التوازن بين عناصرها ومصالحها المختلفة. وهي مهووسة بتماسكها ومظهرها الخارجي، لذلك يصعب على الغرباء استيعاب سياسات القوة داخل الحركة".
وعندما نقارن شخصية زعيم طالبان بمؤسسها الملا محمد عمر، فإن الأخير كان يظهر في اجتماعات شعبية ورسمية، والتقى بمسؤولين أجانب، أما آخوند زاده فلم يلتق حتى الآن إلا برئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني وزعيم جمعية العلماء الباكستانية الملا فضل الرحمن فقط.
كما ليس لديه إلا صورة واحدة أُخذت له بعد تعيينه زعيما للحركة عام 2016، ولا يُعرف تاريخُها ومكانها، واختار أن يبقى بعيدا عن الأنظار كما هو الحال قبيل وصوله إلى السلطة.
أولوية
ونظرا لأهمية زعيم حركة طالبان في تسلسلها الهرمي القيادي، فإن ضمان أمنه يُعد من أولويات الحكومة الأفغانية الحالية، وتعارض السلطات المعنية بحمايته ظهوره في اجتماعات عامة مثل بقية الرؤساء لأسباب أمنية.
ويوضح المتحدث باسم الحكومة الأفغانية ذبيح الله مجاهد للجزيرة نت أن زعيم "الإمارة الإسلامية" يلتقي بالناس ويخالطهم ويستقبل مسؤولين حكوميين ويرأس الاجتماعات الحكومية، "ولكنه لا يصور ويمانعه من باب التقوى فقط".
ويرى خبراء الشأن الأفغاني أن زعيم طالبان يحاول تعزيز "كاريزماته" لذا لا يظهر أمام عامة الناس، وأنه يفكر بأن هذه الطريقة تساعده في الحفاظ على هيبته في أذهان الناس.
ويقول الباحث السياسي عبد الكريم نوري، للجزيرة نت، إن طالبان تسيطر على كافة الأراضي الأفغانية، وتمكنت من وضع حد لنشاط تنظيم الدولة الإسلامية، وإن السبب الرئيسي لعدم ظهور زعيمها هو "تعزيز الكاريزما فقط وليس لأسباب أمنية كما يبررون".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی أفغانستان زعیم طالبان للجزیرة نت
إقرأ أيضاً:
شاهد.. الأسير اللبناني حسين قطيش يروي للجزيرة نت قصة معاناته وتحرره
بيروت ـ 23 يوما فقط قضاها الأسير اللبناني المحرر حسين قطيش في سجون الاحتلال بعد اعتقاله يوم 16 فبراير/شباط الماضي في بلدة حولا خلال تفقده لأحوال بلدته التي طالها العدوان الإسرائيلي على لبنان، ورغم قلة أيام أسره فإن قطيش يروي للجزيرة نت المآسي التي تعرض لها في هذه الأيام.
ويقول قطيش "في يوم 16 فبراير/شباط، عندما وصلنا إلى الساتر الترابي في بلدة حولا لم يخطر في بالي أن دقائق قليلة فقط ستفصل بين لحظة حريتي ومرحلة جديدة من المعاناة بدأت من الأسر. في ذلك اليوم تحديدا كان هناك شعور غريب يسيطر علينا كأن الإسرائيليين قد انسحبوا بالفعل، دخلنا البلدة، تجولنا في الحي الفوقاني، تفقدنا المنازل، ولم يكن هناك أي شيء يثير الشك أو الريبة".
ويضيف قطيش أن طريق العودة لم يكن كما كان متوقعا؛ فأثناء نزولهم من الحي الفوقاني ظهر جندي إسرائيلي في وسط الطريق، وأوقف الشباب الذين كانوا في المقدمة وفتشهم، ثم سمح لهم بالمرور، وعندما اقترب حسين فوجئ بفوهة البندقية موجهة إليه، وانطلقت الرصاصة الأولى، أصيب ابن أخته في ساقه، ففرّ باتجاه الوادي، لكن حسين لم يكن محظوظا مثله، فقد سقط أرضا مصابا والدم ينساب من قدمه.
وبعد ذلك، وصلت دورية إسرائيلية إلى المكان، حاول 4 من أبناء البلدة مساعدته لكن الاحتلال لم يكن ليسمح بذلك، الدورية الثانية التي لحقت بهم احتجزت الشبان الأربعة، وحملت حسين الجريح معهم إلى موقع العباد.
إعلانومن هذا الموقع وضع حسين في سيارة إسعاف إلى صفد حيث خضع لعدة عمليات جراحية، لكن لم يكن حسين مجرد مريض بحاجة إلى رعاية بل كان أسيرا يخضع لتحقيقات قاسية.
خضع حسين لـ5 جولات من الضغط النفسي والعبارات الاستفزازية والمحاولات لتركيعه ودفعه إلى الاعتراف؛ "دمّرنا بيوتكم"، "خربنا منطقتكم"، كلمات كانت تُلقى عليه كالرصاص لكنه صمد، وظل متماسكا رغم الجروح التي كانت تنزف في جسده.
وبعد انتهاء العمليات الجراحية نُقل إلى سجن الرملة، هناك وجد نفسه في زنزانة ضيقة مكتظة بـ9 أسرى: 7 فلسطينيين من غزة والضفة الغربية، وشاب لبناني يُدعى علي ترحيمي من بلدة جبشيت.
يقول حسين "لم يكن السجن مجرد جدران وأسلاك شائكة بل كان اختبارا حقيقيا للصبر والصمود، فالتغذية كانت سيئة لدرجة تكاد تلامس التجويع، والعناية الطبية كانت غائبة تماما، كان الطبيب يزورنا 3 مرات في الأسبوع بالكاد يضع القليل من الشاش واليود ثم يغادر على عجل، فالجريح في السجن يعالج الجريح، والمريض يعتني بالمريض".
وفي 11 مارس/آذار الجاري جاءه الخبر أنه سيفرج عنه، لكن حتى لحظة الحرية لم تكن خالية من العذاب، حملوه وتنقل من سيارة إلى أخرى وسط الدفع والإهانة والتضييق حتى وصل أخيرا إلى رأس الناقورة حيث كان الصليب الأحمر في انتظاره ليطوي صفحة الأسر، لكنه فتح معها صفحة جديدة من الصمود والتشبث بالأرض أكثر.
يوم الثلاثاء الماضي، أفرجت إسرائيل عن 4 مدنيين لبنانيين كانت قد اعتقلتهم في شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط الماضيين، وهم: حسين فارس الذي اعتُقل من قريته مارون الراس، وحسين قطيش الذي اعتُقل جريحا من قريته حولا، وأحمد شكر الذي اعتُقل في حولا، ومحمد نجم الذي اعتُقل في تلة النحاس.
إعلانورغم الإفراج عن هؤلاء، لا يزال الجيش الإسرائيلي يحتجز عددا من المدنيين وأسرى حزب الله وسط غياب أي أرقام رسمية بشأن عدد الأسرى، في حين لم تكشف إسرائيل عن تفاصيل إضافية عنهم.
وتتواتر شهادات العائدين من الأسر حول الظروف القاسية والوحشية التي مروا بها، حيث تحدثوا عن الحرمان من النوم والتعرض للتعذيب النفسي والجسدي، خاصة خلال التحقيقات.
وأشار أحد الأسرى اللبنانيين، وقد تواصلت معه الجزيرة نت ورفض الكشف عن هويته، إلى معاناته قائلا "ما حابب أحكي.. شو بدي أحكي، ولمين، الوضع كان أصعب من شرحه بالكلام؟"، مما يعكس الصمت المطبق الذي يعيشه العديد من هؤلاء في ظل الظروف القاسية التي مروا بها.
وبعد وقف الأعمال العدائية، بدأت السلطات الإسرائيلية بتوسيع سياسة احتجاز الرهائن إذ اختطف عدد من المواطنين سواء بشكل فردي أو جماعي، خلال فترة الانسحاب الأولى التي استمرت 60 يومًا، وكذلك خلال المهلة الممددة حتى 18 فبراير/شباط.
وفي هذا السياق، يوضح أستاذ القانون في الجامعة اللبنانية المحامي الدكتور جاد طعمه، في حديثه للجزيرة نت، أن المدنيين الذين لا يشاركون في القتال بشكل مباشر يجب أن يتمتعوا بالحماية القانونية التامة بموجب القانون الدولي الإنساني لا سيما أحكام المادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع.
وأضاف طعمه أن احتجاز المدنيين في حالات النزاع يجب أن يكون وفقا لمبادئ قانونية صارمة، بحيث لا يجوز لأي طرف في النزاع أن يتعامل مع المدنيين كأسرى حرب، وذلك أن مفهوم أسير الحرب يدل حصرا على المقاتلين الذين يقعون في الأسر، مما يوجب تمتع المدنيين بالحماية القانونية الصارمة وضمان عدم تعرضهم لأي نوع من المعاملة القاسية أو غير الإنسانية.
وأشار طعمه إلى أن المحكمة الجنائية الدولية تعد أي انتهاك يتعلق بمعاملة الأسرى المدنيين من قبيل "جرائم الحرب" التي يمكن ملاحقة مرتكبيها أمامها، ومن ثم فإن أي خرق لقواعد القانون الدولي الإنساني خاصة في ما يتعلق بمعاملة المدنيين يعرض مرتكبيه للمساءلة الجنائية على الصعيد الدولي.
إعلانوختم طعمه بالقول "وفقا لأحكام القانون الدولي الإنساني، لا يجوز لأي دولة استخدام المدنيين كوسيلة للضغط السياسي أو العسكري، ويجب على الدول التي تحتجز مدنيين أو حتى مقاتلين في إطار النزاع المسلح أن تلتزم باحترام قواعد القانون الدولي الإنساني التي تنطلق من وجوب احترام معايير حقوق الإنسان وحفظ الكرامة الانسانية".