القضاء والقدر عقيدة من عقائد الإسلام التي يتحقق بها الإيمان بوجود الله ومشيئته في كونه . وهي عقيدة قد تصنف في إطار ما يعرف في الإسلام بالغيبيات، أي الحقائق الغيبية التي يؤمن بها المسلم بالوحي عن الله، مثل الإيمان بالله والملائكة والحساب، لكن مفهوم القضاء والقدر كذلك مرتبط بحركة الإنسان في الحياة وسلوكياته في العقيدة والعبادة والحياة والأخلاق .
والقضاء والقدر كمفهوم إسلامي، أساء بعض المسلمين فهمه حين تواكلوا بداعي القدر ولم يأخذوا بالأسباب، حتى اعتبر بعض خصوم الإسلام أن هذا الاعتقاد أحد أسباب تخلف المسلمين عن ركب الحضارة . والقضاء والقدر، كما يقول الداعية الدكتور محمد الراوي، عضو مجمع البحوث الإسلامية معناه ببساطة أنه لا يقع في كون الله إلا ما يقدره ويريده، فالكون والرزق والحياة والموت، من قدر الله وقضائه، وهذا الإيمان مرتبط بوجود الله وقدرته وعلمه وحكمته وكل صفات الكمال والجلال . والقضاء والقدر هو من الإيمان المكمل للإيمان بالله والإيمان بكل العقائد والغيبيات، وقد أجمل الرسول معنى الإيمان، فقال في الحديث: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره .
والإيمان بالقضاء والقدر هو التجسيد الفعلي لإيمان المسلم بطلاقة قدرة الله في الكون والخلق والتقدير، فهو كما يقول الخالق: الذى خلق فسوى، والذى قدر فهدى وهو المقدر لأحداث الناس في الحاضر والمستقبل، يقول الحق: ما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين . وهو القادر في خلقه كما يقول رب الكون: وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون، وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون، وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون . وبقدر الله وقضائه يؤمن المسلم بأن ما فاته لم يكن ليصيبه وما أصابه لم يكن ليفوته، ورب الخلق يقول: قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير .
علاج لشقاء الناس والقضاء والقدر ليس فقط أساس الإيمان، بل هو في المفهوم الإسلامي مصدر السعادة والعلاج الرباني لشقاء الناس وتعاستهم . فإذا اغتر البعض بالمال أو العلم، فرب الأقدار يقول: تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير، ويقول: والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون . والقضاء والقدر يعني رضا المؤمن عن كل ما قدر له، لأنه يشعر بنعم الله كلها وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها . ويظن في كل شيء الخير: فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيرا .
وهو سعيد برزقه، سواء في حال ثرائه أو حال فقره . وفي السماء رزقكم وما توعدون، فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون . فواجب الإنسان مع القدر هو التصديق والتسليم بما قدره الخالق فيما ليس للإنسان فيه يد . والرسول صلى الله عليه وسلم علمنا شعار المؤمن، ففي الحديث الصحيح أن المؤمن يقول: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان، وفي حديث آخر قال رسول الله: من سعادة المرء استخارته ربه، ورضاه بما قضى، ومن شقاء المرء تركه الاستخارة وعدم رضاه بعد القضاء . وهكذا ينسجم المؤمن بإيمانه بقدر الله وقضائه مع كل نواميس الكون، مع الحياة والموت، ومع الصحة والمرض، ومع الفقر والغنى، ومع العلم والجهل، ومع الضيق والسعة، وفي الحديث: عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له . فهم خاطئ والأثر الرائع للإيمان بالقضاء والقدر . كما يقول الشيخ الراوي . لا يتحقق إلا بالفهم الصحيح لهذه العقيدة الإسلامية ذلك أن من أخطر جوانب الفهم الخاطئ للقضاء والقدر أن يقصر الإنسان ويتهرب من التكاليف الشرعية بحجة أن هذا من قدر الله، وهذا المعنى غير جائز، سواء في التكاليف الإيمانية أو في الأسباب المادية في دنيا العمل والإبداع . ومثل هذا السلوك عابه القرآن كثيرا على بعض المتهربين من الدين بهذه الحجة يقول الحق: وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون، أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون . وقد شدد الإسلام على أن الإيمان بالقضاء والقدر لا بد أن يصحبه تصديق بدلالات هذا الإيمان، وهو القول والعمل، وفي هذا لخص الإسلام مفهوم الإيمان بأنه ما وقر في القلب وصدقه العمل، وقال بهذا عدد من علماء الأمة العظام، حيث قرروا أن الإيمان مركب من التصديق بالقلب والإقرار باللسان والأعمال التكليفية العملية، وفي هذا المعنى نفهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إن قوماً غرتهم الأماني حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، وقالوا: كنا نحسن الظن بالله، وكذبوا، لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل . بين التخيير والتسيير وفي سياق فهم عقيدة القضاء والقدر، يتوقف الشيخ محمد الراوي عند حديث البعض عن أحد جوانب هذه العقيدة، وهو مسألة: هل الإنسان مسير أم مخير؟ وبالتالي ما علاقة فعل الإنسان وعمله بما قضاه الله وقدره؟ يقول: ليس مقبولاً من الناحية الإيمانية والواقعية الخوض في هذا الأمر، فالقضاء والقدر عقيدة غيبية مرتبطة بالإيمان بوجود الخالق المدبر، وقد ضل كثير من الخلق جراء هذا الخوض، ولهذا قال الرسول في هذا الموضوع: أبهذا أمرتم أم بهذا بعثت فيكم؟! إنما هلك من كان قبلكم بالمراء . أما الإنسان فهو كما نرى مسير فيما ليس له فيه اختيار، ومخير فيما له فيه قدرة على الاختيار . وله القدرة على الفعل فيما له فيه قدرة على الفعل، والله تعالى أتاح للإنسان أن يختار أمانة الله فاختار، قال الخالق: إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان . والدليل الأكبر على حرية الإنسان وقدرته على الاختيار هو أن الله منح الإنسان أداة الاختيار الأولى، وهي العقل، وجعلها أداة الاختيار بين البدائل كما جعلها مناط التكليف، فمن فقد عقله لا
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الإيمان بالقضاء والقدر قدر الله کما یقول من تشاء له فیه فی هذا
إقرأ أيضاً: