مؤسسة منتدى أصيلة تنظم الدورة الشتوية لمشغل التعبير الأدبي وكتابة الطفل
تاريخ النشر: 30th, January 2024 GMT
نظمت مؤسسة منتدى أصيلة أيام 25و 26 و27 يناير 2024 بمكتبة الأمير بندر بن سلطان ومركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية، فعاليات مشغل التعبير الأدبي وكتابة الطفل (الدورة الشتوية)، لفائدة أربعين تلميذا وتلميذة ينتمون إلى مختلف المؤسسات التعليمية الابتدائية والثانوية في مدينة أصيلة.
وخصصت هذه الدورة الشتوية التي أشرف على تأطيرها الأستاذان مصطفى البعليش (منسق المشغل) ومحمد المؤدن (كاتب ومدرس تربوي)، للاشتغال على تقنيات كتابة القصة القصيرة وتحليلها، من خلال العمل القصصي الأخير “لا تقصص رؤياك” للكاتب الأستاذ عبد الصمد مرون، الذي سبق له المشاركة ضمن فريق التأطير التربوي للمشغل في الدورات السابقة.
تجدر الإشارة إلى أن مشغل التعبير الأدبي وكتابة الطفل، الذي أطلقته مؤسسة منتدى أصيلة صيف عام 2009، ضمن فعاليات موسم أصيلة الثقافي الدولي في دورته ال 31، ينظم سنويا أزيد من ست دورات خلال كل فترات العطل المدرسية، ويهدف إلى اكتشاف المواهب الإبداعية الواعدة وتنمية القدرات الكتابية للأطفال واليافعين بتمكينهم من اكتساب المبادئ الأساسية لتقنيات الكتابة والإبداع، بالإضافة إلى مناقشة أعمال ونصوص إبداعية توافق مستوياتهم، وذلك بإشراف أدباء وخبراء تربويون في مجالي الأدب والتربية، وتعمل المؤسسة على توثيق أعمال المبدعين الصغار في مؤلفات تتضمن إبداعاتهم في مجالات الشعر والقصة القصيرة.
كما نظمت المؤسسة في ختام هذه الدورة الشتوية لمشغل التعبير الأدبي وكتابة الطفل، حفل توقيع مجموعة “لا تقصص رؤياك” للكاتب عبد الصمد مرون، بتنسيق مع جمعية الأصيل للثقافة والفنون.
وتضمن الحفل قراءات في العمل الإبداعي للكاتب مرون، شارك فيها مجموعة من المهتمين بمجال القصة والرواية بالإضافة إلى قراءات لأطفال المشغل.
المصدر: اليوم 24
كلمات دلالية: منتدى أصيلة الدورة الشتویة
إقرأ أيضاً:
خوف المُحَرِّر الأدبي من ضربة «الذكاء» !
في أحد أيام عام 1957، قدّمت كاتبة شابة مغمورة اسمها «هاربر لي» إلى إحدى دور النشر الأمريكية مسودة أولية لروايتها الأولى التي اختارت لها عنوان Go Set a Watchman («اذهب ونصّب رقيبا»)، ولحسن حظ الكاتبة وقعت الرواية في يد المحررة الأدبية المتمكّنة تاي هوهوف التي رأت من القراءة الأولى أن الرواية تَعِدُ بنصّ أدبي مميز، لكنها في شكلها الأولي ذاك كانت أقرب إلى سلسلة من الحكايات منها إلى رواية ناضجة ومتكاملة. عملت هوهوف مع المؤلفة على مدار عامين، مقترِحةً إعادة صياغة القصة من منظور طفلة، فسارت الرواية في طريق أخرى، إذْ تعمقت الحبكة وتطورت الشخصيات. وبعد ذينك العامين، وعقب إجراء سلسلة من التعديلات الجوهرية، نُشِرتْ النسخة النهائية من الرواية عام 1960 بعنوان آخر هو «أن تقتل طائرًا بريئًا»To) Kill a Mockingbird)، وحازت على جائزة بوليتزر، وأصبحت اليوم من الكلاسيكيات الأدبية الأمريكية.
وأنا أتأمل هذه الحكاية التي تسرد العلاقة المميزة بين المحرر والمؤلف، والتي يمكن أن نضيف إليها عشرات الحكايات الأخرى الموثقة في كتبٍ وأفلام سينمائية، هذه العلاقة التي حَولت نصوصًا هي في أحسن الأحوال متوسطة الجودة الأدبية (إن لم نقل سيئة) إلى نصوص أدبية مميزة وممتعة، يقفز إلى ذهني سؤال مهمّ: هل يستطيع الذكاء الاصطناعي حقًّا بأدواته المتنوعة أن يحلّ محل المحرِّر الأدبي؟ هل بمقدوره مرافقة المبدع سنة أو اثنتين ومساعدته في بلوغ أقصى ما يمكن لنصه أن يصل إليه؟ هل يقدر على تحسين صياغة النص دون المساس بأسلوب الكاتب، كما يحرص المحرِّر الإنسان؟ والأهم من هذا كله هل يستطيع من خلال تعديلاته واقتراحاته أن يحافظ على روح النصّ ولمسته الإنسانية؟ في تصوري أن الإجابة عن كل هذه التساؤلات هي بالنفي، رغم اعترافنا جميعًا بما يمكن أن تفعله هذه الأدوات.
ولكن ماذا يمكن أن تفعل أدوات الذكاء الاصطناعي؟ في الحقيقة يستطيع المدعو «تشات جي بي تي» وإخوتُه فعل الكثير؛ أن يصححوا الأخطاء النحوية، والإملائية، وعلامات الترقيم، أن يُبدوا الرأي في تسلسل أحداث رواية وبناء شخصياتها، والحوار، والثيمات، ومدى وضوح رسالة النص (إن كان ثمة رسالة)، أن يقترحوا إعادة ترتيب الفصول أو حذف مشاهد ودمج أخرى لتقوية الحبكة أو لتحسين تدفق السرد. بل يستطيعون حتى أن يوجهوا الكاتب نحو اختيارات تناسب جمهورًا معينًا أو دار نشر بعينها، مثل تعديل الأسلوب ليلائم فئة عمرية معينة، أو تقليل الحشو لتقليل عدد الصفحات. لكنهم لن يستطيعوا أبدًا أن يُضفوا روحًا إنسانية على العمل. لن يشعر القارئ، أو هكذا أتصور، بالألم الذي يسببه وخز الشوكةِ إصبعَ بطلة الرواية، ولن يشهق وهو يقرأ وصفًا لمشاعر البطل بعد تعرّضه لموقف حزين: «إنه يعبّر عني. هذا ما حدث لي بالضبط!»، ولا أظنه سيقرر التوقف فجأة عن القراءة شاخصًا بعينيه إلى السماء ليتلذذ بعبارة جميلة.
أعرف أن هناك من سيعُدُّ ما قلتُه مجرد «رَمْنَسة» لحالة القراءة ومهنة التحرير لا تمت إلى الواقع بصلة، وسيعتبر هذا رفضًا مني للتجديد والتطور، وربما يذكرني بتحريم أجدادنا للقهوة ردحًا من الزمن قبل أن يحللوها وتصبح زينة المجالس، ورفضهم كذلك للراديو في بدايات ظهوره، عادّين إياه من مكائد الشيطان. غير أنني سأعود للتوضيح أنني لا أرفض هذا المحرِّر الاصطناعي في المطلق، وأعرف جيدًا كل ميزاته التي جربتها بعض دور النشر؛ سرعته الفائقة في المراجعة مثلًا، بحيث يمكن أن يُحرِّر كتابًا كاملًا في دقائق، في حين يحتاج المحرِّر الإنسان لساعات أو أيام، وأعرف أيضًا أنه سيُبلي بلاء حسنًا إذا ما طُلِب منه اكتشاف ما في النص من أخطاء أو عيوب، كل هذا أعرفه. لكنني أعرف أيضًا أن هذه الآلة الصماء ليس لها حسّ جمالي ولا حدس لغوي من ذلك الذي يتمتع به محرِّرٌ إنسان، خاصة في النصوص الأدبية أو الإبداعية التي تحتاج إلى لمسة إنسانية كما سبق أن أشرتُ، وأنها –أي الآلة الصماء- لا يمكن أن تعي الخلفيات الثقافية أو التاريخية التي تحيط بالنص، وقد تقترح تعديلات مضحكة تؤدي إلى تحريف المعنى المراد أو إضعافه. ولأن الكاتب هو الأسلوب فإن ما يردده البعض عن قدرة الذكاء الاصطناعي على المحافظة على «أسلوب» الكاتب ليس سوى وهم طوباوي، فقد يُنتِجُ بالفعل نصًّا «منمقًا» و«صحيحًا» وربما «مُحْكَم الصنع»، لكنه قد يكون مملًا في الآن نفسه، أو خاليًا من النَفَس الإبداعي، بسبب ميله إلى التوحيد الآلي للنصوص.
من الجيد هنا سرد حكاية المحرِّر الأمريكي نيل كلارك الذي هو أيضًا ناشر مجلة متخصصة في الخيال العلمي تسمى Clarkesworld كان قد جعلها نافذة مفتوحة لاستقطاب الكتّاب الموهوبين في هذا الجنس من الأدب، بمنح مبلغ مغرٍ عن كل نص تنشره المجلة يتجاوز الألفي دولار. وما إن ظهرت أدوات الذكاء الاصطناعي في نوفمبر من عام 2022، وبعد أقل من شهرين من ذلك التاريخ، اضطّر كلارك إلى رفض مائة طلب لنشر قصص الخيال العلمي في المجلة، بل ومنع «مؤلفيها» (إن جاز أن نسميهم كذلك) من التقديم في المجلة مرة أخرى، لكون الأعمال كلها مكتوبة عن طريق «تشات جي بي تي» بغرض الفوز بمبلغ الاستكتاب، ثم ما لبث أن ارتفع رقم المحظورين من النشر في المجلة إلى خمسمائة، إلى أن أغلق بوابة التقديم الإلكترونية وهو يتحسّر قائلًا إن تلك الآلات سهّلت إنتاج مئات الآلاف من الأعمال، في الوقت الذي قد يُنتِج فيه مؤلفٌ إنسان عملًا واحدًا أو اثنين، وشبّه الأمر بـ«غرفة ممتلئة بصراخ الأطفال الصغار، بشكل لا يمكّننا من سماع الأشخاص الذين نحاول الاستماع إليهم».
رفض كلارك مئات النصوص التي وصلتْه لأنها باردة ومفرطة الصنعة، ولا توفّر للقارئ الفائدة المرجوّة من القراءة التي لخّصها في حوارٍ له الكاتب الأمريكي جورج ساندرز (وهو بالمناسبة أحد الكتّاب الذين رفعوا في عام 2023 دعوى قضائية على شركة OpenAI لاستخدامها أعمالهم الأدبية لتدريب نماذجها اللغوية الكبيرة كـ(تشات جي بي تي). يقول ساندرز: «عندما أفتح كتابًا أدبيًّا، أريد أن أشعر بعقل إنسان معين يتأمل معنى الحياة. أريد أن أرى العالم، مثلًا، من خلال عيني «أليس مونرو» [الكاتبة الكندية الفائزة بنوبل عام 2013]. إنسانة بعينها، لها تجارب خاصة. وظيفتها أن تعمل بتلك التجارب، عبر الحرفة، حتى تتحدث حقائقها الخاصة إليّ، أنا، شخص مختلف في العقل والخبرة». ثم يصل ساندرز إلى زبدة القول: «الذكاء الاصطناعي لا يستطيع فعل ذلك، بحكم تعريفه - يمكنه أن يقدّم محاكاة جيدة لما فعله الآخرون، لكن إلى أن يتمكن الذكاء الاصطناعي من أن يمشي في شارع مغبرّ، شاعرًا بشيء ما بسبب الأشجار المتدلية، ثم يُدرك أنه متأخر على مقابلة عمل، ويصل إلى هناك وسرواله مغطّى بالغبار وهو يلهث قليلًا - لست متأكدًا من أي شيء يمكن أن يعلّمني إياه».
وإذن؛ لا شيء يمكن أن يعلمنا إياه الذكاء الاصطناعي مؤلِّفًا، ولا مُحرِّرًا أدبيًّا، سوى ما يحفظه بداخله من قواعد صارمة لنصوص تقليدية. هذا ونحن لم نطرح بعد سؤال النصوص المجنونة، النَزَّاعة للتجريب؛ أي تلك التي تكسر القواعد التقليدية للكتابة أو تُجرب أساليب جديدة في السرد، هل يستطيع المحرِّر الروبوت أن يفهمها ويُحيط بها؟ الجواب باختصار: لا، فهذه النوعية من النصوص تعتمد أحيانًا على كسر قواعد اللغة، أو التلاعب بالجُمَل والصيغ والإيقاع، وأحيانًا يعمد الروائي أو القاص إلى تقنيات التداخل الزمني، وتعدد الأصوات، أو السرد غير الخطي. ولأن حضرة المحرِّر «الاصطناعي» قد تدرّب على أنماط شائعة بعينها، فسيرى ما فعله المبدع هنا أخطاء ينبغي تصحيحها، وهو ما سيُفرغ النص من مضمونه.
قد يفترض أحد الأصدقاء جدلًا أنه مع مرور السنوات وامتلاء الذكاء الاصطناعي بملايين النصوص، وتعلّمه من أخطائه، سيصل في القدرة على التحرير الأدبي إلى حدٍّ مقنع. وفي الواقع، لا يمكن استبعاد هذه الفرضية، لكنّ سؤالًا أخلاقيًّا مُلِحًّا سيطل برأسه: لمن يُنسَب التحرير في هذه الحالة؟ إلى الآلة التي فعلت كل شيء؟ أم إلى الإنسان الذي حركها؟ ماذا لو تحذلق أحدهم وقال: «أنا الذي أصدرتُ الأوامر للآلة، ولذا فمن حقي أن أنسب هذا العمل لنفسي»؟! ألن نكون هنا أمام تضليل معرفي يمسّ جوهر مهنة المحرر الأدبي؟ ألن تُضعِف ممارسات كهذه من ثقة الجمهور في المحتوى الأدبيّ المقدَّم؟ ألن تُخلَق فجوة غير عادلة بين محررين حقيقيين يبذلون أرواحهم في النصوص، وآخرين كل ما فعلوه أنهم كبسوا زرًّا بأصابعهم؟ ألن يُمنح التقدير والإشادة، كما في نظام «إجادة»، لمن لم يبذل الجهد الحقيقي؟!
خلاصة القول إنه لا يُمكن إنكار ما للذكاء الاصطناعي من قدرات في التحرير الأدبي، وليست هذه نقطة الخلاف هنا، وإنما التساؤل حول ما إذا كان مؤهلًا ليحل محل إنسان ذي عقل وقلب وعينين قارئتين، وذي حدس وذكاء فطري قادر على الولوج إلى عمق النص وروحه. وإذا كانت الروائية الكندية مارجريت أتوود قد صرحت في أحد حواراتها أننا «لن نحصل أبدًا على مبدع أصيل من الذكاء الاصطناعي، لأنه مجرد جامع بيانات»، فإنه يمكننا أن نضيف إلى عبارتها باطمئنان أننا لن نحصل منه أيضًا على محرر أدبيٍّ أصيل. وإنه حتى وإن عَلا صراخ الأطفال الذين تحدث عنهم كلارك في غرفة العالم، فإنه ما من حلٍّ آخر أمامنا إلا أن نصيخ السمع جيدًا لأولئك الذين يستحقون منا الإصغاء.
سليمان المعمري إعلامي وكاتب وروائي عُماني