سوق العمل الأوكرانية بعد الحرب.. نحو مزيد من الضرائب والبطالة
تاريخ النشر: 30th, January 2024 GMT
كييف- لا تبشر بداية عام 2024 بأن اقتصاد أوكرانيا والأوكرانيين بخير على ما يبدو، فالسلطات تتجه نحو تبني إجراءات استثنائية قاسية تكيّف الاقتصاد مع حالة الحرب القائمة منذ نحو سنتين.
لم يكن الأمر ملحا قبل الآن، فأوكرانيا اليوم تقف أمام تحديات جمّة، أهمها عجز ميزانية يبلغ نحو 41 مليار دولار من أصل إجمالي يصل إلى 93 مليارا، منها 47 مليارا لقطاع الدفاع، وهذا يتوازى مع رغبة غربية واضحة بالحد من الدعم المقدم لكييف.
وفق تعبير وزير المالية، سيرهي مارتشينكو، "أولوية البلاد كسب الحرب مع روسيا، والاقتصاد الأوكراني، يجب أن يتحول إلى قضبان يسير عليها قطار الحرب".
وهكذا -بحسب الوزير- فإن على الأوكرانيين تغيير أولوياتهم في الحياة أيضا، وخفض مستوى استهلاك السلع والخدمات مرات عدّة، لا سيما المستوردة منها، لتوجه العملات الأجنبية حصرا إلى الجيش وقطاع الصناعات العسكرية.
وهنا يرى خبراء أن اقتصاد أوكرانيا يجب أن ينتقل إلى نموذج اقتصادات الدول المشاركة في الحرب العالمية الثانية، عندما تتخذ إجراءات توجه معظم الميزانية والناتج المحلي إلى الإنفاق العسكري.
يقول خبير الاقتصاد أندري يرمولايف، رئيس مركز "صوفيا" للدراسات "خلال الحرب العالمية الثانية، كان الإنفاق الحكومي على المؤسسة العسكرية يشكل 42% في الولايات المتحدة، و55% في المملكة المتحدة، و70% في ألمانيا، و74% في اليابان.
ويوضح للجزيرة نت أن هذا النموذج "طُبق في أوكرانيا أيضا منذ بداية عام 2023، بتخصيص نحو 50% من الميزانية، ولكنه يجب أن يكون مصحوبا بالحد من حجم الاستهلاك الشخصي، فالأمر مزيج من إستراتيجيات عدة، تشجع على الادخار، أو حتى تحظر استيراد بعض السلع دعما للاقتصاد المحلي".
ويتابع "على سبيل المثال، بين عامي 1943 و1945، لم يتمكن المستهلكون الأميركيون من شراء سيارات جديدة، أما في أوكرانيا اليوم، فكل شيء متوفر، والحياة عادت إلى طبيعتها في كثير من المدن، وكأن الحرب والتحديات لم تعد موجودة".
وبالتزامن مع ذلك، تلمّح وزارة المالية إلى إمكانية فرض "أنظمة ضريبية جديدة" خلال العام الجاري، أو في بداية 2025، تشمل الشركات العامة والخاصة على حد سواء.
يقول الخبير يرمولايف إن "هذه الأنظمة تعمل على توسيع القاعدة الضريبية، لتشمل أعدادا أكبر من عامة الناس الذين لا يدفعون ضرائب الدخل (نحو 18-22%)، ومنهم أولئك الذي يعملون بصفة غير رسمية في مكان ما أو أكثر، كما تزيد حجم الضرائب المفروضة على الشركات، وخاصة تلك التي تعتمد على الواردات الأجنبية، بما قد يصل إلى 90%".
ولهذا، يشير الخبير إلى أن "الأمر لن يكون سهلا على الجميع، فقد يسبب حالة من الغضب الشعبي، لأنه سيكون عبر آليات الرقابة على حجم ومصادر الحوالات البنكية، ثم إغلاقها أو مصادرتها، ومن ثم فرض قيود على أحجام الدخل، في مجتمع بات الفقراء يشكلون 60% منه بسبب الحرب، عوضا عن 39% قبلها".
ويضيف "البرلمان لم يتفق على أي مشروع أو فكرة طرحت بهذا الصدد؛ وفي النهاية، حتى الزيادة الهائلة في الإيرادات الضريبية لن تكون كافية لسد نفقات الحرب. في الواقع، معظم الحروب لا تُموّل من الضرائب فقط"، على حد قوله.
ويبدو أن الحكومة تستند في هذا التوجه إلى مؤشراتها الإيجابية لانتعاش الاقتصاد ونمو الدخل وتراجع أعداد العاطلين عن العمل في عام 2023.
وبحسب وزارة الاقتصاد، نما الناتج المحلي في أوكرانيا بنسبة 5% في عام 2023، بعد انخفاضه بنسبة 28.8% في عام الحرب الأول 2022، كما تراجعت نسب التضخم من 26 إلى 9% في الفترة ذاتها، وارتفع مستوى الدخل العام الماضي بنسبة وسطية تقدر بنحو 29%، ليصل إلى 19 ألف هريفنيا (نحو 500 دولار).
وكمؤشر على ذلك بالفعل، تشير بيانات موقع "العمل" الأوكراني (Work.ua) إلى زيادة واضحة في العروض، بنسب تصل إلى 174% في بعض المقاطعات، كما تشير خدمة التوظيف الحكومية إلى تراجع أعداد العاطلين عن العمل، من 295 ألفا في ديسمبر/كانون الأول 2021 (10.1%)، إلى 186.5 ألفا في ديسمبر/كانون الأول 2023 (9.1%).
ويشير الموقع أيضا إلى زيادة الطلب في أوكرانيا على المتخصصين، كما كان عليه الحال قبل الحرب، فنحو 18% من عروض العمل، اليوم، تخص شركات المعالجة الصناعية، و16% تخص مجال التجارة، و13% تخص التعليم، و9% للزراعة، و8% لمجال الرعاية الصحية، و7% للنقل وخدمات التوصيل البريدي، و7% للإدارة.
لكن جهات حكومية ومتخصصة أخرى ترى أن الأمر غير ذلك، فهو لا ينعكس على الواقع تحسنا، ويخفي حقائق تدفع للتشكيك بتلك الأرقام الحكومية المعلنة، لا سيما وأنها ترتبط بعوامل جديدة فرضتها الحرب.
يقول الخبير الاقتصادي يرمولايف "مع زيادة مستوى الدخل، ربما تراجعت نسب تضخم أسعار البضائع المحلية والخدمات الحكومية فعلا، لكن تضخم أسعار البضائع المستوردة قفز بنسب كبيرة لا تراعي الدخل، تتجاوز وسطيا 74%، وهذا ما تشهده أسعار الخضار والفواكه في الأسواق مثلا".
وفيما يتعلق بالبطالة، يقول دانيلو هيتمانتسيف، رئيس لجنة البرلمان الأوكراني للسياسة المالية والضريبية والجمركية "في الواقع، معدل البطالة الفعلي في أوكرانيا هو ضعف ما كان عليه في نهاية 2021، وليس العكس. الإحصاءات الرسمية لا تعكس أولئك الذين يتجنبون التعبئة في الجيش من خلال الالتحاق بأي عمل رمزي، وهذه ظاهرة باتت منتشرة".
كما يشير النائب إلى أن "الهجرة والنزوح دفعت ملايين الأوكرانيين إلى ترك العمل، والباحثون فعلا عن العروض والفرص هم كالسابق في كبريات المقاطعات، كمقاطعة كييف، التي تراجعت الفرص فيها إلى 79% مقارنة بما قبل الحرب، وخاركيف 40%، بينما زادت الفرص فعلا في فينيتسا إلى 125%".
وبالفعل، كان البنك الوطني الأوكراني توقع أن يصل معدل البطالة الحقيقي في البلاد مع نهاية 2023 إلى 19.1%، وفي عام 2024 إلى 16.5&، وفي عام 2025 إلى 14.2%.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی أوکرانیا فی عام
إقرأ أيضاً:
كيف يبدو الاقتصاد الروسي بعد 3 سنوات من الحرب والعقوبات؟
تدخل الحرب الروسية الأوكرانية عامها الرابع، وإن كان هذه المرة وسط حديث عن اقتراب بدء مفاوضات سلام لوقفها، حيث شكل اجتماع الرياض الأسبوع الماضي بين الوفدين الروسي والأميركي صافرة الانطلاق لها.
وبمعزل عن أي سيناريوهات لاحقة على هذا الخط، تعكف روسيا في هذه الأجواء على تعزيز مواقفها التفاوضية من خلال الجهود العسكرية والدبلوماسية، ولكن مع ذلك، تظل الجبهة الاقتصادية هي الأهم لاحتواء أي اختلالات داخلية.
رقم قياسيوأصبحت روسيا أكثر دولة تتعرض للعقوبات في التاريخ، بعد أن أطلقت في 23 فبراير/شباط 2022 ما سمتها بالعملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، لم يتردد الغرب في الرد عليها سريعا وفرض عقوبات واسعة النطاق على موسكو.
وشملت هذه العقوبات فرض قيود على القطاع المالي الروسي وعلى البنك المركزي وإخراج روسيا من معاملات سويفت بين البنوك وفرضت كذلك قواعد جديدة على السلع والخدمات في القطاعات الإستراتيجية للاقتصاد الروسي كالطاقة والطيران والشحن وغيرها.
كما طالت الضغوط دائرة واسعة من الأفراد، بما في ذلك مقربون من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إضافة إلى مؤسسات عسكرية، كمجموعة "فاغنر"، ورجال أعمال روس لديهم أصول في الدول الغربية وتعتبر الأوساط الغربية أنهم مرتبطون بالكرملين.
إعلانورغم أن الاقتصاد الروسي أظهر مرونة خلال السنوات الثلاث من الحرب في أوكرانيا والعقوبات الغربية، كما يؤكد مراقبون روس وحتى غربيون، فإن اقتراب الحرب من عامها الرابع يضع الاقتصاد أمام تحديات كبرى إن لم تتوقف.
وفي الوقت الذي يعترف فيه الخبراء الروس بوجود تداعيات مؤثرة للحرب على الأوضاع الاقتصادية داخل البلاد، إلا أنه يكاد يسود شبه إجماع لديهم أن سياسات الدولة نجحت مع ذلك في عدم وصوله إلى حالة الانهيار، بل والتعافي في كثير من المراحل والقطاعات، وأن الانخفاض في النشاط الاقتصادي كان أقل من المتوقع.
برهن وقف الحرببرأي الباحث في المعهد الأعلى للاقتصاد فلاديمير أوليتشينكو، قد يخيب الاقتصاد الروسي الآمال في عام 2025 إن لم يتم التوصل لحل دبلوماسي للصراع مع أوكرانيا.
ويشير في حديث للجزيرة نت إلى التحديات الرئيسية التي تواجه الاقتصاد الروسي خلال العام الحالي، وهي:
التضخم السنوي الذي بلغ 9.5% في عام 2024، مدفوعًا بالإنفاق العسكري والأمني المرتفع الذي من المتوقع أن يمثل 41% من إجمالي إنفاق ميزانية الدولة في عام 2025. تراجع إعانات الدولة على القروض. نمو الأجور المتصاعد وسط نقص العمالة.ووفقًا له، تسببت العقوبات بمشكلة الافتقار إلى الموردين المحليين القادرين على استبدال المعدات والمواد والمكونات المستوردة غير المتوفرة، والتي باتت بدورها إحدى المشاكل الرئيسية التي تواجه الصناعة الروسية، كما يتضح من المسح الذي أجراه معهد التنبؤ الاقتصادي التابع للأكاديمية الروسية للعلوم وأظهر أن 53% من الشركات تعاني من عدم وجود موردين بديلين في روسيا.
ومع ذلك، يؤكد أن الاقتصاد الروسي تكيف مع العقوبات بشكل أفضل مما توقعه المسؤولون والخبراء في بداية الأزمة، ورغم أن القيود واسعة النطاق لم تكن خالية من "الألم" لكن مع ذلك لم يحدث انهيار اقتصادي.
إعلانوكما يقول، فقد شهد الاقتصاد الروسي -رغم المعطيات السالفة- نموا في الناتج المحلي الإجمالي والاستثمار وكذلك في أحجام الصادرات والواردات، رغم القيود على القطاع المالي وسوق الأوراق المالية والصادرات والواردات والاحتياطيات الدولية، ورغم مغادرة الشركات العالمية للبلاد بأعداد كبيرة وانقطاع سلاسل التوريد.
من جانبه، يرى المختص بقضايا الاقتصاد الكلي، إيغور بلينكين، أن بعض القرارات التي اتخذها البنك المركزي، كمكافحة التضخم برفع أسعار الفائدة أدى إلى هامش ربحي لا يزيد عن 20% في معظم القطاعات وكذلك إلى تراجع الاستثمار.
ويشير للجزيرة نت بأن الأسعار المرتفعة تزيد من مخاطر إفلاس الشركات، وخاصة في القطاعات الضعيفة مثل العقارات، التي تضررت من التدابير الرامية إلى إبطاء الإقراض، بما في ذلك وقف دعم قروض الإسكان الحكومية.
ويضيف بأن استطلاعات الرأي تشير إلى أن التضخم بات يتصدر قائمة المشاكل الاقتصادية، حيث أظهرت أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل الزبدة والبيض والخضراوات ارتفاعا مزدوجًا في العام 2024، مما أثر على دخول الفئات الأكثر ضعفًا، مع انخفاض المعاشات التقاعدية الحقيقية بنسبة 0.7% خلال العام الماضي 2024.
في الوقت نفسه، يؤكد المتحدث أن الاقتصاد الروسي أظهر "معجزات التحمل" وأظهر قدرة على التكيف مع التحديات الجديدة.
ويدلل على ذلك بالقول بأنه رغم الأزمة، فإن روسيا نجحت في تجنب الفوضى المالية، وحافظت على تدفق عائدات النفط والغاز إلى الاقتصاد، والتي رغم أنها انخفضت إلى 5%، فإن هذا أقل مما كان عليه الحال خلال أزمة وباء كورونا.
ويوضح ذلك بأن موسكو تحركت بديناميكية عالية واتخذت تدابير لإعادة توجيه اقتصادها نحو التعاون مع الدول الصديقة، وبناء سلاسل لوجستية وإنتاجية بديلة، وإزالة الدولرة من الاقتصاد والتحول نحو استخدام الروبل و"العملات الصديقة" كوسيلة رئيسية للدفع.
إعلانويختم بأن الدروس المستفادة من العقوبات توجب على روسيا ليس فقط إعادة توجيه نفسها إلى مناطق أخرى فحسب، بل إعادة هيكلة جميع جوانب الاقتصاد، وإلا فإنها سوف تعيش وفق قواعد أولئك الذين يفرضون عليها العقوبات ويحاربون تجزئة النظام المالي العالمي- حسب تعبيره.