كييف- لا تبشر بداية عام 2024 بأن اقتصاد أوكرانيا والأوكرانيين بخير على ما يبدو، فالسلطات تتجه نحو تبني إجراءات استثنائية قاسية تكيّف الاقتصاد مع حالة الحرب القائمة منذ نحو سنتين.

لم يكن الأمر ملحا قبل الآن، فأوكرانيا اليوم تقف أمام تحديات جمّة، أهمها عجز ميزانية يبلغ نحو 41 مليار دولار من أصل إجمالي يصل إلى 93 مليارا، منها 47 مليارا لقطاع الدفاع، وهذا يتوازى مع رغبة غربية واضحة بالحد من الدعم المقدم لكييف.

وفق تعبير وزير المالية، سيرهي مارتشينكو، "أولوية البلاد كسب الحرب مع روسيا، والاقتصاد الأوكراني، يجب أن يتحول إلى قضبان يسير عليها قطار الحرب".

وهكذا -بحسب الوزير- فإن على الأوكرانيين تغيير أولوياتهم في الحياة أيضا، وخفض مستوى استهلاك السلع والخدمات مرات عدّة، لا سيما المستوردة منها، لتوجه العملات الأجنبية حصرا إلى الجيش وقطاع الصناعات العسكرية.

وزير المالية سيرهي مارتشينكو: على الأوكرانيين أن يقللوا من استهلاك السلع والخدمات (الجزيرة) نموذج حرب

وهنا يرى خبراء أن اقتصاد أوكرانيا يجب أن ينتقل إلى نموذج اقتصادات الدول المشاركة في الحرب العالمية الثانية، عندما تتخذ إجراءات توجه معظم الميزانية والناتج المحلي إلى الإنفاق العسكري.

يقول خبير الاقتصاد أندري يرمولايف، رئيس مركز "صوفيا" للدراسات "خلال الحرب العالمية الثانية، كان الإنفاق الحكومي على المؤسسة العسكرية يشكل 42% في الولايات المتحدة، و55% في المملكة المتحدة، و70% في ألمانيا، و74% في اليابان.

ويوضح للجزيرة نت أن هذا النموذج "طُبق في أوكرانيا أيضا منذ بداية عام 2023، بتخصيص نحو 50% من الميزانية، ولكنه يجب أن يكون مصحوبا بالحد من حجم الاستهلاك الشخصي، فالأمر مزيج من إستراتيجيات عدة، تشجع على الادخار، أو حتى تحظر استيراد بعض السلع دعما للاقتصاد المحلي".

ويتابع "على سبيل المثال، بين عامي 1943 و1945، لم يتمكن المستهلكون الأميركيون من شراء سيارات جديدة، أما في أوكرانيا اليوم، فكل شيء متوفر، والحياة عادت إلى طبيعتها في كثير من المدن، وكأن الحرب والتحديات لم تعد موجودة".

الخبير الاقتصاد أندري يرمولايف: عودة الحياة إلى طبيعتها وكأن الحرب أصبحت من الماضي- أوكرانيا (الجزيرة) أنظمة ضريبية جديدة

وبالتزامن مع ذلك، تلمّح وزارة المالية إلى إمكانية فرض "أنظمة ضريبية جديدة" خلال العام الجاري، أو في بداية 2025، تشمل الشركات العامة والخاصة على حد سواء.

يقول الخبير يرمولايف إن "هذه الأنظمة تعمل على توسيع القاعدة الضريبية، لتشمل أعدادا أكبر من عامة الناس الذين لا يدفعون ضرائب الدخل (نحو 18-22%)، ومنهم أولئك الذي يعملون بصفة غير رسمية في مكان ما أو أكثر، كما تزيد حجم الضرائب المفروضة على الشركات، وخاصة تلك التي تعتمد على الواردات الأجنبية، بما قد يصل إلى 90%".

ولهذا، يشير الخبير إلى أن "الأمر لن يكون سهلا على الجميع، فقد يسبب حالة من الغضب الشعبي، لأنه سيكون عبر آليات الرقابة على حجم ومصادر الحوالات البنكية، ثم إغلاقها أو مصادرتها، ومن ثم فرض قيود على أحجام الدخل، في مجتمع بات الفقراء يشكلون 60% منه بسبب الحرب، عوضا عن 39% قبلها".

ويضيف "البرلمان لم يتفق على أي مشروع أو فكرة طرحت بهذا الصدد؛ وفي النهاية، حتى الزيادة الهائلة في الإيرادات الضريبية لن تكون كافية لسد نفقات الحرب. في الواقع، معظم الحروب لا تُموّل من الضرائب فقط"، على حد قوله.

الخبير الاقتصاد أندري يرمولايف: الرقابة على الحوالات البنكية قد تسبب حالة من الغضب بين الشعب (رويترز) مؤشرات إيجابية

ويبدو أن الحكومة تستند في هذا التوجه إلى مؤشراتها الإيجابية لانتعاش الاقتصاد ونمو الدخل وتراجع أعداد العاطلين عن العمل في عام 2023.

وبحسب وزارة الاقتصاد، نما الناتج المحلي في أوكرانيا بنسبة 5% في عام 2023، بعد انخفاضه بنسبة 28.8% في عام الحرب الأول 2022، كما تراجعت نسب التضخم من 26 إلى 9% في الفترة ذاتها، وارتفع مستوى الدخل العام الماضي بنسبة وسطية تقدر بنحو 29%، ليصل إلى 19 ألف هريفنيا (نحو 500 دولار).

وكمؤشر على ذلك بالفعل، تشير بيانات موقع "العمل" الأوكراني (Work.ua) إلى زيادة واضحة في العروض، بنسب تصل إلى 174% في بعض المقاطعات، كما تشير خدمة التوظيف الحكومية إلى تراجع أعداد العاطلين عن العمل، من 295 ألفا في ديسمبر/كانون الأول 2021 (10.1%)، إلى 186.5 ألفا في ديسمبر/كانون الأول 2023 (9.1%).

ويشير الموقع أيضا إلى زيادة الطلب في أوكرانيا على المتخصصين، كما كان عليه الحال قبل الحرب، فنحو 18% من عروض العمل، اليوم، تخص شركات المعالجة الصناعية، و16% تخص مجال التجارة، و13% تخص التعليم، و9% للزراعة، و8% لمجال الرعاية الصحية، و7% للنقل وخدمات التوصيل البريدي، و7% للإدارة.

نمو الناتج المحلي في أوكرانيا بنسبة 5% حسب وزارة الاقتصاد (رويترز) تضخم وبطالة

لكن جهات حكومية ومتخصصة أخرى ترى أن الأمر غير ذلك، فهو لا ينعكس على الواقع تحسنا، ويخفي حقائق تدفع للتشكيك بتلك الأرقام الحكومية المعلنة، لا سيما وأنها ترتبط بعوامل جديدة فرضتها الحرب.

يقول الخبير الاقتصادي يرمولايف "مع زيادة مستوى الدخل، ربما تراجعت نسب تضخم أسعار البضائع المحلية والخدمات الحكومية فعلا، لكن تضخم أسعار البضائع المستوردة قفز بنسب كبيرة لا تراعي الدخل، تتجاوز وسطيا 74%، وهذا ما تشهده أسعار الخضار والفواكه في الأسواق مثلا".

وفيما يتعلق بالبطالة، يقول دانيلو هيتمانتسيف، رئيس لجنة البرلمان الأوكراني للسياسة المالية والضريبية والجمركية "في الواقع، معدل البطالة الفعلي في أوكرانيا هو ضعف ما كان عليه في نهاية 2021، وليس العكس. الإحصاءات الرسمية لا تعكس أولئك الذين يتجنبون التعبئة في الجيش من خلال الالتحاق بأي عمل رمزي، وهذه ظاهرة باتت منتشرة".

كما يشير النائب إلى أن "الهجرة والنزوح دفعت ملايين الأوكرانيين إلى ترك العمل، والباحثون فعلا عن العروض والفرص هم كالسابق في كبريات المقاطعات، كمقاطعة كييف، التي تراجعت الفرص فيها إلى 79% مقارنة بما قبل الحرب، وخاركيف 40%، بينما زادت الفرص فعلا في فينيتسا إلى 125%".

وبالفعل، كان البنك الوطني الأوكراني توقع أن يصل معدل البطالة الحقيقي في البلاد مع نهاية 2023 إلى 19.1%، وفي عام 2024 إلى 16.5&، وفي عام 2025 إلى 14.2%.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی أوکرانیا فی عام

إقرأ أيضاً:

محافظ القليوبية: العودة لقانون البناء 119 يسهم في تنمية الاقتصاد المحلي

عقد المهندس أيمن عطية محافظ القليوبية، ورشة عمل لشرح إجراءات تنفيذ القرار رقم 943 لسنة 2024 بشأن إلغاء الاشتراطات التخطيطية والبنائية الصادرة في مارس 2021، والعودة إلى العمل بأحكام قانون البناء رقم 119 لسنة 2008 ولائحته التنفيذية، بما يساهم في تبسيط الاشتراطات خاصة التي تعيق إصدار تراخيص البناء.

يأتي هذا تنفيذا لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي باستكمال الجهود المبذولة التي قامت بها وزارة التنمية المحلية، بالتنسيق والتعاون مع بعض الوزارات المعنية وجهات الدولة ذات الاختصاص بمنظومة وتراخيص البناء والاشتراطات البنائية والتخطيطية المعمول بها بالمدن المصرية، وما نتج عنها من اختصار إجراءات استخراج رخصة البناء في المدن لتصبح 8 إجراءات بدلا من 15 خطوة تسهيلاً وتيسيرا على المواطنين في جميع المحافظات.

تخفيف العبء عن المواطنين 

وأشار محافظ القليوبية إلى أن ذلك القرار سيساهم في تخفيف العبء على المواطنين ويسهل الإجراءات الخاصة باستخراج تراخيص البناء ويساهم في تشجيع منظومة العمران التي ترتبط بالعديد من المهن الخاصة بصناعة البناء، بالإضافة إلى توفير المزيد من فرص العمل للعاملين في هذا المجال وإتاحة المزيد من فرص العمل التجارية وتنمية الاقتصاد المحلي بمختلف المحافظات.

الاشتراطات التخطيطية والبنائية

وأكد المحافظ أنه تم إلغاء الاشتراطات التخطيطية والبنائية الصادرة في مارس 2021 والعودة للعمل بأحكام قانون البناء 119 لسنة 2008 ولائحته التنفيذية، حيث قامت الدولة بتعديل المادة 110 مكرر و112 مکرر و117 مكرر، ليتم تطبيقها من خلال الالتزام بالارتفاعات المحددة بالاشتراطات الواردة بالمخططات الاستراتيجية والتفصيلية وضوابط واشتراطات التقاسيم المعتمدة وخطوط التنظيم والسماح بالنشاط التجاري والإداري بالدورين الأرضي والأول علوي بالمباني السكنية الواقعة على الطرق التي تزيد عرضها عن 10 أمتار.

وأضاف المحافظ أنه تم إلغاء العمل بالعقد المشهر والرجوع إلى سند الملكية، كما ورد بقانون 119 / 2008، كما تم إلغاء العمل مع وحدة الطابع الخاص «الجامعة»، والرجوع إلى صدور الترخيص من الإدارة الهندسية التابع لها الترخيص المطلوب، أما بالنسبة لارتفاعات المباني والمنشآت التي تزيد عن دور و4 أدوار علويه يقوم المركز التكنولوجي المختص بإحالة الملف بمشتملاته إلى إدارة التراخيص والتفتيش والمتابعة.

مدة صدور التراخيص

وتابع المحافظ، أنه تم تحديد مدة صدور الترخيص ليكون بيان الصلاحية مدته 20 يوما ويتم تحديد 15 يوما للرفع المساحي و5 أيام لإصدار البيان، كما أن الترخيص مدته 26 يوما في الحالات التي لا تلزم فيها تقديم وثيقه تأمين، و40 يوما في الحالات التي يلزم فيها وثيقه تأمين.

مقالات مشابهة

  • العمل: إطلاق رواتب المتقاعدين من العمال المضمونين لشهر تشرين الأول
  • في يوم التوحيد.. ماذا قال بوتين عن الحرب الأوكرانية؟
  • تحديات اقتصادية تواجه تل أبيب.. هل تستطيع تمويل حرب على جبهتين؟
  • كيف يسير بايدن نحو الحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط؟
  • محافظ القليوبية: العودة لقانون البناء 119 يسهم في تنمية الاقتصاد المحلي
  • حرب روسيا ـ أوكرانيا.. حتمية التقسيم للخروج من الأزمة أو خسارة الطرفين (2من2)
  • حرب روسيا ـ أوكرانيا.. حتمية التقسيم للخروج من الأزمة أو خسارة الطرفين (2 من 2)
  • زيلينسكي يلتقي ترامب في نيويورك ويقول إنهما متفقان على أن “بوتين لا يستطيع الفوز” في أوكرانيا
  • ترامب لزيلينسكي: أوكرانيا "مرت بجحيم"
  • ترامب يتعهد لزيلنسكي بإنهاء الحرب بين أوكرانيا وروسيا