أبو الأعلى المودودي عالم ومفكر وداعية باكستاني، من أبرز أعلام البعث الإسلامي في الهند، ورائد من رواد الصحوة الإسلامية. أسس الجماعة الإسلامية يوم 25 أغسطس/آب 1941، عاش تجربة السجن وحكم عليه بالإعدام. بلغ صيته العالم وبصم تاريخ الحركة الإسلامية بدعوته، وتجاوزت مؤلفاته 100 كتاب، توفي سنة 1979.

المولد والنشأة

ولد أبو الأعلى المودودي في 24 سبتمبر/أيلول 1903 في مدينة أورنك آباد بمقاطعة حيدر آباد، ونشأ في أسرة متدينة صوفية تنتمي للشيخ قطب الدين مودود الجشتي، مؤسس الطريقة الجشتية في الهند.

عمل أبوه أحمد حسن بالمحاماة وكانت والدته ربة بيت.

التعليم والتكوين العلمي

رفض والده تعليمه بالمدارس الإنجليزية في إطار مواجهته حكم الاستعمار البريطاني للهند ونظامه التعليمي والتربوي، فكان مُدَرِّسَه الأول، منه تعلم العربية والقرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف والفقه، والتاريخ واللغة الفارسية والأوردية.

واصطحبه معه إلى مجالس أصدقائه من العلماء والمثقفين والمتدينين. وعن ذلك يقول المودودي "كان والدي يأخذني معه دائما عند رفاقه، وكُلُّهم على درجة عالية من الثقافة والاتزان، فانتقلت إليّ من مجالستهم العادات الفاضلة الحسنة".

ونظرا لتميزه وتفوقه، التحق مباشرة بالمدرسة الثانوية في أورنك آباد ثم المدرسة العليا. التحق بوالده في حيدر آباد بعد مرضه لخدمته إلى أن توفي عام 1919، ولم يتجاوز حينها الـ16 من عمره. واضطرته الظروف الاجتماعية إلى العمل محررا بمجلة التاج في مدينة بجنور، وبعدما أغلقتها السلطات عمل مع جمعية إعانة وغوث المسلمين.

وانتقل المودودي بعدها إلى دلهي وأصدر برفقة مدير جمعية علماء الهند جريدة "المسلم" التي تولى فيما بعد إدارة تحريرها.

واستثمر فرصة إقامته بدلهي بين 1921و1928 للتعمق في الثقافة الإسلامية، بعدما التقى نخبة من أهل العلم، فدرس علوم العربية والآداب والتفسير والحديث، وحفظ موطأ الإمام مالك، وتعمق في الفقه والأصول.

كما تعلم المودودي الإنجليزية، واطلع على الأدب الإنجليزي والعلوم الاجتماعية الغربية، واجتاز امتحان "مولوي" الذي يعادل الليسانس (البكالوريوس).

وواصل قراءة الكتب والإقبال على المعرفة، ويقول عن ذلك "من عام 1929 إلى 1939 أفرغت عددا من خزانات الكتب والمراجع في ذهني، استعدادا للمهمة الجديدة، مهمة الدعوة إلى الإسلام في عصر مليء بالأفكار والتيارات ويفرض على الداعية أن يتزود بزاد كمي علمي، وأن يحظى بعصا من البرهان يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه، ويحقق بها المآرب الأخرى".

التجربة المهنية

عمل المودودي محررا صحفيا وهو في سن 16 في أسبوعية "المدينة" ثم محررا بمجلة "التاج" الأسبوعية في بجنور، وفي سن 19 أصبح المحرر الأول بالمجلة -التي تحولت إلى جريدة يومية- وكتب فيها مقالات سياسية دافعت عن فكرة إحياء الخلافة الإسلامية، الأمر الذي عرضه للمحاكمة والجريدة للإيقاف.

واشتغل بعد ذلك في جريدة "المسلم" التي صدرت باسم جمعية علماء الهند منذ تأسيسها، وتولى لاحقا إدارة تحريرها.

المودودي بدأ حياته المهنية محررا صحفيا (مواقع التواصل)

وعام 1924 صدرت جريدة "الجمعية" ورأس المودودي تحريرها حتى عام 1948. وأشرف في هذه المرحلة على تحرير مجلة "ترجمان القرآن" التي صدرت عام 1932 في حيدر آباد.

وكان من أبرز الأعضاء المؤسسين لرابطة العالم الإسلامي، وصاحب فكرة إنشاء الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وتم تعيينه عضوا في مجلسها بعدما أصبحت حقيقة على أرض الواقع.

المسار الدعوي والسياسي

في ظل هيمنة الاستعمار البريطاني على مفاصل الحياة بالهند، اهتم المودودي في سن مبكرة بالشأن السياسي والاجتماعي، وانعكس ذلك في مقالاته وهو لم يجاوز سن 16. وزاد اهتمامه بشكل أكبر لما انتقل إلى دلهي، والتقى كبار جمعية علماء الهند، وعلى رأسهم مفتي الديار الهندية الشيخان "كفاية الله" و"أحمد سعيد" وكانا من كبار جمعية العلماء بالهند، واحتك بحركة "المحافظة على الخلافة العثمانية" التي انطلقت سنة 1919 وكان قلمها والمدافع عنها في مقالاته.

وانشغل بمشكلة التصادم بين المسلمين والهندوس لا سيما بعد أحداث عام 1926، حيث اتهم غاندي الإسلام بأنه دين عنف وأنه انتشر بالسيف. وتمنى محمد علي جوهر حينها في خطاب له بالجامع الكبير في دلهي أن يفند أحد من المسلمين اتهامات الهندوس وافتراءاتهم على الإسلام. ولم يكن هذا الشخص سوى المودودي الذي جمع ما كتبه من مقالات في الموضوع في كتاب بعنوان "الجهاد في الإسلام".

وأصدر عام 1932 مجلة "ترجمان القرآن" التي قامت بدور كبير في إشعاع الحركة الإسلامية والثقافة الإسلامية بالقارة الهندية، وكانت منبرا للمودودي وعدد من أعلام الفكر والدعوة بالقارة المذكورة، كما كانت منارا للثقافة الإسلامية.

وعن طريق المجلة تعرَّف على الشاعر والمفكر محمد إقبال الذي استطاع إقناعه بالانتقال إلى لاهور في إقليم البنجاب عام 1938، ليتعاونا في النشاط الفكري والدعوي والسياسي، ومساندة مسلمي الهند.

وأسس عام1941 الجماعة الإسلامية بمدينة لاهور، وانتخب في 26 أغسطس/آب من العام نفسه أميرا لها.

وانشغل بعد ذلك بالدعوة ومسؤوليات الجماعة، وعمل محاضرا شرفيا بكلية "حماية الإسلام" في لاهور لمدة عام كامل. وقد ألقى محاضرات وشارك في مؤتمرات علمية في كل أرجاء العالم.

وأعلنت هذه الجماعة -التي تعتبر ثاني أكبر الجماعات الإسلامية في العالم بعد جماعة الإخوان المسلمين- أنها تعد الإسلام منهج حياة للمسلمين وليس مجرد شعائر تعبدية وعاطفة وانتماء ديني متوارث، وأكدت اعتمادها مبادئ الإسلام دستورا لحياة الإنسان المسلم، واتخاذ الشريعة الإسلامية دستورا للبلاد، واعتبرت أن الدعوة الإسلامية سعت لتحقيق هدفين:

الأول تطبيق الشريعة الإسلامية في مجمل أراضي باكستان. الثاني مواجهة تيار التغريب والأيديولوجيات الوافدة.

وباتت الجماعة الإسلامية في مواجهة سياسية مع التيار القومي واليسار والعلمانيين الذين تحالفوا في "حزب الشعب".

وخاضت الجماعة تجربة نضال مشترك مع حزب الرابطة الإسلامية بقيادة محمد علي جناح، وقادا معا بدعم من المفكر إقبال كفاح المسلمين ضد الاضطهاد الطائفي الهندوسي حتى حدث تقسيم الهند، وأعلن في 28 أغسطس/آب 1947 قيام دولة باكستان.

ولم تمض 5 أشهر على قيام هذه الدولة الوليدة حتى ألقى المودودي خطابا في كلية الحقوق في لاهور، طالب فيه ببناء النظام الباكستاني على أساس القانون الإسلامي، وأعاد التأكيد على المطلب في عدد من خطاباته، ومنها خطابه في اجتماع عامّ بكراتشي في مارس/آذار 1948.

وتضايقت الحكومة من توسع مطلبه بين الناس، فاعتقلته يوم 4 أكتوبر/تشرين الأول 1948 مع عدد من قيادات وأعضاء الجماعة، ولم تفرج عنهم إلا يوم 28 مايو/أيار 1950.

واعتقل المودودي مرة أخرى بعد أحداث عنف طائفي في لاهور يوم 28 مارس/آذار 1953، وأصدرت المحكمة العسكرية يوم 11 مايو/أيار من العام نفسه حكما بإعدامه بتهمة التأجيج الطائفي.

وطلب منه تقديم طلب عفو يتضمن الإقرار بالذنب لكنه رفض. وأمام الضغط الشعبي وأنصار الجماعة والمتعاطفين معها، ومناشدات علماء كبار من العالم الإسلامي للسلطات الباكستانية، خُفِّف الحكم إلى السجن مدى الحياة، وبعد ذلك أُسقط نهائيا بالعفو وأفرج عنه عام 1955.

وصدر الدستور الإسلامي في باكستان يوم 23 مارس/آذار 1956، ودعا المودودي إلى العمل به على الرغم مما سجل حوله من نقائص، بل قامت الجماعة الإسلامية بالدعاية له وشرح نصوصه وأحكامه.

وبعد سنوات قليلة، تم إعلان دستور جديد عام 1963، فهاجم المودودي السلطات العسكرية في مقال بمجلته "ترجمان القرآن" فردت عليه بإصدار قرار حظر نشاط الجماعة الإسلامية وإعلامها، واعتقاله والعشرات من قيادات الجماعة يوم 6 يناير/كانون الثاني 1964، لكن المحكمة العليا أبطلت الحظر والاعتقال معا، وأُفرج عن الجميع في أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه.

ودعا المودودي مع آخرين عام 1967 إلى تشكيل ائتلاف حزبي باسم "الحركة الديمقراطية الباكستانية" لمواجهة السعي لتحجيم الإسلاميين. ولم ينجح حرصه على تجنب المواجهة والصدام بين القوى الإسلامية ومعارضيها، لكنه حدث وانتهى بانتصار الإسلاميين، الأمر الذي دفع السلطة لإعلان الأحكام العرفية في مارس/آذار 1968، حيث تمت مهاجمة مقرات الجماعة في لاهور، واعتقل المودودي مجددا وأفرج عنه بعد شهرين.

ونددت جماعته بعد الانتخابات في مارس/آذار 1977 بالبرنامج الاشتراكي لرئيس الوزراء ذو الفقار علي بوتو، لكن الأخير اضطر أمام ضغط تحالف التيار الإسلامي والمحافظين لإصدار تشريعات بصبغة إسلامية من قبيل إقرار يوم الجمعة إجازة أسبوعية، ومنع الخمور والقمار وسباق الخيل، وحظر النوادي الليلية، لكن ذلك لم يقنع الجماعة وعزمت على الإطاحة به وبنظامه، وعلى الرغم من إعلانه وعدا بتطبيق الشريعة الإسلامية خلال 6 شهور، لم تتوقف المظاهرات التي انتهت بانقلاب ضياء الحق عام 1977.

المؤلفات

تجاوزت مؤلفاته 100 كتاب، شملت موضوعات وقضايا مختلفة في العقيدة والمعاملات والفكر والتفسير والسياسة والاقتصاد وعدد من القضايا المعاصرة، ومنها:

تفهيم القرآن- وهو تفسير للقرآن الكريم المصطلحات الأربعة في القرآن مبادئ الإسلام نحن والحضارة الغربية مفاهيم إسلامية حول الدين والدولة نظام الحياة في الإسلام ومبادئه الأساسية معضلات الإنسان الاقتصادية وحلها في الإسلام أسس الاقتصاد بين الإسلام والنظم المعاصرة الحجاب نظام الحياة في الإسلام الإسلام والمدنية الحديثة تاريخ الدعوة الإسلامية في الهند وباكستان الدكتور محمد عمارة ألف كتابا عن المودودي (الجزيرة)

وقد أُلفت عن المودودي عدد من الدراسات والكتب منها:

أبو الأعلى المودودي حياته وفكره العقدي، حمد بن صادق الجمال. أبو الأعلى المودودي والصحوة الإسلامية، محمد عمارة. الجوائز

كان أول من حصل على جائزة الملك فيصل العالمية في خدمة الإسلام عام 1979 تقديرا لجهوده وتضحياته في خدمة الإسلام، وقد تبرع بها لخدمة الإسلام.

الوفاة

بعدما ساءت حالة المودودي الصحية جراء معاناته مع أمراض الكلى والقلب، اضطر للسفر للعلاج بالولايات المتحدة حيث كان يعمل ابنه الثاني طبيبا، وتوفي في نيويورك يوم 22 سبتمبر/أيلول 1979 عن عمر ناهز 75 عاما. وصُلِّيَ على جثمانه في المحطات التي مرَّ عليها من الولايات المتحدة إلى باكستان.

قالوا عنه

ترك المودودي أثرا في الحركة الإسلامية بالعالم الإسلامي وعدد من رموزها من خلال مسيرته السياسية ومؤلفاته الكثيرة، وعدَّه عدد من المستشرقين من أكبر المفكرين الإسلاميين في العصر الحديث ومُنَظِّرا لما يصطلحون عليه "الإسلام السياسي".

ووصفته الصحيفة الأميركية "نيويورك هيرالد تربيون" بأنه "رجل سياسة من صميم القلب وعدو لدود للشيوعية" واتهمه خصومه من الشيوعيين واليساريين والعلمانيين بأنه "مرجع الفكر التكفيري والفكر الشمولي".

وقال عنه الشيخ أبو الحسن الندوي "لا أعرف رجلا أَثَّرَ في الجيل الإسلامي الجديد فكريا وعمليا مثل المودودي، فقد قامت دعوته على أسس علمية، أعمق وأمتن من تلك التي تقوم عليها الدعوات السياسية، أو ردود الفعل ضد الاستعمار الأجنبي".

ويضيف أن كتابات المودودي وبحوثه "موجهة إلى معرفة طبيعة الحضارة الغربية، وفلسفتها في الحياة وتحليلها تحليلا علميا، قلما يوجد له نظير في الزمن القريب" وقال "لقد عرض الإسلام ونظم حياته وأوضاع حضارته وحكمة سياسته وصياغته للمجتمع والحياة، وقيادته للركب البشري والمسيرة الإنسانية في أسلوب علمي رصين، وفي لغة عصرية تتفق مع نفسية الجيل المثقف، وتملأ الفراغ الذي يوجد في الأدب الإسلامي منذ زمن طويل".

ووصفه الراحل الشيخ يوسف القرضاوي بأنه "المفكر المجدد، صاحب النظر العميق، والتحليل الدقيق، ناقد الحضارة الغربية على بصيرة، والداعي إلى نظام الإسلام على بينة، صاحب الكتب والرسائل التي ترجمت إلى عشرات اللغات، الذي وقف في وجه دعاة التغريب وأعداء السنة".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الجماعة الإسلامیة الإسلامیة فی فی الإسلام مارس آذار فی الهند فی لاهور عدد من

إقرأ أيضاً:

الرهانات الخاطئة على فشل الإسلام السياسي

منذ نشوء وصعود الإسلام السياسي في المجال العربي الإسلامي تعرض إلى حملة مادية ورمزية عنيفة منسقة وممنهجة من القمع والاحتواء، وخضعت الحركات الإسلامية على مدى عقود إلى عمليات نزع شرعية قاسية من الاستئصال والاستبعاد، وخضع حقل دراسات الإسلام السياسي إلى مقاربة استشراقية وثقافوية وأمنية غير تفهمية؛ بهدف تشويه وتسفيه خياراته الأيديولوجية والسياسية والأخلاقية، وجرى حبسه في سجن المقاربة الجوهرانية الماهوية، وحُشر في سياق هوية متطرفة عنيفة على يد خبراء مزعومين وموظفين مخلصين لأجندة الإمبريالية الغربية والاستعمارية الصهيونية والسلطوية العربية؛ بقصد إخضاع حركات الإسلام السياسي وتطويعه وفرض الهيمنة والسيطرة على أفكاره وممارساته.

منذ صدور كتاب الباحث الفرنسي أوليفييه روا "فشل الإسلام السياسي" في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، باتت مقولة "فشل الإسلام السياسي" وأفوله ونهايته ثيمة راسخة في التعاطي مع الحركات والأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، وهي نبوءة سياسية رغبوية لا تستند إلى أدنى درجات المعرفة العلمية، فقد أخقفت في كافة مراحل صعود الإسلام السياسي. فلم تفشل الحركات الإسلامية قي أي اختبار ديمقراطي حقيقي، وتعرضت لعمليات قمع واستئصال عنيقة وقاسية من خلال أجهزة الدولة الاستبدادية القمعية العسكرية والقانونية. ففي كل مرة حصلت فيها حركات الإسلام السياسي على ثقة الشارع بانتخابات ديمقراطية نزيهة تم قمعها بعنف عسكري وقانوني، وبدعم ومباركة من المركزية الإمبريالية الغربية والاستعمارية الصهيونية.

ومنذ تسعينيات القرن الماضي كانت حركات الإسلام السياسي رغم عمليات القمع والاحتواء تعود أقوى من السابق، وشكلت محطة الانتفاضات العربية مختبرا لإخفاق نبوءات الفشل والأفول. وفي زمن "طوفان الأقصى" برهن الإسلام السياسي عن استحالة إزاحته وإعلان موته، فقد برهنت حركة حماس عن وهم الصهيونية بالقضاء عليها، وفي غفلة عن التحولات الجيوبوليتيكية أصبحت سوريا في قبضة الإسلام السياسي وتخلصت من حكم استبدادي عربي وحشي، وكانت حركة طالبان قد أحكمت قبضتها على أفغانستان قبل ذلك ودحرت الولايات المتحدة وواجهضت الحلم الإمبريالي.

تكشف التحولات العميقة التي عصفت في بنية النظام الدولي عن بوادر هزيمة استراتيجية للثلاثي الإمبريالي والصهيوني والاستبدادي في ثلاث مناطق جيوسياسية مركزية (أفغانستان وفلسطين وسوريا) عن طريق الإسلام السياسي، على اختلاف توجهاته الأيديولوجية، وهو ما دفع بثلاثي القهر العالمي إلى استخدم العنف المفرط للحيلولة دون تحقيق نصر كامل للإسلام السياسي
تكشف التحولات العميقة التي عصفت في بنية النظام الدولي عن بوادر هزيمة استراتيجية للثلاثي الإمبريالي والصهيوني والاستبدادي في ثلاث مناطق جيوسياسية مركزية (أفغانستان وفلسطين وسوريا) عن طريق الإسلام السياسي، على اختلاف توجهاته الأيديولوجية، وهو ما دفع بثلاثي القهر العالمي إلى استخدم العنف المفرط للحيلولة دون تحقيق نصر كامل للإسلام السياسي، وهو ما يتزامن مع صعود منظورات دول الحضارة وبروز التعددية القطبية، حيث يشهد العالم تحولا في النظام العالمي من نظام عمودي، حيث يكون الغرب فوق البقية، إلى نظام أفقي، حيث يكون الغرب والبقية على قدم المساواة مع بعضهم البعض من حيث الثروة والقوة والأفكار. وشكلت حرب الإبادة في غزة مختبرا لثلاثي القهر ونهاية سردية الحضارة والبربرية، فبدلا من الدفاع عن القيم العالمية كالديمقراطية وحقوق الإنسان، انتهت الأحادية إلى الدفاع عن أسلوب حياة أحادي ضد كل البدائل المتعددة.

إن العداء للإسلام السياسي يعبر عن حالة الهلع والفوبيا من عودة منظورات دول الحضارة التي ترتكز على الهوية الحضارية، والالتزام بالرموز الثقافية الموروثة من أجيال وأجيال من الأجداد، والمتجذرة في هوية الشعوب الذاتية، إذ يشير مصطلح الإسلام السياسي إلى الأفكار والحركات التي تسعى لتأسيس كينونة تناهض المنظومة الإمبريالية والحركة الصهيونية والأنظمة الاستبدادية.

وتهدف حركات الإسلام السياسي على المدى المنظور والبعيد إلى إقامة "نظامٍ إسلامي" يتمثّل في دولة تُحكَم بالشريعة وتفرض القوانين الأخلاقية الخاصة بها في المجتمعات الإسلامية، وما حصل في العالم العربي من إخفاق مؤقت لهذه الحركات هو فشل لنوع من نضالات الإسلام السياسي؛ حين تخلى عن أهدافه النهائية واندمج في إطار دولة سلطوية استبدادية تتناقض في أبسط تعريفاتها مع مفاهيم الحكم الإسلامي الجيد.

وبهذا فإن فشل الإسلام السياسي هو فشل تكتيكي في إطار حدود اللعبة السلطوية المحسوبة دون ديمقراطية حق، فالحرب الشاملة على حركات الإسلام السياسي هي نتاج حقد وكراهية متأصلة خشية ظهور كينونة مسلمة مخِلة بالنظام العالمي الموجود، ليس من حيث الأمن أو الثقافة فقط، بل كذلك من حيث الفلسفة. وإن ظهور كثير من الأفعال السياسية باسم الإسلام يمكن وصفها بطريقة مفيدة باعتبارها الإسلام السياسي. وقد تمّ وسم ظهور الإسلام السياسي بتطوّرين: إزاحة الغرب عن المركز، والمحاولة المتصاعدة في شدّتها لإيقاف تلك الإزاحة عن المركز عبر إعادة تقرير تفوّق البيض.

يبدو أن الخوف من عودة حركات الإسلام السياسي كفاعل في المجال السياسي العربي منطقيا عقب عملية "طوفان الأقصى" المباغتة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 التي شنتها كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، داخل المعسكرات والمستوطنات الإسرائيلية في غلاف قطاع غزة المحتل، وكانت حركة طالبان قبل ذلك بعام قد فرضت واقعا مختلفا في أفغانستان وهزمت الولايات المتحدة. وقد برهنت "حماس" على قدرة الإسلام السياسي على المخاطرة والمغامرة في ظل انسداد أفق الحل السياسي العادل، وأن الاستقرار المبني على جبروت القهر وغطرسة القوة مجرد وهم لا يحقق الأمن، ولا يتمتع بالشرعية والمشروعية. وسرعان ما أطاحت هيئة تحرير الشام بعد عام من عملية "طوفان الأقصى" بنظام استبدادي عربي وحشي.

فعملية "طوفان الأقصى" عصفت بركائز الأمن القومي الإسرائيلي وعقيدة الردع الاستعمارية، وهزت أركان النظام الدولي المبني على الهيمنة الأمريكية الأحادية، وأصبح النظام الاستبدادي العربي ما بعد استعماري في حالة شك وفقدان الثقة بمستقبله، وسرعان ما صدرت تحذيرات عالمية وإقليمية ومحلية واسعة من خطر صعود حركات الإسلام السياسي في المنطقة، والترهيب من موجة جهادية عالمية جديدة تهدد الاستقرار العالمي والإقليمي.

إن حالة الرعب التي دبت في أوصال النظام الاستبدادي المبني على القهر من موجة ثالثة لصعود حركات الإسلام السياسي تقوم على الخشية من تشكّل نموذج جديد على شاكلة "حماس"، فلا جدال في أن حركة "حماس" ترتبط تاريخيا وأيديولوجيا بحركات الإسلام السياسي، لكنها تختلف عن الحركات الإسلامية الأخرى بخصوصية العمل في نطاق حكم استعماري. وقد تطورت "حماس" من حركة إحيائية دعوية إصلاحية إلى حركة مقاومة إسلامية عسكرية، وهي تجمع بين العمل الديني الإصلاحي الدعوي والاشتغال السياسي والمدني والعسكري. وهي حركة مقاومة وطنية إسلامية سياسية جهادية تحصر نطاق عملها العسكري بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي على أرض فلسطين، وتؤمن بنهج إصلاحي تدريجي في تطبيق المبادئ الإسلامية والحكم، ولذلك تمتعت "حماس" بحكم صلاتها التاريخية والأيديولوجية بالإخوان المسلمين؛ بالدعم والتأييد من كافة حركات الإسلام السياسي المنبثقة من الإخوان.

يتأسس الخوف من ظهور نمط جديد من حركات الإسلام السياسي من الخشية من نجاح حركة "حماس" في فرض نفسها وعدم القدرة على هزيمتها وتجاوزها في أي حل مستقبلي للقضية الفلسطينية، وهو ما يؤذن بتدشين نموذج إرشادي جديد وملهم لحركات الإسلام السياسي التي فشلت في خلق جاذبية كافية لإحداث اختراق في النظام الاستبدادي العربي الما بعد استعماري. فالنموذج الجديد الذي تقدمه "حماس" يجمع بين التقاليد الخطابية الإسلامية والتأويلات الواقعية المجسدة، إذ لم تتخل حماس عن هويتها الدينية الإسلامية، وإنما أعادت تعريفها هويتها نتيجة تطور نظرتها العالمية المتغيرة، ولم تستبدل معجمها الديني الإسلامي وحقلها الدلالي، وإنما أضافت إليه مفردات من المعجم القومي الحداثي، لتوسع مجال الخطاب إلى مجال تداولي أشمل، وهو ما فشلت فيه حركات الإسلام السياسي في اختبارات عدة.

في زمن الاستقرار في ظل الهيمنة الأحادية الأمريكية بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 أصبح العداء للإسلام السياسي بضاعة رائجة في ظل عولمة "الإسلاموفوبيا" صناعة إمبريالية غربية رائجة، وبات مصطلح الإرهاب يكافئ دين الإسلام، وبعد الانقلاب على ثورات الربيع العربي أعيد تشكيل النظام الاستبدادي العربي باستبعاد أي شكل من عملية تسيس الإسلام، والانتقال إلى إدماج المستعمرة الصهيونية في المنطقة.

وقد جاءت عملية "طوفان الأقصى" في لحظة تاريخية شهدت تراجعا قسريا لدور الحركات الإسلامية على اختلاف أوجهها وتوجهاتها، عقب الانقلاب على انتفاضات "الربيع العربي"، وفي حقبة تاريخية بائسة تماهى فيها الخطاب الاستبدادي العربي مع المقاربة الصهيونية الإسرائيلية والإمبريالية الغربية، حيث تناسى خطاب القهر الثلاثي أسباب العنف الإسرائيلي في قطاع غزة الذي حوله الاحتلال إلى معتقل وسحن كبير. وقد تجاهل الثلاثي الإمبريالي الغربي والاستعماري الصهيوني والاستبدادي العربي الخلفية التاريخية والسياقية للمشروع الاستعماري الإسرائيلي الذي يستند إلى الاحتلال والإخضاع والإبادة والمحو والتطهير، كما تناسى المجتمع الدولي حقيقة شرعية المقاومة الفلسطينية المناهضة للاستعمار وطبيعتها كحركة تحرر وطني، الأمر الذي جعل من تكرار إسرائيل لجرائمها في غزة شيئا ممكنا، بل واجبا يقوم على حق الدفاع عن النفس، بينما حشرت حركات الإسلام السياسي عموما وحركات المقاومة خصوصا في خانة "الإرهاب".

نظرية الاستقرار في ظل الهيمنة الأمريكية باتت ترتكز إلى دعم الأنظمة السلطوية، ولم تعد قضية الديمقراطية ومسألة حقوق الإنسان جوهرية في السياسات الدولية والإقليمية، وأصبحت شأنا ثانويا داخليا من متطلبات السيادة الوطنية، وتحولت مدارك النظر إلى القضية الفلسطينية من مسألة استعمار واحتلال وعدالة سياسية إلى مشكلة إنسانية، وتبدلت النظرة إلى إسرائيل من دولة استعمارية عنصرية توسعية مهددة للاستقرار إلى شريك في صناعة الاستقرار الإقليمي
فقد أصبح الوهم القائل بأن القضية الفلسطينية يمكن محوها أو نسيانها حقيقة مقبولة لدى المستوطنين الإسرائيليين وحلفائهم الدوليين، وتنامى الاعتقاد بأن المقاومة الفلسطينية باتت قضية منسية ومهجورة، وأن إسرائيل قادرة على الحفاظ على وجودها غير القانوني إلى أجل غير مسمى لأنها صاحبة اليد العسكرية العليا. وقد عززت مسارات التطبيع مع الدول العربية السلطوية في جعل الاحتلال حقيقة دائمة وحالة طبيعية، حيث تماهت الخطابات الإمبريالية الغربية والاستعمارية الصهيونية والاستبدادية العربية مع أسطورة "الإرهاب الإسلامي"، وخرافة الإسلام السياسي كمهدد للاستقرار.

لقد تنامى الوهم بالقضاء على الإسلام السياسي بعد الانقلاب على انتفاضات "الربيع العربي"، حيث تشكّلت تصورات دولية وإقليمية جديدة حول دور الحركات الإسلامية في تحقيق الاستقرار، فقد تبدلت النظرة التقليدية التي طالما ربطت عدم الاستقرار الداخلي بالأنظمة الاستبدادية وغياب الديمقراطية، وهشاشة الاستقرار الإقليمي بسبب الاحتلال الإسرائيلي، وتحولت المقاربة الدولية والإقليمية بالنظر إلى جماعات الإسلام السياسي باعتبارها أحد أهم عوامل عدم الاستقرار.

فنظرية الاستقرار في ظل الهيمنة الأمريكية باتت ترتكز إلى دعم الأنظمة السلطوية، ولم تعد قضية الديمقراطية ومسألة حقوق الإنسان جوهرية في السياسات الدولية والإقليمية، وأصبحت شأنا ثانويا داخليا من متطلبات السيادة الوطنية، وتحولت مدارك النظر إلى القضية الفلسطينية من مسألة استعمار واحتلال وعدالة سياسية إلى مشكلة إنسانية، وتبدلت النظرة إلى إسرائيل من دولة استعمارية عنصرية توسعية مهددة للاستقرار إلى شريك في صناعة الاستقرار الإقليمي.

وهكذا أُسدل الستار على نظريات إدماج الإسلاميين في الحكم، وضرورة اشتمال الاعتدال في السلطة، وانتهت مقولات الاعتدال وجدار الوقاية، وغدت الحركات الإسلامية تتقلب بين تعريفها بين كونها حزاما ناقلا للتطرف والعنف، أو اعتبارها حركات عنيفة إرهابية، وتبلورت عقيدة دولية جديدة حول ماهية الاستقرار ومكوناته في نظام سلطوي في الشرق الأوسط، وأصبح وجود إسرائيل مشروطا بوجود أنظمة استبدادية عربية تقمع الإرادة الحرة للشعوب، وغدت الوظيفة المقدسة للاستبدادية العربية العمل كحاجز حماية بين إسرائيل والشعوب العربية.

فالعلاقة بين "عملية السلام" والديمقراطية في المنطقة العربية حسب الرؤية الأمريكية والإسرائيلية باتت توصف بالعلاقة المعقدة، وهو ما يفرض التضحية بالديمقراطية وحقوق الإنسان لجلب السلام والاستقرار الإقليمي في ظل الهيمنة العالمية الأمريكية. واختفت النظرة إلى الكيان الإسرائيلي كعدو مهدد للاستقرار، وباتت إسرائيل بمنزلة الصديق، بعد أن أصبحت المستعمرة الصهيونية الإسرائيلية صلة الوصل بين الأنظمة الاستبدادية والإمبريالية الأمريكية.

قبل عملية "طوفان الأقصى" تبدلت المنطقة وتحولت إلى واحة استبدادية في ظل الهيمنة الأمريكية، وظهر مشروع إعادة بناء الشرق الأوسط عقب اكتمال إعادة بناء الاستبدادية العربية، بعد الانقلاب على انتفاضات "الربيع العربي" التي جاءت بالإسلاميين إلى السلطة، وبرزت تصورات جديدة حول مهددات الاستقرار في نظام سلطوي في المنطقة تحت الهيمنة الأمريكية، إذ لم يعد ينظر إلى الاستبداد كتهديد وعقبة تحول دون الاستقرار، بل أصبحت مطلبا ضروريا للاستقرار، ولم يعد يُشار إلى وجود الاستعمار الإسرائيلي كمهدد للاستقرار، وتبدلت تعريفات الصديق والعدو، فاختُزلت مهددات الاستقرار بوجود الإسلام السياسي على اختلاف توجهاته السياسية؛ الديمقراطية السلمية والجهادية الثورية، وتبلورت رؤية تقوم على تصفية القضية الفلسطينية وإدماج المستوطنة الاستعمارية الإسرائيلية في نسيج المنطقة، من خلال تأسيس تحالف بين الإمبريالية الأمريكية والاستبدادية العربية والاستعمارية الإسرائيلية تحت ذريعة مواجهة خطر مشترك المتمثل بالحركات الإسلامية؛ التي تقوم أيديولوجيتها الدينية السياسية على مناهضة الإمبريالية والاستبدادية والاستعمارية، وأصبحت الأنظمة الاستبدادية العربية متماهية مع الرؤية الإمبريالية الأمريكية والمستعمرة الصهيونية في بناء التصورات الأساسية حول المنطقة، وأصبحت تتبنى السردية الأمريكية الإسرائيلية حول تعريف الاستقرار وماهية الصديق والعدو.

الخوف من عودة الإسلام السياسي بعد "طوفان الأقصى" ومنع انبعاثه والقضاء على "حماس"، هدف مشترك للأنظمة الاستبدادية العربية والإمبريالية الغربية والاستعمارية الصهيونية، فظهور كينونة مسلمة مقاومة يخل بالنظام العالمي الموجود، ليس من حيث الأمن أو الثقافة فقط، بل كذلك من حيث الفلسفة
وبلغت الكراهية والعدوانية تجاه الحركات الإسلامية في المنطقة أوجها بعد الانقلاب على "الربيع العربي"، وهو ما تجلى في بناء استراتيجية تقوم على التخلص من الإسلاميين محليا، وتسليم قيادة المنطقة إقليميا للمستعمرة الاستيطانية اليهودية، ومحو وإزالة وتصفية القضية الفلسطينية، من خلال نسج تحالفات مع الأنظمة العربية الاستبدادية والإمبريالية الأمريكية والمستعمرة الصهيونية، أسفرت عن توقيع اتفاقات السلام "الإبراهيمية"، وبناء تحالفات عسكرية مشتركة، من خلال استراتيجية أمريكية غربية طموحة تسعى إلى إدماج المستعمرة الاستيطانية اليهودية في نسيج المنطقة العربية الإسلامية، تحت ذريعة مواجهة خطر مشترك تمّ اختزاله بمقولة "الإرهاب" الإسلامي، والذي بات يكافئ مصطلح "الإسلام السياسي".

خلال السنوات التي أعقبت الانقلاب على انتفاضات "الربيع العربي" التي أظهرت قوة ونفوذ حركات الإسلام السياسي التي ترى في الإسلام دين وسياسة، تعاملت الأنظمة الاستبدادية العربية بقسوة مع نمط الإسلاميين المسيسين باستخدام القوة العسكرية أو العنف القانوني أو مزيج بين المقاربتين، ولجأت الأنظمة الاستبدادية المحافظة إلى مزيح من الاحتواء والإخضاع، وساد الاعتقاد لدى معظم الخبراء والباحثين بنهاية رؤى الإسلام السياسي وبروز نمط جديد من التدين، يستند إلى ظهور تغيرات في الممارسة الدينية من التعبئة السياسية من أجل الخلاص المجتمعي، وإلى تحول الإسلام إلى نهج غير مُسيس وشيوع نمط من التدين يقوم على سعي شخصي فرداني روحاني، حيث فُسّر تراجع الإسلام السياسي بسبب رفض المجتمعات لأطروحات ونهج الإسلام السياسي بعد الإخفاق في إيحاد حلول للمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، دون الالتفات إلى أن انحسار الإسلاميين جاء بسبب الانقلابات العسكرية المسلحة واستخدام العنف المادي والقانوني، وتشكيل تحالفات عسكرية دولية واسعة للقضاء على المنظمات الجهادية العالمية.

خلاصة القول أن الخوف من عودة الإسلام السياسي بعد "طوفان الأقصى" ومنع انبعاثه والقضاء على "حماس"، هدف مشترك للأنظمة الاستبدادية العربية والإمبريالية الغربية والاستعمارية الصهيونية، فظهور كينونة مسلمة مقاومة يخل بالنظام العالمي الموجود، ليس من حيث الأمن أو الثقافة فقط، بل كذلك من حيث الفلسفة. وإن ظهور كثير من الأفعال السياسية باسم الإسلام يمكن وصفها بطريقة مفيدة باعتباره الإسلام السياسي، وقد تمّ وسم ظهور الإسلام السياسي بتطوّرين: إزاحة الغرب عن المركز، والمحاولة المتصاعدة في شدّتها لإيقاف تلك الإزاحة عن المركز من خلال إعادة تقرير تفوّق العرقية البيضاء والعرقية اليهودية.

فالتحدي الذي يفرضه الإسلام السياسي يمكن مقاربته من خلال النظر إليه باعتباره إطارا مفككا للاستعمارية الصهيونية والغربية على الصعيدين الإبستمولوجي والاستراتيجي، فالحركات الإسلامية تتوافر في جوهرها على أجندة تؤسس لكينونة مناهضة لسياسات ومصالح ومشاريع الغرب الإمبريالي، فقد نشأت كرد فعل على الاجتياح الكولونيالي والإمبريالي للعالم الإسلامي الذي تزامن مع نشوء الحركة الصهيونية وتأسيس وطن قومي لليهود على أرض فلسطين، وعلى وقع صدمة انهيار وسقوط الخلافة الإسلامية (العثمانية).

وقد تطور الإسلام السياسي كأيديولوجيا سياسية في إطار الدولة ما بعد الكولونيالية، وتشكُل الدولة الوطنية (العلمانية)، وبهذا أصبحت أهداف وغايات الحركات الإسلامية مناهضة للدكتاتورية والإمبريالية والصهيونية، من أجل استعادة "الخلافة" كرمز للهوية السياسية الدينية الإسلامية.

x.com/hasanabuhanya

مقالات مشابهة

  • مؤسس «أمهات مصر»: أولياء الأمور والمدرسة مسؤلون عن حماية وتوعية الأبناء
  • بعد إحالة قوانين الإيجار القديم للبرلمان.. مؤسس رابطة عايز حقي تطالب بتسليم الشقق للملاك
  • متجهة إلى مطار المدينة المنورة.. مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة “طريق مكة” من جمهورية باكستان الإسلامية
  • ائتلاف أولياء أمور مصر يقدم نصائح لحماية الأبناء من التحرش ويطالب بالتوعية بالمناهج
  • الإسلام.. يجرّد الدين من الكهنوت
  • الرهانات الخاطئة على فشل الإسلام السياسي
  • ما هي معاهدة نهر السند بين باكستان والهند التي أعلنت نيودلهي تعليقها
  • أمين الأعلى للشئون الإسلامية يلقي كلمة وزارة الأوقاف في مؤتمر كلية الشريعة
  • ابن كيران: القضايا التي دافع عنها "البيجيدي" تظهر حاجة البلاد إلى حزب وطني مستقل معتز بمرجعيته الإسلامية
  • الشؤون الإسلامية تشارك في معرض تونس الدولي للكتاب الـ39