هل رجب شهر الله تعالى؟.. 6 أسرار عجيبة لا يعرفها كثيرون
تاريخ النشر: 30th, January 2024 GMT
لاشك أن ما يطرح استفهام هل رجب شهر الله سبحانه وتعالى ؟، هو تلك الرواية المنتشرة بين الكثيرين عن حديث لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- والتي جاء فيها أن رجب شهر الله ، وهو ما ينبهنا إلى عظم فضل شهر رجب ليس فقط لأنه من الأشهر الحُرم التي يتضاعف فيها الأجر والثواب وإنما كذلك إذا كانت إجابة سؤال هل رجب شهر الله عز وجل ؟، بنعم فهذا يجعلنا نحرص على اغتنام كل لحظة من رجب، فاستفهام هل رجب شهر الله تعالى يعبر عن أمر جلل.
ورد عن حقيقة هل رجب شهر الله سبحانه وتعالى ؟، أن هناك رواية لا تصح ، عن أنس بن مالك ، وحدثه ابن عساكر في معجم الشيوخ الجزء أو الصفحة:1/186 ، أنه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ( رجبٌ شَهرُ اللَّهِ تعالى وشعبانُ شَهري ورمضانُ شَهرُ أمَّتي قيلَ : يا رسولَ اللَّهِ ما مَعنى قولِكَ شَهرُ اللَّهِ ؟ قالَ لأنَّهُ مخصوصٌ بالمغفِرةِ فيه وتُحقَنُ فيه الدِّماءَ ، وفيه تابَ اللَّهُ على أنبيائِهِ صلَواتُ اللَّهِ عليهِمْ وفيه أنقذَ أولياءَه مِن بلاءِ عذابِهِ . . . . . .) وهو حديث غريب جدا وفي إسناده غير واحد من المجهولين.
حديث رجب شهر اللهروي عن أبي سعيد الخدري وحدثه الشوكاني في الفوائد المجموعة الجزء أو الصفحة:100 ، أنه قال -صلى الله عليه وسلم-: ( رجَبٌ شهرُ اللَّهِ وشعبانُ شهري ورمضانُ شهرُ أمَّتي فمن صامَ مِن رجَبٍ يومينِ فلَهُ منَ الأجرِ ضِعفانِ ووزنُ كلِّ ضعفٍ مثلُ جبالِ الدُّنيا ثمَّ ذكرَ أجرَ من صامَ أربعةَ أيَّامٍ ومن صامَ ستَّةَ أيَّامٍ ومن صامَ سبعةَ أيَّامٍ ثمَّ ثمانيةَ أيَّامٍ ثمَّ هكذا إلى خمسةَ عشرَ يومًا منهُ)، وهو حديث موضوع لا يصح .
كما روي عن أنس بن مالك وحدثه الألباني في السلسلة الضعيفة الصفحة أو الرقم : 6188 ، حديث آخر موضوع ، وهو : ( خيرةُ اللهِ من الشهورِ شهرُ رجبٍ ، وهو شهرُ اللهِ ، من عظَّمَ شهرَ رجبَ ؛ عظَّمَ أمر اللهِ ، ومن عظَّمَ أمرَ اللهِ ؛ أدخلَه اللهُ جناتِ النعيمِ ، وأوجب رضوانَه الأكبرَ . وشعبانُ شهري ، فمن عظَّمَ شعبانَ ؛ فقد عظَّمَ أمري ، ومن عظَّمَ أمري ؛ كنتُ له فَرَطًا وذخرًا يومَ القيامةِ . وشهرُ رمضانَ شهرُ أمتي ، فمن عظَّمَ شهرَ رمضانَ وعظَّم حُرمتَه ، ولم يَنْتَهِكْهُ ، وصام نهارَه ، وقام ليلَه ، وحفظ جوارحَه ؛ خرج من رمضانَ وليس عليه ذنبٌ يطلبُه اللهُ به).
وجاءت رواية باطلة لا أصل لها ، و لا تصح، عن الحسن البصري وحدثها الشوكاني في الفتح الرباني، الصفحة أو الرقم : 6/3211، أنه قال -صلى الله عليه وسلم- : ( رجَبٌ شَهرُ اللَّهِ وشعبانُ شَهري ورمضانَ شَهرُ أمَّتي).
فضل شهر رجبقالت دار الإفتاء المصرية، إن رَجَب من الأشهر الحُرُم التي ذكرها الله عَزَّ وجَلَّ في مُحكم التنزيل؛ حيث قال تعالى: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ [التوبة: 36].
وأوضحت “ الإفتاء” ، أن هذه الأشهر هي: ذو القَعدة، وذو الحِجة، والمُحَرَّم، ورَجَب، كما بينتها السنَّة المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام؛ حيث روى الإمامان البخاري ومسلم عن أبي بكرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ؛ ثَلاَثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِى بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ».
وأضافت أن هذه الأشهر الحرم هي أشرف الشهور، بالإضافة إلى شهر رمضان، وهو أفضلها مطلقًا. انظر: "حاشية الشرقاوي على التحرير" (1/ 426، ط. دار إحياء الكتب العربية، فيصل الحلبي).
ونبهت إلى أن رجب كان من الشهور الْمُعَظَّمة عند العرب؛ فأكثَروا من أسمائه على عادتهم في أنهم إذا هابوا شيئًا أو أحبوه أكثروا من أسمائه، وكثرة الأسماء تدلُّ على شرف المسمَّى، أَو كمالِه في أَمر من الأمور، كما ذكره العلامة الفيروز آبادي في "بصائر ذوي التمييز" (1/ 88، ط. المجلس الأعلى للشئون الإسلامية).
وأشارت إلى أنه قد أورد العلامة ابن دِحْيَة الكلبي ثمانية عشر اسمًا من أسمائه في كتابه "أداء ما وجب من بيان وضع الوضَّاعين في رجب" (ص: 30، ط. المكتب الإسلامي)، منها: الفرْد؛ لأنَّ الأشهر الحرم الأُخر وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، وَالمحرّم متتابعة، وَرجب فرد، ومنها الأصم؛ لأنَّه ما كان يُسمع فيه قعقَعة سلاح؛ لتعطيلهم الحَرب فيه، إلى غير ذلك من بقية الأسماء التي ذكرها ابن دحية.
وأفادت بأنه قد جمع الإمام أبو محمد الحسن الخَلَّال جملة ممَّا ورد في فضائل شهر رجب، ولابن عساكر جزء في فضل رجب، وللعلامة ابن دحية الكلبي كتابه: "أداء ما وجب" الذي سبقت الإشارة إليه، وجمع الحافظ ابن حجر العسقلاني أيضًا جملة مما ورد في فضل رجب وبيَّن درجتها في "تبيين العجب بما ورد في فضل رجب"، وقد أفرد الكلام عليه باستيعاب أيضًا الحافظ ابن رجب الحنبلي في "لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف".
ولفتت إلى أنه مما ورد في فضل رجب من السُنَّة: ما رواه النسائي وغيره من حديث سيدنا أُسَامَةَ بن زَيْدٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنَ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَانَ». قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "تبيين العجب" (ص: 12): [فهذا فيه إشعار بأنَّ في رجب مشابهة برمضان وأن الناس يشتغلون من العبادة بما يشتغلون به في رمضان، ويغفلون عن نظير ذلك في شعبان؛ لذلك كان يصومه صلى الله عليه وآله وسلم، وفي تخصيصه ذلك بالصوم إشعار بفضل رجب، وأن ذلك كان من المعلوم المقرر لديهم] اهـ.
شهر رجبيعد شهر رجب هو الشهْر السّابع في التقويم الهجري٬ ولأنّهُ من الأشهرُ الحُرم فهو شهرٌ كريم وعظيم عند الله٬ وهو أحد الشهور الأربعة التي خصّها اللهُ تعالى بالذّكر٬ ونهى عن الظُّلم فيها تشريفاً لها٬ ويتركُ فيه العَرب القتال إحتراماً وتعظيماً لهُ٬ وقد ذكر اللهُ في كتابِهِ العزيز: ((إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ))[التوبة:36]٬ أمّا الأشهر الحُرم التّي ذُكرت في الآية فهي مُحرَّم٬ وذي الحجَّة٬ وذي القعدة.
و سُمِّيت الأشهُر الحُرم بهذا الاسم لأنّ الله سُبحانهُ وتعالى منع فيها القِتال إلّا أن يبدأ العدو٬ ولتحريم انتهاك المحارِم فيها أشدّ من غيرِهِ من الأشهر.
يُطلقُ على شهر رجب أحياناً اسم "مضر" نسبةً إلى قبيلة مضر؛ حيثُ كانت هذه القبيلة تُبقي وقتَهُ كما هو دون تغيير ولا تبديل مع الأشهر الأخرى على عكس القبائل الأُخرى من العرب الذين كانوا يغيِّرون في أوقات الأشهُر بما يتناسب مع حالات الحرب أو السّلم عندهم٬ كما اقتضت حكمةُ الله أن فضَّل بعض الأيام٬ والشهور٬ واللّيالي على بعض، و يُسمّى أيضاً رجب بالأصم لأنَّه لا يُنادى فيه إلى القتال، ولا يُسمع فيهِ صوت السِّلاح.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: هل رجب شهر الله رجب شهر الله حديث رجب شهر الله شهر رجب فضل شهر رجب صلى الله علیه وسلم هل رجب شهر الله فی فضل رجب من الأشهر ب شهر الل ا ورد فی شهر رجب
إقرأ أيضاً:
من كلّ بستان زهرة – 92-
من كلّ بستان زهرة – 92-
#ماجد_دودين
قال صلى الله عليه وسلّم:” ما من مسلِمٍ يَدعو، ليسَ بإثمٍ ولا بِقطيعةِ رَحِمٍ إلَّا أَعطَاه إِحدَى ثلاثٍ: إمَّا أن يُعَجِّلَ لهُ دَعوَتَهُ، وإمَّا أن يَدَّخِرَها لهُ في الآخرةِ، وإمَّا أن يَدْفَعَ عنهُ من السُّوءِ مِثْلَها قال: إذًا نُكثِرَ، قالَ: اللهُ أَكثَرُ”.
الدُّعاءُ هو العِبادةُ، واللهُ سُبحانَه وتَعالى يُحِبُّ أنْ يَدعُوَه عِبادُه، ومَن وُفِّقَ إلى الدُّعاءِ فلا يَستعجِلِ الإجابةَ، بل عليه أنْ يَثِقَ باللهِ سُبحانَه، ويَعلَمَ أنَّه يُريدُ له الخَيرَ، سواءٌ بتَعْجيلِ الإجابةِ أو بتَأخيرِها.
مقالات ذات صلة عودة الحياة تدريجيا لغزّة 2025/01/21وفي الحَديثِ أنَّ الاستِجابةَ لِلدُّعاءِ غَيرُ مُقيَّدةٍ بنُزولِ المَطلوبِ؛ فقد يُكفَّرُ عنه بدَعوتِه، أو يُدَّخَرُ له في الآخِرَةِ.
زَخرف الرشيد يومًا منازله وأكثر الطعام والشراب واللذات فيها، ثم استدعى أبا العتاهية فقال له: صف لنا ما نحن فيه من العيش والنعيم، فقال أبو العتاهية:
عِشْ ما بَدَا لكَ سالماً … في ظِلّ شاهقَةِ القُصورِ
يسْعَى عليكَ بِمَا اشتهيْتَ … لدَى الرَّوَاح أوِ البُكُورِ
فقال: حسن ثم ماذا؟
فقال:
فإذا النّفوسُ تَقعَقَعَتْ … في ظلّ حَشرجَةِ الصّدورِ
فَهُناكَ تَعلَم، مُوقِناً … مَا كُنْتَ إلاَّ فِي غُـــــــــرُورِ
فبكى الرشيد بكاء كثيراً شديداً
لابن القيم رحمه الله كلام جامع في آداب الدعاء حيث يقول: ” وإذا اجتمع مع الدعاء حضور القلب وجمعيته بكليته على المطلوب، وصادف وقتًا من أوقات الإجابة الستة وهي: الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصلوات المكتوبات، وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضى الصلاة، وآخر ساعة بعد العصر من ذلك اليوم، وصادف خشوعًا في القلب وانكساراً بين يدي الرب، وذلّاً له وتضرعًا ورقِّة، واستقبل الداعي القبلة، وكان على طهارة، ورفع يديه إلى الله تعالى، وبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم ثنّى بالصلاة على محمد عبده، ثم قدّم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار، ثم دخل على الله وألحّ عليه في المسألة، وتملّقه ودعاه رغبة ورهبة، وتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده، وقدّم بين يدي دعائه صدقة؛ فإن هذا الدعاء لا يكاد يُرد أبداً، ولا سيما إن صادف الأدعية التي أخبر النبي أنها مظنة الإجابة، أو أنها متضمنة للاسم الأعظم” (.
قال عمر بن عبد العزيز: اللهم إن لم أكن أهلاً أن أبلغ رحمتك فإن رحمتك أهل أن تبلغني، رحمتُك وسعت كل شيء وأنا شيء فلتسعني رحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم إنك خلقتَ قومًا فأطاعوك فيما أمرتهم، وعملوا في الذي خلقتهم له فرحمتك إياهم كانت قبل طاعتهم لك يا أرحم الراحمين.
اللهم إني أبرأ من الثقة إلا بك، ومن الأمل إلا فيك، ومن التسليم إلا لك، ومن التفويض إلا إليك، ومن التوكل إلا عليك، ومن الطلب إلا منك، ومن الرضا إلا عنك، ومن الذل إلا في طاعتك، ومن الصبر إلا على بابك، وأسألك أن تجعل الإخلاص قرين عقيدتي، والشكر على نعمتك شعاري ودثاري، والنظر في ملكوتك دأبي وديدني، والانقياد لك شأني وشغلي، والخوف منك أمني وإيماني، واللياذ بذكرك بهجتي وسروري.
قال الأصمعي: سمعت أعرابياً يدعو ويقول: اللهمّ إنّ ذنوبي تخّوفني منك، وجودك يبشرني عنك، فأخرجني بالخوف من الخطايا، وأوصلني بجودك إلى العطايا، حتى أكون غداّ في القيامة عتيق كرمك، كما أنا في الدّنيا ربيب نعمك.
يا أبت، إن في الله تعالى عوضاً عن فقدك، وفي رسول الله أسوة في مصيبتك،
اللهم نزل بك عبدُك خالياً مقفراً من الزاد، مخشوشن المهاد، غنياً عما في أيدي العباد، فقيراً إلى ما في يدك يا جواد، وأنت -أي ربّ-خير من نزل به المرمِلون (الفقراء)، واستغنى بفضله المقلِّون، وولج في سعة رحمته المذنبون، اللهم فليكن قِرى عبدك منك رحمتَك، ومهاده جنتك.
قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد: ٤]. أي: ” في تعب ومشقة، فإنه لا يزال يُقاسي فنون الشدائد من وقت نفخ الروح إلى حين نزعها، يُكابد مشاق التعلُّم، ثم مشاق القيام بأمور الدين، وأمور معاشه، وهموم دنياه وآخرته، ثم يكابد نزع روحه، ثم سؤاله في قبره، ثم تعب حشره، ومقاساة شدائد حسابه، ثم مروره على الصراط، فلا راحة له إلاّ بعد دخول الجنة”.
فعلى الإنسان أن يوطِّن نفسه على أنْ لا يجد زمانَ الدنيا كلَّه سروراً لا كدر فيه، فالحياة يومان: يوم سرور، ويوم شرور، ويوم أفراح، ويوم أتراح. فمن روّض نفسه على هذه الحقيقة هانت عليه مصائب الدنيا.
فيومٌ علينا ويومٌ لنا … ويومٌ نُساءُ ويوم نُسَرْ
قال ابن القيم-مخاطبًا ضعيف العزم على طريق الحق-: ” أين أنت، والطريقُ طريقٌ تعب فيه آدم، وناح لأجله نوح، ورُمي في النار الخليل، وأُضجع للذبح إسماعيل، وبِيع يوسف بثمن بخس، ولبث في السجن بضع سنين، ونُشر بالمنشار زكريا، وذُبح السيد الحصور يحيى، وقاسى الضرَّ أيوب، وزاد على المقدار بكاء داود، وسار مع الوحش عيسى، وعالج الفقرَ وأنواع الأذى محمد صلى الله عليه وسلم وتريده أنت باللهو واللعب؟!.
فيا دارَها بالحَزْنِ إن مزارها … قريبٌ، ولكنْ دون ذلك أهوالُ. (الفوائد لابن القيّم).
صَبَرْتُ عَلَى الْأَيَّامِ حَتَّى تَوَلَّتِ … وَأَلْزَمْتُ نَفْسِي صَبْرَهَا فَاسْتَمَرَّتِ
وَمَا النَّفْسُ إلَّا حَيْثُ يَجْعَلُهَا الْفَتَى … فَإِنْ طَمِعَتْ تَاقَتْ وَإِلَّا تَسَلَّتِ
لا تجزَعَّنَ مِنَ المَنايا إِنْ أَتَتْ … واصبِر لِما تأَتي بِهِ الأَقدارُ
وغَدا الصَبور يَجُرُّ ذيلَ سُرورِه … في جَنَّةٍ مِنْ تحتِها الأنهَار
فكأَنْ قَدْ انكشَفَت غياياتُ البلا … وانجابت الآفات والأَكدار
وجَنى الجَزوعُ لِما جَنَى ثَمَرَ الأَسَى … فجَرى بِلَا أَجر لَهُ المِقدار
إِنِّي رأَيتُ معاشِراً لَم يفهموا … مَعنى الوجود فأَصبَحوا قَدْ حاروا
دُنياكَ دارٌ للبَلايا مُهِّدَت … ووراء ذَلك إِنْ عقلتَ نهـــــــــــــــــار
كان أبو ذر رضي الله عنه يقول للناس: “أرأيتم لو أن أحدكم أراد سفراً أليس يتخذ من الزاد ما يصلحه ويبلغه؟ قالوا: بلى. قال: فسفرُ طريقِ القيامة أبعد، فخذوا له ما يصلحكم؛ حجوا حجة لعظائم الأمور، صوموا يومًا شديداً حرُّه لحر يوم النشور، صلوا ركعتين في ظلمة الليل لظلمة القبور، تصدقوا بصدقة لشر يوم عسير”
يقول ابن الجوزي رحمه الله واصفًا الفائزين في الدنيا: ” لله در أقوام أقبلوا بالقلوب على مقلِّبها، وأقاموا النفوس بين يدي مؤدبها، وسلموها إذ باعوها إلى صاحبها، وأحضروا الآخرة فنظروا إلى غائبها، وسهروا الليالي كأنهم وُكِّلوا بِرَعي كواكبها، ونادوا أنفسهم صبراً على نار حطبها، ومقتوا الدنيا فما مالوا إلى ملاعبها، واشتاقوا إلى لقاء حبيبهم فاستطالوا مدة المقام بها”.
هذه جملة من مواعظ ابن القيم القصيرة، وحِكمه البليغة الغزيرة، يقول رحمه الله: ” من لم ينتفع بعينه لم ينتفع بإذنه. للعبد ستر بينه وبين الله، وستر بينه وبين الناس، فمن هتك الستر الذي بينه وبين الله هتك الله الستر الذي بينه وبين الناس. للعبد رب هو ملاقيه، وبيت هو ساكنه، فينبغي له أن يسترضي ربه قبل لقائه، ويعمر بيته قبل انتقاله إليه. إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها. الدنيا من أولها إلى آخرها لا تساوي غم ساعة، فكيف بغم العمر؟. محبوبُ اليوم يعقب المكروه غداً، ومكروه اليوم يعقب المحبوب غداً. أعظمُ الربح في الدنيا أن تشغل نفسك كل وقت بما هو أولى بها وأنفع لها في معادها. كيف يكون عاقلاً من باع الجنة بما فيها بشهوة ساعة؟!. يخرج العارف من الدنيا ولم يقض وطره من شيئين: بكاؤه على نفسه، وثناؤه على ربه. المخلوق إذا خفته استوحشت منه وهربت منه، والرب تعالى إذا خفته أنست به، وقربت إليه. لو نفع العلم بلا عمل لما ذم الله سبحانه أحبار أهل الكتاب، ولو نفع العمل بلا إخلاص لما ذم المنافقين. دافعِ الخطرة، فإن لم تفعل صارت فكرة، فدافع الفكرة، فإن لم تفعل صارت شهوة فحاربها، فإن لم تفعل صارت عزيمة وهِمَّة، فإن لم تدافعها صارت فعلاً، فإن لم تتداركه بضده صار عادة، فيصعب عليك الانتقال عنها”
قال الغزالي رحمه الله في إحياء علوم الدين: ” لذات الدنيا مكدرة مشوبة بأنواع المنغصات، ولذات الآخرة صافية غير مكدرة”
قال ابن الجوزي: ” وأجهل الجهال من آثر عاجلاً على آجل لا يأمن سوء مغبته، فكم قد سمعنا عن سلطان وأمير وصاحب مال أطلق نفسه في شهواتها، ولم ينظر في حلال وحرام فنزل به من الندم وقت الموت أضعاف ما التذ، ولقي من مرير الحسرات ما لا يقاومه ولا ذرة من كل لذة. ولو كان هذا فحسب لكفى حزناً كيف والجزاء الدائم بين يديه، فالدنيا محبوبة للطبع لا ريب في ذلك ولا أنكر على طالبها ومؤثر شهواتها، ولكن ينبغي له أن ينظر في كسبها ويعلم وجه أخذها؛ ليسلم له عاقبة لذته، وإلا فلا خير في لذة من بعدها النار”. فـ”لا تؤثر لذة تفوِّت خيراً كثيراً، وصابِرْ المشقةَ تحصِّل ربحاً وافراً”.
جاء في صحيح مسلم عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أهل الجنة الجنة قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئًا أزيدكم فيقولون: ألم تبيض وجوهنا، ألم تدخلنا الجنة، وتُنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب فما أُعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل).
قال ابن القيم: ” فبين عليه الصلاة والسلام أنهم مع كمال تنعمهم بما أعطاهم ربهم في الجنة لم يعطهم شيئاً أحب إليهم من النظر إليه، وإنما كان ذلك أحب إليهم لأن ما يحصل لهم به من اللذة والنعيم والفرح والسرور وقرة العين فوق ما يحصل لهم من التمتع بالأكل والشرب والحور العين، ولا نسبة بين اللذتين والنعيمين ألبتة؛ ولهذا قال سبحانه وتعالى في حق الكفار: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: ١٥]. فجمع عليهم نوعي العذاب: عذاب النار، وعذاب الحجاب عنه سبحانه، كما جمع لأوليائه نوعي النعيم: نعيم التمتع بما في الجنة، ونعيم التمتع برؤيته.” (إغاثة اللهفان).
يأمرنا الله تعالى أن ننظر إلى الحياة الدنيا بالبصيرة لا بالبصر، وبعاقبة أمرها، لا بإقبال أوائلها، يقول تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلا تَعْقِلُونَ} [القصص: ٦٠]، ” أي: تتمتعون بها أيام حياتكم، ثم هي إلى فناء وانقضاء، {وما عند الله خير وأبقى}؛ لأن منافع الآخرة خالصة عن الشوائب وهي دائماً غير منقطعة، ومنافع الدنيا كالذرة بالقياس إلى البحر العظيم {أفلا تعقلون} أي: أن الباقي خير من الفاني، وقيل: من لم يرجح الآخرة على الدنيا فليس بعاقل؛ ولهذا قال الشافعي: من أوصى بثلث ماله لأعقل الناس صُرف ذلك الثلث إلى المشتغلين بطاعة الله؛ لأن أعقل الناس من أعطي القليل وأخذ الكثير، وما هم إلا المشتغلون بطاعة الله تعالى. (تفسير الخازن ٥/ ١٧٩).
تَمَتَّعْ مِنْ الْأَيَّامِ إنْ كُنْت حَازِمًا … فَإِنَّك مِنْهَا بَيْنَ نَاهٍ وَآمِرِ
إذَا أَبْقَتْ الدُّنْيَا عَلَى الْمَرْءِ دِينَهُ … فَمَا فَاتَهُ مِنْهَا فَلَيْسَ بِضَائِرِ
فَلَنْ تَعْدِلَ الدُّنْيَا جَنَاحَ بَعُوضَةٍ … وَلَا وَزْنَ ذَرٍّ مِنْ جَنَاحٍ لِطَائِرِ
فَمَا رَضِيَ الدُّنْيَا ثَوَابًا لِمُؤْمِنٍ … وَلَا رَضِيَ الدُّنْيَا جَزَاءً لِكَافِرِ