الثورة نت:
2025-02-02@18:11:20 GMT

في قبضة الفكر الشمولي

تاريخ النشر: 30th, January 2024 GMT

 

النظرة الشمولية في الفكر والسياسة مكمن خطر شامل على حياة الفرد والمجتمع، وأهم أسرار عدم الاستقرار في البلدان المتخلفة، ونقصد الاستقرار المبني على أسس واضحة للسلام مشتقة من موجبات نظرية العقد الاجتماعي المؤسس للشرعية الدستورية التي تتقلص بموجبها مظاهر الاستبداد والتسلط ويتسع نطاق المطالبة بالحرية والعدالة، والخطر دائما ليس في الفكر – أي فكر – ولكنه في محاولة تحويل أي نظرية فكرية إلى برنامج عمل لسلطة ما تعتبر نفسها وصية على المجتمع، وهو عمل يمارسه كل المتسلطين في العالم بمختلف الصور والأشكال والادعاءات، ومن عجائب هيمنة قبضة الممارسات الشمولية الفولاذية المحكمة المتحكمة بحياة البشر – خاصة في البلدان التي يهيمن فيها الجهل ويساعدها في تقبل القرارات العشوائية التي تطال كل جوانب حياتنا أو معظمها – رأينا ذلك على سبيل المثال في حشد غالبية أبناء الجنوب والشمال للاندفاع العاطفي نحو الوحدة الاندماجية عام 1990م، الذي بني على الغريزة لا العقل لأن من يدير لعبة السياسة بروح التآمر والمصالح الشخصية غير المشروعة اعتمد على مخاطبة العاطفة الغوغائية القابلة للتحشيد، وحين اتخذ قرار الوحدة على ذلك النحو المتسارع فتغلبت العاطفة على العقل والحكمة وضاع الاهتمام ببناء وحدة قوية عصية على أي شكل من أشكال التآمر، ونفس النزعة مارسها ويمارسها اليوم من يدير نفس اللعبة السياسية، بمخاطبة غريزة الدعوة للانفصال بعد التجربة المريرة للوحدة الاندماجية الغوغائية لتصبح الغريزة نفسها سلاح الغوغائيين في الدعوة للانفصال وأبرز حاملي هذا السلاح قادة ما يسمى الانتقالي، ولهذا يعلنون – بين حين وآخر وبكل صفاقة – تبعيتهم للإمارات، ومن يتفحص تاريخ القسم الأكبر منهم يجدهم ممن شاركوا في الحشد الغوغائي للوحدة الاندماجية ودعوا إليها، إنها حالة من انعدام اللياقة وصلت حد التنصل عن أي صلة للجنوب اليمني باليمن.


لم أكن ممن استبشروا بالوحدة الاندماجية الغوغائية ورقصوا لها، وقد عبرت حينها عن رأيي كتابة وشفاهية في كل ندوة وحلقة نقاش شاركت فيها قبل أو بعد الحدث، ما أغضب بعض الفرحين الذين لا يحبهم الله، وليس لهم بالعقل علاقة، وقلت حينها: إن الوحدة الاندماجية بهذا الشكل ليست إلا كميناً ضد الوحدة الحقيقية التي تحتاج لسلطة سياسية ونخب بمستواها، فاعتبرني بعض دعاة التفاؤل والوحدة بأي ثمن متشائما موتورا من النظام الذي تصدَّر الدعوة إليها، بل وذهب بعض الجنوبيين الوحدويين جداً في ندوة أقامها اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين فرع عدن وشارك فيها الأستاذ الوحدوي المناضل عمر الجاوي الذي قدم ورقة مضمونها ضرورة تحقيق الوحدة اليمنية في ظل أي نظام سياسي، وكاتب هذه السطور، حيث قدمت ورقة تحدثت فيها عن الآثار السلبية للثغرات التي تضمنها دستور دولة الوحدة وأنها تشكل خطراً على مستقبل الوحدة وأهم تلك الثغرات عدم تضمين الدستور الضمانات الكافية لحماية التعددية السياسية والحزبية التي قامت على أساسها الوحدة وضمان التداول السلمي للسلطة وتقليص سلطات الرئيس، ما دفع بعض المتداخلين إلى وصفي بالانفصالي المعارض المعادي للنظام في الشمال الذي اعتبروه منقذا لهم بالوحدة، هذه الديماغوجية تدعو للوقوف بمسؤولية أمام كل القضايا الوطنية وفتحها للنقاش بشجاعة ومسؤولية وحكمة، ومن ذلك: الوحدة – الثورة – أسباب هيمنة النظرة الشمولية على مركز القرار، ومبتدأ الحكمة تحصين الوحدة بالبناء المؤسسي للدولة وعدم الاستسلام لحكم الفرد والحكم الشمولي المستبد أيا كان نوعه ولونه.
وحدة اليمن بالتأكيد خيار كل من يدرك أهميتها في عالم اليوم القائم على تجميع القوى وحشد الطاقات وتوحيد الجهود والإمكانات في سبيل توسيع التفاهمات الإنسانية، تمهيداً لإيجاد نظام عالمي يؤمن بالتعددية الفكرية والثقافية والسياسية وحقوق الإنسان كوثيقة معاصرة ويسندها ويحميها باعتبارها إلى جانب ميثاق الأمم المتحدة نواة النظام العالمي المنشود.
الخطاب الواعي الجامع يعتمد على العقل والمنطق ويبني عليه المشروع الوطني القابل للبقاء والثبات الهادف إلى تحقيق السلام والوئام بين فئات المجتمع، وهو طريق الأمن والاستقرار، أما القبضة الأمنية الحديدية فليست سوى حالة أو محطة سياسية مؤقتة تخدم أجندة خاصة لفرد مستبد أو حزب أو جماعة مستبدة، فالعدالة تنافي الاستبداد وتناقضه بكل صوره وأشكاله، وأبرزها الحكم الملكي الوراثي أياً كان الأساس الذي يقوم عليه، فتوريث السلطة عدوان على فطرة الله، ولهذا فإن استخدام القوة المشروعة إنما يكون تنفيذا لمبدأ سيادة القانون وفي الحدود التي تحقق العدالة، وأي تجاوز لهذا المبدأ وهذه الحدود إنما هو اعتداء على حق الشعب في الحرية والعدالة والحياة الكريمة، وهي أكثر الجرائم شمولاً لأنها تمس كل فرد من أفراد المجتمع وكل مؤسسة من مؤسساته .
قصصت لنا بعض ما في ضميرك
قالوا تركت طريق الهداية
وخضت بحار التفلسف والزندقة
فماذا دهاك؟

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟ «2- 13»

ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟

قراءة في كتاب (عبد الله الفكي البشير، محمود محمد طه: من أجل فهم جديد للإسلام)، دار محمد علي للنشر، صفاقس، تونس/ ومؤسسة الانتشار العربي، بيروت، لبنان، 2024

(2- 13)

إهداء المؤلف لكتابه:

“إلى شعوب السودان والإسلام والإنسانية جمعاء، وهي تتوق إلى التحرير والتغيير، فإني أهديكم هذا الكتاب، مستدعياً مقولة المفكر التونسي الدكتور يوسف الصديق: (محمود محمد طه هو المنقذ)”.

بقلم سمية أمين صديق

أشرت في الحلقة السابقة إلى أن فكرةهذا الكتاب: (محمود محمد طه: نحو فهم جديد للإسلام) تقوم على سعي مؤلفه الدكتور عبدالله الفكي البشير للإجابة عن أسئلة عديدة ومتنوعة، تم طرحها عليه على مدى عقد من الزمان. وأوضح المؤلف بأنه واجه تلك الأسئلة في مؤتمرات ومحاضرات كانت في دول عديدة، منها: تونس، والجزائر، والمغرب، ومصر، وقطر، والأردن، والعراق، ولبنان، والسودان، وعبر مشاركات إسفيرية في ألمانيا وأستراليا، والسويد، وغيرها.  جاءت الأسئلة منمتخصصين من الأساتذة والأستاذات، ومن باحثين وباحثات وطلاب وطالبات، وكلها تمحورت حول فكر المفكر محمود محمد طه وسيرته الفكرية. وبهذا فإننا أمام كتاب تفاعلي ذو طبيعة كوكبية، يقول عبد الله:إن كتابه أتى نتيجة للتفاعل مع الباحثين والباحثات والطلاب والطالبات القراء والقارئات. وأن فكرته تبلورت وتعتَّقت عبر رحلة تساؤلات امتدت لنحو عقد من الزمان(2013-2023). وجاءت التساؤلات في منابر حوارية متعددة، وفي بلدن مختلفة”. كتب عبد الله عن أول سؤال واجهه، قائلاً: أول سؤال تلقيته هو: ما الجديد الذي أتى به محمود محمد طه في الفكر الإسلامي؟ وتبعه سؤال ثاني: ما الذي يميز محمود محمد طه عن المفكرين في العالم؟ وسؤال ثالث: ما هي أهم مرتكزات المشروع الفكري لمحمود محمد طه؟ وسؤال رابع: ما هو الفكر الجمهوري وماهي طبيعته؟ وسؤال خامس: كيف بدأ محمود محمد طه؟ وتكررت هذه الأسئلة في العديد من الفعاليات والبلدان. وهناك سؤال ظل حاضراً في بعض المنابر السودانية بصورة خاصة، وقليل من المنابر الأخرى، وهو: هل رفعت الصلاة والتكاليف الدينية عن محمود محمد طه؟ ومما تجدر الإشارة إليه أنه ومن خلال قراءة الكتاب، يمكن ملاحظة أن الأسئلة المطروحة في السودان تختلف في طبيعتها، عن تلك الأسئلة التي طُرحت في تونس أو الجزائر أو العراق وغيرها من البلدان، وهذا يعكس معاني كثيرة، ولكن لا يسع المجال للخوض فيها.

قبل الدخول في قراءة الفصول ومحاورها، وددت الوقوف بإيجاز عند أربعة مواضيع ورد الحديث عنها في الكتاب، لفتت نظري، وفي تقديري، أنها تستحق تسليط الضوء عليها. وأتناولها حسب الترتيب الذي جاءت به في الكتاب. الموضوع الأول: إهداء الكتاب وعبارة المفكر الدكتور يوسف الصديق. والموضوع الثاني: تاريخ شعار محمود محمد طه: “الحرية لنا ولسوانا”. والموضوع الثالث هو حديث المؤلف عن علاقته بالأستاذ عصام عبد الرحمن البوشي، مدير جامعة ود مدني الأهلية، وهو من كبار الإخوان الجمهوريين، وعن رحلته معه في تأليف هذا الكتاب وكتبه الأخرى، والموضوع الرابع، هو حديث المؤلف عن الفنان السوداني تاج السر حسن سيد أحمد، في هذا الكتاب، وفي كل كتبه.

يوسف الصديق إهداء الكتاب ومقولة المفكر التونسي يوسف الصديق

أهدى المؤلف كتابه، كما ورد نص الإهداء أعلاه، إلى شعوب السودان والإسلام والإنسانية جمعاء، مستدعياً مقولة المفكر التونسي الدكتور يُوسُف الصديق: “محمود محمد طه هو المُنقذ”. وفي تقديري تأتي أهمية عبارة الدكتور يُوسُف الصديق، والتي استدعاها المؤلف من أنها تمثل رؤية ثاقبة، وعبارة مدهشة، تستوجب الوقوف عندها والتفكير فيها ملياً، فهي دعوة لنا جميعاً لنعيد النظر في التعاطي مع طرح الأستاذ محمود محمد طه (الفهم الجديد للإسلام). بل وتدعونا إلى ضرورة تبني اتجاه جديد نحوه، مبني علي العلم والأخلاق، والمسؤولية الفردية حتى نتحرر من هيمنة رجال الدين ووصايتهم. حتى ندرك ما عناه ورمى إليه الدكتور يوسف الصديقفي عبارته: “محمود محمد طه هو المنقذ”. والأهمية الخاصة لهذه العبارة أنها صدرت عن مفكر كبير وأستاذ جامعي ظل مشغولاً بالفكر الإسلامي على مدى أكثر من نصف قرن. لقد أورد المؤلف تعريفاً بالدكتور يوسف الصديق. فهو مفكر تونسي ولد عام 1943. درَس الفلسفة ودرّسها بجامعة السوربون الباريسية، وفي تونس. تتلمذ في المدرسة الصادقية وبمكتبة والده الشيخ الحفناوي الصديق. حفظ القرآن صبيا والأحاديث الشريفة والشعر العربي الكلاسيكي. أنجز ترجمات عديدة إلى اللغة الفرنسية شملت الأحاديث النبوية ونهج البلاغة وموطأ الإمام مالك ورسائل ابن سينا، إضافة إلى ترجمة ذات صبغة فكرية لمعاني القرآن. من مؤلّفاته: هل قرأنا القرآن؟ أم على قلوب أقفالها؛ الآخر والآخرون في القرآن.

الحرية لنا ولسوانا “الحرية لنا و لسوانا”: شعار محمود محمد طه منذ منتصف القرن العشرين

فكرة الكتابة عن تاريخ شعار الأستاذ محمود محمد طه والتوثيق له، فكرة رائعة، وجديرة بالاحتفاء وتسليط الضوء عليها. كتب المؤلف، قائلاً: كان أول ظهور لهذا الشعار ” الحرية لنا ولسوانا” في دستور الحزب الجمهوري الذي أعلنه محمود محمد طه، رئيس الحزب في اجتماع عام، عقد مساء الجمعة 30 نوفمبر 1951. ثم ظهر الشعار في كتاب محمود محمد طه، قل هذه سبيلي:الاقتصاد-الاجتماع-التعليم-المرأة، الذي صدر في مايو 952 . فجاء الشعار ضمن دستور الحزب الجمهوري الذي تضمنه الكتاب بعد الإهداء مباشرة. بعد ذلك أصبح الشعار يظهر في منشورات الحزب الجمهوري ومطبوعاته، وكذلك في الأوراق الرسمية للحزب الجمهوري- الورق المروس. ثم برز الشعار في صدر صحيفة الجمهورية التي أصدرها الحزب الجمهوري، وترأس تحريرها محمود محمد طه، رئيس الحزب، وجاء عددها الأول في صباح يوم الجمعة 15 يناير 1954، ثم توقفت الصحيفة عن الصدور في نهاية مايو 1954. ظل الشعار يظهر في بيانات الحزب الجمهوري، كما ظهر ضمن دستوره لعام 1968. ثم برز الشعار في صدر مجلة الجمهورية، وهي مجلة داخلية شهرية، أصدر الحزب الجمهوري، العدد الأول منها يوم الخميس 17 أبريل 1969، وجاء في صدر العدد أن الجمهورية، مجلة الحزب الجمهوري الداخلية، تصدر شهرية، شعارها “الحرية لنا ولسوانا” رئيس التحرير سعيد الطيب شايب، وسكرتير التحرير عوض الكريم موسي. وأوضح عبد الله، بأن مجلة الجمهورية هي غير صحيفة الجمهورية. وأضاف عبدالله، قائلاً: بقى هذا الشعار مرفوعاً و مرسوماً باسم محمود محمد طه وتلاميذه وتلميذاته “الإخوان والأخوات الجمهوريات” في سيرتهم الفكرية ومسيرتهم السياسية.

عصام البوشي عصام البوشي: مدرسة فكرية متفردة

توقفت كثيراً عند ما كتبه المؤلف في “الشكر و العرفان” عن علاقته بالأستاذ عصام عبدالرحمن البوشي. وهي، فيما يبدو، علاقة فكرية وعلمية وروحية خاصة. أعجبني الوصف الذي قدمه عبدالله عن تلك العلاقة، وعن طبيعة الحوار بينهما، وهو حوار متواصل على مدى نحو (18) عاماً، عبر جلسات عديدة وأحاديث هاتفية تمتد لساعات، إلى جانب المراسلات المكتوبة. وعلى الرغم من أن الأستاذ عصام، من كبار الجمهوريين، وهو الأستاذ الجامعي والمفكروالشاعر، وهو في مقام الأستاذ بالنسبة لعبدالله، إلا أنه، كما أوضح عبدالله، لم يكن يمارس أي أستاذية أو وصاية على عبدالله، بل كان الحوار بينهما، كما فصَّل عبدالله، يقوم على الديمقراطية، والحرية، ومبدأ المسؤولية الفردية، إلى جانب الإقناع بالعقل والحجة. سألت عبدالله عن علاقته بالأستاذ عصام البوشي، فقال لي: “عصام البوشي كان معي، ليس في هذا الكتاب، فحسب، وإنما في كل مؤلفاتي. كنت أهاتفه بشكل يومي، في الصباح وآناء الليل والنهار، دون تحري للوقت المناسب، وإنما حسب أحوال الكتابة عندي، فأجد منه وعنده الترحاب والأريحية والسعة”. وأضاف عبدالله، قائلاً: ومع كامل الأدب والاحترام فإن عصام البوشي  مدرسة فكرية متفردة، عنوانها الديمقراطية والحرية، ولا تعرف الوصاية. كما أنني كُنت أمامه ومعه، حراً في أفكاري وعملي، وحريصاً على تجسيد الفردية في المسئولية والمواجهة والاحترام”.وهذا ما عبر عنه عبدالله في “الشكر والعرفان”. وقدرأيتُ هنا  أن أثبت ما كتبه عبدالله وخصّ  به الأستاذ عصام عبد الرحمن البوشي.  أنقل الكلمات كما هي ، فهي غنية بالقِيَم، وتتحدث عن نفسها، كتب عبد الله، قائلاُ:

“أجدد شكري مع فائق تقديري و إكباري للأستاذ عصام عبد الرحمن البوشي، مدير جامعة ود مدني الأهلية، السودان. لقد ظل عصام، و هو من قيادي الإخوان الجمهوريين و كبار مفكريهم، على مدى نحو عقد ونصف من الزمان، ليس متابعاً لهذا الكتاب و لكل ما أقوم به من أعمال، سواء تأليف الكتب، أو إعداد الأوراق العلمية، أو المقالات الصحفية، أو تقديم المحاضرات، عن الفهم الجديد للإسلام، و السيرة الفكرية لصاحبه محمود محمد طه، فحسب، و إنما كان هو الموجه و المقَّيم و الناقد و الناصح. كنت طيلة هذه السنوات

الخمس عشرة في تواصل يومي معه، أراسله بالبريد الإلكتروني و “الواتساب”، و أهاتفه وقت ما أشاء و أحتاج، وتتكرر المهاتفات في اليوم، واتصل أحيانا إلى خمس مرات، وتبلغ المساحة الزمنية للمهاتفة في بعض الأحيان أكثر من الساعة و الساعتين. نحتفي سوياً بما أقف عليه من وثائق جديدة، و بما أرصده من المواقف و البيانات و المقالات غير المعروفة لمحمود محمد طه، و التي ظلت قابعة في دور الوثائق و الأرشيف القومي داخل السودان و خارجه. أطرح عليه ما يراودني من أفكار و خطط لمشاريع بحثية، فيتداولها معي بعلميه و ديمقراطية و حياد عقلي، لا مجال فيه للمجاملة، أو التحامل على الآخرين، أو الانسياق خلف مشاهد الآخرين، و إنما السماحة و التجسيد لقول محمود محمد طه : ” الناس يحدثوهم بسعة الرحمة الإلهية”.

كانت مداولاتنا عبارة عن منبر حواري حُر، لم أشعر معه بوصاية منه، كما كُنت حراً في أفكاري وعملي، و ساعياً لتجسيد الفردية في المسئولية و المواجهة، و لكن عليَّ إقناعه بالعقل و الحجة. كنا إذا ما وصلنا لمفترق طرق في أمر ما، وأصبحنا أمام خيارين، لا يصدر قراراً من عنده بأفضلية الخيار، وإنما يسألني: لأي الخيارين أنت تميل؟ فأجيب محدداً الخيار الذي أميل إليه، فيقول: خُذ به. كُنت حينما أهاتفه كأنه كان ينتظرني، وعندما نبدأ الحديث كأننا في حضرة اكتمال المحبة والثقة في محمود محد طه، وكلانا لا يجد راحته إلا في سيرته، و فكره، والإكثار من ذكره، و حينما أودعه، يختم قائلاً:”إذا ظهر لك شيء، اتصل مرة ثانية”.

تاج السر حسن الفنان تاج السر حسن: النموذج الإرشادي في الاحترام للمفكر محمود محمد طه

أدهشني موقف الفنان تاج السر حسن سيد أحمد، وتعبيره العملي عما يكنه من احترام للأستاذ محمود محمد طه. الفنان تاج السر هو فنان سوداني وعالمي كبير، تربطه رحلة عمل خاصة بالمؤلف عبد الله، فهو الذي وضع خط غلاف هذا الكتاب، كما قام بوضع خطوط وتصاميم أغلفة جميع كتب الدكتور عبد الله الفكي البشير. وكان يرفض أن يأخذ مقابل نظير عمله، وهو فنان عالمي لديه ارتباطات واسعة، ولهذا ليس لديه وقت، كما أن أعماله عالية التكاليف، كما ذكر عبد الله، وعلى الرغم من ذلك كان تاج السر يفرّغ وقته لأغلفة كتب عبدالله. وقد عبَّر عبدالله عن كل ذلك، شاكراً لتاج السر، فكتب عبدالله، قائلاً:

“والشكر الخالص للفنان السوداني العالمي الأستاذ تاج السر حسنسيد أحمد، الذي قدم، من خلال رحلة عملي معه، نموذجاً إرشادياً نادر المثيل في الاحترام لمحمود محمد طه، والاحتفاء بفكره وسيرته. لقد وضع تاج السر خط وتصميم الغلاف لهذا الكتاب، ولكل كتبي عن محمود محمد طه ومشروع الفهم الجديد للإسلام، وقد صدرت خمس منها، وستصدر الكتبالأخرىتباعاً بإذن الله، وقد أنجز تاج السر تصميم أغلفتها. كان أول درس تلقيته من تاج السر في معاني الاحترام لمحمود محمد طه،في نهار 21 يوليو 2013، حينما قدمت نفسي لتاج السر وأبلغته بأنني أكتب في كتاب بعنوان: صاحب الفهم الجديد للإسلام محمود محمد طه والمثقفون: قراءة في المواقف وتزوير التاريخ، وطلبت منه تصميم الغلاف، رحب فوراً بطلبي، فسألته عن التكلفة المالية، وأنا أعرف أنه فنان عالمي كبير، وتكاليف أعماله عالية، لما تنطوي عليه من إبداع ودقة وإتقان، فرد عليَّ بحسم، قائلاً: “العمل عن الأستاذ محمود محمد طه لا يُؤخذ فيه مقابل”، وأضاف، دون أن يمهلني في استكمال الاعجاب والتعبير عن الشكر، قائلاً: أرجو لا تُحرج معي في طلب أي عمل عندك عن الأستاذ محمود محمد طه.ومنذ ذلك الوقت، ظل تاج السر، وعلى الرغم من كثرة مسؤولياته، وتعدد التزاماته،وضيق وقته،يستجيب بمحبةوترحابلكل طلباتي. وكنت مع كل عمل جديد، أكتشف بأن احترامه واحتفاءه بمحمود محمد طه، ينبع من موقف المثقف الحر، الملتزم بالواجب الثقافي والوطني والإنساني والأخلاقي”.

لا جدال في أننا مع الفنان تاج السر حسن، نجد أنفسنا نقف أمام مثقف وفنان كبير صاحب قيم أخلاقية عالية، والتزام إنساني وسداني نادر المثل، كما أنه يمثل نموذجاً إرشادياً، كما ذكر عبد الله، يحتذى في الاحترام للأستاذ محمود محمد طه. التحية والاحترام والتقدير للأستاذ تاج السر حسن سيد أحمد، فمثل هذه المواقف الأخلاقية تضخ الشجاعة في الفضاء السوداني والإنساني، وتمثل معولاً لهدم السردية التكفيرية، وتسهم في تطوير الوعي تجاه من يستحق الاحترام.

نلتقي في الحلقة الثالثة.

ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟ «1- 13»

الوسومالإخوان الجمهوريين السودان الفهم الجديد للإسلام تاج السر حسن سيد أحمد تونس د. عبد الله الفكي البشير سمية أمين صديق صفاقس محمود محمد طه يوسف الصديق

مقالات مشابهة

  • الاتحاد يفلت من قبضة الخلود
  • في ذكرى ميلاده.. سيرة حياة محمد الراوي عالم القرآن والدعوة
  • ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟ «2- 13»
  • معرض الكتاب يُناقش سليمان العطار.. الفكر الإنساني والأدب
  • ⭕ السيسي وجه الدعوة لترمب لزيارة مصر في أقرب فرصة ممكنة
  • تخفيض نسبة العمال الذين يحق لهم الدعوة إلى الإضراب من 35 في المائة إلى 25 في المائة
  • ما الصلاة التي يجوز فيها ترك القبلة؟ عالم أزهري: في هذه «الصلوات فقط»
  • حزب الدعوة: نشيد بالجهود التي أسفرت عن اعتقال قاتل الشهيد محمد باقر الصدر
  • دور المدنيين في انتشال السودان من قبضة الحكم العسكري وتحقيق الحكم المدني
  • ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟ «1- 13»