النظرة الشمولية في الفكر والسياسة مكمن خطر شامل على حياة الفرد والمجتمع، وأهم أسرار عدم الاستقرار في البلدان المتخلفة، ونقصد الاستقرار المبني على أسس واضحة للسلام مشتقة من موجبات نظرية العقد الاجتماعي المؤسس للشرعية الدستورية التي تتقلص بموجبها مظاهر الاستبداد والتسلط ويتسع نطاق المطالبة بالحرية والعدالة، والخطر دائما ليس في الفكر – أي فكر – ولكنه في محاولة تحويل أي نظرية فكرية إلى برنامج عمل لسلطة ما تعتبر نفسها وصية على المجتمع، وهو عمل يمارسه كل المتسلطين في العالم بمختلف الصور والأشكال والادعاءات، ومن عجائب هيمنة قبضة الممارسات الشمولية الفولاذية المحكمة المتحكمة بحياة البشر – خاصة في البلدان التي يهيمن فيها الجهل ويساعدها في تقبل القرارات العشوائية التي تطال كل جوانب حياتنا أو معظمها – رأينا ذلك على سبيل المثال في حشد غالبية أبناء الجنوب والشمال للاندفاع العاطفي نحو الوحدة الاندماجية عام 1990م، الذي بني على الغريزة لا العقل لأن من يدير لعبة السياسة بروح التآمر والمصالح الشخصية غير المشروعة اعتمد على مخاطبة العاطفة الغوغائية القابلة للتحشيد، وحين اتخذ قرار الوحدة على ذلك النحو المتسارع فتغلبت العاطفة على العقل والحكمة وضاع الاهتمام ببناء وحدة قوية عصية على أي شكل من أشكال التآمر، ونفس النزعة مارسها ويمارسها اليوم من يدير نفس اللعبة السياسية، بمخاطبة غريزة الدعوة للانفصال بعد التجربة المريرة للوحدة الاندماجية الغوغائية لتصبح الغريزة نفسها سلاح الغوغائيين في الدعوة للانفصال وأبرز حاملي هذا السلاح قادة ما يسمى الانتقالي، ولهذا يعلنون – بين حين وآخر وبكل صفاقة – تبعيتهم للإمارات، ومن يتفحص تاريخ القسم الأكبر منهم يجدهم ممن شاركوا في الحشد الغوغائي للوحدة الاندماجية ودعوا إليها، إنها حالة من انعدام اللياقة وصلت حد التنصل عن أي صلة للجنوب اليمني باليمن.
لم أكن ممن استبشروا بالوحدة الاندماجية الغوغائية ورقصوا لها، وقد عبرت حينها عن رأيي كتابة وشفاهية في كل ندوة وحلقة نقاش شاركت فيها قبل أو بعد الحدث، ما أغضب بعض الفرحين الذين لا يحبهم الله، وليس لهم بالعقل علاقة، وقلت حينها: إن الوحدة الاندماجية بهذا الشكل ليست إلا كميناً ضد الوحدة الحقيقية التي تحتاج لسلطة سياسية ونخب بمستواها، فاعتبرني بعض دعاة التفاؤل والوحدة بأي ثمن متشائما موتورا من النظام الذي تصدَّر الدعوة إليها، بل وذهب بعض الجنوبيين الوحدويين جداً في ندوة أقامها اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين فرع عدن وشارك فيها الأستاذ الوحدوي المناضل عمر الجاوي الذي قدم ورقة مضمونها ضرورة تحقيق الوحدة اليمنية في ظل أي نظام سياسي، وكاتب هذه السطور، حيث قدمت ورقة تحدثت فيها عن الآثار السلبية للثغرات التي تضمنها دستور دولة الوحدة وأنها تشكل خطراً على مستقبل الوحدة وأهم تلك الثغرات عدم تضمين الدستور الضمانات الكافية لحماية التعددية السياسية والحزبية التي قامت على أساسها الوحدة وضمان التداول السلمي للسلطة وتقليص سلطات الرئيس، ما دفع بعض المتداخلين إلى وصفي بالانفصالي المعارض المعادي للنظام في الشمال الذي اعتبروه منقذا لهم بالوحدة، هذه الديماغوجية تدعو للوقوف بمسؤولية أمام كل القضايا الوطنية وفتحها للنقاش بشجاعة ومسؤولية وحكمة، ومن ذلك: الوحدة – الثورة – أسباب هيمنة النظرة الشمولية على مركز القرار، ومبتدأ الحكمة تحصين الوحدة بالبناء المؤسسي للدولة وعدم الاستسلام لحكم الفرد والحكم الشمولي المستبد أيا كان نوعه ولونه.
وحدة اليمن بالتأكيد خيار كل من يدرك أهميتها في عالم اليوم القائم على تجميع القوى وحشد الطاقات وتوحيد الجهود والإمكانات في سبيل توسيع التفاهمات الإنسانية، تمهيداً لإيجاد نظام عالمي يؤمن بالتعددية الفكرية والثقافية والسياسية وحقوق الإنسان كوثيقة معاصرة ويسندها ويحميها باعتبارها إلى جانب ميثاق الأمم المتحدة نواة النظام العالمي المنشود.
الخطاب الواعي الجامع يعتمد على العقل والمنطق ويبني عليه المشروع الوطني القابل للبقاء والثبات الهادف إلى تحقيق السلام والوئام بين فئات المجتمع، وهو طريق الأمن والاستقرار، أما القبضة الأمنية الحديدية فليست سوى حالة أو محطة سياسية مؤقتة تخدم أجندة خاصة لفرد مستبد أو حزب أو جماعة مستبدة، فالعدالة تنافي الاستبداد وتناقضه بكل صوره وأشكاله، وأبرزها الحكم الملكي الوراثي أياً كان الأساس الذي يقوم عليه، فتوريث السلطة عدوان على فطرة الله، ولهذا فإن استخدام القوة المشروعة إنما يكون تنفيذا لمبدأ سيادة القانون وفي الحدود التي تحقق العدالة، وأي تجاوز لهذا المبدأ وهذه الحدود إنما هو اعتداء على حق الشعب في الحرية والعدالة والحياة الكريمة، وهي أكثر الجرائم شمولاً لأنها تمس كل فرد من أفراد المجتمع وكل مؤسسة من مؤسساته .
قصصت لنا بعض ما في ضميرك
قالوا تركت طريق الهداية
وخضت بحار التفلسف والزندقة
فماذا دهاك؟
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
محمد بن سلمان يوجه رسالة تاريخية ونادرة إلى المعارضين في الخارج بشأن العودة
ونقل رئيس جهاز أمن الدولة عبدالعزيز الهويريني، رسالة ابن سلمان عبر قناة "إم بي سي"، قائلا إن هذه الرسالة هي توجيه حرفي من ولي العهد.
وأضاف أن "المملكة ترحب بعودة من يسمّون أنفسهم معارضة في الخارج، بشرط ألا يكون عليهم حق خاص كجرائم القتل أو السرقة أو الاعتداء".
وأشار إلى أن "من كان مجرد مغرر به أو مستغل من جهات مغرضة، فإن الدولة لن تعاقبه إذا قرر العودة، وذلك بتوجيه من سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان". وزعم الهويريني أن نحو 20 بالمئة من المعتقلين السعوديين على خلفية قضايا سياسية، تم اعتقالهم بناء على رغبة ذويهم، لعلمهم بوجود مسار تصحيح فكري داخل السجن، بحسب قوله.
وخلال الشهور الماضية، عاد عدد من المعارضين السعوديين غير المعروفين إلى المملكة، فيما يرفض آخرون ذلك لعدم ثقتهم بوعود السلطات السعودية.
وفي تعليقه على دعوة ابن سلمان، قال المعارض المقيم في كندا عمر الزهراني، إنه وغيره من المعارضين البارزين لن يعودوا، منوها إلى أن الدعوة هذه موجهة بالأساس إلى معارضين جدد، أو أشخاص يقيمون في الخارج ويخشون المساءلة في حال عودتهم إلى المملكة.
وقال الزهراني إنه بواقع تجربة شخصية مع ولي العهد، فإنه غير مقتنع بهذه الدعوة، مشيرا إلى أن أشقاءه وأصدقاءه معقتلون منذ العام 2018، كوسيلة ابتزاز لإجباره على العودة.
ولفت إلى أن هذه الدعوة تأتي ربما في سياق محاولة السعودية إصلاح الوضع الحقوقي، لجذب الاستثمارات الخارجية.
في حين قال الأكاديمي المقيم في الولايات المتحدة سلطان العامر، إن مبادرة ابن سلمان على لسان الهويريني تبدو مصداقيتها عالية، مضيفا أنها "فرصة لمن صعبت عليه حياة المهجر والمنفى، ومستعد للتنازل عن العمل السياسي والبدء بحياة جديدة".
وأضاف "لا شك في أن السياسات الأخيرة في تسوية ملفات المعتقلين والانفتاح على تسوية ملف المعارضة الخارجية هو تقدم إيجابي ومرحب به، لكن تبقى المسألة الجوهرية لم تتغير: أن مستوى الحريات الفكرية والسياسية عندنا ما زال في مستويات متدنية".
الكاتب السعودي نواف القديمي، المقيم في الخارج أيضا، قال إن مبادرة ابن سلمان جيدة، لكنه اعترض على صياغة الهويريني عن المعنيين بالمتواجدين في الخارج بعبارة "تم استغلالهم م نمغرضين، أو يدفع لهم، أو مغرر بهم".
وأضاف "حتى مع وجود هكذا حالات، إلا أن ثمّة من بقوا في الخارج بسبب موقف سياسي مرتبط بمستوى الحريات المُنخفض، والقمع المُحتمل بسبب آراء سياسية". وخلال الأسابيع الماضية، أفرجت السعودية عن العشرات من المعتقلين بينهم دعاة وناشطون وأكاديميون بارزون.
مبادرة سياسية جيدة ومحمودة لعودة مئات الشباب من الخارج، ممن لم يفعلوا "وفق المنطق الأمني" ما يستوجب أخذ أي إجراء ضدهم.
وعودتهم إلى بلدهم مع ضمان سلامتهم هو الخيار الصائب دائماً.. لكن أعتقد أن صياغة المُبادرة لم يكن بالشكل المطلوب، بسبب وصم هؤلاء بأنهم إما "تم استغلالهم