ما هو مصير الوساطات في الأزمة السودانية؟
تاريخ النشر: 30th, January 2024 GMT
ما هو مصير الوساطات في الأزمة السودانية؟
د. أماني الطويل
يشكل تجميد الحكومة السودانية لعضويتها في منظمة الإيجاد خطوة، تطرح أسئلة بشأن موقف جهود الوساطة الإقليمية من الأزمة المحتدمة في السودان، تحت مظلة الاستقطاب الداخلي السوداني الذي يأخذ أشكالا عرقية، وقبلية وأيضا جهوية، كما يطرح أسئلة موازية بشأن قدرة هذه الوساطات على اختراق حالة التعقيد المركب في المشهد السوداني المسلح.
بداية، لا بد من الإشارة أن خطوة تجميد السودان لعضويتها جاءت على خلفية قرار قمة طارئة لـ «إيجاد»، بتجديد الدعوة للقاء مباشر بين طرفي الصراع (الجيش وقوات الدعم السريع) في غضون أسبوعين، وذلك على الرغم من فشل المنظمة في تأمين حضور محمد حمدان دقلو (حميدتي)، لقاء تم ترتيبه بجيبوتي في ديسمبر الماضي لنفس الهدف أي جمع الجنرالين المتصارعين، وبدلا من حضور اللقاء، قام حميدتي بجولة للقاء رؤساء دول، هم أعضاء في منظمة إيجاد ذاتها في خطوة أقل ما يقال عنها، إنها مكايدة ضد البرهان ومن ورائه من قوى سياسية واجتماعية وقبلية وجهوية، ومن الأسف أن وافق عليها رؤساء دول في أداء دبلوماسي غير مطروق ولا مقبول.
وبطبيعة الحال السياسي الذي نعرفه في السودان رد البرهان على المكايدة بموقف سياسي، يجمد عضوية بلاده في منظمة إىجاد، بعد أن اتخذت قرارا بعقد قمة جديدة في كمبالا، دعت إلى نفس الإجراء أي لقاء البرهان وحميدتي متجاهلة طبقا لمنطوق بيان وزارة الخارجية السودانية القرار الرسمي من السودان بوقف انخراطه، وتجميد تعامله في أي مواضيع، تخص الوقع الراهن في السودان تحت مظلة منظمة إيجاد.
هذا النموذج من التفاعل الإقليمي مع الأزمة السودانية يشير إلى ضرورة توافر شروط بعينها للنجاح في مسألة الوساطة أولها، المسافة الواحدة بين طرفي الصراع، ويبدو أن إيجاد بسبب الدعم الذي تجده من الأطراف الغربية، ومقولات الحلول الإفريقية للأزمات الإفريقية التي يتبناها الاتحاد الإفريقي، دون فاعلية واقعية في حل الأزمات، تتجاهل هذه المسألة أو تتعالي عليها في وقت، يبدو فيه المشكل السوداني في بعض تجلياته تعبيرا عن صراع عرقي وجهوي إلى جانب الصراع السياسي، حيث لا بد هنا أن يؤخذ بعين الاعتبار مكوناته على الأرض، وطبيعة انحيازاته للرموز السياسية أو العسكرية التي تعبر عنه.
على أية حال، حضور ممثل عن الجامعة العربية في قمة كمبالا، قد يكون بداية انتباه من جانب إيجاد بضرورة تضمين، واحترام كافة المكونات السودانية وكافة تجلياتها.
ولكن على المستوى الإجرائي، وفي خطوة متعجلة ومستغربة ومتجاهلة الوقائع على الأرض، وجهت الأمانة العامة لـمنظمة الإيجاد والاتحاد الإفريقي، بالبدء في إجراء مشاورات مشتركة مع أطراف النزاع، لإطلاق عملية سياسية في غضون شهر، تنتهي بتشكيل حكومة ديمقراطية في البلاد، وهو ما يعني انحيازا جديدا لطرح، يتبناه حميدتي ومن معه للحصول على شرعية سياسية بحكومة تنفيذية.
على الصعيد المقابل، فإن الفريق البرهان يتجاهل الخيار التفاوضي ،وربما ما رشح عن منبر جدة في مراحله الأخيرة، يشير الي ذلك، حيث حقق المنبر خطوات متقدمة، فيما يتعلق بموافقة الدعم السريع على الانسحاب من مواقع محددة لها قيمة رمزية للقوات المسلحة السودانية، وتم تجاهل هذه الخطوة المتقدمة، وحدث انسحاب لوفد الجيش بضغط، فيما يبدو من جانب أجنحته المتأثرة برموز الجبهة القومية الإسلامية في السودان، وربما هذا ما يفسر ضعف الحماس السعودي للفاعلية في الأزمة السودانية، والتمثيل الدبلوماسي منخفض المستوى في قمتي إيجاد الأخيرتين.
وقد ترتب على إهمال الخيار التفاوضي من جانب البرهان على الرغم من اختلال الميزان العسكري لصالح الدعم السريع، منذ نوفمبر الماضي، أن تم اللجوء لأطراف إقليمية مثل، إيران لتسليح الجيش من جهة، وكذلك طرح مقاومة سميت (بالشعبية) ممن تم تسميتهم بالمستنفرين، وهم منتشرون جهويا في شمال ووسط وشرق السودان، ويمثلون القاعدة القبلية والاجتماعية لكل من الجيش، وتيار الإسلام السياسي في السودان.
في هذا السياق، نستطيع أن نرصد تداعيات إهمال الخيار التفاوضي في عدد من النقاط منها، أن استدعاء إيران لنقطة تمركز جديدة على شاطئ البحر الأحمر تحت مظلة الصراع في غزة، قد يشكل حساسية، بل رفض أمريكي للأداء السوداني، وبالتأكيد مثل هذه الخطوة، لن توافق عليها كل من المملكة العربية السعودية ومصر، بحسبان أن هذه الإتاحة السودانية لإيران، هي قوة مضافة لإيران غير مطلوبة، ولا مقبولة إٍقليميا.
أما على الصعيد الداخلي، فإن تسليح المدنيين قد ترتب عليه فوضى لحظية، حيث باع البعض منهم قطع السلاح لمجهولين واستخدموا الأموال في الخروج من السودان، كما برزت مصالح ضيقة لبعض رجال الأعمال السودانيين متوسطي القدرة الاقتصادية، جعلهم يمولون ويدعمون مدنيين بالسلاح في خطوة لموالاة الجيش، نظير حرية تعدين الذهب في بعض المناطق، كما أسفر الخطاب الاستقطابي المصاحب لعملية الاستنفار التي أطلقها البرهان، أن تم طرد مواطنين سودانيين منتمين للغرب من ولايات الوسط والشمال، وفي المقابل تم طرد مواطنين، ورجال أعمال من الوسط من مناطق غرب السودان.
وعلى صعيد مواز، فإنه يبدو، أن أكثر الأطراف تشددا ضد التفاوض، وهو علي كرتي، الأمين العام للجبهة القومية الإسلامية، بات طبقا لتسريبات متطابقة من عدد من الأطراف غير مسيطر على شباب الحركة الذين انخرطوا في حملات الاستنفار، ومن المتوقع، أن يكونوا قد تحالفوا مع خلايا نائمة لتنظيمات متطرفة مثل، داعش وغيرها في تطور غاية في الخطورة للسودان، وللإقليم الممتد من شرق إفريقيا نحو شمال القارة.
هذا المشهد بالتأكيد، يذكر بنمط الصراع الصومالي الذي أنتج أمراء للحرب على مستوى المناطق، وأسفر عن حرب أهلية ضعضعت الصومال وما تزال.
وقد يكون السؤال المطروح في هذه التفاعلات الساخنة، والمعقدة بالسودان، ماهي الشروط اللازمة؛ لتطوير موقف البرهان ومن معه للانخراط في عملية تفاوضية، دعوت إليها قائد الجيش السوداني من أكتوبر الماضي، أي قبل سقوط نيالا، وأكدت عليها، فيما عرف ونقل عني تحت عنوان حديث إلى البرهان.
في تقديري، مطلوب تقدير صحيح، يستبصره البرهان، ومن معه في هذه المرحلة الدقيقة، وهو تقدير قائم على محورين: الأول، أنه رغم اختلال الميزان العسكري لصالح الدعم السريع، إلا أنهم لن يستطيعوا حكم السودان؛ لأسباب مرتبطة بالوعي العام، بأن المشروع السياسي الذي يطرحه حميدتي حاليا، لا يملك مصداقية من ناحية الجدية في الخيار التفاوضي، وذلك بعد أن مارس مكايدة، ضد البرهان في جيبوتي، ولا يملك مصداقية في الموقف من التحول الديمقراطي؛ بسبب مشاركته في انقلاب أكتوبر ضد المدنيين، وربما بسبب ذلك، نرى أن تحالفه مع المدنيين في تحالف “تقدم” هو نوع من التحالفات الانتهازية المؤقتة التي تعرفها السياسية السودانية تاريخيا.
أما المحور الثاني، فهو وجود حاضنة شعبية للجيش من جانب الطبقة الوسطى السودانية الغير منخرطة في التفاعلات السياسية، وهي الطبقة القائدة والمرجحة للتحولات السياسية في أي بلد.
في هذا السياق، فإنه ربما يكون من المطلوب في هذه المرحلة، هو تقدم قوى إقليمية بمبادرة جديدة، تقوم على أسس الحياد السياسي بين الأطراف السودانية، والكفاءة الإجرائية؛ لإقناع البرهان الذي هو في موقف قوة بالفعل، بالدخول في تفاوض، يحقق وقفا لإطلاق النار، طال انتظاره في السودان، وذلك قبل الانخراط في حرب أهلية شاملة.
الوسومأماني ال الأزمة السودانية البرهان الخيار التفاوضي القوات المسلحة الوساطات حميدتي د. أماني الطويل منبر جدةالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الأزمة السودانية البرهان القوات المسلحة الوساطات حميدتي د أماني الطويل منبر جدة الأزمة السودانیة الدعم السریع فی السودان من جانب
إقرأ أيضاً:
أزمة السودان.. جهود دولية إنسانية دون حل سياسي في الأفق
مع استمرار الحرب في السودان تزداد معاناة ملايين المدنيين من انعدام الأمن الغذائي، بينما لا تلوح في الأفق أي مؤشرات لحل سياسي ينهي القتال الدائر في البلاد منذ 15 أبريل 2023.
الدبلوماسي الأميركي السابق ومدير الشؤون الأفريقية الأسبق في مجلس الأمن القومي، كاميرون هدسون أكد أنه لا يوجد مؤشرات تلوح في الآفق بشأن اتفاق للتهدئة في السودان.
ويرى أن تركيز الجهود الدولية حاليا يتعلق بإيصال المساعدات الإنسانية، ولا جهود تتعلق بالعملية السياسية في السودان، مشيرا إلى أن مساعي واشنطن في جمع الأطراف المتحاربة في السودان لم تنجح.
وأعلنت واشنطن الخميس عن تخصيصها مبلغا إضافيا بقيمة 200 مليون دولار لمواجهة الأزمة الإنسانية في السودان، ليرتفع بذلك إجمالي المساعدات الأميركية إلى 2.3 مليار دولار.
وأضاف هدسون أن واشنطن أيضا لم تنجح في وضع حدود للقوى الدولية التي تغذي الصراع في السودان، لافتا إلى أن الولايات المتحدة “في وضع صعب” فيما يتعلق بالتعامل مع الأزمة في السودان، خاصة مع تبقي شهر واحد لإدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن.
ولا يعتقد أن الأزمة في السودان تتصدر أولويات إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب.
منذ أبريل 2023، يشهد السودان حربا بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الملقب حميدتي.
وقال هدسون إن تقديم المساعدات لوحدها للسودان غير كافية، ولكن ما نحتاج إليه هناك هو حل سياسي للأزمة، مشيرا إلى أن واشنطن لم تستخدم كل الأدوات المتاحة لها للضغط في هذا الإطار، إذ لم تفرض عقوبات، ولم يتم إيقاف تغذية الصراع من قوى إقليمية.
والخميس، حذر برنامج الأغذية العالمي من أن السودان قد يشهد أكبر مجاعة في التاريخ الحديث، مع 1.7 مليون شخص في البلد إما يعانون الجوع أو هم معرضون له، إضافة إلى ذلك، يعاني حوالي 26 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي في البلد.
وأوضح هدسون أنه تم فرض عقوبات على بعض الأفراد في قوات الدعم السريع، والتي لم تكن فعالة لتغيير سلوكيات هذه القوات، وفي الوقت الذي ظهرت فيه دلائل على تقديم دولة الإمارات لأسلحة في السودان إلا أن واشنطن لم تتحدث بصرامة معها بهذا الشأن، تم الاكتفاء بنفي أبو ظبي إرسال أسلحة، وهذا يعني أن الولايات المتحدة تفضل علاقاتها مع الإمارات وإن كان ذلك على حساب مقتل العديد من المدنيين في السودان.
وقال هدسون إن رد وكالات الأمم المتحدة لم يكن كافيا في السودان، وهذا يعود للتمويل وللأولويات التي تفرضها الدول الأعضاء على المشهد، إذ أنها لا تحظى بذات الأولوية مثل ما يحدث في حرب أوكرانيا، أو حرب إسرائيل في غزة.
وتسيطر قوات الدعم السريع بشكل شبه كامل على إقليم دارفور ومساحات واسعة من منطقة جنوب كردفان ومعظم وسط السودان، بينما يسيطر الجيش النظامي على شمال وشرق البلاد.
وحتى الآن، لم يتمكن أي من المعسكرين من السيطرة على كامل العاصمة الخرطوم التي تبعد ألف كيلومتر شرق مدينة الفاشر.
وأودت الحرب بحياة عشرات الآلاف وشردت أكثر من 11 مليون شخص وتسببت بما تعتبره الأمم المتحدة أسوأ أزمة إنسانية في الذاكرة الحديثة.
ويتهم الجيش وقوات الدعم السريع باستهداف المدنيين والمرافق الطبية بشكل عشوائي، وبقصف مناطق سكنية عمدا.
الحرة
إنضم لقناة النيلين على واتساب