الإيغاد: يوم لم يلتق جنرالا السودان وجهاً لوجه «1- 2»

د. عبد الله علي ابراهيم

ربما لم يخسر السودان كثيراً من مقاطعة الفريق ركن عبد الفتاح البرهان لمؤتمر منظمة الهيئة الحكومية للتنمية في أفريقيا (إيغاد) بكمبالا في الـ20 من يناير الجاري وتجميد عضوية السودان فيها بتاريخ الـ24 من الشهر نفسه، سواء كان الحق مع تظلم السودان منها أو لم يكن.

فلم يكن البرهان وحده من سجل غياباً عن القمة، فقد غاب عنها رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد معتذراً بسابق ارتباط، في حين كان في كمبالا اليوم التالي يحضر مؤتمراً آخر للدول غير المنحازة. وغير خاف أنه غاب قصداً لأنه لم يرد أن يستجيب لدعوة “إيغاد” للرجوع عن اتفاقه مطلع يناير مع حكومة أرض الصومال المنشقة عن دولة الصومال، لاستئجار موانئ فيها وقواعد لإثيوبيا لـ 50 عاماً لقاء الاعتراف بها كدولة مستحقة. ووصفت “إيغاد” الاتفاق الذي يعده آبي أحمد وجودياً لدولته التي بلا ساحل، حركة عدائية وخرقاً لسيادة الصومال ووحدته. ورفضت الصومال التفاوض مع إثيوبيا إلا بعد نقض الاتفاق. وربما عبّر المدير السابق لمكتب المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان كاميرون هدسون عن المعنى الذي أردناه بقوله إن “البرهان لن يتكبد أي كلفة بغيابه عن القمة، لأنها لم تسفر عن جديد في مناقشاتها”.

فكانت “إيغاد” علّقت إيقاف الحرب في السودان على لقاء بين الجنرالين البرهان وحميدتي وجهاً لوجه، ولا يعرف المرء سابقة تراضت فيها أعلى مستويات القيادة في طرفي الحرب على إيقافها أو نحوه وهي لا تزال مشتعلة كراً وفراً. ولا نعرف مثل لقاء الوجه لوجه بين قادة أطراف الحرب إلا في سياق استسلام طرف للآخر في مثال نهاية الحرب الأهلية الأميركية عام 1865، التي التقى فيها قائد القوات الكونفدرالية الجنوبية روبرت لي مع قائد القوات الفيدرالية يولسيس غرانت ليستسلم، إذ تخدم طواقم من مستويات أدنى في الدبلوماسية والدفاع وغيرهما وظيفة التفاوض نحو الهدن وإيقاف النار والسلام.

أدخل تعويل “إيغاد” على إنهاء الحرب في السودان بالضربة القاضية، أي بلقاء الجنرالين، المفاوضات في سياقات عكرت مناخها بدلاً عن ترويقه ناهيك ببلوغ إنهاء الحرب به. فبدا من نهج لقاء الجنرالين وجهاً لوجه أن حربنا بالفعل عبثية باعثها طموح كل منهما حكم السودان وحده. وكأنهم يوحون بهذا النهج أن الجنرالين ربما، متى التقيا وجهاً لوجه، عقدا صفقة ما للاشتراك في الحكم بحظوظ متفق عليها وكفى الله المسلمين شر القتال، وهذا فهم قاصر لما انطوت عليه هذه الحرب. فخلافاً لمن يريد تثبيت الجنرالين وقسمة الدولة بينهما، فالجنرالان لا مكان لهما في تطلع جماعات سودانية وثورات تتالت عبر عقود لدولة مدنية ديمقراطية. فمنشأ “الدعم السريع” نفسه كان في خصومة نظام مثل دولة الإنقاذ (1989 – 2019) لهذا التطلع فاستأجرته لطي صفحته. وعليه فهو كيان بلا هوية في مثل الدولة الوطنية الحديثة المدنية التي ينعقد للجيش فيها إدارة العنف الشرعي نيابة عن حكومة الدولة.

ولم يكف المتطلعون للدولة المدنية من مطالبة الجيش منذ احتلاله الحكم عام 1958 بالعودة للثكنات. فكلما انقلب وعاد للحكم في 1969 و1989 عاد بالثورات إلى الثكنات، وربما رأى الجيش بنفسه اضطراره اليوم ليدافع عن ثكناته واحدة بعد الأخرى بوجه “الدعم السريع” الذي عثر به في شعوائه للحكم والإصرار عليه، وها هو ينشب براثنه فيه. فالجنرال في الجيش، متى استقام في ثكناته، ممنوع في منظورنا من الطموح في الحكم. ونريد لأفراد الجيش ألا يقسموا، في قول رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة الأميركية مارك منلي، “لملك أو ملكة أو طاغية أو ديكتاتور أو لمن يطمع في أن يكون ديكتاتوراً”.

وهذا المطلب في مدنية الدولة الحديثة ما ننوء تحت كاهله في زمن تفاقم ظاهرة الطوائف المسلحة من خارج الدولة من ميليشيات وعصابات ومافيات حتى تكاد تتلاشى الحدود بين السياسة والجريمة، فجاء في الأخبار عن الأكوادور أخيراً أن نفراً من عصابة للمافيا احتلوا محطة تلفزيون ما بعد هرب رفاق لهم من السجن، فتقدم أحدهم إلى الميكرفون ليقول “عندي رسالة للرئيس. حذار أن تعابث المافيا”، فأنزل رئيس الجمهورية دانيل نوابوا الجيش وأعلن حال الطوارئ قائلاً “نحن وهم في حال حرب”، وهذه حالنا وحربنا.

ويستغرب المرء لماذا احتاجت الدول الأفريقية التي زارها حميدتي إلى الحماسة في استقباله كرجل دولة، فيما لم يحتج هو لغير “فوتو أوب” تزين انتصاراته الأخيرة في ميدان الحرب. فتطفلت بإدخال الأنا على صراع الجنرالين العلني حول من له الدولة فعكرت بغير داع سياق المفاوضات التي دعت الجنرالين إليها، بل وقوضته.

ويستغرب المرء لماذا احتاجت الدول الأفريقية التي زارها حميدتي للحماسة في استقباله كرجل دولة فيما لم يحتج هو لغير فوتو أوب تزين انتصاراته الأخيرة في ميدان الحرب. فتطفلت، بإدخال الأنا ego، على صراع الجنرالين العلني حول من له الدولة. فعكرت بغير داع سياق المفاوضات التي دعت الجنرالين لها. بل وقوضته.

وعاد استقبال جنوب أفريقي ورواندا الحفي بحميدتي بما قد لا يرضيانه. فاستهولت الإيكونيميست زيارة حميدتي، وهو الذي تلاحقه الإدانات بالجنوسايد منذ 2004 إلى أن أعملت قواته والمليشيات المتحالفة يدها في شعب المساليت في يوم الناس هذا، لضريح ذكرى ضحايا جنوسايد روندا في كيقالي. فكتبت المجلة تقول: “من الصعب تصور سخرية قدر أعظم من تلك التي يُرحب فيها برجل متهم بالتطهير العرقي في جولة رسمية لنصب لذكرى هذه الجريمة البشعة”. أما أمر استقبال جنوب أفريقيا لحميدتي على الرحب والسعة فأشد نكالاً بها. فوجدت نفسها في “خشم” الإسرائيليين كما نقول. فكتبت مجلة “الديلي مافرك” تسأل عن تفسير لمجيئها إلى محكمة العدل الدولية بلاهاي خصماً لإسرائيل بتهمة ارتكاب التطهير العرقي للفلسطينيين في غزة بعد أسبوع من تناول رئيسها فنجان الشاي مع لورد حرب مضرج اليد بدم ضحايا تطهيره العرقي. وسمت المجلة طريق جنوب أفريقيا من حفل الشاي إلى محكمة العدل “طريقاً شقياً مقرفاً إلى النفاق”. وهكذا اعتور نبل جنوب أفريقيا غير المسبوق لوقفتها بجانب شعب فلسطين نقصاً لا يريده أي أحد منا له. ونواصل.

IbrahimA@missouri.edu

الوسومالإيغاد البرهان الجيش الدعم السريع الدول الأفريقية السودان حميدتي د. عبد الله علي إبراهيم

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الإيغاد البرهان الجيش الدعم السريع الدول الأفريقية السودان حميدتي د عبد الله علي إبراهيم

إقرأ أيضاً:

البرهان يشارك بقمة ثلاثية في جوبا ومعارك في الخرطوم والفاشر

قال وزير خارجية دولة جنوب السودان رمضان محمد عبدالله إن رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان وصل إلى جوبا ودخل في مباحثات مع نظيره السوداني الجنوبي سلفاكير ميارديت حول التطورات في ملف السلام بجنوب السودان.

وأضاف أن الرئيسان سيبحثان أيضا عملية السلام في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع.

وسيعقد البرهان لقاء مع أطراف السلام في جنوب السودان من بينهم ريك مشار النائب الأول لرئيس جنوب السودان ورئيس الحركة الشعبية في المعارضة وأطراف أخرى في ختام زيارته إلى جوبا.

وأشارت مصادر صحفية سودانية إلى أن الرئيس الإرتيري أسياس أفورقي سيشارك في قمة إلى جانب البرهان وسلفاكير.

ووصل البرهان رئيس إلى جوبا برفقة وزيرا الخارجية والبترول، حيث كان جنوب السودان يعتمد على جارته الشمالية في تصدير نفطه، لكن بات يواجه صعوبات وخلافات في النقل بسبب القتال الدائر في السودان.

استمرار القتال

وتأتي هذه الزيارة مع استمرار المعارك بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني في عدة مناطق. حيث قالت مصادر محلية للجزيرة إن قوات الدعم السريع قصفت بالمدفعية الثقيلة أحياء منطقة أبَشوك غربي مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور.

وفي العاصمة الخرطوم، قالت مصادر محلية للجزيرة إن طيران الجيش السوداني قصف صباح اليوم مواقع قوات الدعم السريع بمدينة الخرطوم بحري شمالي العاصمة.

وأشارت المصادر إلى أن أعمدة الدخان تصاعدت من المواقع المستهدفة عقب الطلعات الجوية للجيش، كما تشهد مدينة بحري انتشارا واسعا لقوات الدعم السريع منذ أكثر من عام في وقت يحاول الجيش استعادة هذه المواقع.

وامس الأحد قتل 40 مدنيا على الأقل، في هجوم لقوات الدعم السريع على قرية وسط السودان، وفق ما أفادت لجنة شعبية غير رسمية.

ويخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل/نيسان 2023 حربا خلفت نحو 16 ألفا و650 قتيلا، وتسببت في تشريد ملايين الأشخاص.

وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء هذه الحرب، بما يجنب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع الملايين إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 13 ولاية من أصل 18.

مقالات مشابهة

  • قمة رئاسية ثلاثية تجمع البرهان مع رئيسي جنوب السودان وإريتريا في جوبا
  • البرهان يشارك بقمة ثلاثية في جوبا ومعارك في الخرطوم والفاشر
  • «البرهان» يغادر إلى جوبا في زيارة رسمية
  • رئيس جنوب السودان يستقبل البرهان في مطار جوبا ضمن جولة اجتماعات يشارك فيها الرئيس الإرتري أسياس أفورقي
  • ???? هل سيحمل البرهان العالم لتصنيف الدعم السريع منظمة إرهابية؟
  • البرهان إلى جوبا لحضور قمة ثلاثية حول تداعيات الحرب بالسودان
  • هل سيحمل البرهان العالم لتصنيف الدعم السريع منظمة إرهابية؟
  • الجيش يتوقع إنهاء الحرب في السودان قبل نهاية العام الجاري و يكثف غاراته الجوية على “الدعم السريع” في مدن عدة
  • يواجهون ظروفًا قاسية.. البرهان يتفقد النازحين في عطبرة
  • ???? الجنرال البرهان .. ليس امامك سوى هذا الحل!!