بتجرد:
2025-01-19@19:53:09 GMT

“مقسوم”.. هدايا الماضي في “وقفة الستات”

تاريخ النشر: 30th, January 2024 GMT

“مقسوم”.. هدايا الماضي في “وقفة الستات”

متابعة بتجــرد: من الممكن أن نجزم أن تعاون المؤلف هيثم دبور مع المخرجة كوثر يونس في فيلم “مقسوم”، هو انجذاب طبيعي بين مؤلف ومخرجة كلاهما مشغول بسؤال الماضي بشكل ملح وملموس، كما يسهل رصده في أعمالهما السابقة.

كوثر التي أنجزت عام 2015 فيلمها التسجيلي الطويل “هدية من الماضي”، عن رحلتها الغريبة مع أبيها مختار يونس، من أجل البحث عن حبيبة شبابه الإيطالية، في تجربة تحليل شخصي ونفسي ودرماتيكي مفعمة بالأسئلة، حول علاقة أشواك الماضي بتمزقات الحاضر من ناحية، ومسائلات جيل الأبناء لجيل الآباء في الحب والفن والحياة من ناحية أخرى.

ودبور الذي يبدو، رغم سنوات عمره الشاب مهموماً بأسئلة الخريف، وحمل الزمن والنظرة إلى الوراء حيث اللحظة التي يضع فيها الإنسان عمره في ميزان الوجود والتحقق، لكي يحسب قيم المكسب والخسارة بعد أن تلوح المحطات الأخيرة على مرمى الأيام. وهو ما سبق أن رأيناه في فيلمي “فوتوكوبي” 2017، و”وقفة رجالة” 2021.

بل ويمكن مد خط المشروع السينمائي على استقامته، لنرى تلك العلاقة المتجذرة -على مستوى الفئة العمرية وطبيعة البناء الدرامي ومراحل تطور الصراع- بين الديناصور “محمود” بطل “فوتوكوبي”، ومجموعة “الجراندات” في “وقفة رجالة”، وسيدات “مقسوم”، الذي يمكن اعتباره النسخة النسائية من الفيلم الذي قدم 3 نماذج ذكورية يخطون نحو الخريف الأخير، لكنهم يقررون في لحظة زيارة الموت لزوجة أحدهم أن يعملوا على إيقاف الزمن من أجل التقاط أنفاس السعادة، كي يحظوا بحاضر طيب يوازي جمال الماضي وذهبيته.

لمّ الشمل

تعتبر تيمة لمّ الشمل (Reunion) من التيمات ذات الصبغة الحميمية الدافئة، والتي تصلح عادة في الأفلام التي من بطولة أفراد لأسرة واحدة ممزقة، أو مجموعة مشتتة من الأصدقاء، أو الرفقاء القدامى، الذين طبعت الشراكات الروحية والشعورية الغابرة بصمتها الأثيرة على وجدانهم الجمعي.

هذه التيمة تمثل نصف جاذبية “مقسوم”، لما لها تمثله رحلة الوصول إلى ذروتها مساحة جيدة لبث التفاصيل، وإزكاء الصراعات رئيسية كانت أو جانبية، والاطمئنان أن المشاهد غالباً ما سوف يتلقى في النهاية جرعة إيجابية من الأحاسيس التي تغمره تجاه الحياة والناس.

3 سيدات يرتعشن داخلياً من إرهاصات شتاء قارص، يجدن أنفسهن في مهب فرصة مفاجئة لإعادة الشمل الذي يرفضنه ظاهرياً، بينما كل منهن تتوق لأن تتصل وتتواصل مع رفيقاتها السابقات، واللائي يبدأ بهن الفيلم في مقدمة بجودة شرائط الفيديو القديمة تعرض ماضيهن المشترك، حين شكّلن فريقاً غنائياً شهيراً توقف وانحلت أوصاله قبل 30 سنة تقريباً.

التيمة دافئة وحمالة أوجه للمرح والمغامرة، خصوصا مع مدبري لم الشمل وهما مخرج شاب ومساعدته الحيوية (عمرو وهبة وسارة عبد الرحمن)، يريدان أن يحصلا على حقوق استغلال واحدة من أغاني الفريق، التي تدور حولها أحداث فيلمهما- هنا أيضاً تقاطع واضح بين تيمة “لم الشمل” وتيمة “أفلام عن الأفلام”، وهي أيضاً من التيمات الجذابة.

 ولكن بسبب الأسرار القديمة أو ما يمكن اعتباره أسراراً، ثمة أزمة كبيرة في تحقيق حالة “لم الشمل” بين السيدات الثلاث، العزباء المثيرة السكيرة الباحثة عن رجل أخير تكمل معه ما تبقى من الرحلة (ليلى علوي)، والجدة التي تنضح براحة المحشي، وتلعن يوم زواجها برجل هدام للآمال والطموح (سماء إبراهيم)، و”الديفا” التي تريد الاحتفاظ بجمالها الزائل عبر عمليات التجميل، وممارسة وجود قمعي لابنها وابنتها بحجة رعاية شؤونهما (شيرين رضا).

إنها “وقفة ستات” مثالية لإعادة إنتاج نسخة نسائية من فيلم ناجح ومفعم بطاقات مرحة مثل “وقفة رجالة”، بل إنها في مقابل رحلة الرجال الثلاث في الفيلم الذكوري، نجد المخرج ومساعدته يقرران أن يجعلا لم الشمل عبر رحلة مماثلة، ولكن إلى أسوان – دون حاجة درامية أو مبرر منطقي لها سوى تطابق باهت بين الفيلمين- لتبدأ سلسلة من المواقف الصادمة والطريفة في ذات الوقت، والتي تجعل من لم الشمل عملية صعبة ومعطلة طوال الوقت بسبب التعنت أو افتعال المشاكل.

وصحيح أن محطات الرحلة تبدو ظاهرياً على قدر من الغرابة والعبث، إلا أنها تفتقد في مجملها إلى الروح النابضة بالكوميديا الحقيقية، حيث ثمة تعمد واضح لأن تكون اللقاءات محور صدام كاريكاتوري مفتعل، يعززه فقط تطرف صفات الشخصيات الثلاث، وكأنهن ثلاثة أطفال ولسن سيدات يملكن ماض مفعماً بالتجربة الفنية والإنسانية، ثم إنهن لسن في المرحلة العمرية الائي يتحول فيها الإنسان بحكم أرذل العمر إلى طفل مشاغب أو عنيد، وبالتالي فإن طبيعة المواقف التي يمكن أن تمثل صراعات منطقية ومقنعة، وتستدعي الضحك حتى في أكثر المواقف سوداوية، غير ناضجة بالقدر الكافي.

يمكن أن نرصد هذا في مشهد الشجار داخل الطائرة أثناء التوجه إلى أسوان، والذي جاء بسبب تافه جداً وهو خناقة (مين يقعد جنب الشباك) ثم تطور بصورة غير مفهومة أو مقنعة لمجرد توريط الشخصيات كلها في (خناقة بالوسادات Pillow Fight) على خلفية أغنية إديث بياف، في محاولة لخلق تناقض بين الصوت والصورة يضاف إلى كيمياء المشهد – بصورة مكررة شاهدنها كثيراً- لكن المحصلة لم ترق في النهاية لأن يصبح ماستر سين كوميدي يضج بالعبثية ويصنع الضحك.

المقسوم

يمكن أن نتوقف أيضا أمام عنوان الفيلم، وهو عنوان جذاب حمال أوجه، فمن ناحية هو إيقاع موسيقى محبب لأذن المستمع الشرقي وذو تقاسيم كان يمكن بقليل من الجهد ان يتم تطبيقها على إيقاع الدراما وحركة الشخصيات، ولكننا لم نلمس هذا بصورة واضحة، كذلك هو اسم الأغنية التي يرغب المخرج أن يحصل على حقوقها، وبالتالي يتصنع فكرة لم الشمل من أجل تسجيلها للفريق العائد من غبار الماضي، وهو أقرب تأويلات العنوان لمضمون القصة،.

ومن ناحية ثالثة هو المرادف الشعبوي لفكرة القدر في الوجدان الجمعي (أي ما كُتب للإنسان من رزق أو ابتلاء)، وهو ما لا نراه حاضراً بشكل عضوي في سياق الأحداث، فما حدث بين الشابات الثلاث في الماضي، وأدى إلى تفرق شملهن لم يكن من باب (القسمة والنصيب)، ولكنه صراع على رجل (بين امرأتين منهما) وتعالي وغرور من ثالثتهن، وهو ما نراه منذ المشاهد الأولى، حين نجد السكيرة تطلق على كلبها الأنثى اسم “مدحت” لنكتشف في المشهد التالي أنه اسم زوج الثانية؛، وبالتالي يصبح الإرهاص بالسر أو الألم التراجيدي متوقعاً.

ولولا أن ورد الحديث عن (المقسوم/ المكتوب) في الفيلم على لسان الشخصيات في ذروة صدامهن، لما وضعنا السيناريو أمام محاولة الربط بين تأويل العنوان والأحداث التي تعيشها الشخصيات أو توجهاتها الشعورية والنفسية.

ثمة أيضاً حالة من النمطية المكشوفة على مستوى الأداء، رغم التنوع الضخم في فريق التمثيل، والذي تمثل في عدد كبير من ضيوف الشرف، فكم من المرات شاهدنا شيرين رضا في هيئة “الديفا” الشرسة المتعالية الخطيرة، وما هي عدد الأدوار التي قدمتها سماء إبراهيم بكل طاقتها، ولكن في نفس المضمار الضيق الذي تنافس فيه عبلة كامل وقت توهجها، أما ليلى علوي فهي بريق معتق غير قابل للخفوت وهي أكثرهم قدرة على التلون بما منحه لها السيناريو من أبعاد درامية مختلفة وغير تقليدية.

يجتمع أيضاً تحت مظلة النمط المكرر كل من عمرو وهبة وسارة عبد الرحمن، اللذان يعودان في هذا الفيلم إلى بداياتهما كأن ما مرا به من تجارب لم يساعدهما على كسر النمط الذي بدا وكأنه تم استدعاؤهما من أجله.

“كوثر” و”دبور”

عقب تجربته الأخيرة مع أحمد حلمي في فيلم “واحد تاني” يمكن اعتبار “مقسوم” خطوة للأمام بالنسبة لهيثم دبور، على مستوى الدراما المفعمة بالمشاعر والتفاصيل، لكن بالمقارنة مع “وقفة رجالة” يمكن اعتباره خطوة للخلف، أو في أحسن تقدير (محلك سر).

أما كوثر يونس، فأفضل ما قدمته أنها حاولت أن تبحث لنفسها عن موطئ قدم في عالم الفيلم الروائي، بعد أن قدمت تجربة تسجيلية مفعمة بالتحرر والارتجال والمغامرة البصرية والدرامية على حد سواء، في العمل الأول كانت تسير وفق رحلة غامضة مجهولة الملامح والمحطات، لكن بخطى ثابتة ومرحة، ولكنها هنا تبدو مقيدة تحت سقف السيناريو، تريد أن تنفلت أو تتحرك، لكن العالم الروائي يخنقها، ويبدو أن علاقتها بالشخصيات الذكورية أفضل من علاقتها بالشخصيات النسائية -كان أبوها هو بطل فيلمها الأول-  وهو ما يمكن رصده في مشاهد هاني خليفة في دور الطيار حبيب السكيرة، أو حتى مشاهد سيد رجب القليلة في دور الزوج ذو الاحتواء الهدام، وكأن كوثر بحكم كونها أنثى لا تصدق شخصيات الفيلم النسائية، وتشعر أنهن على قدر من الافتعال والعناد الأنثوي المبالغ في تطرفه.

تبقى الإشارة إلى أن الفيلم، رغم كونه يلعب على بعض النوستالجيا بالنسبة للكثيرين مع توجه ذكي لشريحة الكبار من المشاهدين، إلا أنه في نفس الوقت يحتوي على معادلة الفيلم الأسري المناسب لموسم إجازة نصف العام، ذو الأجواء المرحة، والسياقات المبهجة نسبياً- حتى في اللحظات الداكنة شعورياً- وهو ما يجعله وجبة متخففة من ادعاء العمق، لكن افتقاده للأصالة في البناء والأسلوب ربما يسلبه البقاء في ذاكرة الجمهور، وهي خسارة يجب الالتفات إلى أسبابها من قبل صناعه.

main 2024-01-29 Bitajarod

المصدر: بتجرد

كلمات دلالية: من ناحیة لم الشمل وهو ما

إقرأ أيضاً:

ما الذي يمكن أن تغيره انتصارات سوريا وغزة بالمشهد المصري؟

في 8 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، نجحت المعارضة السورية في الإطاحة بحكم بشار الأسد الذي فر إلى روسيا وتولى رئيس هيئة تحرير الشام أحمد الشرع الإدارة الجديدة، التي لاقت اعترافا دوليا وتلقت اتصالات واستقبلت وفودا من أغلب دول العالم، وبينها السعودية والإمارات ومصر على مضض.

كما أنه وبعد نحو 470 يوما من حرب الإبادة الدموية الإسرائيلية على قطاع غزة نجحت المقاومة الفلسطينية في فرض هدنة بوساطة دولية على الكيان المحتل، تبدأ الأحد، في تطور اعتبره مراقبون خضوعا من تل أبيب وانتصارا للمقاومة، وهزيمة لمحور التطبيع العربي.

وهو ما عبر عنه الكاتب الصحفي وائل قنديل في مقال له، بعنوان: "انتصار غزّة... هزيمة العرب"، مؤكدا أن انتصارها حال "دون سقوط ضحايا جدد في بئر التطبيع"، وأعاد "إعمار الروح العربية".



سياسيون ومعارضون ونشطاء مصريون تحدثوا لـ "عربي21" عن ما يمكن أن تغيره انتصارات سوريا وغزة بالمشهد المصري، واحتمالات أن يغار النشطاء والمعارضين المصريين مما حققته معارضة سوريا، وما تلى نجاحها من خضوع الإمارات والسعودية ومصر للأمر الواقع.

وأشاروا إلى تأثير الظروف الإقليمية والدولية على الحالة المصرية ومدى قبول العالم لمصر ولرئيس نظامها عبدالفتاح السيسي بما قبله لبشار الأسد وسوريا، مشيرين إلى معوقات تكرار المعارضة المصرية انتصارات سوريا وغزة.

ورصدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقريرها السنوي، انتهاكات النظام المصري في حقوق الإنسان، مؤكدة أن حكومة السيسي دخلت عقدها الثاني في السلطة وسط مواصلة سياسة القمع الشامل، باعتقال ومعاقبة المنتقدين والنشطاء السلميين بشكل ممنهج، وتجريم المعارضة السلمية.

"أضعف من الأسد والكيان"
وفي تقديره لما يمكن أن تغيره انتصارات سوريا وغزة بالمشهد المصري، قال السياسي المصري أحمد عبد العزيز،إن "انتصار الثورة السورية، بإزاحة جزار الشام الطائفي بشار الأسد، وانتصار المقاومة الفلسطينية على عدد من القوى العظمى بالعالم، وإرغام العدو الصهيوني على الخروج من غزة بشروط المقاومة، حدثان عظيمان فارقان".

المستشار الإعلامي للرئيس الراحل محمد مرسي، أضاف لـ"عربي21" أن ما حصل في سوريا وغزة "جاء بعد إحباطات وانكسارات متتالية دامت لأكثر من عقد؛ إذ رفعَ الحدثان كثيرا من معنويات المصريين، وأحيَيَا بنفوسهم الأمل بإمكانية الخلاص من سلطة الانقلاب على الرئيس الشرعي المنتخب الدكتور مرسي، فلا نظام السيسي أقوى من الأسد الذي أخضع السوريين 60 عاما، ولا أقوى من الكيان الصهيوني وداعميه مجتمعين".

وتابع: "قطعا يغار المصريون من أشقائهم السوريين، وأرجو أن يستفيد مناهضو الانقلاب في مصر من تجربة الثورة في سوريا، مع الإدراك الكامل لاختلاف البيئتين، السورية والمصرية، في كثير من الأمور الجوهرية؛ من حيث الجغرافيا، والطبوغرافيا، والتركيبة الاجتماعية، وإمكانية العمل المسلح من عدمه... إلخ".

وفي تقديره لما يمنع المعارضة المصرية من تكرار انتصارات سوريا وغزة، قال: "إذا بقي مناهضو الانقلاب في مصر يصرون على وصف أنفسهم بـ(المعارضة) فلا يمكنهم أن يحذوا حذو الأشقاء السوريين والغزيين".

وأوضح أن "المعارض لا يجوز له الخروج على النظام الذي يعارضه؛ لأن المعارضة هي الوجه الآخر للنظام الذي يتطلع للوصول إلى السلطة عبر الوسائل الدستورية".

وواصل: "أما (الثائر) فهو لا يعترف بالنظام القائم، وإنما يسعى، بكل الوسائل الممكنة لإسقاطه؛ لأن هذا النظام (في نظر الثائر) أخل ببنود العقد الاجتماعي الذي ينظم العلاقة بين السلطة والمجتمع، ومن ثم فهو نظام خارج على الدستور والقانون، أي فاقد للشرعية".

وفي نهاية حديثه، يعتقد أن "واجب الوقت على المعارضة المصرية الآن، أن تتخلى عن وصف (المعارضة)، وتنتهج مسار الثورة".



"عواصف تغيير وجب استغلالها"
وفي قراءته، قال الباحث السياسي يحيى سعد: "بلا شك سيكون لما حدث بغزة وسوريا انعاكسات وارتدادات على المنطقة كلها"، مضيفا لـ"عربي21" أن "سنة التدافع سنة كونية فضلا عن كونها سنة إلهية حتى لا تفسد الأرض".

وتابع: "كما أن الأحداث الكبرى في التاريخ تؤثر بوجدان الشعوب وتغير من قناعاتها وميولها وثقافتها"، مؤكدا أن "الثورات فعل اجتماعي يرتبط طرديا بدوافع اجتماعية واقتصادية وسياسية، كما أن الشعوب تراقب التجارب المجاورة وتتعلم منها".

ولفت إلى أن "ما حدث في 2011 يصدق على تلك النظرية؛ حيث انتقلت شرارة التغيير التي انطلقت في تونس إلى أقطار أخرى كمصر وليبيا واليمن وسوريا".

وأكد أن "الروح واحدة، والغاية واحدة، وهي التخلص من الاستبداد والتبعية، والتطلع نحو الحرية والكرامة والعدالة وامتلاك الإرداة؛ غير أن الوسائل والآليات تحكمها اعتبارات كثيرة ومعقدة".

ويرى أن "كل ما تشابهت ظروفه وتوفرت معطياته يمكن أن يُستنسخ، والعكس صحيح؛ فربما نجحت تجربة في قطر من الأقطار لتوافر معطياتها ولكن لم تنجح في قطر آخر لانعدام تلك الظروف والمعطيات".

وختم بالقول: "نحن أمام موجة جديدة من رياح وعواصف التغيير، ومن لم يستثمرها ويحسن إدارتها من الطامحين إلى التغيير فلا يلومن إلا نفسه وعجزه".

"طرق التغيير ثلاثة"
وأكد السياسي المصري والقيادي في حزب "الأصالة" حاتم أبوزيد، أن "جديد مشهد الذكرى هذه المرة أنه يأتي مصحوبا بحالة تفاؤل عارمة بعد نجاح الثورة السورية في الإطاحة بالنظام الحاكم، وتعززت بنجاح غزة في معركة الصمود والتصدي للعدوان الصهيوني".

وأضاف لـ"عربي21": "إضافة لحالة بؤس يحياها الشعب نتيجة سوء الأوضاع الاقتصادية وسوء الإدارة، أو بالأحرى أن الإدارة لا تراهم من الأصل"، ملمحا إلى أن "واقع حال المعارضين والحالمين بالتغيير يشير إلى أنه لا جديد لديهم سوى المراهنة على لحظة انفجار الغضب المكتوم والظلم المتراكم".

وقال: "كثيرون يتحدثون عن التغيير والثورة، ولكن لا أحد يجيب بوضوح عن السؤال: كيف يتم ذلك؟"، مؤكدا أن "التغيير سواء كان للأسوأ أو الأفضل له 3 طرق، الأولى: بالنظم المستقرة المتوافقة مع مواطنيها وشعوبها؛ ويجري عبر الانتخابات، وهذا طريق مغلق في مصر لما يزيد على 75 عاما".

وبين أن "الانقلاب الأخير وتصرفاته تؤكد على استمرار ذات النهج"، موضحا أن "الذهاب إلى خيار الانتخابات أو إجبار النظام على الخوض فيه بطريقة عادلة؛ فبقدر ما يحتاج لجهد وبناء داخلي فهو بحاجة أكبر لرضا دولي وإقليمي، ومن ثم ففي الغالب هذا التغيير لن يكون المأمول".

ويرى أبو زيد، أن "الطريق الثاني: طريق الثورة الشعبية الجماهيرية العارمة، وهو يحتاج لقيادات وزعامات ذات فكرة أيديولوجية متصالحة مع أغلبية الجمهور وقادرة على التواصل معهم وبناء حالة من الوعي، تدفعهم للنضال والتضحية".

ولفت إلى أن "الحالة السورية ظلت أعواما تناضل وتقاوم، والفعل الفلسطيني الذي صبر على الأدواء أكثر من 15 شهرا لم يكن وليد لحظة بل سبقه عمل وصبر وتضحيات، فالنجاحات ليس مردها للتفاؤل أو البذل في ساعة من نهار، بل نتاج جهد وعمل ومتواصل".

وأشار إلى ضرورة "النظر في التجارب والاستفادة منها، لأن العمل الثوري يحتاج لجهد ووقت وتخطيط حتى يؤتي ثماره، ويحتاج إلى جماهير مؤمنة بما تعمل ولديها وعي حتى تثبت في الانكسارات، وتصبر على الشدائد".

وعن الطريق الثالث، قال السياسي المصري أنه "التغيير عبر التسلل لمؤسسات القوة واستخدامها في انتزاع السلطة بالقوة، وفي النهاية بصورة أو أخرى ستضطر القوى الإقليمية والدولية للرضوخ بقدر ما أمام الحالة الجديدة".

وأكد أن "السلطة إما أن تُنتزع بقوة الجماهير أو بسطوة السلاح كما فعل النظام القائم حاليا، وهناك طريق رابع لكنه ليس بمحل للطرح لأنه خارج عن الإرادة الداخلية للشعوب أو الحكام على السواء"، مضيفا: "ولعل طوفان الأقصى الذي هبط عام 2023، وما آل إليه يصبح بداية وخارطة طريق نحو الحرية والتخلص من الاستبداد والهيمنة الخارجية".

وختم مبينا أن "الأمر يحتاج إلى عمل جاد وضروري لأننا أمام حالة تشكيل صورة جديدة للمنطقة (شرق أوسط جديد)؛ فإما أن نكون أحد أطرافها الفاعلين، أو نظل في وضع الخاضع المشاهد لما يجري من حوله".



"معنى الثورة ومعنى التغيير"
وقال السياسي المصري وعضو حزب "الوسط" المصري المعارض وليد مصطفى:  "هناك 14 عاما من ثورة يناير ولنعترف أن الثورة محاولة لإحداث التغيير وليست التغيير، وبثورة يناير نجح الشعب والقوى السياسية في الضغط على النظام وفرض مسار الديمقراطية حتى 11 شباط/ فبراير 2011؛ لكن بعدها الشعب والقوى السياسية لم يكونا على نفس القدرة لإحداث التغيير، ولم يكن لديهم الخبرة، ولا القدرة على مواجهة تغلغل النظام بأركان الدولة".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أن "القوى السياسية بمختلف أطرافها التي وصلت للسلطة أو التي رفضت وصول غيرها للسلطة، كلاهما كان لديه مشكلة، فالأول عندما وصل كان لديه طمع بالسلطة وحلم أنه القادر على ذلك ولما اكتشف أنه غير قادر فشل التغيير، والطرف الثاني مشكلته وحتى الآن أن غيرهم لا يصل للسلطة، دون أن يفكروا في تجهيز أنفسهم ويحصدوا نقاط قوة، والنتيجة أن المحاولة الثورية نجحت ولكن الثورة فشلت".

ولفت إلى أنه "بعد 13 عاما جاء أمل (طوفان الأقصى) عندما أذهل الشعب الفلسطيني العالم وكشف حقيقة العالم، وبين أن الشعب صاحب الحق عندما ينظم نفسه جيدا يقدر، لولا اعتقاد المقاومة الخاطئ بأن الأنظمة العربية الحالية رغم أنها امتداد لدكتاتوريين ستقف معهم وفوجئوا بأنها وقفت مع العدو وبذلت كل جهد كي لا تنجح".

وأوضح أحد نشطاء ثورة يناير، أنه "بعد الربيع العربي اختلفت الأرض والأنظمة العربية ترى محاولة أي شعب للتحرر، حتى ولو من محتل، خطر عليها، وأن مكاسبهم مع المحتل؛ ولكن الشعوب العربية في المقابل رأت القوة والقدرة ورأت النذالة والخسة في الوقت ذاته".

ويرى أن "من توابع (7 أكتوبر) وانتصار الثورة السورية وفرار بشار الأسد الذي لا يقل عن أي نظام ديكتاتوري عربي يتغلف بالقوة المجحفة أنه في وجود مقاومة حقيقية من الشعب يصبح الديكتاتور مجرد ورقة هشة، ويتراجع دعم باقي الديكتاتوريين له، كما أن الأنظمة علمت أن الشعوب رأت نتائج (طوفان الأقصى) الثورة السورية، والدول الكبرى والحليفة السابقة تقبل بالإدارة الجديدة لدمشق".

"تأخير مكلف"
وعن الحراك المصري والثورة المصرية، يعتقد مصطفى، أن "كل يوم يمر مع عدم البدء في التغيير يكلف مصر والأجيال القادمة سنوات من ضياع الدور والانهيار الاقتصادي والديون وإعادة الإصلاح وإعادة بناء اللحمة الوطنية".

وأكد أنه "لو ما زلنا نفكر بنفس الطريقة فهذه مشكلة، يعني أن الثورة بدأت 25 يناير فلابد أن يكون التغيير في 25 يناير فهذه مشكلة في التفكير، أو أن تتخذ نفس الطريقة بالمظاهرات أو التغيير المسلح كما دعا البعض فهذه مشكلة".

ويرى أن "المعارضة المصرية لم تعد نفسها حتى الآن للتغيير؛ وخاصة معارضة الخارج، وخاصة أقوى قوة بالمعارضة، حيث أنه منذ 11 عاما لم يتم الإعداد للتغيير وأي حدث يحدث نقول سوف يتغير المشهد لدينا كما غيرنا لكن لا يحدث التغيير".

وقال إن "المعارضة توجه اللوم للشعب؛ والحقيقة أنها لم تعدّ للتغيير حتى يسير الشعب خلفها؛ فالتغيير تقوم به قوى المعارضة بإعداد نفسها للتغيير ولقيادة الدولة وليس بدعوة الناس للخروج على الحاكم، ولكن عندما تكون المعارضة قادرة على اتخاذ قرارات مماثلة لما قامت به المقاومة الفلسطينية والمعارضة السورية وأعدت نفسها".

وأوضح أنه "يتكلم هنا عن الإعداد وليس عن وسيلة التغيير السلمية أو المسلحة"، مؤكدا أن "الأخيرة لا تصلح أبدا في مصر رغم أن النظام فاشي ومستبد، لأن الجيش المصري في بيت كل مصري، وهو منا، ومحاولة إغراقه بجريمة فض اعتصام رابعة العدوية والخصومة مع الشعب لن يكون مقابلها الكفاح المسلح".

"هذا هو الطريق"
واستدرك: "ولكن طريقنا هو الإعداد للمعارضة وزيادة جاهزيتها لتولي الحكم، وفي هذا الوقت يقدر الشعب على رؤيتها، وهنا يحدث التغيير في الوقت الذي تحدده المعارضة"، مبينا أن "كل مقومات التغيير في مصر موجودة وجاهزة منذ أعوام 2017 و2018".

وأشار إلى أنه "على المعارضة أن تفهم أن النجاة جماعية ولا يمكن لأي فصيل في الظروف الطبيعية أن يقوم وحده بمهمة حكم مصر، وفي الظروف الحالية أي فصيل أو 2 أو 3 يظنون أنهم قادرون على الحكم فهذا مستحيل لأن النجاة جماعية".



ولفت إلى أنه "إن لم تتكلم المعارضة بشكل جدي، وتكون الرموز الفقيرة في أفكارها قادرة على التواصل مع الغير، وتقدم مصلحة الوطن على أي شيء؛ سيتم استبدالهم لأن من كانوا في ثورة يناير 2011 بعمر العشرينات، الآن هم في الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات".

وألمح إلى "خروج أجيال جديدة قد تتعاون سويا وتتخلى عن أيديولجياتها التي تؤمن بها؛ لأنهم سيرون الوضع بصورة أفضل عندها، وعندما يكون هناك شكل أفضل سيرى الشعب أشخاصا تدعو للتغيير وليس الثورة ولكن تغيير ما بعد الثورة".

وختم بالقول: "سيرى الشعب أنهم قادرون على إحداث هذا التغيير وأنهم سيكونوا بديلا لهذه السلطة وقادرون على العبور بهذا الوطن للأمان خلال فترة انتقالية ودستور انتقالي وعدالة يظهر فيها الجميع قدراته في خدمة الوطن، وقتها التغيير يأخذ وقتا أقل من وقت تغير المشهد السوري، ولكن على المعارضة أن تعد نفسها".

مقالات مشابهة

  • كريمة طالب: “كرة اليد مريضة ولا يمكن معالجتها في سنة أو اثنين”
  • كريم طالب: “كرة اليد مريضة ولا يمكن معالجتها في سنة أو اثنين”
  • ما الذي يمكن أن تغيره انتصارات سوريا وغزة في المشهد المصري؟
  • ما الذي يمكن أن تغيره انتصارات سوريا وغزة بالمشهد المصري؟
  • الطائرة الحربية التي تحلم بها الجيوش: “بيرقدار قزل إلما” التركية
  • “يمكن أن تكون قاتلة”… كن حذرًا بشأن بعض المنتجات الغذائية في تركيا
  • ساندرز: نتنياهو وقع الاتفاق الذي رفضته حكومته المتطرفة في مايو الماضي
  • صنع في تركيا: “أوكهان” المركبة البحرية التي تستعد لغزو الأسواق العالمية
  • ما الرسائل التي ارادت “صنعاء” ايصالها لـ”احتلال” و”الفلسطينيين” على السواء
  • شاهد مقطع فيديو للطيار الحربي الذي تمكن من إدخال صاروخ في نفق ضيق كان يتمركز تحته “الدعامة” وبسببه تم تحرير مدني