العبيد أحمد مروح: تقدم تتأخر وحظوظها تتراجع
تاريخ النشر: 29th, January 2024 GMT
لم تُجدِ محاولة مجموعة المجلس المركزي في قوى الحرية والتغيير لإعادة طلائها وتغيير جلدها نفعاً، وظلت تُمنى بخسائر سياسية مستمرة منذ أن بدأت تتكشف علاقتها الوثيقة بتمرد قوات الدعم السريع العام الماضي وحتى يوم أتى داعموها برئيس الوزراء الإنتقالي عبد الله حمدوك ليقودها في إطار تحالف جديد أسموه “تقدم”.
الحرب التي تشهدها بلادنا منذ منتصف أبريل من العام الماضي، هي بالأساس حرب سياسية، حاولت من خلالها القوى المحلية المدعومة بقوىً إقليمية ودولية أن تفرضا أجندة محددة على شعب السودان عن طريق الانقلاب العسكري والعمل المسلح، ولمّا فشلتا في ذلك لجأتا إلى سيناريو الفوضى واستدامة الصراع وإيقاد نار الفتنة بين أطياف المجتمع السوداني، وهما ما تزالان تفعلان ذلك، لكن من الواضح أن الرياح لم تجر على ما تشتهي سفنهم.
سيناريو الفوضى الذي طبقته مليشيا الدعم السريع حرفياً، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني التي طالت الأفراد والمؤسسات، وحالات النهب والسلب والخطف والقتل على الهوية التي مارستها المليشيا، كلها لم تمنع مجموعة المجلس المركزي في هيكلتها الجديدة المسماة “تقدم” من الوقوف بجانب جناحها العسكري ممثلاً في تلك المليشيا ومن التصدي للدفاع عنه في المحافل الدولية والإقليمية وتبني روايته لما جرى ويجري، الأمر الذي أكد أنهم جميعاً ليسوا سوى أدوات في أيدي تلك القوى الخارجية التي ظلت تخطط لبسط هيمنتها على السودان والتحكم في قراره الوطني وثرواته الهائلة، بعد تفكيك جيشه وضرب نسيجه المجتمعي.
لقد خيبت مجموعة المجلس المركزي ظن قطاعات معتبرة من السودانيين، كانوا قبل نحو خمس سنوات، يعلقون آمالاً على دورها المفترض في الإنتقال إلى نظام ديمقراطي كامل تؤول فيه السلطة لمن يفوضه الشعب السوداني عبر صناديق الإنتخابات، ولم تقف خيبة الأمل عند حد مجموعة المركزي التي تدعي الحرية وتناصر الشمولية، بل تعداها إلى القوى الدولية التي طالما صدعت الآذان بدعم الديمقراطيات في العالم، فإذا بها تترك الحبل على الغارب لحلفائها ووكلائها في المنطقة الذين أصابهم الصمم من نداءات وتطلعات شعوبهم للحرية والديمقراطية !!
لقد حزم الشعب السوداني أمره، وساند جيشه في الحرب التي فُرضت عليهما، وسحب ما بقي من بساط التأييد من تحت أقدام كل ما يمت بصلة إلى ما كان يعرف بمجموعة المجلس المركزي، وحاصر خلاياها النائمة وبدأ يفكك شبكاتها الداعمة للتمرد، وها هي سلطة شعبية جديدة تنشأ من تحت غبار الحرب وركام الدمار الذي أحدثته المليشيا المتمردة، دون تدخل سياسي من أي طرف، الأمر الذي يؤكد مقولة أن ما بعد حرب أبريل لن يكون كما قبلها، وأن تياراً وطنيناً جديداً بدأت ملامحه في الظهور، وأخذ يفرض واقعاً جديداً على الأرض يستحيل تجاوزه، ويشكل اصطفافاً جديداً للدفاع عن الوطن ومقدراته، وبالتالي فإن مدة اختطاف الإرادة الشعبية والتحدث بلسان “القوى المدنية” لن تطول بأكثر مما طالت.
التراجع السياسي الذي لحق برصيد “تقدم” والخسران الذي أصاب سمعتها على مستوى الشارع السوداني لن تجدي معه استماتة الداعمين في تخليصها من الوحل الذي أوقعت نفسها فيه، ولم يعد أمام قياداتها من خيار سوى أن تختار المنافي وطناً.
العبيد أحمد مروح
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
تقسيم الوطن: حول ضرورة تطوير شعار الثورة ومناهضة الحرب
بابكر فيصل
إتخذت ثورة ديسمبر المباركة من شعار “حرية .. سلام .. عدالة” بوصلة لتحقيق الأهداف الكبرى التي خرج من أجلها ملايين السودانيين لإسقاط النظام الفاسد المستبد، وبعد إندلاع حرب الخامس عشر من أبريل اللعينة رفعت القوى المدنية الديمقراطية شعار “لا للحرب” للتعبير عن إنحيازها للجماهير وعدم التماهي مع أطراف الحرب.
ومنذ الأيام الأولى للحرب، ظلت القوى المدنية تحذر من أن تطاول أمدها سيؤدي لنتائج وخيمة على البلاد والعباد، والتي يقف على رأسها الخطر الكبير الذي سيهدد وحدة البلاد وينذر بتقسيها و تفتيت كيانها الحالي.
وبعد مرور أكثر من عشرين شهراً أضحى خطر تفكيك البلاد ماثلاً عبر ممارسات لا تخطئها العين كان في مقدمتها خطاب الكراهية الجهوي والعنصري الذي ضرب في صميم النسيج الإجتماعي وخلق حاجزاً نفسياً يمهد لإنقسام البلاد بصورة واضحة.
تبع ذلك ثلاث خطوات إتخذتها سلطة الأمر الواقع في بورتسودان تمثلت في الآتي : قرار تغيير العملة الذي فرض واقعاً على الأرض تمثل في تقسيم النظام المالي بالبلاد بحيث صارت الولايات التي تقع تحت سيطرة الجيش تتعامل بعملة مختلفة عن تلك التي يتم تداولها في مناطق سيطرة الدعم السريع.
كذلك كان قرار إجراء إمتحانات الشهادة السودانية في الولايات التي يسيطر عليها الجيش وعدم قيامها في الولايات التي يسيطر عليها الدعم السريع اضافة لولايات تدور فيها رحى المعارك يصب عملياً في إتجاه تكريس عملية تقسيم البلاد عبر حرمان التلاميذ من حقهم في الجلوس للإمتحان فقط لأنهم يتواجدون في رقعة جغرافية لا يسيطر عليها الجيش.
الأمر الثالث تمثل في عدم إستطاعة قطاعات واسعة من الشعب السوداني إستخراج الأوراق الثبوتية ( أرقام وطنية، جوازات سفر الخ) وهى حق طبيعي مرتبط بالمواطنة التي تقوم عليها الحقوق والواجبات في الدولة لذات السبب المتعلق بالعملة وإمتحانات الشهادة.
هذه الخطوات مثلت البداية الفعلية لتقسيم البلاد, ويزيد من تفاقمها الخطوة المزمع إتخاذها من طرف بعض القوى السياسية والحركات المسلحة بإعلان حكومة موازية تجد تبريرها في ضرورة خدمة الشعب في المناطق التي لا يسيطر عليها الجيش، ولا شك أن هذه الخطوة ستشكل خطراً كبيراً على وحدة البلاد مهما كانت مبررات تكوينها (داوها بالتي كانت هى الداءُ).
لمواجهة هذه المعطيات الخطيرة المتسارعة، تقع على القوى المدنية الديمقراطية وقوى الثورة مهمة جسيمة للحفاظ على وحدة البلاد، وليس أمامها من سبيل سوى تكوين جبهة مدنية واسعة يتم من خلالها تطوير شعار الثورة ليصبح “حرية .. سلام .. عدالة .. وحدة”، وكذلك تطوير شعار مناهضة الحرب ليصبح ” لا للحرب، لا لتقسيم البلاد”.
إنَّ أهمية الحفاظ على وحدة البلاد لا تقلُّ بأي حال من الأحوال عن أهمية المناداة بالوقف الفوري للحرب، ولا مناص من تنادي كافة القوى الحريصة على عدم تقسيم البلاد لكلمة سواء يتم من خلالها تجاوز كل الخلافات من أجل تحقيق الهدفين معاً.