أخبارنا:
2025-02-17@06:09:19 GMT

لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح

تاريخ النشر: 29th, January 2024 GMT

لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح

الرؤيا ما يراه الإنسان في نومه، والرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوّة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة) رواه البخاري. والرؤيا الصادقة الصالحة كانت من بدايات مراحل الوحي لنبينا صلى الله عليه وسلم، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح) رواه البخاري.

قال ابن حجر: "فرؤيا النبي كلها صادقة وقد تكون صالحة وهي الأكثر، وغير صالحة بالنسبة للدنيا كما وقع في الرؤيا يوم أُحُد (رؤيا النبي مقتل بعض أصحابه)". وقال ابن القيم في كتابه "زاد المعاد": "كمَّل الله له ـ صلى الله عليه وسلم ـ من مراتب الوحي مراتب عديدة: إحداها: الرؤيا الصادقة، وكانت مبدأ وحيه صلى الله عليه وسلم، وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح". وقال القاضي عياض: "(أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحى الرؤيا الصادقة): فى هذا حكمة من الله تعالى، وتدريج لنبيه صلى الله عليه وسلم لما أراده الله عز وجل به لئلا يفجأه الملك، ويأتيه صريح النبوة بغتة فلا تحتملها قوى البشرية، فبدأ أمره بأوائل خصال النبوة وتباشير الكرامة، من صدق الرؤيا". وقال ابن بطال في شرح صحيح البخاري: "قال المهلب: هى تباشير النبوة وكيفية بدئها، لأنه لم يقع فيها ضغث، فيتساوى مع الناس فى ذلك، بل خُصَّ بصدقها كلها، وكذلك قال ابن عباس: رؤيا الأنبياء وحى، وقرأ: {إِنِّى أَرَى فِى الْمَنَامِ أَنِّى أَذْبَحُكَ}(الصافات:102) فتمم الله عليه النبوة، بأن أرسل إليه الملَك فى اليقظة، وكشف له عن الحقيقة، فكانت الأولى فى النوم .. حتى أكملها الله له فى اليقظة تفضلاً من الله تعالى".

والسيرة النبوية فيها الكثير من الرؤى التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم في منامه وحدثت وتحققت وفق ما رآها، ومن ذلك:

رؤيته صلى الله عليه وسلم للمدينة المنورة دار الهجرة قبل ذهابه إليها، ورؤيته في المنام امرأة سوداء ثائرة الرأس، خرجت من المدينة حتى نزلت الجحفة، فأولها أن وباء المدينة ـ الذي كان متفشيا فيها ـ خرج من المدينة ونُقِل إلى الجحفة. ورؤيته صلى الله عليه وسلم للملائكة وهي تحمل له عائشة رضي الله عنها قبل زواجه بها بمدة وتقول له: (هذه امرأتك (زوجتك))، وهو يقول: (إن يكُ هذا مِنْ عند الله يُمْضِه). ورؤيته صلى الله عليه وسلم في نومه قبل غزة أحد بقراً تذبح، وكان تأويلها النفر من أصحابه الذين أصيبوا في أُحُد وقُتِلوا. وكذلك رؤيته صلوات الله وسلامه عليه في المنام لبعض أصحابه الذين سيغزون بعد موته ويركبون البحر، فسألته أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها أن يدعو الله لها أن تكون منهم، فأخبرها أنها منهم، وقد وقعت وتحققت هذه الرؤيا في زمن معاوية رضي الله عنه. وكذلك رؤيته صلى الله عليه وسلم لمفاتيح خزائن الأرض التي وضعت بين يديه، وكذلك رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة أنه في دار عقبة بن رافع، وأنه أتي برطب، فأولها الرفعة لنا في الدين، والعاقبة في الآخرة، وأن ديننا قد طاب.

فوائد :

ـ الفرق بين الرؤيا والحُلْم: عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الرؤيا الصادقة من الله، والحُلْمُ من الشيطان) رواه البخاري، قال الطيبي: "الحُلْمُ عبارة عما يراه النائم في نومه من الأشياء، لكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير والشيء الحسن، وغلب الحلم على ما يراه من الشر والقبيح". والرؤيا الصادقة الصالحة ـ تسُر ولا تَغُر، وتؤدي بصاحبها إلى البشرى والعمل، لا إلى الغرور والكسل.

 

ـ النبوة فيها عقائد وعبادات، وتشريعات وأحكام، وفيها إخبار عن بعض ما سبق وما سيأتي من الغيب، وفيها أشياء كثيرة من النذر والبشارات.. فجزء من النبوة فيه إخبار ببعض الأمور الغيبية، والرؤيا الصالحة الصادقة تدل أحيانا على شيء غيبي يحدث في المستقبل، سواء كان شيئاً حسناً أو سيئاً، وهنا تلتقي الرؤيا مع النبوة في هذه الجزئية، قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري: "إن لفظ النبوة مأخوذ من النبأ، والإنباء، وهو الإعلام في اللغة، والمعنى أن الرؤيا إنباء صادق من الله، لا كذب فيه، كما أن معنى النبوة الإنباء الصادق من الله، الذي لا يجوز عليه الكذب، فشابهت الرؤيا النبوة في صدق الخبر عن الغيب".

ـ الأحاديث الواردة في أن الرؤيا الصادقة جزء من النبوة نجد فيها تفاوتاً في العدد، فمثلاً: بعض الروايات فيها: (الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة) رواه البخاري، وفي رواية أخرى: (الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءًا من النبوة) رواه مسلم، وفي رواية: (رؤيا المسلم جزء من خمس وأربعين جزءاً من النبوة) رواه مسلم، واختلاف العدد في الروايات قال عنه ابن عبد البر: "اختلاف آثار هذا الباب في عدد أجزاء الرؤيا من النبوة ليس ذلك عندي باختلاف تضاد وتدافع والله أعلم، لأنه يحتمل أن تكون الرؤيا الصالحة من بعض من يراها على ستة وأربعين جزءا، أو خمسة وأربعين جزءا، أو أربعة وأربعين جزءا، أو خمسين جزءا، أو سبعين جزءا، على حسب ما يكون الذي يراها، من صدق الحديث وأداء الأمانة والدين المتين وحسن اليقين، فعلى قدْر اختلاف الناس فيما وصفنا تكون الرؤيا منهم على الأجزاء المختلفة العدد، والله أعلم. فمن خلُصَت له نيته في عبادة ربه، ويقينه وصدق حديثه، كانت رؤياه أصدق، وإلى النبوة أقرب". وهذا القول لابن عبد البر أيّده القرطبي قائلاً: "هذا التأويل يجمع شتات الأحاديث، وهو أولى من تفسير بعضها دون بعض وطرحه".

ـ لا يجوز الجَزْم بتفسير مُعَيَّن للرؤيا، ولا بناء الأحكام والمواقف عليها، فهي ـ الرؤى الصادقة ـ مبشرات تبعث الأمل ويُتفاءل بها، وهي على أحسن الأحوال قرائن وليست أدلة، فلا يترتب ولا يُبني عليها أحكام شرعية، أو اعتقادات دينية وتصورات بدعية، لأن الاعتقادات والعبادات أمر توقيفي مبني على الوحي ـ القرآن الكريم، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة فقط ـ، وقد ضل وأخطأ بعض الناس في هذا الأمر فجعلوا الرؤى مصدرَ تشريع، وقد أنكر عليهم العلماء ذلك، قال الشاطبي: "وربما قال بعضهم: رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في النوم، فقال لي كذا وأمرني بكذا، فيعمل بها ويترك بها معرضاً عن الحدود الموضوعة في الشريعة، وهو خطأ، لأن الرؤيا من غير الأنبياء لا يحكم بها شرعاً على حال إلا أن تُعْرَض على ما في أيدينا من الأحكام الشرعية، فإن سوغتها عمل بمقتضاها، وإلا وجب تركها والإعراض عنها، وإنما فائدتها البشارة أو النذارة خاصة، وأما استفادة الأحكام فلا".

لقد مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعثته ونزول الوحي عليه بمراحل من التهيئة والإعداد، وظهرت له الكثير من مقدمات النبوة، ومنها الرؤيا الصادقة التي كان يراها في نومه، ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها: (أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح) رواه البخاري. قال ابن حجر في "فتح الباري": "(مثل فلق الصبح) قال ابن أبي جمرة: إنما شبهها بفلق الصبح دون غيره لأن شمس النبوة كانت الرؤيا مبادي أنوارها فما زال ذلك النور يتسع حتى أشرقت الشمس". وقال الألباني: "فكان هذا كالتوطئة لما يأتي بعده من اليقظة".

 عن اسلام.ويب

المصدر: أخبارنا

كلمات دلالية: النبی صلى الله علیه وسلم رضی الله عنها رضی الله عنه النبوة فی من النبوة فی نومه من الله قال ابن ما یراه ل الله جزء من

إقرأ أيضاً:

لمن فاته نصف شعبان وينوي صيام اليوم.. لا تصمه إلا بـ3 حالات

هل يجوز لمن فاته نصف شعبان 2025 صيام اليوم الإثنين لتحصيل الفضل؟.. من أكثر المسائل المطروحة بقوة هذه الأيام خاصة اليوم الإثنين، بعدما انقضت ليلة ويوم النصف من شعبان 2025 منذ أيام قليلة، وهناك من اغتنموها وفازوا فوزًا عظيما، وخسرها البعض وهو الحال الذي طرح استفهام هل يجوز لمن فاته نصف شعبان 2025 صيام اليوم الإثنين لتحصيل الفضل؟، لعله من أهم الأمور التي ينبغي الوقوف عندها خاصة لما هو معروف عن فضل نصف شعبان واتباعًا لهدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، فيما حالت الظروف دون اغتنامه، ويظل الأمل والسعي قائمًا لمن فاته نصف شعبان 2025 ، فلا يزال يسأل عن حكم الصيام في النصف الثاني من شعبان 2025 ، والذي لا يعني فقط رحيل هذا الشهر الكريم فقط ، وإنما أيضًا يعني أن اقتراب شهر رمضان الفضيل، والذي يزيد البحث عنه قبل شهور، فيظل السؤال عن هل يجوز لمن فاته نصف شعبان 2025 صيام اليوم الإثنين لتحصيل الفضل؟ مطروحًا وبقوة.

هل الصيام بعد النصف من شعبان حرام؟.. جائز في 4 حالاتهل أغلق باب المغفرة بعد انتهاء النصف من شعبان؟.. انتبه لـ5 حقائقلمن فاته نصف شعبان 2025

قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، لمن فاته نصف شعبان 2025 ، إنه كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وهو يُنبهنا للتهيؤ لرمضان يقول فيما رواه عنه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا».

وأضاف «جمعة» لمن فاته نصف شعبان 2025 ، أنه يعني لمن لم يكن له عادة أو كان عليه قضاء، فإذا جاء يوم السادس عشر من شعبان أي مر يوم نصف شعبان 2025 ولم تكن لك عادة فيصوم الاثنين والخميس أو السبت والأحد أو في ثلاثة أيام البيض أو أنك تواصل الصيام فتصوم يومًا وتفطر يومًا أو أنك تقضي ما كان عليك من رمضان إذا لم تكن كذلك ولا هذه هيئتك وحالتك .. فلا تصم إذا جاء السادس عشر من شعبان «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا».

وأوضح أن شهر شعبان يَغْفَل عنه كثير من الناس، نبهنا إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفيه وقع الخير للمسلمين بتحويل القبلة وبالاستجابة لهوى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم – فقال تعالى: «قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا» عظّم فيه ربُنا نبينا فاستجاب دعاءه، كما أكرمه وأيّده بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى وإلى يوم الدين، ونحن ندعو الله سبحانه وتعالى ونلتجئ إليه أن يا ربنا هذه أمة نبيك إن رأيت فينا خللًا فاهدنا إلى الصواب وانقلنا من دائرة سخطك إلى دائرة رضاك.

صيام النصف الثاني من شعبان

ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الصيام في النصف الثاني من شهر شعبان ، وأن صيام نصف شعبان 2024 الثاني، يجوز في حالات معينة ومنها: «العادة، مثل صيام يومي الاثنين والخميس والقضاء والكفارات والنذر»، لما ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلا تَصُومُوا»، رواه أبو داود (3237) والترمذي (738) وابن ماجه (1651)،: فإذا اعتاد أحد صيام الاثنين والخميس فليصم وإذا كان أحد يقضي ما فاته فعليه أن يقضي ولا حرج في النصف الثاني من شهر شعبان.

حكم الصيام في النصف الثاني من شعبان

ورد أن الصيام في النصف الثاني من شعبان فيه خلاف بين أهل العلم على أربعة أقوال، فمن من يقول الجواز مطلقا يوم الشك وما قبله سواء صام جميع النصف أو فصل بينه بفطر يوم أو إفراد يوم الشك بالصوم أو غيره من أيام النصف.

و قال ابن عبد البر لا بأس بصيام الشك تطوعا وهو الذي عليه أئمة الفتوى كما قاله مالك، ومنهم من قال عدم الجواز سواء يوم الشك وما قبله من النصف الثاني إلا أن يصل صيامه ببعض النصف الأول أو يوافق عادة له وهو الأصح عند الشافعية، والقول الرابع: إنه يحرم يوم الشك فقط ولا يحرم عليه غيره من النصف الثاني وعليه كثير من العلماء.

والراجح المفتى به: أن من كان له عادة في الصيام أو كان عليه نذر صيام أو كان عليه قضاء من شهر رمضان السابق فلا حرج عليه إن صام أول شعبان أو وسطه أو آخره، أما من لم تكن له عادة صيام ولا شيء مما سبق بيانه فلا يجوز له ابتداء الصيام في النصف الثاني من شعبان لكن لو وصله بصيام بعض النصف الأول جاز له ذلك.

و أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلا يَوْمَيْنِ إِلا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ» وعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، يَصُومُ شَعْبَانَ إِلا قَلِيلا» أخرجه مسلم، وحديث الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلا تَصُومُوا» بقول ابن حجر في فتح الباري: وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: يَجُوزُ الصَّوْمُ تَطَوُّعًا بَعْدَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَضَعَّفُوا الْحَدِيثَ الْوَارِدَ فِيهِ, وَقَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ إِنَّهُ مُنْكَرٌ.

و نقلت قول ابن قدامة في المغني: «لَيْسَ هُوَ بِمَحْفُوظٍ – أي الحديث - وَسَأَلْنَا عَنْهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ، فَلَمْ يُصَحِّحْهُ، وَلَمْ يُحَدِّثْنِي بِهِ، وَكَانَ يَتَوَقَّاهُ. قَالَ أَحْمَدُ: وَالْعَلاءُ ثِقَةٌ لا يُنْكَرُ مِنْ حَدِيثِهِ إلا هَذَا»، ويمكن الجمع بينه وبين غيره من الأدلة بما قاله القرطبي رحمه الله تعالى: لا تعارض بين حديث النهي عن صوم نصف شعبان الثاني والنهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين وبين وصال شعبان برمضان والجمع ممكن بأن يحمل النهي على من ليست له عادة بذلك ويحمل الأمر على من له عادة حملا للمخاطب بذلك على ملازمة عادة الخير حتى لا يقطع.

شهر شعبان

ورد أنه كان شهر شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن ليحصل التأهب لتلقي رمضان وتروض النفوس بذلك على طاعة الرحمن، وكان المسلمون إذا دخل شعبان انكبوا على المصاحف فقرؤها وأخرجوا زكاة أموالهم تقوية للضعيف والمسكين على صيام رمضان ، وكان يقال شهر شعبان شهر القراء، حيث كان حبيب بن أبي ثابت "رحمه الله" إذا دخل شعبان قال: هذا شهر القراء.

فضل الصيام في شعبان

روي عن أُسَامَة بْنُ زَيْدٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟ قَالَ: "ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ،، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ»، وفي هذا الحديث فوائد عظيمة:

1ـ "أنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان" يشير إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان الشهر الحرام وشهر الصيام اشتغل الناس بهما عنه فصار مغفولًا عنه وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل من صيامه لأنه شهر حرام وليس كذلك.

2ـ فيه إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله من الأزمان أو الأماكن أو الأشخاص قد يكون غيره أفضل منه إما مطلقا أو لخصوصية فيه لا يتفطن لها أكثر الناس فيشتغلون بالمشهور عنه ويفوتون تحصيل فضيلة ما ليس بمشهور عندهم.

3ـ وفيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة وأن ذلك محبوب لله - عز وجل - ولذلك فُضِلَ القيام في وسط الليل لغفلة أكثر الناس فيه عن الذكر.

4ـ في إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائد: منها: أنه يكون أخفى وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل لا سيما الصيام فإنه سر بين العبد وربه، ومنها: أنه أشق على النفوس: وأفضل الأعمال أشقها على النفوس.

5ـ ومنها إحياء السنن المهجورة خاصة في هذا الزمان وقد قال صلى الله عليه وسلم: «بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء». وفي صحيح مسلم من حديث معقل بن يسار عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «العبادة في الهرج كالهجرة إلي» وخرجه الإمام أحمد ولفظه: «العبادة في الفتنة كالهجرة إلي» وسبب ذلك أن الناس في زمن الفتن يتبعون أهواءهم ولا يرجعون إلى دين فيكون حالهم شبيهًا بحال الجاهلية، فإذا انفرد من بينهم من يتمسك بدينه ويعبد ربه ويتبع مراضيه ويجتنب مساخطه كان بمنزلة من هاجر من بين أهل الجاهلية إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مؤمنًا به متبعًا لأوامره مجتنبا لنواهيه ومنها أن المفرد بالطاعة من أهل المعاصي والغفلة قد يدفع البلاء عن الناس كلهم فكأنه يحميهم ويدافع عنهم.

6 ـ أنه شهر ترفع فيه الأعمال، فأحب النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرفع العمل لله -تعالى-والعبد على أفضل حال وأحسنه وأطيبه لما في الصوم من فضائل عظيمة، وليكون ذلك سببًا في تجاوز الله -تعالى-عن ذنوب العبد حال توسله بلسان الحال في هذا المقام.

أفضل الأعمال في شهر شعبان

ورد عَنْ أم المؤمنين السيدة عَائِشَةَ رضي الله عنها - قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لا يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ» (صحيح النسائي: 2176).

وجاء عن عَائِشَةَ رضي الله عنها - قَالَتْ: « لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، وَكَانَ يَقُولُ: خُذُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَأَحَبُّ الصَّلاةِ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّتْ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلاةً دَاوَمَ عَلَيْهَا»(صحيح النسائي: 2178).

وكذلك ورد في أفضل الأعمال في شهر شعبان ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - عَنْ صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ: « كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ قَدْ صَامَ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ قَدْ أَفْطَرَ، وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلا قَلِيلًا» (صحيح ابن ماجه: 1398)، كما ثبت عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إِلا شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ» (صحيح الترغيب: 1025)، وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ كَانَ يَصُومُهُ إِلا قَلِيلًا بَلْ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ» (صحيح الترغيب: 1024).

ورد وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أيضاً عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: « أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنْ السَّنَةِ شَهْرًا تَامًّا إِلا شَعْبَانَ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ» (سنن أبي داود:2336)، كما جاء عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: «كَانَ أَحَبَّ الشُّهُورِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَصُومَهُ شَعْبَانُ ثُمَّ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ»، وعن أنس بْنَ مَالِكٍ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَصُومُ فَلا يُفْطِرُ، حَتَّى نَقُولَ مَا فِي نَفْسِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُفْطِرَ الْعَامَ، ثُمَّ يُفْطِرُ فَلا يَصُومُ، حَتَّى نَقُولَ مَا فِي نَفْسِهِ أَنْ يَصُومَ الْعَامَ، وَكَانَ أَحَبُّ الصَّوْمِ إِلَيْهِ فِي شَعْبَانَ». وليس هناك تعارض بين الأحاديث السابقة وحديث النهي عن الصوم بعد نصف شعبان. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: « إِذَا بَقِيَ نِصْفٌ مِنْ شَعْبَانَ فَلا تَصُومُوا».

و قال الترمذي: وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مُفْطِرًا فَإِذَا بَقِيَ مِنْ شَعْبَانَ شَيْءٌ أَخَذَ فِي الصَّوْمِ لِحَالِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مَا يُشْبِهُ قَوْلَهُمْ حَيْثُ قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: «لا تَقَدَّمُوا شَهْرَ رَمَضَانَ بِصِيَامٍ إِلا أَنْ يُوَافِقَ ذَلِكَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ» (رواه البخاري)، وَقَدْ دَلَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّمَا الْكَرَاهِيَةُ عَلَى مَنْ يَتَعَمَّدُ الصِّيَامَ لِحَالِ رَمَضَانَ. وذكر الحافظ: وَلا تَعَارُضَ بَيْن هَذَا وَبَيْن مَا تَقَدَّمَ مِنْ الأَحَادِيث فِي النَّهْي عَنْ تَقَدُّمِ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْم أَوْ يَوْمَيْنِ، وَكَذَا مَا جَاءَ مِنْ النَّهْي عَنْ صَوْم نِصْف شَعْبَانَ الثَّانِي، فَإِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ بِأَنْ يُحْمَلَ النَّهْيُ عَلَى مَنْ لَمْ يَدْخُلْ تِلْكَ الأَيَّام فِي صِيَامٍ اِعْتَادَهُ، وَفِي الْحَدِيث دَلِيلٌ عَلَى فَضْل الصَّوْم فِي شَعْبَان.

كما جاء في أفضل الأعمال في شهر شعبان، أنه َأَجَابَ النَّوَوِيُّ عَنْ كَوْنِهِ لَمْ يُكْثِرْ مِنْ الصَّوْم فِي الْمُحَرَّمِ مَعَ قَوْله إِنَّ أَفْضَلَ الصِّيَام مَا يَقَع فِيهِ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُون مَا عَلِمَ ذَلِكَ إِلا فِي آخِرِ عُمُرِهِ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ كَثْرَةِ الصَّوْمِ فِي الْمُحَرَّمِ، أَوْ اِتَّفَقَ لَهُ فِيهِ مِنْ الأَعْذَار بِالسَّفَرِ وَالْمَرَضِ مَثَلًا مَا مَنَعَهُ مِنْ كَثْرَةِ الصَّوْمِ فِيهِ، وعلى هذا فالسنة المقررة هي صيام شهر شعبان أو أكثره من مبتدأه إلى منتهاه، أما من لم يصمه من أوله ثم أراد الصيام بعد منتصفه فإن هذا هو الذي يتناوله النهي، كما أن النهي يتناول من أراد الصيام في آخر شعبان لاستقبال رمضان.

وبناء على ما سبق تتحدد أفضل الأعمال في شهر شعبان ، بما يلي: «الإكثار من الصيام ، وقراءة القرآن ، والذكر ، والصدقات والزكاة ، والاستغفار، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما نحوها من الأعمال الصالحة».

مقالات مشابهة

  • لمن فاته نصف شعبان وينوي صيام اليوم.. لا تصمه إلا بـ3 حالات
  • الإفتاء: تعليق زينة وفوانيس فرحًا بقدوم شهر رمضان مباح
  • دعاء النصف الثاني من شعبان .. كلمات لا ترد في جوف الليل
  • ثلاثون عاما لِيَقَترب من وَهَجٍ عبقريته! "2"
  • كهاتين في الجنة
  • متى يجب التوقف عن الصيام في شعبان؟.. احذر هذه الأيام
  • الشيخ ياسر السيد مدين يكتب: جاه سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم (1)
  • خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي
  • ليلة النصف من شعبان انتهت.. فهل خسرت دعاء المعجزات؟
  • هل يجوز صيام النصف من شعبان اليوم الجمعة فقط؟