الربيع العربي.. الاستمرار وأفق التحول
تاريخ النشر: 29th, January 2024 GMT
الربيع العربي.. أكمل أربعة عشر عامًا على انطلاق شرارته الأولى في تونس بإحراق الشاب محمد البوعزيزي نفسه عام 2010م بمدينة سيدي بوزيد، نتيجة الوضع القاهر الذي عاناه المواطن التونسي، لتخرج بعدها تونس في مظاهرات عارمة أدت إلى فرار الرئيس التونسي زين العابدين بن علي (ت:2019م) في 14/ 1/ 2011م. ولأن الوضع العربي تعمّه المعاناة فسرعان ما انتشرت الاحتجاجات في عدة دول عربية، أدّت إلى فوضى مدمرة وحروب محلية.
لقد انعقدت سماء الربيع العربي بدخان معتم، وأحداثه منذ اشتعاله تحرق الوطن العربي، وهي مدة كافية أن يتأمل فيها المرء الأوضاع، ويعيد قراءة المشهد. مرت على العالم خلال هذه المدة أحداث جسام وتحولات كبار، وكان الربيع هو الأكثر ملامسة للمشهد العربي ذي الطابع الاستبدادي، حتى أصبحنا نحن العرب نفكر «ربيعيًّا»، ولم يعد من السهل بمقدورنا أن نفكر خارج إلزاماته الضاغطة.
والواقع لا يزال يلح بالسؤال: ما أسباب اندلاع الربيع العربي؟ وهل كل نتائجه سلبية؟
«ثورة بلا ثوار.. كي نفهم الربيع العربي».. للكاتب الإيراني آصف بيات، الصادر عام 2017م، وترجمه إلى العربية فكتور سحّاب، وصدر عن مركز دراسات الوحدة العربية عام 2020م، من الكتب التي درست ثورات الربيع، تميّز بأنه قام بدراسة استقصائية مقارنة، حيث تنقّل مؤلفه بين بعض الدول التي انفجرت فيها الثورات؛ خاصةً مصر وتونس، وعاش الحياة اليومية للثوار، والتقط بعين كاميرته صورًا من المشاهد اليومية والانفعالية. مع مقارنة ثورات الربيع بالثورات العالمية الحديثة؛ لا سيما الثورة الإيرانية عام 1979م على نظام محمد رضا بهلوي (ت:1980م)، والتي عاشها الكاتب بنفسه بوصفه مواطنًا إيرانيًّا، وناشطًا سياسيًّا في التيار اليساري. ولذلك؛ أعتبر الكتاب مرجعًا مهمًّا لمن يعمل على فهم الربيع العربي؛ أسبابه ومآلاته، أو يريد أن يكتب عن أحداثه وتطوراته، والمقال.. يدين له ببعض طرحه.
أسباب الربيع العربي لا يمكن استقصاؤها هنا، والثورات لا تحصل فجأة بأسباب مباشرة، وإنما هي تفاعل متتابع من الأحداث الضاغطة على الأفراد والمجتمعات، يمكن أن نقرأها بعد الثورة، وبعدها أيضًا يمكن أن نستشرف المستقبل: هل أنجز الشعب ثورته، أو لا يزال فعلها مستمرًا، أو تلاشت؟ ولذلك؛ فإن قراءتنا لأسباب الربيع لا تبغي البكاء على الماء المسكوب، وإنما هي استشراف لمستقبلنا ومستقبل دولنا ومجتمعاتنا. وأهم الأسباب هي:
- عدم وجود فلاسفة ومنظرين سياسيين لدى العرب، قادرين على رسم خريطة طريق للمستقبل، نابعة من التجارب السياسية التي مرت بها المنطقة. مما جعلها عرضة لرياح النظريات السياسية تسفوها بأوهام التغيير لحال أفضل، فتارةً تجنح نحو الاشتراكية، وأخرى تتبنّى القومية، ثم اتخذت من الإسلام السياسي قارب نجاة في بحر متلاطم بالصراعات والتنافس الدولي. وأخيرًا؛ تخضع لنيوليبرالية أمريكية، مستجديةً منها نظام السوق الحر والخصخصة. هذه التجارب لم تقدم حلًا بل هي مشكلة بذاتها.
- ضمور المجتمع المدني، وضعف الأحزاب السياسية؛ إن وجدت، واستئثار الحكومات بإدارة الدولة، ولم يكن من دور للشعوب إلا اللهاث بحثًا عن لقمة عيشها.
- شيوع الفساد في المؤسسات، وعدم قدرة الدول على كبح جماح المفسدين، فتكدست الثروة بيد الأغنياء، مما ولّد طبقة ثرية مترفة، واتسعت طبقة الفقراء المعدمين، فثار حنق المستضعفين على المترفين.
- تآكل الطبقة الوسطى من الشعب، الذي أدى إلى هجرة العقول والخبرات إلى الخارج؛ وبالذات إلى الغرب، ووصل الأمر بأن تكون أمنية العربي الهرب من بلاده، ولو على «قوارب الموت».
- فرض الشركات عابرة القارات والنظام العالمي الجديد للنيوليبرالية، التي تلزم دول المنطقة بسياسات السوق الحر والديمقراطية الغربية، مع عدم قدرة هذه الدول على الموازنة بين إغراءات السوق ومتطلبات الديمقراطية؛ مما أوجد خللًا كبيرًا في هيكلة الدولة وبُنية المجتمع.
هذه الأسباب.. لم تعمل الحكومات العربية على معالجتها، وهي ليست كلها بدرجة واحدة، فالدول الخليجية الملكية أفضل حالًا من الجمهوريات التي لم تتمكن من معالجة الأوضاع والسيطرة عليها، فأدّت سياساتها إلى اندلاع لهيب الربيع العربي. كما أن الدول الخليجية ساعية إلى تحسين أوضاعها وتطوير مجتمعاتها. بيد أن هذا ينبغي ألا ينسيها أهمية مشاركة شعوبها في صنع القرار السياسي وإدارة مؤسسات الدولة، وإفساح المجال للمجتمع المدني للقيام بواجبه الوطني، مع توسعة دائرة حرية الرأي والتعبير.
وأما هل كل نتائج الربيع العربي سلبية؟ فالجواب: طبعًا ليست كلها سلبية، ولكن بسبب الدمار الهائل الذي خلّفه الربيع، واستمرار تهديده إلى هذه اللحظة، وعدم قدرة الدول التي لفحتها نيرانه على الخروج من مأزقها، وغياب الرؤية الاستراتيجية والنظرية السياسية التي تعيد بناء هذه الدول؛ جعل الكثيرين ينظرون إليه بأنه خريف مجدب. والناس لا تلام على ذلك، لا سيما أن الأنظمة العسكرية الحاكمة تمكنت من العودة إلى سدة الحكم لسببين: الأول، «التجريف السياسي» الذي حل بالمنطقة، وعدم وجود ساسة قادرين على استثمار الثورة وقيادة الثوار. وفي هذه الحال بالذات؛ الثورة -دون الدولة- محتاجة إلى قيادة أيديولوجية قادرة على إلهاب حماس الجماهير واستقطابهم للتحوّل. إلا أن الأيديولوجيا -على أهميتها في إنجاح الثورات- قد تحرق الأخضر واليابس في سبيل نجاحها، بل قد تأكل أبناء الثورة، ثم تتحول ذاتها إلى معضلة في قيام دولة ناجحة. والثاني، الدعم الخارجي الذي حصلت عليه الأنظمة القديمة؛ في سبيل تأمين مصالحها في الداخل، وهذا كبّل الدولة، وجعلها رهينة متطلبات الداعمين، فازداد الوضع سوءًا.
مع كل هذا.. فهناك تحولات في الساحة العربية؛ على المستويين السياسي والاجتماعي؛ من أهمها:
- انكسار حاجز الخوف لدى الشعوب، فقد تأكد لها أن عصر الثورات لم ينته، وأن من استطاع أن يطرد الاستعمار ويجبر الحكومات المتحجرة فيما بعد منتصف القرن العشرين الميلادي على الزوال، لا يزال قادرًا أن يغيّر من وضعه، ولو بعد حين، وإن دفع الثمن باهظًا.
- اكتشاف الحكومات أن سر بقائها وقوتها الحقيقية هو الاستناد إلى شعوبها، وأن تطوير مجتمعاتها يكون بمشاركتهم سياسيًّا. وأنه لا بد من القضاء على الفساد، وردم الهوة بين طبقات المجتمع، وتعزيز الطبقة الوسطى. والتخفيف من الموازنات القديمة بين مراكز القوى، وأن هناك قوة جديدة صاعدة؛ وهي الشباب، يجب أن تتاح لهم الفرصة، وأن دوائر الحكم أصبحت تحت منظار الشعب ومشرط نقده.
- يقول التاريخ: إن الثورات غالبًا تعقبها موجات من الفشل، فالثورة الفرنسية أعقبها مستبد ملكي هو نابليون بونابرت (ت:1821م)، والثورة الإيرانية التي قامت عام 1979م هي ثمرة حراك سياسي ثوري كان بين مد وجزر منذ بداية القرن العشرين الميلادي. فالتاريخ.. لا يسلّم بمقولة توقف الحياة السياسية، فعندما تنسد تفتحها الثورات والاحتجاجات.
ورغم أني أرى المنطقة تتحول إلى «نظام الدولة الوطنية»، وقد كتبت بذلك مقالًا أرجو نشره قريبًا، لكن هذا لا يحول دون تبنّي الدولة للديمقراطية، بغض النظر عن نوع الحكم؛ ملكيًّا أكان أم رئاسيًّا أم برلمانيًّا، المهم أن يجري التحول على أسس سلمية وسليمة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الربیع العربی لا یزال
إقرأ أيضاً:
النيابة الإدارية تدشن مشروع التصويت الإلكتروني ومنظومة الشكاوى وقياس الأداء.. يعزز التحول الرقمي ويرفع كفاءة العملية الانتخابية
صاحب الفكرة: العملية الانتخابية تعمل من خلال شبكة مؤمنة تمامارئيس الهيئة: تطبيق فعلى للاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامةوزير الشباب والرياضة: المشروع نجح فى انتخابات الأندية والاتحادات الرياضية.وزيرة التخطيط: المشروع يعزز مكافحة الفساد
احتفلت هيئة النيابة الإدارية برئاسة المستشار عبد الراضى صديق، رئيس الهيئة، اليوم الأحد، بالتدشين الرسمى لمشروع التصويت الإلكترونى وبرنامج الشكاوى وقياس الأداء، بقاعة الاحتفالات الكبرى بمقر مجمع النيابات الإدارية فى التجمع الخامس بالقاهرة الجديدة.
بدأت الاحتفالية فى الساعة العاشرة صباحا بآيات الذكر الحكيم وبحضور عدد من الوزراء وكبار رجال الدولة، وعلى رأسهم المستشار عدنان فنجرى، وزير العدل، والدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط التنمية الاقتصادية والتعاون الدولى والدكتور أشرف صبحي وزير الشباب والرياضة والمستشار عبد الرازق شعيب رئيس هيئة قضايا الدولة والمستشار أحمد عبود رئيس مجلس الدولة والمستشار محمود الشريف.
المستشار عبد الراضي صديق: مشروعا التصويت الإلكتروني ومنظومة الشكاوى برعاية من رئيس الجمهوريةوزراء العدل والرياضة والتعاون الدولي يجرون محاكاة للتصويت الإلكتروني
تم عرض فيلم تسجيلى عن إنجازات هيئة النيابة الإدارية وخاصة مشروعي التصويت الإلكتروني ومنظومة الشكاوى وقياس الأداء وألقى المستشار محمد عبد المعطى صاحب فكرة مشروع التصويت الإلكترونى الذى جاء ثمار بروتوكول التعاون بين النيابة الإدارية ووزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولى ويهدف إلى التكامل فى مجالات الدعم الفنى وتطوير نظم المعلومات من خلال رؤية مصر 2030، كلمة شرح خلالها كيفية التصويت والذى يعمل من خلال شبكة مؤمنة تماما وتوفير الوقت والجهد وتقليل أماكن الحفظ إذ يمكن الاستغناء عن البطاقات الورقية والاعتماد على توافر النسخ الالكترونية لبطاقات التصويت.
وأجرى الوزراء ورؤساء الهيئات محاكاة لعملية التصويت الإلكتروني من خلال إدخال البيانات حتى انتهاء عملية التصويت كما شهدوا شرحا تفصيليا لتطوير منظومة الشكوى وقياس الأداء من خلال معرفة وسائل وأساليب وكيفية استقبال شكاوى المواطنين وطالب وزير العدل بربطها بالأحوال المدنية والتعاون مع الجهات الأخرى في حال تعدد الشكوى من نفس المواطن.
وألقى المستشار عبد الراضى صديق رئيس هيئة النيابة الإدارية كلمة أكد فيها على أن هذا الإنجاز جاء الرئيس عبد الفتاح السيسى من خلال تفعيل الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة والتحول الرقمى وتعزيز مكانة مصر إقليميا ودوليا باعتبار العدالة عامل حيوي في هذه المنظومة لمكافحة الفساد الارتقاء بحياة المواطن المصري وحوكمة الدولة.
وأضاف أتقدم بالشكر لوزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي والمهندس الفقيد أشرف عيد الحفيظ مساعد الوزير للتحول الرقمي.
وأوضح الدكتور أشرف صبحى وزير الشباب والرياضة أن إنجاز إطلاق منظومة تقديم شكاوى المواطنين واستقبالها جاء نتيجة دراسة الأمر الخاص بالتصويت الإلكتروني من الناحية القانونية والتنفيذية، ووفر الوقت والجهد والأمور المالية من خلال الانتخابات التي تمت في الاتحادات الرياضية.
قالت الدكتورة رانيا المشاط وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، أود في البداية أن أتوجّه إليكم بخالص التهاني والأمنيات الطيبة بمناسبة العام الميلادي الجديد 2025.، وأنه تزامن حلول هذا العام مع بداية شهر رجب، أعاد الله هذه الأيام المباركة عليكم وعلينا وعلى وطننا العزيز مصر بالخير والأمن الرخاء.
وأضافت وزيرة التخطيط بالقول إنه من دواعي سعادتي أن نلتقي اليوم من جديد بعد أيام قليلة لاحتفالنا بأحد ثِمَار التعاون القائم والمستمر بين وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي ووزارة العدل من خلال مشروع الحوكمة القضائية، والذي شَهِدنا خلاله تكريم نُخبة من القاضيات والقضاة خرّيجي دبلوم الحوكمة ومكافحة الفساد.
وأضافت: نحن اليوم نلتقي مُجددًا في هذا الحدث المتميّز الذي نحتفل فيه بإطلاق حزمة أخرى من مشروعات التعاون المُثمر بين وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي ووزارة العدل وهيئة النيابة الإدارية، وبمشاركة أحد شركاء النجاح وهي وزارة الشباب والرياضة، فهذا التعاون المُمتد يُجسِّد نموذجًا عمليًا للتناغم والتكامل في الجهود بين مؤسسات الدولة لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة وتحسين جودة الحياة للمواطن المصري.
وأشارت إلي أن مشروعات التعاون المشتركة التي نشهدها اليوم تتضمن عددًا من المبادرات الاستراتيجية، ومن أبرزها مشروع "رفع كفاءة الأداء الحكومي"، من خلال تطوير منظومة الشكاوى وقياس الأداء بهيئة النيابة الإدارية، ويهدف هذا المشروع إلى رفع كفاءة أداء المرافق العامة على مستوى الجمهورية، وتحسين جودة حياة المواطن من خلال تقييم وقياس الأداء الحكومي.
كما يُسهم المشروع في دعم مُتخذي القرار ببيانات دقيقة، وتوفير آليات الدعم لأعضاء النيابة الإدارية لتنفيذ مهامهم.
وأكدت أن هذا المشروع يتسق مع التوجهات التنموية للدولة المصرية التي حدَّدتها رؤية مصر 2030 خصوصاً ما يتعلق بضمان الشفافية والمشاركة والتفاعل الإيجابي مع المواطن، والاستجابة لمطالبه، وتحقيق معايير الجودة والتميُّز والتوسّع في استخدام الأساليب الحديثة في الخدمات المقدمة للمواطنين، إلى جانب ضمان الكفاءة والفاعلية في جهاز الإداري للدولة ومواكبة المتغيّرات المحلية والعالمية، ويُعزِّز هذا المشروع كذلك توجّه الدولة وجهودها لمكافحة الفساد من خلال الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد؛ حيث تعمل الدولة على وضع الأهداف والسياسات والبرامج والآليات التي تَكفُل محاصرة الفساد وتفعيل الثقافة المجتمعية الرافضة لممارساته.
وأضافت المشاط أنه يتسق مع كل ذلك مع الهدف الأممي السادس عشر من أهداف التنمية المستدامة السلام والعدل والمؤسسات القوية، والذي يدعو لإقامة مجتمعات مُسالمة، وإتاحة إمكانية وصول الكل إلى العدالة، وبناء مؤسسات فعَّالة وخاضعة للمساءلة وشاملة للجميع.
وفى نهاية الاحتفالية أهدى وزير العدل ورئيس هيئة النيابة الإدارية درع الهيئة لوزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولى ولوزير الشباب والرياضي ولكريمة المستشار المرحوم أشرف عبد الحفيظ مساعد وزير العدل للتحول الرقمى لجهوده السابقة فى تلك الإنجازات.