لجريدة عمان:
2025-11-16@02:29:28 GMT

الربيع العربي.. الاستمرار وأفق التحول

تاريخ النشر: 29th, January 2024 GMT

الربيع العربي.. أكمل أربعة عشر عامًا على انطلاق شرارته الأولى في تونس بإحراق الشاب محمد البوعزيزي نفسه عام 2010م بمدينة سيدي بوزيد، نتيجة الوضع القاهر الذي عاناه المواطن التونسي، لتخرج بعدها تونس في مظاهرات عارمة أدت إلى فرار الرئيس التونسي زين العابدين بن علي (ت:2019م) في 14/ 1/ 2011م. ولأن الوضع العربي تعمّه المعاناة فسرعان ما انتشرت الاحتجاجات في عدة دول عربية، أدّت إلى فوضى مدمرة وحروب محلية.

فعُزل الرئيس المصري محمد حسني مبارك (ت:2020م)، وقُتل الرئيس الليبي معمر القذافي عام 2011م، واغتيل الرئيس اليمني علي عبدالله صالح عام 2017م، ودخلت سوريا والعراق واليمن وليبيا في صراع دمّر الدولة والمجتمع، ولا يزال بعض هذه الدول تطحنها رحى الحرب. وبتاريخ: 19/ 12/ 2018م انفجرت الأوضاع في السودان؛ وفي 11/ 4/ 2019م أعلن الجيش خلع الرئيس عمر البشير، وفي منتصف أبريل 2023م دخلت البلاد في صراع بين الجيش وقوات التدخل السريع. وما زالت الأرض العربية تعصف بها رياح سَموم الربيع بين الحين والآخر.

لقد انعقدت سماء الربيع العربي بدخان معتم، وأحداثه منذ اشتعاله تحرق الوطن العربي، وهي مدة كافية أن يتأمل فيها المرء الأوضاع، ويعيد قراءة المشهد. مرت على العالم خلال هذه المدة أحداث جسام وتحولات كبار، وكان الربيع هو الأكثر ملامسة للمشهد العربي ذي الطابع الاستبدادي، حتى أصبحنا نحن العرب نفكر «ربيعيًّا»، ولم يعد من السهل بمقدورنا أن نفكر خارج إلزاماته الضاغطة.

والواقع لا يزال يلح بالسؤال: ما أسباب اندلاع الربيع العربي؟ وهل كل نتائجه سلبية؟

«ثورة بلا ثوار.. كي نفهم الربيع العربي».. للكاتب الإيراني آصف بيات، الصادر عام 2017م، وترجمه إلى العربية فكتور سحّاب، وصدر عن مركز دراسات الوحدة العربية عام 2020م، من الكتب التي درست ثورات الربيع، تميّز بأنه قام بدراسة استقصائية مقارنة، حيث تنقّل مؤلفه بين بعض الدول التي انفجرت فيها الثورات؛ خاصةً مصر وتونس، وعاش الحياة اليومية للثوار، والتقط بعين كاميرته صورًا من المشاهد اليومية والانفعالية. مع مقارنة ثورات الربيع بالثورات العالمية الحديثة؛ لا سيما الثورة الإيرانية عام 1979م على نظام محمد رضا بهلوي (ت:1980م)، والتي عاشها الكاتب بنفسه بوصفه مواطنًا إيرانيًّا، وناشطًا سياسيًّا في التيار اليساري. ولذلك؛ أعتبر الكتاب مرجعًا مهمًّا لمن يعمل على فهم الربيع العربي؛ أسبابه ومآلاته، أو يريد أن يكتب عن أحداثه وتطوراته، والمقال.. يدين له ببعض طرحه.

أسباب الربيع العربي لا يمكن استقصاؤها هنا، والثورات لا تحصل فجأة بأسباب مباشرة، وإنما هي تفاعل متتابع من الأحداث الضاغطة على الأفراد والمجتمعات، يمكن أن نقرأها بعد الثورة، وبعدها أيضًا يمكن أن نستشرف المستقبل: هل أنجز الشعب ثورته، أو لا يزال فعلها مستمرًا، أو تلاشت؟ ولذلك؛ فإن قراءتنا لأسباب الربيع لا تبغي البكاء على الماء المسكوب، وإنما هي استشراف لمستقبلنا ومستقبل دولنا ومجتمعاتنا. وأهم الأسباب هي:

- عدم وجود فلاسفة ومنظرين سياسيين لدى العرب، قادرين على رسم خريطة طريق للمستقبل، نابعة من التجارب السياسية التي مرت بها المنطقة. مما جعلها عرضة لرياح النظريات السياسية تسفوها بأوهام التغيير لحال أفضل، فتارةً تجنح نحو الاشتراكية، وأخرى تتبنّى القومية، ثم اتخذت من الإسلام السياسي قارب نجاة في بحر متلاطم بالصراعات والتنافس الدولي. وأخيرًا؛ تخضع لنيوليبرالية أمريكية، مستجديةً منها نظام السوق الحر والخصخصة. هذه التجارب لم تقدم حلًا بل هي مشكلة بذاتها.

- ضمور المجتمع المدني، وضعف الأحزاب السياسية؛ إن وجدت، واستئثار الحكومات بإدارة الدولة، ولم يكن من دور للشعوب إلا اللهاث بحثًا عن لقمة عيشها.

- شيوع الفساد في المؤسسات، وعدم قدرة الدول على كبح جماح المفسدين، فتكدست الثروة بيد الأغنياء، مما ولّد طبقة ثرية مترفة، واتسعت طبقة الفقراء المعدمين، فثار حنق المستضعفين على المترفين.

- تآكل الطبقة الوسطى من الشعب، الذي أدى إلى هجرة العقول والخبرات إلى الخارج؛ وبالذات إلى الغرب، ووصل الأمر بأن تكون أمنية العربي الهرب من بلاده، ولو على «قوارب الموت».

- فرض الشركات عابرة القارات والنظام العالمي الجديد للنيوليبرالية، التي تلزم دول المنطقة بسياسات السوق الحر والديمقراطية الغربية، مع عدم قدرة هذه الدول على الموازنة بين إغراءات السوق ومتطلبات الديمقراطية؛ مما أوجد خللًا كبيرًا في هيكلة الدولة وبُنية المجتمع.

هذه الأسباب.. لم تعمل الحكومات العربية على معالجتها، وهي ليست كلها بدرجة واحدة، فالدول الخليجية الملكية أفضل حالًا من الجمهوريات التي لم تتمكن من معالجة الأوضاع والسيطرة عليها، فأدّت سياساتها إلى اندلاع لهيب الربيع العربي. كما أن الدول الخليجية ساعية إلى تحسين أوضاعها وتطوير مجتمعاتها. بيد أن هذا ينبغي ألا ينسيها أهمية مشاركة شعوبها في صنع القرار السياسي وإدارة مؤسسات الدولة، وإفساح المجال للمجتمع المدني للقيام بواجبه الوطني، مع توسعة دائرة حرية الرأي والتعبير.

وأما هل كل نتائج الربيع العربي سلبية؟ فالجواب: طبعًا ليست كلها سلبية، ولكن بسبب الدمار الهائل الذي خلّفه الربيع، واستمرار تهديده إلى هذه اللحظة، وعدم قدرة الدول التي لفحتها نيرانه على الخروج من مأزقها، وغياب الرؤية الاستراتيجية والنظرية السياسية التي تعيد بناء هذه الدول؛ جعل الكثيرين ينظرون إليه بأنه خريف مجدب. والناس لا تلام على ذلك، لا سيما أن الأنظمة العسكرية الحاكمة تمكنت من العودة إلى سدة الحكم لسببين: الأول، «التجريف السياسي» الذي حل بالمنطقة، وعدم وجود ساسة قادرين على استثمار الثورة وقيادة الثوار. وفي هذه الحال بالذات؛ الثورة -دون الدولة- محتاجة إلى قيادة أيديولوجية قادرة على إلهاب حماس الجماهير واستقطابهم للتحوّل. إلا أن الأيديولوجيا -على أهميتها في إنجاح الثورات- قد تحرق الأخضر واليابس في سبيل نجاحها، بل قد تأكل أبناء الثورة، ثم تتحول ذاتها إلى معضلة في قيام دولة ناجحة. والثاني، الدعم الخارجي الذي حصلت عليه الأنظمة القديمة؛ في سبيل تأمين مصالحها في الداخل، وهذا كبّل الدولة، وجعلها رهينة متطلبات الداعمين، فازداد الوضع سوءًا.

مع كل هذا.. فهناك تحولات في الساحة العربية؛ على المستويين السياسي والاجتماعي؛ من أهمها:

- انكسار حاجز الخوف لدى الشعوب، فقد تأكد لها أن عصر الثورات لم ينته، وأن من استطاع أن يطرد الاستعمار ويجبر الحكومات المتحجرة فيما بعد منتصف القرن العشرين الميلادي على الزوال، لا يزال قادرًا أن يغيّر من وضعه، ولو بعد حين، وإن دفع الثمن باهظًا.

- اكتشاف الحكومات أن سر بقائها وقوتها الحقيقية هو الاستناد إلى شعوبها، وأن تطوير مجتمعاتها يكون بمشاركتهم سياسيًّا. وأنه لا بد من القضاء على الفساد، وردم الهوة بين طبقات المجتمع، وتعزيز الطبقة الوسطى. والتخفيف من الموازنات القديمة بين مراكز القوى، وأن هناك قوة جديدة صاعدة؛ وهي الشباب، يجب أن تتاح لهم الفرصة، وأن دوائر الحكم أصبحت تحت منظار الشعب ومشرط نقده.

- يقول التاريخ: إن الثورات غالبًا تعقبها موجات من الفشل، فالثورة الفرنسية أعقبها مستبد ملكي هو نابليون بونابرت (ت:1821م)، والثورة الإيرانية التي قامت عام 1979م هي ثمرة حراك سياسي ثوري كان بين مد وجزر منذ بداية القرن العشرين الميلادي. فالتاريخ.. لا يسلّم بمقولة توقف الحياة السياسية، فعندما تنسد تفتحها الثورات والاحتجاجات.

ورغم أني أرى المنطقة تتحول إلى «نظام الدولة الوطنية»، وقد كتبت بذلك مقالًا أرجو نشره قريبًا، لكن هذا لا يحول دون تبنّي الدولة للديمقراطية، بغض النظر عن نوع الحكم؛ ملكيًّا أكان أم رئاسيًّا أم برلمانيًّا، المهم أن يجري التحول على أسس سلمية وسليمة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الربیع العربی لا یزال

إقرأ أيضاً:

الصحة تنظم جلسة حول التحول الأخضر في القطاع الصحي

نظمت وزارة الصحة والسكان، جلسة حوارية بعنوان «التحول الأخضر في القطاع الصحي: من إدارة النفايات الطبية إلى المستشفيات الخضراء» ضمن فعاليات النسخة الثالثة من مؤتمر الصحة والسكان والتنمية البشرية 2025، بهدف تعزيز الاستدامة البيئية في المنشآت الصحية، وتطبيق مبادئ البناء الأخضر، وتطوير إدارة النفايات الطبية الخطرة، بما يسهم في تحسين جودة الرعاية الصحية ورفاه المرضى والعاملين، ويتماشى مع رؤية مصر 2030.

صءءؤسص

وزير الصحة يُطلق الاستراتيجية الوطنية للأمراض النادرةوزير الصحة يستقبل نظيرته البحرينية لبحث ملفات التعاون المشتركبحضور وزير الصحة.. القاهرة تستضيف مؤتمر "تبرع حياة مصر 2025" لتعزيز زراعة الأعضاء عالمياًوزير الصحة يستقبل نظيره الهندي لتبادل الخبرات في صناعة الأدوية وتوسيع الاستثمارات الطبية

ؤذؤ،ؤض الجلسة على مناقشة أفضل الممارسات لتطبيق التحول الأخضر في المستشفيات وإدارة المخلفات الطبية بكفاءة، في إطار دعم الصحة العامة وتحقيق التنمية المستدامة. وأوضح الدكتور حسام عبدالغفار، المتحدث الرسمي للوزارة، أن الجلسة قدمت حلولًا متكاملة لإدارة المخلفات الطبية الخطرة، وتطوير مستشفيات صديقة للبيئة، مشددًا على أنها تمثل خطوة محورية نحو دمج التحول الأخضر في خطط التنمية الصحية المستدامة.

معايير البناء الأخضر في المشروعات الصحية

من جانبه، أكد الدكتور شريف مصطفى، مساعد الوزير لشؤون المشروعات القومية، أن الوزارة تولي اهتمامًا كبيرًا بتطبيق معايير البناء الأخضر في المشروعات الصحية القومية، مع ضمان توفير مساحات خضراء لا تقل عن 10 أمتار مربعة للفرد، لتحسين جودة الهواء، تقليل الانبعاثات الكربونية، ورفع معدلات الشفاء. فيما أشارت الدكتورة رشا الشرقاوي، رئيس الإدارة المركزية للإدارة الاستراتيجية، إلى إطلاق مبادرة «المستشفيات الخضراء» في خمس محافظات، مع تشكيل فرق عمل متعددة التخصصات لتعزيز الأداء البيئي، وإدراج فرص استثمارية في الخريطة الاستثمارية للقطاع الصحي بالتعاون مع هيئة الاستثمار والقطاع الخاص، بما يدعم رؤية مصر 2030 في حماية البيئة وتحسين الصحة والاقتصاد.

بدوره، أكد الدكتور طارق نمير، رئيس الإدارة المركزية لشؤون البيئة، أن جائحة كورونا كشفت الحاجة إلى رفع القدرة الاستيعابية لمنظومة المخلفات الطبية، مشيرًا إلى أن الوزارة طورت المنظومة لتغطي متوسط44,000طن سنويًا، عبر 228 جهاز معالجة 263 سيارة نقل، مع تطبيق تقنيات الفرز والتعقيم الحديثة، ودمج التكنولوجيا في إدارة النفايات، وتشجيع الشراكات مع القطاع الخاص لضمان الاستدامة.

أدار الجلسة الدكتور أحمد بلال، الرئيس التنفيذي لشركة دي كاربون للاستشارات البيئية، بمشاركة نخبة من القيادات، من بينهم الدكتورة أميرة إلهام، معاون وزير التخطيط للتنمية المستدامة، والسيد محمد معتمد، مساعد وزير البيئة لشؤون الاستثمار، إلى جانب ممثلي الجهات الحكومية والأكاديمية المتخصصة في الاستدامة البيئية والتنمية الصحية.

طباعة شارك النسخة الثالثة لمؤتمر الصحة والسكان التنمية البشرية الصحة وزارة الصحة القطاع الصحي

مقالات مشابهة

  • التحول الأمريكي وخطة إنهاء الحرب
  • كوب 30 يبحث للمرة الأولى المخاطر البيئية لاستخراج المعادن الحاسمة في التحول الأخضر
  • موسكو: سياسة العزلة التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي لا تفيد شعوبه
  • التحوّل الرّقمي يعزّز كفاءة القطاع المصرفي في سلطنة عُمان
  • من الابتكار التشاركي إلى الإنتاج الذكي.. كيف تغيّر”ريد هات” قواعد اللعبة في التحول الرقمي السعودي؟
  • محمد بشاري يكتب: حروب الظلّ الجديدة.. كيف تُعيد الجماعات الدينية إنتاج الفوضى عبر الذكاء الاصطناعي والهويات الوهمية؟
  • مكتبة الإسكندرية.. منارة معرفية تجمع عبق التاريخ وأفق المستقبل
  • الصحة تنظم جلسة حول التحول الأخضر في القطاع الصحي
  • اتحاد المغرب العربي بين رياح الربيع العربي وموت الحلم الوحدوي.. قراءة في كتاب
  • بروتوكول تعاون لدعم التحول الرقمي لتطوير الخدمات الرقمية للنيابة العامة