يخشى الديمقراطيون من سير جو بايدن نائما إلى كارثة في مباراة العودة أمام دونالد ترامب في نوفمبر. ويوجه المحافظون نقدا مماثلا لريشي سوناك الناعس فيما يحلم حزب العمال باكتساح في انتخابات الخريف. ولكن تأهبا لحفل عالمي ساهر لا مثيل له، يتناول زعماء الاتحاد الأوروبي بسكويت ما قبل النوم.

بالطريقة التي تجري بها الأمور، قد تتحوَّل سنة 2024 إلى كابوس للكتلة المؤلفة من سبعة وعشرين بلدا، بل إلى عام مريع لا نظير له.

ذلك أن مستنقعا مريعا من التحديات الدولية والداخلية يوشك على بلوغ ذروته. فهل الاتحاد الأوروبي مستعد لملاقاتها؟ قطعا لا.

انظروا مثلا إلى أزمة البحر الأحمر، إذ تهاجم «جماعة أنصار الله» سفن الشحن هناك منذ أن بدأت حرب إسرائيل وحماس. وفي ظل التهديدات التي تواجه التجارة العالمية وحرية الملاحة، ردت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة هذا الشهر بعملية (حارس الازدهار)، منفردتين.

والاتحاد الأوروبي له مصلحة كبيرة في هذا الصراع؛ لأن أربعين في المائة من تجارته مع آسيا والشرق الأوسط تمر عبر السويس. ولكن نيذرلاند وحدها هي التي قدمت دعما عمليا. وقدمت ألمانيا الدعم في بيان مكتوب، واختفت بغتة فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، ومبرر بروكسل هو أن الاتحاد الأوروبي يخطط لإطلاق مهمته الخاصة في البحر الأحمر. لكن على الرغم من الحاجة الواضحة إلى السرعة في ظل استمرار الهجمات، أرجأ وزراء الخارجية اتخاذ قرار إلى التاسع عشر من فبراير في حين قالت بلجيكا إنها قد ترسل فرقاطة.

تكشف هذه الحلقة المؤسفة بعض السمات الفردية المألوفة في الاتحاد الأوروبي، هي: التردد في اتباع قيادة أمريكا، والخوف من دخول حرب، وانقسام الرأي بل القلق -في هذه الحالة- من الوقوف في صف إسرائيل، ففي ظل نعاس القائمين على الدفة، تعجز أوروبا مرة أخرى عن الربط بين مصالحها الخاصة ومطامحها إلى أن تكون فاعلا دوليا يقوم بالعمل المشترك الملموس في الوقت المناسب.

لقد فجرت حرب غزة وهما آخر قبل اجتماع القمة المهمة هذا الأسبوع. إذ تعتقد الحكومات أن الصراع، والتصعيد الإقليمي، يهددان مصالح حيوية لها؛ ولأن الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل، تعتقد الحكومات أن للاتحاد الأوروبي نفوذا. وجميع الحكومات تؤيد حل الدولتين، لكن حينما أوضح جوسيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي خطة سلام لفلسطين من عشر نقاط، لم يلق من ضيفه البارز إسرائيل كاتز وزير الخارجية الإسرائيلي إلا التجاهل. فقال بوريل غاضبا «ما الحلول الأخرى التي يفكرون فيها [أي الإسرائيليين]؟ دفع جميع الفلسطينيين إلى الرحيل؟ قتلهم؟»، وبقي يغمغم في أسى حول «عواقب» غير محددة.

إن قدرة أوروبا عميقة الغور على ممارسة ضغط أدنى من ثقلها تلحق ضررا بأوكرانيا التي يبدو أن روسيا بعد سنتين من حربها عليها تكسب ببطء يدا عليا. ومع اقتراب القمة، يواصل فكتور أوربان -حمار طروادة الموسكوفي- منع حزمة تمويل بخمسين مليار يورور لكييف.

كما أن فرص أوكرانيا تتضرر أيضا بسبب عجز بعض بلاد الاتحاد الأوروبي -وخاصة فرنسا- عن توفير أسلحة أكثر وأفضل، في الوقت الذي تشح فيه الإمدادات الأمريكية، ويترتب على ذلك ضرر بآمال أوروبا في الدفاع عن حدودها أمام عدوان روسي في المستقبل. ويكتسب هذا أهمية خاصة في ظل عودة ترامب المرتقبة إلى البيت الأبيض بعد سنة من الآن. إذ تبدو أوروبا -شأن غزال متجمد أمام مصابيح سيارة تقترب- مشلولة بسبب البلدوزر البرتقالي سريع التقدم. ففي هذه المرة، قد ينفذ ترامب تهديده بسحب قابس الناتو. فكيف يكون الحال إذن بالنسبة للأمن الأوروبي الجماعي؟.

لقد حذر إيان بوند في مركز الإصلاح الأوروبي من أن عودة ترامب «قد تهدد مصالح أوروبية لكن أوروبا لا تستثمر في تقليل المخاطر». ويمثل الدفاع والعلاقات الاقتصادية العابرة للأطلسي واحتقار ترامب للنظام الدولي القائم على القواعد نطاقات المشكلات البادية في الأفق.

كتب بوند يقول: إن «أغلب الزعماء الأوروبيين لا يزالون غير أمناء مع شعوبهم بشأن الوضع الاستراتيجي الذي تجد أوروبا نفسها فيه، فروسيا تزداد تهيئة لاقتصاد الحرب» وهذا ما يفسر نداءات في المملكة المتحدة لحشد «جيش المواطن» والتأهب لحرب.

وقد كثر الحديث في أوروبا خلال السنوات الأخيرة حول إنشاء دفاعات مشتركة، لكن مخطط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لـ«استقلال ذاتي استراتيجي» للاتحاد الأوروبي و«سيادة عسكرية» قد تراكم عليه الغبار إلى حد كبير. ويظل ناتو الولايات المتحدة هو أمل أوروبا الأول والأخير.

وخوفا من مجيء ترامب الثاني، يقترح مانفريد فيبر زعيم حزب الشعب الأوروبي في البرلمان الأوروبي مظلة نووية بحجم الاتحاد كله قائمة على القوة الفرنسية. وقال: إنه «بغض النظر عمن يجري انتخابه في أمريكا، لا بد أن تقدر أوروبا على الوقوف بمفردها في السياسة الخارجية وأن تقدر على الدفاع عن نفسها بشكل مستقل».

وبالنسبة لجودي ديمبسي من كارنيجي أوروبا فإن الأخطار الجيوسياسية التي تواجه الاتحاد الأوروبي في عام 2024 هي أخطار عالمية، وتتفاقم بفعل تردد أغنى أعضاء الاتحاد. فقد كتبت أن المستشار الألماني أولاف شولتز «لا يوفر زعامة استراتيجية أو سياسية لأوروبا غير المستعدة للانقطاع المحتمل في العلاقة العابرة للأطلسي».

«وبالمثل، ليست ألمانيا أو أوروبا مستعدة لاحتمال النفوذ المتنامي لأنظمة حكم تتحدى القوة التقليدية في الغرب» في إشارة إلى الصين، الشريك التجاري الضخم والخطر المحتمل الأضخم. «إن الطريقة الأوروبية في الحياة، القائمة على الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والأمن، باتت في الوقت الحرج».

تمثل ألمانيا أيضا نقطة ملتهبة في التحدي السياسي الداخلي الذي يواجه الاتحاد الأوروبي، بصعود اليمين المتطرف الذي يشجبه شولتز وعشرات الآلاف من المتظاهرين الألمان في الشوارع باعتباره تهديدا وجوديا للبلد الديمقراطي الليبرالي. وفي فرنسا، يستغل اليمين المتطرق بلا نزاهة المشاعر المعادية للاتحاد الأوروبي في تأجيج مظاهرات المزارعين الراهنة.

ويشير استطلاع جديد أجراه المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إلى أن الأحزاب الشعبوية «المعادية لأوروبا»، وخاصة اليمينية منها، سوف تحقق مكاسب هائلة في انتخابات الاتحاد الأوروبي والانتخابات الوطنية خلال العام الحالي. والهجرة والميزانيات المعطلة والطاقة والمناخ هي بعض القضايا المشتركة المتفجرة.

هل يمكن أن ينجو الاتحاد الأوروبي من هذا العام الخطير الفارق؟ محتمل أنه سوف يتخبط، لكن نوعية الزعامة والرؤية الاستراتيجية المطروحة من جاك ديلروس السياسي الأوروبي الأسطوري الذي مات الشهر الماضي غائبة غيابا واضحا، ومطلوبة على نحو ملح.

إن أوروبا هي قطعة اللحم في الشطيرة الجاري تقطيعها على أيدي طغاة معادين في العالم كله، وإذا لم تفق وتنشط، فإنها الغداء.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی

إقرأ أيضاً:

بعثة الاتحاد الأوروبي بمعبر رفح تعلن استئناف عملها

أعلن الاتحاد الأوروبي، اليوم الجمعة 31 يناير 2025، استئناف عمل بعثته المدنية في معبر رفح الحدودي بين قطاع غزة ومصر، ما يسمح بنقل الفلسطينيين المحتاجين إلى رعاية طبية إلى الخارج.

وفي منشور عبر منصة "إكس"، قالت الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس: "أوروبا هنا للمساعدة، وتنتشر بعثة الحدود المدنية التابعة للتكتل اليوم (الجمعة) في معبر رفح بناء على طلب الفلسطينيين والإسرائيليين".

ووفقا لكالاس، فإن البعثة "ستدعم موظفي الحدود الفلسطينيين، وتسمح بنقل من يحتاجون لرعاية طبية إلى خارج قطاع غزة".

وفي وقت سابق الجمعة، قالت هيئة البث العبرية الرسمية إن معبر رفح سيفُتح اليوم الجمعة، تطبيقا لاتفاق تبادل الأسرى.

وأضافت: "سي فتح معبر رفح للمرة الأولى الجمعة وليس في بداية الأسبوع (الأحد المقبل)، كما كان مخططا أصلا بموجب اتفاق المرحلة الأولى في صفقة تبادل الأسرى".

ويمثل إعادة فتح معبر رفح الحدودي بين قطاع غزة ومصر الخطوة الكبيرة التالية في اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة " حماس " الذي دخل حيز التنفيذ في 19 يناير/ كانون الثاني الجاري بوساطة قطر ومصر والولايات المتحدة.

واحتلت إسرائيل الجانب الفلسطيني من المعبر في مايو/ أيار 2024، ومنذ ذلك الحين لم تظهر بوادر بإعادة فتحه.

واحتلال إسرائيل للمعبر الذي يعتبر رئة الفلسطينيين إلى الخارج، حال دون تمكن آلاف الجرحى من السفر إلى الخارج لتلقي العلاج.

تجدر الإشارة إلى أن بعثة الاتحاد الأوروبي للمساعدة الحدودية أطلقت في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2005، عقب خطة الانسحاب أحادية الجانب التي نفذتها إسرائيل من غزة، وانتهت مهمتها في 13 يونيو/ حزيران 2007، عندما انتقلت الإدارة في غزة إلى حركة حماس.

وفي 19 يناير/ كانون الثاني الجاري، بدأ سريان وقف لإطلاق النار وتبادل أسرى بين حركة "حماس" وإسرائيل، يستمر في مرحلته الأولى 42 يوما، يتم خلالها التفاوض لبدء مرحلة ثانية ثم ثالثة، بوساطة مصر وقطر ودعم الولايات المتحدة.

وبدعم أمريكي، ارتكبت إسرائيل بين 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 و19 يناير/ كانون الثاني 2025، إبادة جماعية بغزة خلّفت أكثر من 159 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.

المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين الاحتلال يواصل إجبار المواطنين على إخلاء منازلهم في مخيم طولكرم مصر: مظاهرات أمام معبر رفح البري تندد بتهجير الفلسطينيين إصابة طفلين برصاص الاحتلال في المغير شمال شرق رام الله الأكثر قراءة استطلاع: غالبية الجمهور في إسرائيل لا تثق بتحقيقات الجيش الهيئة المستقلة: لم يصدر عنّا أي تصريحات لقناة الجزيرة النيابة العامة تصدر بياناً توضيحياً بشأن توقيف محمد الأطرش مكان: الحكومة الإسرائيلية تصادق على تعديل اتفاق التبادل عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • ترامب: سنفرض رسوما جمركية على الإتحاد الأوروبي
  • الاتحاد الأوروبي ومصر يدربان موظفين فلسطينيين لإدارة معبر رفح
  • ترامب: سنفرض رسوما جمركية على أوروبا
  • تيباس: ريال مدريد سيدمر كرة القدم بدوري السوبر الأوروبي
  • بعد تصريحات ترامب..حرب تجارية تلوح في الأفق بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي
  • لايأخذون شيئاً تقريباً..ترامب يهدد الاتحاد الأوروبي برسوم جمركية
  • عودة سياسات الحماية.. ترامب يهدد بفرض رسوم جمركية على الاتحاد الأوروبي
  • بعثة الاتحاد الأوروبي بمعبر رفح تعلن استئناف عملها
  • الرباط تحتضن الإجتماع السنوي لشبيبة الحزب الشعبي الأوروبي لأول مرة خارج أوروبا.. السعدي: مكسب دبلوماسي
  • الاتحاد الأوروبي يتحدث بشأن بعثته لتشغيل معبر رفح