أوروبا تتجه إلى مياه خطرة وزعماؤها ناعسون على الدفة
تاريخ النشر: 29th, January 2024 GMT
يخشى الديمقراطيون من سير جو بايدن نائما إلى كارثة في مباراة العودة أمام دونالد ترامب في نوفمبر. ويوجه المحافظون نقدا مماثلا لريشي سوناك الناعس فيما يحلم حزب العمال باكتساح في انتخابات الخريف. ولكن تأهبا لحفل عالمي ساهر لا مثيل له، يتناول زعماء الاتحاد الأوروبي بسكويت ما قبل النوم.
بالطريقة التي تجري بها الأمور، قد تتحوَّل سنة 2024 إلى كابوس للكتلة المؤلفة من سبعة وعشرين بلدا، بل إلى عام مريع لا نظير له.
انظروا مثلا إلى أزمة البحر الأحمر، إذ تهاجم «جماعة أنصار الله» سفن الشحن هناك منذ أن بدأت حرب إسرائيل وحماس. وفي ظل التهديدات التي تواجه التجارة العالمية وحرية الملاحة، ردت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة هذا الشهر بعملية (حارس الازدهار)، منفردتين.
والاتحاد الأوروبي له مصلحة كبيرة في هذا الصراع؛ لأن أربعين في المائة من تجارته مع آسيا والشرق الأوسط تمر عبر السويس. ولكن نيذرلاند وحدها هي التي قدمت دعما عمليا. وقدمت ألمانيا الدعم في بيان مكتوب، واختفت بغتة فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، ومبرر بروكسل هو أن الاتحاد الأوروبي يخطط لإطلاق مهمته الخاصة في البحر الأحمر. لكن على الرغم من الحاجة الواضحة إلى السرعة في ظل استمرار الهجمات، أرجأ وزراء الخارجية اتخاذ قرار إلى التاسع عشر من فبراير في حين قالت بلجيكا إنها قد ترسل فرقاطة.
تكشف هذه الحلقة المؤسفة بعض السمات الفردية المألوفة في الاتحاد الأوروبي، هي: التردد في اتباع قيادة أمريكا، والخوف من دخول حرب، وانقسام الرأي بل القلق -في هذه الحالة- من الوقوف في صف إسرائيل، ففي ظل نعاس القائمين على الدفة، تعجز أوروبا مرة أخرى عن الربط بين مصالحها الخاصة ومطامحها إلى أن تكون فاعلا دوليا يقوم بالعمل المشترك الملموس في الوقت المناسب.
لقد فجرت حرب غزة وهما آخر قبل اجتماع القمة المهمة هذا الأسبوع. إذ تعتقد الحكومات أن الصراع، والتصعيد الإقليمي، يهددان مصالح حيوية لها؛ ولأن الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل، تعتقد الحكومات أن للاتحاد الأوروبي نفوذا. وجميع الحكومات تؤيد حل الدولتين، لكن حينما أوضح جوسيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي خطة سلام لفلسطين من عشر نقاط، لم يلق من ضيفه البارز إسرائيل كاتز وزير الخارجية الإسرائيلي إلا التجاهل. فقال بوريل غاضبا «ما الحلول الأخرى التي يفكرون فيها [أي الإسرائيليين]؟ دفع جميع الفلسطينيين إلى الرحيل؟ قتلهم؟»، وبقي يغمغم في أسى حول «عواقب» غير محددة.
إن قدرة أوروبا عميقة الغور على ممارسة ضغط أدنى من ثقلها تلحق ضررا بأوكرانيا التي يبدو أن روسيا بعد سنتين من حربها عليها تكسب ببطء يدا عليا. ومع اقتراب القمة، يواصل فكتور أوربان -حمار طروادة الموسكوفي- منع حزمة تمويل بخمسين مليار يورور لكييف.
كما أن فرص أوكرانيا تتضرر أيضا بسبب عجز بعض بلاد الاتحاد الأوروبي -وخاصة فرنسا- عن توفير أسلحة أكثر وأفضل، في الوقت الذي تشح فيه الإمدادات الأمريكية، ويترتب على ذلك ضرر بآمال أوروبا في الدفاع عن حدودها أمام عدوان روسي في المستقبل. ويكتسب هذا أهمية خاصة في ظل عودة ترامب المرتقبة إلى البيت الأبيض بعد سنة من الآن. إذ تبدو أوروبا -شأن غزال متجمد أمام مصابيح سيارة تقترب- مشلولة بسبب البلدوزر البرتقالي سريع التقدم. ففي هذه المرة، قد ينفذ ترامب تهديده بسحب قابس الناتو. فكيف يكون الحال إذن بالنسبة للأمن الأوروبي الجماعي؟.
لقد حذر إيان بوند في مركز الإصلاح الأوروبي من أن عودة ترامب «قد تهدد مصالح أوروبية لكن أوروبا لا تستثمر في تقليل المخاطر». ويمثل الدفاع والعلاقات الاقتصادية العابرة للأطلسي واحتقار ترامب للنظام الدولي القائم على القواعد نطاقات المشكلات البادية في الأفق.
كتب بوند يقول: إن «أغلب الزعماء الأوروبيين لا يزالون غير أمناء مع شعوبهم بشأن الوضع الاستراتيجي الذي تجد أوروبا نفسها فيه، فروسيا تزداد تهيئة لاقتصاد الحرب» وهذا ما يفسر نداءات في المملكة المتحدة لحشد «جيش المواطن» والتأهب لحرب.
وقد كثر الحديث في أوروبا خلال السنوات الأخيرة حول إنشاء دفاعات مشتركة، لكن مخطط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لـ«استقلال ذاتي استراتيجي» للاتحاد الأوروبي و«سيادة عسكرية» قد تراكم عليه الغبار إلى حد كبير. ويظل ناتو الولايات المتحدة هو أمل أوروبا الأول والأخير.
وخوفا من مجيء ترامب الثاني، يقترح مانفريد فيبر زعيم حزب الشعب الأوروبي في البرلمان الأوروبي مظلة نووية بحجم الاتحاد كله قائمة على القوة الفرنسية. وقال: إنه «بغض النظر عمن يجري انتخابه في أمريكا، لا بد أن تقدر أوروبا على الوقوف بمفردها في السياسة الخارجية وأن تقدر على الدفاع عن نفسها بشكل مستقل».
وبالنسبة لجودي ديمبسي من كارنيجي أوروبا فإن الأخطار الجيوسياسية التي تواجه الاتحاد الأوروبي في عام 2024 هي أخطار عالمية، وتتفاقم بفعل تردد أغنى أعضاء الاتحاد. فقد كتبت أن المستشار الألماني أولاف شولتز «لا يوفر زعامة استراتيجية أو سياسية لأوروبا غير المستعدة للانقطاع المحتمل في العلاقة العابرة للأطلسي».
«وبالمثل، ليست ألمانيا أو أوروبا مستعدة لاحتمال النفوذ المتنامي لأنظمة حكم تتحدى القوة التقليدية في الغرب» في إشارة إلى الصين، الشريك التجاري الضخم والخطر المحتمل الأضخم. «إن الطريقة الأوروبية في الحياة، القائمة على الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والأمن، باتت في الوقت الحرج».
تمثل ألمانيا أيضا نقطة ملتهبة في التحدي السياسي الداخلي الذي يواجه الاتحاد الأوروبي، بصعود اليمين المتطرف الذي يشجبه شولتز وعشرات الآلاف من المتظاهرين الألمان في الشوارع باعتباره تهديدا وجوديا للبلد الديمقراطي الليبرالي. وفي فرنسا، يستغل اليمين المتطرق بلا نزاهة المشاعر المعادية للاتحاد الأوروبي في تأجيج مظاهرات المزارعين الراهنة.
ويشير استطلاع جديد أجراه المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إلى أن الأحزاب الشعبوية «المعادية لأوروبا»، وخاصة اليمينية منها، سوف تحقق مكاسب هائلة في انتخابات الاتحاد الأوروبي والانتخابات الوطنية خلال العام الحالي. والهجرة والميزانيات المعطلة والطاقة والمناخ هي بعض القضايا المشتركة المتفجرة.
هل يمكن أن ينجو الاتحاد الأوروبي من هذا العام الخطير الفارق؟ محتمل أنه سوف يتخبط، لكن نوعية الزعامة والرؤية الاستراتيجية المطروحة من جاك ديلروس السياسي الأوروبي الأسطوري الذي مات الشهر الماضي غائبة غيابا واضحا، ومطلوبة على نحو ملح.
إن أوروبا هي قطعة اللحم في الشطيرة الجاري تقطيعها على أيدي طغاة معادين في العالم كله، وإذا لم تفق وتنشط، فإنها الغداء.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی
إقرأ أيضاً:
إعلام إسرائيلي: وزير خارجية الاتحاد الأوروبي طلب حظر الاستيراد من مستوطنات الضفة
ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، أنّ وزير خارجية الاتحاد الأوروبي طلب حظر الاستيراد من المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية إلى أوروبا، وتجميد الحوار السياسي مع إسرائيل، حسبما أفادت قناة «القاهرة الإخبارية»، في نبأ عاجل، منذ قليل.