خبير أمريكي يدعو بلاده للاستفادة من نفوذ أردوغان الإقليمي والعالمي
تاريخ النشر: 29th, January 2024 GMT
دعا خبير أمريكي واشنطن للاستفادة من نفوذ تركيا الإقليمي والعالمي الذي تشكل وفق سياسة الرئيس رجب طيب أردوغان.
وقال سونر غايتاي، مدير "برنامج الأبحاث التركية" في "معهد واشنطن"، إن تحوّل أردوغان الواضح إلى نمط بناء الإرث سيمنح واشنطن فرصاً للاستفادة من نفوذه في الخارج.
وبحسب غايتاي فإن أردوغان بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الماضية لم يعد يواجه أي تحديات داخلية كبيرة، وبالتالي تدخل مسيرته المهنية في مرحلة بناء الإرث.
ويضيف في تقريره لـ"معهد واشنطن" أنه "بعد أن أحدث ثورة في سياسة البلاد وأعاد تشكيل هويتها الجيوسياسية، أصبح يريد الآن أن يترك وراءه إرثاً إيجابياً لتركيا كدولة تتمتع بمكانة دولية جيدة، وله كرجل دولة وليس سياسياً استقطابياً".
دعوة غايتاي تأتي بعد مصادقة تركيا على انضمام السويد لحلف الناتو، الأسبوع الماضي.
"شهدت تركيا ما يعادل حدوث ثورة سياسية في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي قام ببناء "تركيا جديدة" قائمة على قيادته القوية والسعي الشعبي العلني إلى تمتع البلاد بمكانة القوة العظمى الإقليمية" بحسب غايتاي.
وأضاف: "كان هذا التحول واضحاً في مجال السياسة الخارجية أيضاً، ففي حين أن المؤسس الحديث للبلاد مصطفى كمال أتاتورك وأتباعه في القرن العشرين روّجوا للتمتع بهوية أوروبية حصرية تتطلع إلى الداخل، سعى أردوغان إلى الاضطلاع بدور أكثر تطلعا إلى الخارج، عبر اعتناق الهويات المتعددة لتركيا كالهوية الأوروبية والشرق أوسطية والأوراسية وغيرها من الهويات. ومن الناحية العملية، يعني ذلك الترويج لتركيا كقوة قائمة بذاتها تعطي علناً الأولوية لمصالحها الخاصة على تحالفاتها الرسمية وغير الرسمية".
وعليه "تتعامل أنقرة الآن بحرّية مع واشنطن وحلف "الناتو" وروسيا وأوروبا وإيران وممالك الخليج وغيرها من الجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية، دون أن تشعر أنها مضطرة إلى اختيار شريك مفضل. ورغم أن تركيا كان لها ارتباط عاطفي عميق بأوروبا في القرن العشرين، إلّا أنها أصبحت في عهد أردوغان أكثر حباً لنفسها".
وبرغم اعتقاده أن العلاقات بين أنقرة وواشنطن ستتحسن، بعد المصادقة على انضمام السويد لحلف "الناتو"، إلا أن ذلك لا يعني أن العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا ستعود إلى وضعها الأمثل، ولا يعني أن أنقرة ستعود إلى كنف الولايات المتحدة.
ويقترح غايتاي أن أفضل طريقة يمكن أن يتبعها المسؤولون الأمريكيون للتعامل مع تركيا الجديدة هي الاعتراف بأنها لن تتخلى عن الغرب، لكنها لن تنضم إلى محوره في الوقت نفسه. وعلى العكس من ذلك، فإن تركيا في عهد أردوغان هي دولة متعددة الانحيازات تتخذ الموقف المريح لها حول أي قضية جيوسياسية، سواء كانت الحرب في أوكرانيا، أو الصراع في جنوب القوقاز، أو عدم الاستقرار في الشرق الأوسط.
ومن وجهة نظر غايتاي فإن ذلك يسمح لأنقرة بالبقاء تحت الأضواء والاحتراز من أي جهة فاعلة تقريباً، حتى عندما تظل جزءاً من حلف "الناتو". ففي أوكرانيا، على سبيل المثال، دعمت تركيا كييف عسكرياً خلال الحرب، بينما حافظت على العلاقات الاقتصادية مع روسيا.
ويقدّم التحوّل الواضح الذي أحدثه أردوغان فرصةً للبيت الأبيض للتعامل مع تركيا الجديدة التي أنشأها، والاستفادة من نفوذه الإقليمي والعالمي في عصر اليوم الذي يتسم بتزايد المنافسة بين القوى العظمى. وفي كلتا الحالتين، يتعيّن على واشنطن أن تتقبّل حقيقة أن تركيا القديمة لن تعود إلى ما كانت عليه.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية سياسة دولية تركيا أردوغان امريكا تركيا أردوغان المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
دورُ إيران الإقليمي على المحك
ليس يُـعْـلَم، على وجـه الدّقّـة والوضوح، لماذا حصلت تلك الانـكـفاءةُ السّياسيّـة والعسكريّـة الإيرانيّـة في سوريـة خلال الأسبوع الأوّل من ديسمـبر 2024؛ وهي التي أفضت إلى انسحاب الجيش من مواجهة هجـوم الفصائـل المسلّحـة وسقوطِ نظام بشّـار الأسد من تلقـاء نفسـه. قد يكون صحيحاً ما ساقـته مصادر إيرانـيّـة من تبريرٍ لإحجام طهران عن ذلك مفادُه أنّ إيـران لا تملك أن تقاتـل في سورية فيما جيشُ الأخيرة مستـنـكـفٌ عن القـتال؛ وقد يكون صحيحاً ما قاله وزيـر خارجيّـة إيران في شأن عـدم تجاوُب الرّئيس السّـوريّ مع «نصائـح» طهران بضرورة الحـوار مع تركيا وحلفائها لإنتاج حـلٍّ سياسيّ للأزمـة، وأثـرِ ذلك في دفع إيران إلى سحب قـوّاتها ومستشاريها من سورية، لكنّ التّبـريـريْن معاً يبـدوان وكأنّهما تبريران متفاهَـمٌ عليهما، بشكلٍ غيـرِ معلَـن، بين إيـران وروسيا - التي ردّدتهما هي الأخرى - وذلك لتعزيز الرّواية عن دواعي تَـخلّي الدّولـتين عن حليفهـما السّـوريّ. ولـقد يمـرّ وقـتٌ طـويلٌ - ربّـما - قـبل أن يجيب القادمُ من الزّمـن عن استـفـهـاماتٍ عـدّة رسمتها أحـداثُ الأحد عشر يوماً قـبل سقوط دمشق ومواقـفُ حليـفيْ سورية المُـنكـفـئـيْـن عن ساحتها، على حيـن غِـرّة، خاصّـةً إيـران.
للسّؤال عن مـوقـف إيـران، بالـذّات، ما يبـرِّره ويفْـرض العنايةَ به: لا فـقط من باب تـفسير ما جرى قبل أسابيع في واحـدةٍ من أهـمّ ساحات نفوذ إيران السّياسيّ والعسكريّ، بـل من زاويـة مُتَـرَتَّـباتـه وعـقـابيله على مستـقـبل أدوار إيران في الإقـليم والهوامشِ الشّحيحـة التي تَـبَقّـت لتلك الأدوار ولِما كان لها من النّـفوذ. ولا مِـرْية في أنّ أهـمّ ما يبـرِّر السّـؤال عن انسحاب إيران من عمليّـة دعـم النّظام السّـوريّ، في الهـزيع الأخير من حكمـه، أنّـها وحدها من دون سائـر القـوى الفاعلة في المسرح السّـوريّ - منـذ ابتـداء الأزمـة في العام 2011 - من خَـرج من الحرب خاويَ الـوِفاض وعاد من سورية بـخُـفّـيْ حُنـيْـن من غيـر أن تستحـصل شيئاً ممّـا أنـفـقـتْـهُ في البـلاد منذ عشرة أعـوام معطوفاً على ما فـقـدتْـهُ من آلاف الجنود والمستـشارين العسكريّـيـن، عـدا عن هـيبـتها كـدولةٍ إقـليميّـة ذات شـأن.
أخذ كـلُّ طرفٍ من الأطراف السّـتّة الآخرين حصّـةً من سورية بعد أن سقطت بين أيـدي خمسةٍ منهم ظافـرين. أخذ الأتراك قسماً من شمال سورية كانوا قـد احتـلّوه سلفاً بالقـوّة العسكريّـة، وهم يتـطلّعون إلى ابتـلاع حلب وربّما غيرها من مـدن الشّمال والوسط، فضـلاً عن كونهم ضمِنوا قيام سلطةٍ جديدة تابعة لهم وربّما مؤتمِـرة بأوامرهم لهم على قواها (الفصائـل المسلّـحة) اليد البيضاء. وما من شـكٍّ في أنّ المأخوذَ هـذا (من الأرض أو من السّلطان السّياسيّ) سيكون له كـبيرُ أثـرٍ في تعظيم النّـفوذ الإقـليميّ لتركيا الذي أُصيب بخيبة من مآلات «الرّبيع العربيّ» الذي كانت تركيا من أهـمّ رُعاته الإقـليميّـين. وأَخَـذ الأمريـكيّـون حصّتهم الغـنيّـة من شمال البلاد وآبـار النّـفط فيها، ومن النّـفوذ في سورية بعد رحيل نظامها المعادي لواشنطن ورحيل روسيا وإيران - الخصـمين اللّدوديْـن- منه. وأخذ جيش الكيان الصّـهيونيّ أجزاء من أراضيها في مثـلّث ممتـدّ من محافظة درعا إلى جبل الشّيخ مروراً بالقـنيطرة وقسمٍ كـبـير من الامتداد الجغرافيّ بينها وجنوب دمشق. وأخذ الرّوس ضمانات بالحفاظ لهم على القاعدة البحريّـة في طرطوس والقاعدة الجويّـة في حـميمـيـم ثـمناً لهم على رفع اليـد عن نظام الأسـد. وحصلتِ الفصائـل المسلّحة على سلطةٍ أَتَـتْـها على طبقٍ من ذهب ومن دون قـتـال. ثمّ حصل كُـرْد سورية على جيب جغرافيّ - مَحْـمِيٍّ أمريكـيّـاً - اتّسـع نطـاقاً في شرق الفرات مستـقـلاًّ عن «السّلطة المركزيّـة» ويُـغـري بتـكرار نسخة كردستان العـراق!
وحدها إيران لم تَـظْـفـر بشيء في سورية. وليست مشكلتها في عـدم الحصول على شيء فحسب، بـل في تغـيُّـرٍ ستـشـهد عليه طبيـعةُ أدوارها بعـد رحيل نظام الأسـد سيكون له الأثـرُ الكبير في توازنـات الإقـليم الذي كانت إيـران قـد أوشكت، في الماضي القريب، على أن تكون أحد أكـبر مفاتـيحه والفاعلين فـيه. من المعلوم أنّ إيران نجحت في اغـتـنام غـزو العراق واحتلاله وسقوط النّظام الوطنيّ فيه (2003) للصّـيرورة دولـةً ذاتَ نفـوذٍ إقـليميّ مبسوط على العراق وسورية وبعضِ لبنان. وهـو نفـوذ ما لبث أن تَعَـزّز أكـثر مع انـدلاع أحداث الاشتـباكات في سورية، بعد العام 2011، بما سمح لها بالإمساك بالكـثير من مفاصل القرار السّياسيّ والعسكريّ في المنطقة؛ على ما بـيّـنتْ ذلك الأحداثُ التي نشأت في سياق عمليّـة طوفان الأقصى. أمّا اليـوم؛ حيث تجلو قـوّاتُها من سورية منـكـفـئةً إلى حدودها، فـقـد شرعت إيران في الانتـقال من دولة إقـليميّـة كبرى إلى دولةٍ قوميّـة فحسب، لها نفوذ في بيـئة حلفائـها من غـير أن يكـون لها تأثيـرٌ مباشر في مصائرهم نتيجة قطع الرّوابـط الجغرافيّـة الاستراتيـجيّـة بـهـم.
من البيّـن أنّ الأمـر، في هذا الانتقال الدّراماتيـكيّ في طبيعة الدّور، يتعلّق بتراجـعٍ استراتيجيّ في مكانة إيـران الإقـليميّـة قد يضـغط عليها، مستـقـبلاً، أو يُـسَـرِّع من وتائـر حصارها داخل حدودها (إذا نجحت سياسةُ أمريكا احتواءَ العـراق وفـكَّ ارتباطه بطهران). غير أنّ الخسارة الاستراتيجيّـة ليست إيرانيّـة، حصـراً، بـل تطال محوراً إقليـميّـاً كاملاً عُـرِف طويلاً باسـم «محور المقاومة». بعد أن وقعت الواقعة في سورية (القـلب الذّهـبيّ لذلك المحور) لن يكون الأخير ما كانَـهُ قبل 8 ديسمبر؛ ومع أنّ الضّربات التي تلـقّاها منذ 7 أكتـوبر 2023 حتّى ديسمبر 2024 كانت شـديدةَ الإيجاع والتّـدميـر بحيث أخذت منه كـثـيـرَهُ وقـليلَـه، إلاّ أنّ ضربة الثّـامن من ديسمبر أتـتْ أشـدَّ إيـذاءً للمقاومة من أربعة عشر شهـراً من الموت المعـمَّـم، ولعلّـها قـد تـمـتـحن قـدرتَـها على حِـفْـظِ بقائـها متماسـكـةً فاعلـة في قادم الزّمـن.