أصْلِحوا قوانين مكافحة الاحتكار وبراءات الاختراع الآن
تاريخ النشر: 29th, January 2024 GMT
عندما استنت الولايات المتحدة قانون شيرمان لمكافحة الاحتكار في عام 1890، ساق السيناتور جون شيرمان المبرر المشهور: «إذا لم نكن لنتحمل ملكا كقوة سياسية، فلا ينبغي لنا أن نتحمل ملكا يحكم إنتاج ونقل وبيع أي من ضروريات الحياة. وإذا لم نكن لنخضع لإمبراطور، فلا ينبغي لنا أن نخضع لمستبد في عالم التجارة، يملك سلطة منع المنافسة وتحديد سعر أي سلعة أساسية».
الهدف الحقيقي من قانون مكافحة الاحتكار إذن هو الحد من القوة الاقتصادية والسياسية المفرطة التي قد تتمتع بها شركات الأعمال. بيد أن التشريع الأصلي اعتبر تقييد التجارة فقط غير قانوني. وقد وجدت المحاكم أن هذا الأمر شديد الغموض، فأرغمت الكونجرس ــ في الأعوام 1914، و1936، و1950 ــ على توضيح ممارسات السوق غير القانونية، ولكن دائما دون الإشارة إلى ممارسة القوة. وعلى هذا ففي الممارسة العملية، كانت سياسة مكافحة الاحتكار تُـسـتَـخـدَم لضمان حرية دخول المنافسين إلى جميع الأسواق. في حين عارض ميلتون فريدمان مكافحة الاحتكار لأنها تخلق البيروقراطية، فإن أغلب المعارضة لها استندت إلى الادعاء بأنها تعاقب الأفضل لكونه الأفضل.
تمكن أهل الاقتصاد والباحثون القانونيون من جامعة شيكاغو، مثل روبرت بورك، من إقناع المحاكم بأن الغرض الحقيقي من قانون شيرمان لمكافحة الاحتكار كان تعزيز رفاهة المستهلك. المشكلة الوحيدة الوثيقة الصلة بهذا الأمر هي سعر السوق في الأمد القريب ــ وليس قوة السوق. ذلك أن القوة الاحتكارية والممارسات التجارية لا تشكل أهمية كبرى إذا كانت شركة ما هي الأفضل وتقدم منتجات بأسعار وجودة تفيد المستهلكين.
وعلى هذا فقد زعم خبراء الاقتصاد في شيكاغو (بدون أدلة) أن التسعير الجائر المناهض للمنافسة لا يمكن تمييزه عن «المنافسة الشديدة» التي تعود بالفائدة على المستهلكين. وبعد أن بدأت المحكمة العليا ذاتها تستشهد بالأبحاث الأكاديمية من مدرسة شيكاغو كدليل في أحكامها بشأن دعاوى مكافحة الاحتكار، أصبح من النادر أن تُـقام دعاوى التسعير الجائر. بيد أن الادعاء بأن مكافحة الاحتكار تعاقب الأفضل لكونه الأفضل معيب بوضوح. ذلك إن كونك «الأفضل» يتحول في حقيقة الأمر إلى مقارنة فارغة إذا كانت الشركة التي تمتلك التكنولوجيا الأكثر تقدما شركة احتكارية تستحوذ على منافسيها.
ففي نهاية المطاف، لا تتمكن الشركات التي قد تشكل تحديا تنافسيا من الانطلاق أبدا. على نحو مماثل، يشكل التركيز على الأسعار الحالية سياسة معيبة لأنه يعفي الاستراتيجيات الديناميكية التي تستخدمها الشركات لبناء قوة السوق، وهذا في حد ذاته يضر برفاهة المستهلك بمرور الوقت.
في بحث أجرته عام 2017، تقول لينا خان، التي تشغل حاليا منصب رئيس لجنة التجارة الفيدرالية، إن ممارسات شركة أمازون التجارية تنتهك قانون مكافحة الاحتكار لأنها تشمل التسعير الجائر والتكامل الرأسي غير القانوني. لكن إثبات مثل هذه الانتهاكات في المحاكم كان لفترة طويلة مهمة بالغة الصعوبة. في محاولة لاستعادة فعالية سياسة مكافحة الاحتكار، استغلت خان وقتها في لجنة التجارة الفيدرالية لإقامة دعاوى المقصود منها إقناع المحاكم بأنها تبنت تفسيرا معيبا لقانون شيرمان لمكافحة الاحتكار. ولكن من المرجح أن تكون هذه الاستراتيجية قاصرة. ما نحتاج إليه حقا هو سياسة جديدة أكثر قوة لمكافحة الاحتكار استنادا إلى قانون أعرض.
كما أشرح في كتابي «التكنولوجيا وقوتها السوقية»، يتمثل التحدي الرئيسي الذي يواجه مكافحة الاحتكار في حرص الشركات التي تستعين بتكنولوجيات متقدمة على بناء قوة سوقية قانونية لانتزاع أرباح احتكارية. في حين أن دخول السوق مجاني (على سبيل المثال، يمكن لأي شركة بيع الهواتف الذكية)، لا تستطيع الشركة الوافدة استخدام تكنولوجيا مسجلة الملكية (مثل Apple iPhone). للتنافس في هذه السوق (الهواتف الذكية العالية الجودة)، يتعين عليها أن تخترع تكنولوجيا جديدة وتنتج مُـنـتَـجا متفوقا. لكن هذا أمر بالغ الصعوبة، وأي محاولة ستستفز ردود فعل عدوانية من جانب الشركة القائمة (شركة أبل). ونتيجة لذلك، أصبحت التحديات التنافسية نادرة، وأصبحت قوة السوق راسخة.
أعلنت قوانين مكافحة الاحتكار وقرارات المحكمة العليا أن الأرباح الناجمة عن إبداع تعتبر «بريئة» لأنها تنتج بشكل عفوي، وليس نتيجة لتدبير متعمد لتقييد التجارة. الواقع أن قوة التكنولوجيا السوقية المتراكمة قانونية وغير خاضعة للتنظيم، ليس هذا فحسب؛ بل يدعمها أيضا قانون براءات الاختراع، وهو ما يتعارض بالتالي مع هدف قانون مكافحة الاحتكار الأصلي. المعنى الضمني هنا هو أن لجنة التجارة الفيدرالية لا يمكنها إقامة الدعاوى القضائية إلا ضد الكيفية التي تدير بها الشركات أعمالها، وليس ضد قوتها الاحتكارية الفعلية. لنأخذ على سبيل المثال منصة تحكم الألعاب Xbox من شركة ميكروسوفت، التي كانت حصتها السوقية 13% فقط في عام 2022 وكانت حصتها السوقية من الألعاب أصغر. عرضت ميكروسوفت الاستحواذ على Activision Blizzard مقابل 68 مليار دولار، ولإثبات أنها لا تعتزم منع منصات أخرى من استخدام ألعاب Activision، أعلنت شركة ميكروسوفت أن الألعاب ستكون متاحة على جميع منصات التحكم لمدة عشر سنوات. وبما أن دخول سوق الألعاب الجديدة يظل مجانيا لأي شخص، فبوسع المرء أن يتوقع السماح بهذا الاندماج، نظرا للرأي الذي تتبناه المحاكم حاليا. باستخدام استراتيجية خان، عارضت لجنة التجارة الفيدرالية استحواذ شركة ميكروسوفت، معللة ذلك بضرورة منع إمبراطورية التكنولوجيا التي تبلغ قيمتها 2.7 تريليون دولار من الاستفادة من قوتها الحالية لاكتساب مزيد من القوة. ولكن، كما كان متوقعا، سمحت المحكمة بمواصلة عملية الاندماج. الواقع أن هدف خان الحقيقي من غير الممكن أن يتحقق بالاستعانة بالقوانين القائمة.
إن القوة السوقية التي تمتلكها التكنولوجيا قانونية، وبالتالي لا يمكن الطعن فيها. وبقدر ما هي خطيرة الآن، فإن هذه القوة ستصبح أشد خطورة في عصر الذكاء الاصطناعي.
بسبب افتقارها إلى الأدوات اللازمة للحد من القوة السوقية التي تتمتع بها شركات التكنولوجيا المهيمنة، فإن أقصى ما قد تتمكن لجنة التجارة الفيدرالية من تحقيقه في قضاياها المعلقة لن يتعدى بضع تغييرات طفيفة في الممارسات التجارية الحالية.
من ناحية أخرى، سوف تستمر القوة السوقية الحالية التي تتمتع بها شركات التكنولوجيا العملاقة في إحداث تأثير سلبي كبير على الكفاءة الاقتصادية، والنمو، والتفاوت في الدخل، والاستقطاب الاجتماعي. تتطلب معالجة المشكلة على النحو الوافي العودة إلى الهدف الأصلي من سياسة مكافحة الاحتكار، والذي يتلخص في تقييد قوة الشركات. من الأهمية بمكان توسيع القوانين الحالية حتى يصبح تقييد قوة الشركات السوقية هدفا واضحا. وبما أن الهيمنة التكنولوجية هي المصدر الرئيسي لقوة السوق، فإن منع التركز التكنولوجي يجب أن يكون هدفا صريحا لقانون مكافحة الاحتكار. ويجب أن يكون المستوى المسموح به من القوة السوقية متسقا مع المستوى الذي يكفله قانون براءات الاختراع، ويتطلب هذا حظر عدد كبير من الاستراتيجيات التي تستخدمها الشركات لتعزيز وتوسيع قوتها السوقية.
على سبيل المثال، ينبغي للقانون أن يشجع الإبداع ولكن يقيد الاستحواذ على المنافسين أو تكنولوجياتهم؛ وينبغي له أن يعالج قدر الإمكان قابلية التشغيل البيني للأنظمة البيئية الرقمية المرتبطة عبر نظام تشغيل واحد؛ كما ينبغي له أن يمنع الشركات من قمع التكنولوجيات المتفوقة التنافسية. يجب أيضا إصلاح قانون براءات الاختراع ذاته. كثيرا ما تُـمـنَـح البراءات لاختراعات تافهة، لذا فلابد من رفع معايير الموافقة. ويتعين على صناع السياسات أن يعملوا على منع نشوء التكتلات الهرمية من براءات الاختراع المترابطة التي تعمل على إطالة أمد قوة السوق إلى ما هو أبعد كثيرا من مقصد قانون براءات الاختراع. وهذا يتطلب التمييز بين براءة الاختراع الأولية لشيء جديد حقا وبراءة الاختراع الثانوية التي يعتمد وصفها على براءة اختراع أولية.
ويجب أن تُــمـنَـح براءات الاختراع الثانوية لمدة لا تتجاوز نصف مدة براءة الاختراع الأولية. من الأهمية بمكان تعويض المبدعين، ولكن لابد أيضا من صيانة المنافسة وحرية الاختيار من خلال انتهاج سياسة سليمة متوازنة. سوف يكون اقتصاد الولايات المتحدة والديمقراطية الأمريكية أكثر صحة في ظل وجود عدد أكبر من الشركات القوية القادرة على المنافسة. أعتقد أن الكونجرس على استعداد للنظر في تشريع لتقييد قوة السوق الصاعدة في أمريكا. وينبغي للجنة التجارة الفيدرالية أن تعمل مع المشرعين لتحقيق هذه الغاية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: لجنة التجارة الفیدرالیة لمکافحة الاحتکار قوة السوق من القوة
إقرأ أيضاً:
عماد فاروق: "كان لابد أن أثبت قيمتي السوقية في الأهلي"
كشف عماد فاروق، المعد النفسي السابق للنادي الأهلي، أنه كان يرغب في إثبات قيمته السوقية في الأهلي، قبل اعتذاره عن استكمال مشواره مع القلعة الحمراء.
محمد إسماعيل: نستخدم الأهلي والزمالك "فاترينة" لبيع لاعبينا في أوروباوتحدث عماد فاروق في تصريحات إذاعية، حيث قال: "لقد تحدثت للكابتن محمد رمضان عن أن كل شخص يُحدد قيمته، وسألته هل لو كان الأهلي عرض عليك راتب 50 ألفا كنت ستوافق، قال كنت سأرفض فورًا، أنا لم أرفض، أنا قلت دعنا من هذا الموضوع الرخيص، أنا سأعمل في النادي متطوعًا وسوف أشارك في الصفقات الجديدة".
وأوضح: "كان لا بد أن أثبت قيمتي السوقية أولًا، ثم أكدت أنني سأعمل متطوعًا لأن الأهلي يستحق أن أعمل به متطوعًا، الرواتب في جميع المؤسسات مُعلنة، وأعرف كم يتقاضى الجهاز الفني، هذا ليس سرًا".
واستكمل: "أنا لا أرى أي أحد في الدنيا (غلبان)، كلنا لنا قيمة كبيرة، كل إنسان ربنا أوجده في الحياة قيمته كبيرة جدًا، هناك بعض التخصصات تتطلب أشخاص خلف الستار، مثلًا مساعد كولر لتحليل الأداء لا يظهر في الإعلام، وأنا المفترض أن أظهر في الإعلام".
وأتم فاروق تصريحات: "لذلك كنت أقول لم يكن يجب أن أجلس مع الكابتن محمد رمضان، فقط هو أعطى انطباعا جيدا عندي، ولكن كان يجب أن أجلس مع مارسيل كولر ويتم تقييمي".