وكيل الأزهر: الشباب عليهم مسئولية كبيرة.. ويجب أن يتحملوا واجبهم في بناء الأوطان
تاريخ النشر: 29th, January 2024 GMT
عقد جناح الأزهر الشريف بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته 55، اليوم الاثنين، ندوة بعنوان "الشباب ومواجهة التغيرات المجتمعية، حاضر فيها، الدكتور أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة، والدكتور محمد عبد الرحمن الضويني، وكيل الأزهر الشريف، وأدارها محمود عبدالرحمن، المذيع بالمركز الإعلامي للأزهر الشريف، وناقشت كل ما يحتاجه الشباب لمواجهة التغيرات والتحديات التي تجتاح العالم وتؤثر على رؤيتهم ومستقبلهم وسبل المعالجة.
وقال الأستاذ الدكتور محمد عبد الرحمن الضويني، وكيل الأزهر الشريف، إن الإسلام رسالة تهدف إلى تحقيق غايات حينما ننظر إليها نرى أنها تعتمد في حملها وتحقيقها على الشباب؛ فالشباب لهم دور كبير وفاعل، والأمة الإسلامية كانت في نهضتها تعتمد على الشباب، وهناك نماذج كثيرة من التابعين والصحابة الذين تأسوا بمنهج الرسول صلى الله عليه وسلم وحرصه على الشباب، وهناك أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تؤكد أن الشباب بانضباطهم ونشأتهم على طاعة الله والعلم وتعمير الأوطان، يظلهم الله في ظله في الآخرة ويساعدون في الدنيا على التطوير والتعمير؛ ونبه الرسول صلى الله عليه وسلم، الشاب إلى ضرورة توظيف واستثمار أوقاتهم في العلم والتدبر وتعمير الأوطان، وأن يجتهدوا في سعيهم وأعمالهم ولا يضيعوا حياتهم وشبابهم فيما لا يفيد، بل ينبغي أن يكون عضوًا مؤثرًا.
وأكد وكيل الأزهر الشريف، أن الشباب عليهم مسئولية كبيرة ويجب أن يتحملوا واجبهم في بناء الأوطان والمجتمعات، ويحافظوا على أداء مهامهم التي كلفهم الله بها سعيًا لتعمير الأرض تعليمًا وعملًا وإعمارًا للكون، لأنهم إن تكاسلوا عن أداء أدوارهم، سينعكس ذلك على حاضرهم ومستقبلهم، فإذا نجح الشاب في ذلك تتحق طاعة الله في أرضه ويعم الخير في ميادين الحياة المختلفة في الطب والتعليم والهندسة والرياضة وتتحقق الريادة؛ وحول التحديات التي تواجه الشباب في العصر الحديث وسبل المعالجة، أوضح وكيل الأزهر الشريف، أنها تندرج في الأساس تحت أزمة الوعي، وأن يفهم الشاب حقيقة الدور المنوط به في هذه الحياة ودوره في إعمار الكون وأن يفخر بأنه المستخلف في هذه الأرض وعليه دور وأمانة سيحاسبه الله عليها.
وبيَّن وكيل الأزهر الشريف، أن هناك من يريد أن يغرق الشباب في مفاهيم مغلوطة وثقافات عبر وسائل حديثة على شبكات التواصل الاجتماعي، وهو ما فطن إليه الأزهر الشريف، بتبنيه استراتيجيات وخطط وبرامج لحماية وإنقاذ لقيم الشباب ومعالجة مشكلاتهم، ويتعاون الأزهر مع جميع مؤسسات الدولة من أجل الوقاية والتحصين للشباب، وهناك توجيهات واضحة من فضيلة الإمام الأكبر، بضرورة التعمق في الدراسة والتحليل وتقديم المعالجات لكافة مشكلات الشباب.
ويقوم مركز تطوير الوافدين، برئاسة الدكتورة نهلة الصعيدي، مستشار شيخ الأزهر لشئون الوافدين، بدور كبير في دعم وعلاج مشكلات الشباب، ويعد مجمع البحوث الإسلامية خططا للتوعية والتحصين للشباب ويذهب إلى كافة مؤسسات الدولة والجمعيات المصرية لتقديم ندوات للتوعية، ودرب الأزهر الشريف وعاظ وواعظات الأزهر لكي يحاوروا الشباب، ويرتادوا المقاهي بالعمامة الأزهرية وبلغات الشباب المختلفة وبثقافة تستوعب تلك التغيرات المعاصرة، ولدينا واعظات في الأزهر الشريف على قدر كبير من الكفاية للتدريب والتوعية والتثقيف لدخول الأماكن والاجابة عن تساؤلات الشباب والتصدي لمشكلاتهم، ولدينا أيضًا أكاديمية الأزهر الشريف لتدريب الأئمة والوعاظ تعمل على مدار الساعة لرصد ومتابعة مشكلات الشباب ومعالجتها وتزويدهم بالعلم والمعرفة.
كما وجّه فضيلة الإمام الأكبر بإنشاء وافتتاح الأروقة في جميع محافظات مصر للتوعية والتعليم وفق المنهج الأزهري، وهناك رواق الكبار من غير الأزهريين لحماية أفكارهم وتعلم علوم الأزهر المختلفة، كما أن هناك دورا فاعلا لمركز الأزهر العالمي للرصد والفتوى الإلكترونية، وأنجزنا العديد من الدورات والبرامج التي تم تنفيذها؛ ليس ذلك لشباب مصر فقط، بل يأتي شباب العالم كله للأزهر الشريف للتعليم وتنمية القدرات والمهارات.
ويشارك الأزهر الشريف -للعام الثامن على التوالي- بجناحٍ خاصٍّ في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 55، في الفترة من 24 يناير الجاري حتى 6 فبراير 2024؛ وذلك انطلاقًا من مسئولية الأزهر التعليمية والدعوية في نشر الفكر الإسلامي الوسطي المستنير الذي تبناه طيلة أكثر من ألف عام.
ويقع جناح الأزهر بالمعرض في قاعة التراث رقم "4"، ويمتد على مساحة نحو ألف متر، تشمل عدة أركان، مثل قاعة الندوات، وركن للفتوى، وركن الخط العربي، فضلًا عن ركن للأطفال والمخطوطات.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: جناح الأزهر الازهر الشريف وزير الشباب وكيل الأزهر وکیل الأزهر الشریف
إقرأ أيضاً:
المُعلِّم العُماني.. صانع الأجيال وركيزة النهضة
د. حامد بن عبدالله البلوشي
shinas2020@yahoo.com
منذ فجر التاريخ، كان المُعلِّم شُعلة مُتقدة تنير دروب الإنسانية، وحاملًا لمشاعل الحكمة والمعرفة في أروقة الحياة. لم يكن المُعلِّم مجرد ناقل للعلوم، أو شارحًا للدروس، بل كان بانيًا للعقول، وصانعًا للأجيال، ومرشدًا للإنسان في رحلة البحث عن الحقيقة.
وعلى مر العصور، تواترت الثقافات والحضارات على تعظيم شأن المُعلِّم؛ إذ أدركت الأمم المتعاقبة أن التقدُّم لا يبنى إلّا على أساس متين من العلم والمعرفة، وركائز راسخة من الثقافة والفكر، وأن المُعلِّم هو الأساس الذي تستند إليه دعائم التقدم والرقي.
في مختلف بقاع الأرض، وعلى مدار التاريخ، كان المُعلِّم موضع إجلال وتقدير، فاليونانيون القدماء رأوا فيه فيلسوفًا يُنير العقول، والصينيون وضعوه في مصاف الحكماء، أما العرب، فقد جعلوه حامل راية العلم، وسفير الفضيلة، ولا تزال الدول المُتقدِّمة تكرم المُعلِّم، وتقيم له أيامًا تُخلِّد فيها إنجازاته، وترفع مكانته بين أفراد المجتمع.
لقد أتى الإسلام مُعليًا شأن العلم، ومُجلًّا لمكانة المُعلِّم؛ إذ كان أول ما نزل من الوحي قول الله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ (العلق: 1)، إعلانًا صريحًا بأن المعرفة هي المدخل الأول لنور الهداية. وقال سبحانه وتعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ (المجادلة: 11). وقد كان الرسول ﷺ نفسه مُعلِّما للبشرية، هاديا ودليلا، يخرج الناس من الظلمات إلى النور؛ حيث قال ﷺ: "إن الله لم يبعثني معنتًا ولا متعنتًا ولكن بعثني مُعلِّما وميسرًا". وهو القائل: "إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على مُعلِّم الناس الخير".
لقد حفلت صفحات التاريخ بأعلام كانوا منارات علم تهدي الحائرين، ومُعلِّمين صنعوا أجيالًا من العلماء، وأصحاب فكر بنوا عقولًا وشيدوا حضارات، ومن أمثال هؤلاء ابن سينا الذي مزج الطب بالحكمة، ولم يكتف بأن يكون طبيبًا حاذقًا، وعالمًا نابغًا، بل أضاف إلى ذلك كونه مُعلِّمًا رائدًا، ينقل علمه لطلابه ومريديه، ويترك بصمات خالدة ظلَّ أثرها على مدار التاريخ، والخليل بن أحمد الفراهيدي المولود في أرض عُمان المباركة، والذي وضع أُسس علم العَروض. كما وضع أسس التفكير المنهجي لطلابه الذين كان على رأسهم سِيبَوِيه إمام النحو، وباني أصوله، وأحد أعظم النُحاة المسلمين. كما لا ننسى العديد من الأئمة العُمانيين الذين حملوا لواء التعليم، وأثروا الحضارة الإسلامية بفكرهم النير، ونقلوا العلم إلى أجيال متتابعة، فكانوا مثالًا للمُعلِّم الذي يُسخِّر علمه لخدمة البشرية؛ كالإمام الفقيه جابر بن زيد، والإمام العلّامة والشاعر والمؤرخ الموسوعي نور الدين السالمي، والأصولي المحقق الإمام سعيد بن خلفان بن أحمد الخليلي، وغيرهم الكثير.
ولقد أدركت سلطنة عُمان، منذ انطلاقة نهضتها الحديثة، أن بناء الإنسان هو اللبنة الأساسية في بناء الوطن، وكان التعليم هو المحور الأول لهذا البناء، والمُعلِّم هو حجر الأساس. ولذا، لم تبخل السلطنة في دعم المُعلِّم، تأهيلا، وتدريبا، وتمكينا، ليكون على قدر المسؤولية في صناعة الأجيال الواعدة.
وكان السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- قائدًا مُستنيرًا، أدرك أن نهضة عُمان لن تتحقق إلا بالعِلم، فوجَّه جهوده لبناء منظومة تعليمية متكاملة، وأولى المُعلِّم اهتمامًا خاصًا. ومن أقواله التي خلدها التاريخ: "إننا نعيش عصر العلم ونشهد تقدمه المتلاحق في جميع المجالات، وإن ذلك ليزيدنا يقينا بأنَّ العلم والعمل الجادَ هما معا وسيلتنا لمواجهة تحديات هذا العصر وبناء نهضة قوية ومزدهرة على أساس من قيمنا الإسلامية والحضارية"، وهذا تأكيد على أن العلم هو أساس النهضة، والمُعلِّم هو الركن المتين لها.
وعلى خطى السلطان قابوس -رحمه الله- جاء حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- ليؤكد أن التعليم سيظل الركيزة الأولى للنهوض بالوطن. وقد أولى جلالته -أبقاه الله- التعليم اهتمامًا كبيرًا، إيمانًا منه بأن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الحقيقي. ومن أقواله: "وإن الاهتمام بقطاع التعليم بمختلف أنواعه ومستوياته وتوفير البيئة الداعمة والمحفزة للبحث العلمي والابتكار سوف يكون في سلم أولوياتنا الوطنية، وسنمده بكافة أسباب التمكين باعتباره الأساس الذي من خلاله سيتمكن أبناؤنا من الإسهام في بناء متطلبات المرحلة المقبلة".
إنَّ المُعلِّم ليس مجرد ناقل للمعرفة؛ بل هو مهندس العقول، ومؤسس القيم، وصانع الحضارات. فبكلماته تتفتح الأذهان، وبحكمته تتغير المسارات، وبصبره يبني جيلا قادرا على النهوض بالمجتمع، وهو الذي يزرع بذور الطموح في نفوس طلابه، ويرويها بحب العلم، ويصقلها بالتجربة، حتى تثمر علماء ومفكرين يرفعون راية أوطانهم عاليا.
وأقل ما يمكن أن نقدمه للمُعلِّم هو الاحترام والتقدير، وأن نُوَفِّر له بيئة تمكنه من أداء رسالته السامية. ومن الواجب علينا أن نكرم المُعلِّم معنويا وماديّا، وأن نمنحه المكانة التي يستحقها في المجتمع، حتى يؤدي رسالته النبيلة بكل حب وإخلاص.
وعلى الرغم من مكانته الرفيعة، إلّا أن المُعلِّم يواجه العديد من التحديات، منها التطور السريع في أساليب التعليم، وضغوط العمل، ومتطلبات العصر الرقمي. والتي تحاول وزارة التربية والتعليم جاهدة وفق إمكانياتها المتاحة، وعبر مؤسساتها التعليمية، إلى دعمه بالتدريب والتطوير المستمر، واللحاق بركب التقدم، وتوفير بيئة تعليمية تحفّزه على الإبداع، وتضمن له حياة كريمة.
إنَّ المُعلِّم هو النبراس الذي يُضيء لنا دروب المعرفة، وهو الباني الذي يُشيّد صروح الأمل، وهو الجسر الذي نعبُر عليه إلى المستقبل.
وفي يوم المُعلِّم العُماني، نقف جميعًا إجلالًا وتقديرًا له، شاكرين جهوده، سائلين الله -عز وجل- له التوفيق والسداد ليواصل رسالته السامية في بناء الأجيال والمساهمة في بناء نهضة عُمان المتجددة نحو غدٍ أكثر إشراقًا.
** مدير عام شبكة الباحثين العرب في مجال المسؤولية المجتمعية