خبراء: قرارات العدل الدولية يمكن أن تمهّد لاعتقال نتنياهو
تاريخ النشر: 29th, January 2024 GMT
يرى بعض الخبراء أن قرارات التدابير الاحترازية التي اتخذتها محكمة العدل الدولية في قضية "الإبادة الجماعية" المرفوعة ضد تل أبيب، تمهّد الطريق لمحاكمة واعتقال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وقادة جيشه، وفقا للقانون الإسرائيلي الداخلي.
وفي 26 يناير/كانون الثاني الجاري، أمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل باتخاذ تدابير منع وقوع أعمال إبادة جماعية بحق الفلسطينيين، وتحسين الوضع الإنساني في قطاع غزة، لكن القرار لم يتضمن نص "وقف إطلاق النار".
وفيما لاقى قرار المحكمة الدولية ترحيبا دوليا وإقليميا، من بينها حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وحذرت حركة "الجهاد الإسلامي" من استغلال إسرائيل عدم صدور قرار من المحكمة بوقف إطلاق فوري للنار في غزة، مما يتيح لها "التصرف كما تشاء".
وكانت محكمة العدل الدولية في لاهاي عقدت في 11 و12 يناير/كانون الثاني الجاري، جلستي استماع علنيتين، في إطار بدء النظر بالدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل بتهمة ارتكاب "جرائم إبادة جماعية" بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
"خطوة أولى" نحو محاسبة إسرائيلوفي حديثه للأناضول، أكد المحامي الباكستاني حسن إسلام شاد، أهمية وصف محكمة العدل الدولية القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا بأنها "معقولة" للنظر فيها.
وقال شاد، وهو أول محام من دولة مسلمة بالمحكمة الجنائية الدولية، إن هذا القرار "يمثل الخطوة الأولى نحو محاسبة إسرائيل على بعض أعمال الإبادة الجماعية، وإن لم يكن كلها".
وأوضح أن "هذا الاستنتاج كشف أيضا عن الأساس القانوني لمسؤولية إسرائيل"، مشيرا إلى تشكل "زخم سياسي كبير" في هذا الإطار.
ولفت شاد إلى "وجود مفهوم ولاية قضائية عالمية تربط جميع الدول، وبالتالي يجب عليها اتخاذ الخطوات اللازمة لمحاكمة المسؤولين عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية ضمن قوانينها الداخلية".
وأضاف "من الممكن بالفعل أن نشهد في المستقبل القريب جدا أخبارا عن إصدار مذكرات اعتقال ضد بنيامين نتنياهو، أو قادة الجيش الإسرائيلي والأفراد المشاركين في الحملة العسكرية، وبمجرد أن يحدث ذلك، فسوف يكون ذلك هو اليوم الذي تندم فيه إسرائيل على أفعالها في غزة"، وفق المحامي الباكستاني.
ولفت شاد أيضا إلى أن "الضغوط تتزايد ضد إسرائيل التي لم تحترم القانون الدولي طوال تاريخها"، وأنه "بعد قرار محكمة العدل الدولية، ستزداد الضغوط السياسية الداخلية على نتنياهو".
"سابقة تاريخية"من جهته، قال رئيس تحرير مجلة "وقائع فلسطين" رمزي بارود إن "إسرائيل استخدمت المحرقة اليهودية أو الهولوكوست بطرق عديدة، لتبرير وجودها وأعمال العنف التي ارتكبتها ضد العرب والفلسطينيين في غزة على مر السنين".
وبيّن بارود أن "إسرائيل استخدمت الهولوكوست أيضا من أجل اتهام منتقديها وأعدائها بمعاداة السامية".
وعبّر عن اعتقاده بأن "قرار محكمة العدل الدولية مهم وتاريخي للغاية، والحكومة الإسرائيلية تعلم جيدا أنه يشكل سابقة تاريخية".
ورأى بارود أن "هذا يعطي شرعية كبيرة للمقاومة الفلسطينية، لأنها أصبحت الآن تكافح ضد الإبادة الجماعية بشكل رسمي إلى حد ما".
وقال "لم تشِر محكمة العدل الدولية إلى حماس أو الجماعات الفلسطينية الأخرى على أنها إرهابية، بل أشارت إليها على أنها جماعات فلسطينية".
إفلاس سياسي
وأكد بارود على أن "إسرائيل بدأت تدرك أنها تفقد الشرعية بسبب أفعالها باعتبارها دولة لا تعترف بالقانون الدولي انطلاقا من موقف عامّ".
وقال إن "تصريح نتنياهو السريع والتصريحات التي أدلى بها مسؤولون إسرائيليون آخرون (بعد القرار القضائي) ما هي إلا مؤشرات على أن القضية (في العدل الدولية) تؤخذ على محمل الجد".
وأوضح بارود أن تصريحات نتنياهو في أعقاب القرار الصادر عن محكمة العدل الدولية "كانت مليئة بالتناقضات" ويفتقد للمنطق.
وأضاف "نتنياهو يتهم محكمة العدل الدولية باتخاذ قرار مُخز، ويقول أيضا إن إسرائيل ستواصل الحرب، لكنها ستحترم القانون الدولي. يبدو أن إسرائيل لم يعد لديها خطاب سياسي منطقي".
وأعرب بارود عن اعتقاده أن "الإفلاس السياسي لحكومة نتنياهو مستمر بعد قرار محكمة العدل الدولية، ومن المؤكد أن هذا سيؤدي إلى مزيد من عزلة إسرائيل مع مرور الوقت، وسيعزز موقف الفلسطينيين بشكل أكبر".
وأشار إلى أن "أكثر محكمة تحترمها إسرائيل دوليا، هي محكمة العدل الدولية، بسبب موقفها من التطهير العرقي والإبادة الجماعية (بحق اليهود) وأن التجارب التاريخية لليهود لها تأثير في ذلك، ولذلك فإنه من التناقض التاريخي أن يبدأ الإسرائيليون في النظر إلى المحكمة نفسها على أنها عدو"، وفق بارود.
ورأى أن "جنوب أفريقيا قامت بدورها على أكمل وجه في هذه القضية، ويتعين على الدول الأخرى أيضا أن تفكر في ما يجب عليها فعله".
كما أن "هناك حاجة للضغط على الدول التي تدعم إسرائيل"، بحسب بارود، "لأنه بدون دعم هذه الدول، لما تمكنت إسرائيل من القيام بهذه الأمور (الانتهاكات)، واليوم تُتهم إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية".
وخلص بارود إلى القول "لذا، فإن الدول لديها كل الأسباب الأخلاقية والقانونية لتقول إن لدينا التزاما قانونيا بالشروع في إجراءات مقاطعة إسرائيل حتى تنهي احتلالها لفلسطين، أو ربما حتى يثبت أنها لم ترتكب إبادة جماعية في غزة".
ويشن الجيش الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي حربا مدمرة على غزة، خلفت 26 ألفا و637 شهيدا، وبلغ عدد الجرحى 65 ألفا و387، معظمهم أطفال ونساء، وفق السلطات الفلسطينية، وتسببت في "دمار هائل وكارثة إنسانية غير مسبوقة"، بحسب الأمم المتحدة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: محکمة العدل الدولیة إبادة جماعیة فی غزة على أن
إقرأ أيضاً:
مؤرخة أمريكية: نتنياهو يستقوى بدعم اليمين العالمي في مواجهة الضغوط الدولية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
خطاب الأوساط الترامبية يسعى لخلق معركة مصطنعة بين العالم اليهودي المسيحي والإسلام ويستخدم صراع الشرق الأوسط لخدمة أهداف داخلية
"رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يستقوى بدعم قوي ضمن ائتلاف غير رسمي يربط بين زعماء اليمين فى العالم".. هكذا تحدثت الفيلسوفة والمؤرخة الأمريكية سوزان شنايدر، نائبة مدير معهد بروكلين للبحوث الاجتماعية فى نيويورك والباحثة الزائرة في جامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة، والمتخصصة في شئون الشرق الأوسط.
تعليقًا على إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق بنيامين نتنياهو، قالت سوزان شنايدر، فى حديث لصحيفة "لوموند" الفرنسية: إن رئيس الوزراء الإسرائيلي، على وجه الخصوص، يحظى بالدعم الكامل من الزعماء المحافظين على مستوى العالم. وتابعت، لشرح رؤيتها، قائلة: لنلاحظ أولًا أن الرئيس الأمريكى جو بايدن، المنتهية ولايته، اعتبر قرار المحكمة الجنائية الدولية "فاضحًا". ومع ذلك، فإن ازدراء المحكمة الجنائية الدولية سوف يزداد عندما يحتل الرئيس المنتخب، الجمهوري دونالد ترامب، البيت الأبيض، خاصةً أنه في جميع أنحاء العالم، من المجر إلى الأرجنتين مرورًا بالهند، هناك العديد من القادة على رأس الدول الذين يزدرون هذا القرار. إنهم ينتمون إلى ائتلاف ناشئ يشكل يمينًا عالميًا، ومن أبرز شخصياته دونالد ترامب، وبنيامين نتنياهو، ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، والرئيس الأرجنتيني خافيير مايلي، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.
مؤتمر سنوى
وللحق مكون أيضًا من مفكرين وإعلاميين يعتبرون عند البعض مؤثرين جدًا، أبرزهم بشكل خاص الإسرائيلى يورام هازوني الذي كان قريبًا من نتنياهو، ولكنه قبل كل شيء مؤسس المؤتمر الوطني المحافظ، الذي يعقد كل عام منذ عام 2019 في أوروبا أو الولايات المتحدة. ويجمع هذا الحدث بعض الشخصيات الأكثر تأثيرًا داخل اليمين المتطرف، مثل نائب رئيس الولايات المتحدة المستقبلي، جي دي فانس، ومقدم البرامج التليفزيونية تاكر كارلسون، وفيكتور أوربان، والملياردير بيتر ثيل.
إن حجم هذه الشبكات يبين لنا أننا وصلنا إلى وضع متناقض حيث أصبح القوميون المتطرفون، اليوم أكثر أممية من اليسار. ويجد نتنياهو تأييدًا واسعًا بينهم لتشويه سمعة المحكمة الجنائية الدولية وتصويرها على أنها هيئة دولية لا يحق لها التدخل في شئون دولة ذات سيادة.
وبالفعل، يعد الجمهوريون في مجلس الشيوخ الأمريكي مقترحات لمعاقبة القضاة المشاركين في إصدار هذا القرار. كما هدد السيناتور ليندسي جراهام بفرض عقوبات على أي دولة تنفذ قرار المحكمة الجنائية الدولية، التي ليست الولايات المتحدة عضوًا فيها. ومن المؤكد أن نتنياهو سيزور أمريكا بعد وقت قصير من تولي ترامب منصبه في يناير 2025 لتسليط الضوء على قوة تحالفهما وتجاهلهما للقانون الدولي.
حلفاء مقربون
وأضافت المؤرخة الأمريكية: كان نتنياهو حريصًا بشكل خاص، لسنوات عديدة، على تعزيز هذه العلاقات المميزة مع الزعماء القوميين، ليس فقط في الولايات المتحدة، بل في جميع أنحاء أوروبا. والمجر هي الحليف الأقرب لإسرائيل داخل الاتحاد الأوروبي. وقد رأينا مثالًا على ذلك في شهر فبراير الماضى، عندما حاولت المجر منع تبني قرار أوروبي يدعو إلى وقف إطلاق النار في الشرق الأوسط. وهذه العلاقة قديمة، حيث أصبح أوربان ونتنياهو أقرب بعد لقائهما الأول في عام 2005، عندما كانا في المعارضة. ثم في عام 2015، تم إرسال أحد أعضاء الليكود إلى المجر لتنسيق العلاقات بشكل أفضل مع حزب فيدس بزعامة أوربان. وفي عام 2017، استعان رئيس الوزراء المجري أيضًا بخدمات مستشار سياسي أمريكي، أوصى به نظيره الإسرائيلي، من أجل إطلاق حملة ذات إيحاءات معادية للسامية ضد جورج سوروس، ذلك أن هذا الملياردير والمحسن هو عدو هذين الزعيمين لأن مؤسسات المجتمع المفتوح التابعة له تدعم جمعيات حقوق الإنسان.
وفي عام 2019، ساعد نتنياهو أوربان على الاقتراب من اليمين الأمريكي. وتوسط بالفعل نيابة عنه للسماح له بلقاء دونالد ترامب. واليوم يدفع فيكتور أوربان له الثمن، ويدعم بشكل كامل العمليات التي تنفذها إسرائيل في غزة. وردًا على مذكرة الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، دعا أيضًا نتنياهو لزيارة المجر، على الرغم من أن بلاده من الدول الموقعة على نظام روما الأساسي الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية.
ولذلك فإن هذا التجاهل للقانون الدولي، باسم السيادة الوطنية، سوف يستمر، حتى أن دولًا مثل فرنسا تبدي بعض التردد في تنفيذ مذكرة الاعتقال التي تستهدف رئيس الوزراء الإسرائيلي.
معركة وجودية
إن الخطاب الذي نسمعه في الأوساط الترامبية، وحتى بين بعض الديمقراطيين، يجعل من إسرائيل قاعدة أمام الحضارة الغربية، حسبما تقول سوزان شنايدر. ومن وجهة النظر هذه، فإن معركة وجودية مصطنعة يمكن أن تدور رحاها بين العالم اليهودي المسيحي والإسلام. وكما فعلت الولايات المتحدة بعد الحادي عشر من سبتمبر، فإن هذا الاتجاه يرى أن إسرائيل محقة في الاعتماد على القوة، والتصرف من جانب واحد، واحتقار الأمم المتحدة.
يُستخدم يوم 7 أكتوبر بشكل عام من قبل اليمين العالمي لخدمة خطاب معادٍ للإسلام. ومن شأن هذه الهجمات أن تثبت أن التعايش مع المسلمين مستحيل، وهو أمر يمثل خطرًا على العالم. وارتفعت مقولة شاذة تزعم أنه "سوف يتم تدمير الغرب إذا استقبل "هؤلاء الناس"، وتحولت الأمور إلى "هم" أو "نحن".
تعمل دوائر المحافظين بنشاط على ربط معارضة حركة الحرب بحركة الووكيسم التي تنشط بشكل كبير في الجامعات، والتى تحولت إلى حركة تسعى لخلق الانشقاق ووضع أفراد المجتمع في صراع ضد بعضهم البعض، كما لو كانت عصابة تعمل على تقويض الولايات المتحدة. وبهذه الطريقة، يتم استخدام الصراع في الشرق الأوسط لخدمة أهداف داخلية.
سوزان شنايدر