الرئيس الامريكي جو بايدن

فى الانتخابات الرئاسية التى جرت فى تايوان، الأسبوع الماضي، اختار الناخبون المرشح المؤيد للسيادة لاى تشينج تى رئيسًا للبلاد. بكين "تأسف بشدة" لبيان التهنئة الأمريكى للاى تشينج تى بعد فوزه.
لقد أعلن البعض عن زيادة التوترات فى بحر الصين، لكن هذه التوترات، لعدة سنوات، لم تكن أكثر من "مشهد" ولا تؤدى إلا إلى تسلية الاستعراض، أو، بشكل أكثر جدية، الحفاظ على الصحة الجيدة للجيش الصينى والمجمعات الصناعية والأمريكية، لأن حرب تايوان لن تحدث.

. فى الوقت الحالي.
ومن المؤكد أن تايوان محمية بموجب اتفاقيات الدفاع مع الولايات المتحدة. لكن فيما يتعلق بتايوان، تقول بكين: "دولة واحدة ونظامان". وكما هو الحال مع أوكرانيا، يقول فلاديمير بوتين: "دولتان وشعب واحد".
فى الواقع، إنه يعنى نفس الشيء: قانون الأقوى هو الذى يسود. لكن أجندات بوتين وشى جين بينج ليست هى نفسها. وفى أوكرانيا، وبعد العديد من الأخطاء، تكيف الروس بسرعة واستغلوا منذ ذلك الحين ضعف الغرب وفوضاه الاستراتيجية.
بالنسبة للصينيين، المحاصرين عسكريًا من قبل الولايات المتحدة، والقوات الرباعية، وAUKUS، فإن أى إجراء فى تايوان سيؤدى حتمًا إلى صراع مباشر مع الأمريكيين. لذا فإن بكين تهدد وتستعرض عضلاتها مثل واشنطن. ومع ذلك، فإن الأسلحة النووية تعطل العملية التاريخية لـ"فخ ثوسيديدس" (المواجهة الحتمية بين قوة راسخة وقوة صاعدة).
كذلك، ورغم أن إدارة بايدن الضعيفة (وأيضًا الخطيرة) تراكم الأخطاء تلو الأخطاء فى السياسة الخارجية، فهى مشلولة تجاه الصين (كما سنرى لاحقًا)، والحرب فى أوروبا، وإعادة تنشيط قوى الصراع الإسرائيلى الفلسطيني.
أصبح لدى الأمريكيين الآن جبهتان مفتوحتان: البحر الأبيض المتوسط/البحر الأحمر والبحر الأسود/بحر البلطيق. إن جبهة ثالثة فى بحر الصين ليست ممكنة بشكل معقول بالنسبة لواشنطن. ومن حسن حظ الأمريكيين أن التحرك الصينى ضد تايوان لا يبدو على جدول الأعمال.
فى الوقت الحالي.. إن إعادة التوحيد ليست سوى مسألة وقت وصبر بالنسبة لبكين، خاصة وأن الاحتياطى النفطى الاستراتيجى الصيني (RSP) وصل إلى طاقته القصوى وتعانى بكين من نقص فى الوقود الأحفورى الضرورى لأى صراع حديث (ومن هنا جاءت الاتفاقيات بين إيران والمملكة العربية السعودية، موردى الهيدروكربون الرئيسيين لها، والتى تم التوقيع عليها تحت رعايتها) إلى جانب المخاوف الصينية فيما يتعلق بحريق عام فى الشرق الأوسط بعد الحرب بين حماس وإسرائيل والتوترات الأخيرة بين طهران وإسلام آباد.

الرئيس الصيني شي جين بينغ

وبعد ذلك، يمكن لتايوان أيضًا، على المدى الطويل ولأسباب اقتصادية وتجارية فقط، أن تسقط "مثل ثمرة ناضجة" فى أيدى الصين القارية (ما يقرب من ٧٠٪ من الشركات التايوانية ستكون فى أيدى الصين بالفعل - أو على الأقل فى أيدى أناس صينيون).
وإذا شاركت بكين موسكو فى ازدرائها للنظام الدولى الذى تقوده الولايات المتحدة، فإنها ستتصرف فى اللحظة المناسبة عندما تضعف القوة الأمريكية أو حتى تنهار. وهو ما لن يستغرق وقتًا طويلًا فى نظرها مع تناقضات الديمقراطيين فى العمل داخليا وخارجيا...
وحتى فى الدول الأكثر استبدادية ومركزية، هناك دائمًا خلافات حول الاستراتيجيات التى يجب اعتمادها فى الخارج. بالنسبة للصين، فى هذه الحالة، هناك رؤيتان متعارضتان لغزو العالم.
الأولى، وهى أقلية فى المؤسسة الصينية، هى الاستفادة من التوترات بين القوى الغربية المتنافسة، أى الولايات المتحدة وأوروبا ولكن أيضًا روسيا، من خلال مشاهدتها وهى تمزق بعضها بعضًا، حتى لو كان ذلك يعنى السماح لها بتدمير نفسها بنفسها فى نزاع مسلح، أو على الأقل كما كان الحال منذ عامين، "تدمر" نفسها حول أوكرانيا.
إنه أمر محفوف بالمخاطر وخطير للغاية بالنسبة لتيار الأغلبية فى السلطة فى بكين، والذى تعتبره الولايات المتحدة والغرب عمومًا فى حالة انحدار بالفعل وبلا هوادة.
بالنسبة لهؤلاء الاستراتيجيين الصينيين، عشاق لعبة "جو" والتلاميذ المتحمسين لصن تزو، "الهدف النهائى هو هزيمة العدو دون قتاله" (فن الحرب).
وهكذا، فإن القوة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، يواجهان أزمات اقتصادية خطيرة، ولكن أيضًا ثقافية (ووكيزمية)، وسياسية (أزمة الديمقراطية، التقدمية مقابل "الشعبوية"..)، واجتماعية، وهوية، أو حتى وجودية وحضارية، وليس لديهما لا الشجاعة ولا الإرادة لوقف أزمات الهجرة، فهم فى طور "التعفن من الداخل" وسينهارون على أنفسهم بسبب نخبهم الضعيفة والفاسدة، لأن "السمك يتعفن دائما من الداخل" (ماو). أنها فقط مسألة وقت.
فى الوقت الحالي، نظرًا لأن الاقتصادين الأمريكى والصينى متشابكان ومترابطان للغاية، فيتعين عليهما إعطاء الأولوية للأعمال مع الاستمرار فى وضع الاقتصادات الغربية، وحتى العالمية، تحت نفوذهما. ولهذا السبب فإن الحروب غير مرحب بها، حتى لو كان الصينيون يستعدون لذلك.
فى ٦ نوفمبر ٢٠٢٠، أرسلت بكين، بعد مرور عام بالكاد على نشر شبكة الجيل الخامس فى البلاد، قمرًا صناعيًا من الجيل السادس إلى مدار حول الأرض، كما دعا الصينيون الصناعات المدنية الأكثر ابتكارًا لعدة سنوات إلى تحديث المنظومة وإعادة التفكير فى الجيش الصيني.
ويقدر البنتاجون الآن أن البحرية الصينية لديها ٣٥٠ سفينة حربية مقارنة بـ٢٩٣ فقط للبحرية الأمريكية. وقد أطلقت بكين للتو حاملة طائراتها الثالثة.. بينما تنتظر الرابعة العام المقبل! ومع ذلك يحتفظ الأمريكيون بالتفوق فى المجال التكنولوجي، ولكن إلى متى؟.
من المؤكد أن الاقتصاد الصينى يواجه صعوبات منذ عدة أشهر، خاصة بسبب عمليات الإغلاق الصارمة ضد كوفيد، من بين أمور أخرى فى شنغهاي، مركزها الاقتصادى الرئيسي. ومع ذلك، فإن المملكة الوسطى تعود إلى النمو مع استمرار النمو منذ الربع الأول من عام ٢٠٢٢.
لقد تخلصت الصين، على الأقل حتى عام ٢٠٢٤، من الواقعيين ترامب وبومبيو، اللذين أدركا بوضوح الخطر الصينى الفريد والحقيقى على الغرب.
وهى تدرك جيدًا أيضًا أنها تستطيع الاعتماد على قوتها المالية غير العادية، وجماعات الضغط، ونفوذها، وقبل كل شيء على وجودها المتزايد الأهمية فى الاقتصادات الأمريكية والغربية، لتهدئة جميع رغبات خصومها.
فى مواجهة مثل هذا الثدي، يرغب الكثيرون فى الرضاعة! ويشير بعض الخبراء إلى أنه مع مستوى القوة الذى وصلت إليه، تستطيع الصين بالفعل التأثير على سياسة ما لا يقل عن ٨٠ دولة على هذا الكوكب!
وبفضل استثماراتها الضخمة ومشترياتها لديون الدولة، تستطيع بكين بالتالى شراء أى مدين تابع أو سياسى فى العالم، بما فى ذلك أوروبا ولكن أيضًا فى الولايات المتحدة وخاصة فى الشركات الأمريكية الكبرى، وفى وول ستريت وعمالقة العالم وادى السيليكون وكذلك بين الداعمين والمانحين الأثرياء لبايدن (انظر قضية الفساد مع شركة صينية متورط فيها نجل بايدن..).
وسوف تفضل الأوليجارشية الأمريكية والغربية دائمًا الأرباح (مع الصين) على المصالح الوطنية الصارمة. "الممولون ليس لهم وطن" كما يذكر نابليون. مثل GAFAM الأقوياء الذين قاتلوا ضد ترامب.
ولم يعودوا يريدون رئيسًا "حرًا ومستقلًا للغاية"، بما يتعارض مع مصالحهم الخاصة مع الصين، والذى كان الزعيم الأمريكى والغربى الوحيد الذى كان لديه الشجاعة للوقوف فى وجه الهيمنة الصينية المتنامية وشن حرب تجارية ضد بكين (مع نجاح أولى مع الاتفاقية الصينية الأمريكية الموقعة فى يناير ٢٠٢٠ ولكن طغت عليها جائحة كوفيد).
وكما كتبت مؤخرًا فى أحد أعمدتي: "هل يصبح ترامب إذن منقذ الإمبراطورية الأمريكية وجستنيانها؟.. إذا تمكن ترامب، على الرغم من العقبات العديدة، من إعادة انتخابه، فسوف يرغب فى إعادة إطلاق سياسته "الثورية" والتخريبية من أجل محاولة وقف سقوط الإمبراطورية ومواجهة أخطر منافسيه مرة أخرى الصين.
يعتمد دائمًا على الشعب ولا يخضع لأى يمين ولاء مثل أسلافه، وهو الوحيد الذى يمتلك الشجاعة وقبل كل شيء مطلق العنان لإعادة إطلاق حرب اقتصادية وتجارية حقيقية ضد بكين واحتواء جدى للصين.
ويبقى أن نرى ما إذا كان الوقت قد فات بالفعل.. على أية حال، قبل أقل من عام من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لا يزال هناك قدر كبير من عدم اليقين، ومن الممكن أن تحدث أشياء كثيرة. الأمر المؤكد هو أن الدولة العميقة الأمريكية، للأسباب المذكورة أعلاه، ستبذل كل ما فى وسعها عن السلطة، بشكل أو بآخر، ولكن بإصرار لا يفتر! 
فى غضون ذلك، لا يمكن للصينيين إلا أن يفركوا أيديهم لأنهم يرون حاليًا الأمريكيين والأوروبيين والروس يمزقون بعضهم بعضًا ويضعفون بسبب الحرب فى أوكرانيا، والتى تعتبر أيضًا بالنسبة لبكين مثالًا يجب اتباعه فى تايوان بقدر ما هى "درس فى التعلم".. مرونة روسيا العسكرية والاقتصادية والمشهد المؤلم لخطأ جيوستراتيجى آخر من جانب الغرب...
الخطأ الأخير الذى ألقى أيضًا "الجنوب العالمي" فى أحضان الصينيين (إيران ومصر وإثيوبيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة انضمت إلى مجموعة البريكس) بينما أدى بالتأكيد إلى تسريع ظهور القرن الصينى الذى كنت أعتبره وأعلنت عنه عام ٢٠٢١ فى كتابى "هل وصلنا إلى نهاية التاريخ"؟..
رولان لومباردى: رئيس تحرير موقع «لو ديالوج»، حاصل على درجة الدكتوراة فى التاريخ، وتتركز اهتماماته فى قضايا الجغرافيا السياسية والشرق الأوسط والعلاقات الدولية وأحدث مؤلفاته «بوتين العرب» و«هل نحن فى نهاية التاريخ» وكتاب «عبدالفتاح السيسى.. بونابرت مصر».. يتناول فى افتتاحية العدد، الصراع العلنى والخفى بين واشنطن وبكين.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: تايوان بحر الصين الصين إدارة بايدن بايدن بكين رولان لومباردي الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

عادل حمودة يكتب: سنة على الحرب فى غزة انتهت بمشهد اغتيال «نصر الله»

لا إنقاذ لحزب الله

إلا بقطف رأس نتنياهو سريعًا


الحزب فقد سمعته السياسية وكوادره العسكرية وعانى من الاختراقات الأمنية ولعبة الصمت الاستراتيجى الإيرانية  الاستخبارات الإسرائيلية قصقصت ريش «نصر الله» باغتيال مساعديه الكبار والصغار ثم تخلصت منه  عملية الاغتيال استغرقت ثوانى وشاركت فى تجهيزها ثلاث فرق عسكرية

أطلقت إسرائيل على عملياتها فى لبنان «سهام الشمال» للرد على صواريخ «حزب الله».

استهلكت فى هذه العملية ٣٥٠٠ قنبلة وصاروخ ومسيرة أدت إلى ترك نحو مليون لبنانى منازلهم.

لكن ما إن اغتالت أمين عام الحزب «حسن نصر الله» حتى غيرت الاسم إلى «ترتيبات جديدة».

كأنها تعلن أن التخلص من الرجل الأول فى الحزب تحت أنقاض مقره فى «الضاحية الجنوبية» من بيروت بداية سيناريوهات مختلفة فى الحرب على لبنان.

كانت ساعة الصفر الساعة السادسة والعشرين دقيقة من مساء يوم الجمعة حين انطلقت ثلاث طائرات «إف ١٥» من قاعدة «حتسريم» الجوية القريبة من مدينة «بئر سبع» فى طريقها إلى الهدف الذى لا يبعد أكثر ٢٩٣ كيلومترا.

أطلقت الطائرات ثلاثة صواريخ فى ثانية واحدة وألقت ٨٠ قنبلة من طراز «هايفى هايد» التى تزن الواحدة منها طنا وتخترق التحصينات حتى ٧٠ مترا تحت الأرض.

لم يزد التوقيت عن عشر ثوان.

نفذت العملية الوحدة «١١٩» فى سلاح الجو الإسرائيلى المعروفة باسم «بات» بعد معلومات سيبرانية أكدتها مصادر بشرية على الأرض.

تدرب الطيارون على العملية ثلاثة أيام ولم يعرفوا شخصية الضحية إلا قبل ساعة من التوقيت المحدد.

قبل ثلاثة أيام أيضا بالتحديد يوم الأربعاء ضغط وزير الدفاع «يواف جالنت» وقيادات الجيش فى اجتماع مجلس الوزراء المصغر «الكابنيت» ليحظوا بالموافقة على تنفيذ العملية لرفع معنويات الضباط والجنود الذين يحاربون فى غزة وهم فى حالة نفسية سيئة بعد نحو السنة من القتال الذى بدا بلا نهاية.

لكن اعترض الوزراء الأكثر تشددا على العملية.

رفضها وزير المالية «بتسلئيل سموتريش» ووزير العدل «ياريف لافين» وانسحب «نتنياهو» دون التصديق على العملية.

فى الاجتماع أثيرت أسئلة تتعلق بشكل العملية وطريقة تنفيذها وحدود التنسيق مع الولايات المتحدة.

استمرت المباحثات يوم الخميس التالى وامتدت المشاورات بين «نتنياهو» و«جالنت» عبر التليفون ثم كانت مشاورات أخرى بين «نتنياهو» ورئيس هيئة الأركان «هرتسى هاليفى» وبينه وبين مدير الموساد «ديفيد برنباع» ومدير المخابرات العسكرية «شلومى بيندر».

سافر «نتنياهو» إلى نيويورك ليلقى كلمة إسرائيل أمام الجمعية العامة دون أن يصدق على العملية.

كان فى الفندق حين أعطى إشارة البدء ثم اتجه إلى مبنى الأمم المتحدة القريب ليلقى خطابه وما إن انتهى منه حتى تلقى تمام المهمة وفى هذه اللحظة بدأ حالة نشوة لم يخفف منها سوى المظاهرات التى طالبت باعتقاله كمجرم حرب بسبب ما يفعل فى غزة.

ولكن الشرطة الأمريكية لم تعتقله وإنما اعتقلت ٢٨٤ ناشطا مسلما ويهوديا تضامنوا معا ضده.

سارع بالعودة إلى تل أبيب وفى لحظات هبوط طائرته تعرض مطار «بن جوريون» إلى صاروخ أطلقه الحوثيون فى اليمن لكنه لم يصب شيئا.

شارك «نتنياهو» أيضا فى خطة الخداع التى سبقت العملية حين تحدث عن مناقشة جدية لوقف القتال فى غزة بينما هو فى الحقيقة أمر بتوسيع الحرب فى لبنان.

فى صباح يوم الجمعة وقبل التنفيذ بساعات التقى «جالنت» بقائد المنطقة العسكرية الشمالية اللواء «أورى جوردين» ليطمئن منه على استعداد قواته لخوض عمليات كاملة فى لبنان تحسبا لرد فعل اغتيال «نصر الله».

بعد وقت قصير أبلغه رئيس الأركان أن كل الظروف متاحة للتخلص من الرجل الذى هجرت صواريخه نحو ١٥٠ ألف إسرائيلى من بيوتهم وأجبرتهم على الإقامة فى الملاجئ ثم كان ما كان.

حسب صحيفة «يديعوت أحرنوت» فإن التخطيط لعملية الاغتيال تمتد إلى عقد من الزمن وساهمت فى تنفيذها ثلاث وحدات عسكرية.

الوحدة ٩٩٠٠ التى تجمع المعلومات البصرية وتحدد إحداثيات المكان.

الوحدة ٥٠٤ المتخصصة فى جمع المعلومات من العملاء.

والوحدة ٨٢٠٠ التى تعتمد على التكنولوجيا المتطورة.

لكن أخطر معلومة سربتها إسرائيل عن العملية وجود جواسيس على الأرض جندهم الموساد أبلغوا بدقة عن توقيت اجتماع «نصر الله» مع مساعديه كما قدموا رسومات تفصيلية عن مقر إقامته وعاداته اليومية ومواعيد تناول الطعام.

إن عملاء إسرائيل هم أهم أسباب سلسلة الاغتيالات التى نفذتها إسرائيل ضد قيادات حزب الله وتصاعدت وتيرتها قبل أسبوعين انتهت باغتيال «الرجل الكبير».

لقد تأسس الحزب فى عام ١٩٨٢.

أعلن أنه حزب سياسى إسلامى شيعى مسلح ليكون جزءًا من المقاومة فى المحور الذى تقوده إيران ضد الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما فى الشرق الأوسط.

فى عام ١٩٨٩ انتخب الحزب قيادته من ثلاثة أمناء عامين وهم من رجال الدين الشيعة المعتمدين يعتمر أولهم «صبحى الطفيلى» عمامة بيضاء بينما يضع الآخران وهما «عباس الموسوى» و«حسن نصر الله» العمامة السوداء التى يعتمرها من يحملون لقب «السيد» نسبة إلى امتداد نسبهم للسلالة النبوية.

كان «صبحى الطفيلى» أول أمين عام للحزب ولكنه أبعد بعد عامين ليتولى المنصب «عباس الموسوى».

فى ١٦ فبراير ١٩٩٢ وبعد أقل من عام فى المنصب اغتالته إسرائيل بطائرة مروحية تربصت بموكبه وأطلقت صواريخ حرارية حارقة على سيارته فقتل هو وزوجته (سهام) وولدهما الصغير (حسين) وتحول مرقده إلى مزار.

لكن ما إن انتصر الحزب فى حربه ضد إسرائيل التى استمرت من ١٢ يوليو إلى ١٤ أغسطس ٢٠٠٦ حتى بدأ الموساد فى تصفية القيادات العسكرية للحزب.

بدأت المخابرات الإسرائيلية بأهم قائد عسكرى وهو «عماد مغنية».

فى ١٢ فبراير ٢٠٠٨ قتلته فى حادث انفجار سيارة فى حى كفر سوسة فى دمشق.

بعد الحادث ساد هدوء بين الطرفين وبدا أنهما اتفقا على هدنة غير معلنة بينهما.

كان السبب تورط حزب الله فى السياسة الداخلية والخارجية فى لبنان وتحكمه فى اختيار الرئيس نفسه.

ثم امتد الانشغال إلى دول الإقليم المجاورة وعلى رأسها سوريا والعراق ثم فلسطين ليتحول من قوة مقاومة إلى قوة سيطرة.

ولا شك أن هذا التحول الذى أفسد الحزب وأفسد الحياة فى الدولة اللبنانية وجيرانها كان أحد أسباب انهيار الحزب التى ستظهر فيما بعد.

حاول الحزب أن يسترد ما فقد من هيبة وشعبية بمساندة المقاومة فى غزة بعد عملية «طوفان الأقصى» التى بدأت يوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ وردت عليها إسرائيل بإعلان حرب على غزة استمرت نحو العام دون توقف لتسجل أطول حرب خاضتها إسرائيل منذ فرضها على المنطقة العربية عام ١٩٤٨.

لكن حزب الله لم يساند المقاومة الفلسطينية كما يجب واكتفت بإطلاق دفعات صواريخ من وقت إلى آخر لم تحقق خسائر تذكر للطرف الإسرائيلى الذى بدأت التخطيط لإضعاف الحزب بالعودة إلى تصفية قياداته العسكرية كما حدث من قبل.

فى ليلة ٤ ديسمبر ٢٠١٣ أطلق مسلحون النار على رأس القائد العسكرى فى الحزب «حسان اللقيس» من مسافة قريبة عند وصوله إلى بيته.

وفى يوم الثلاثاء ٣٠ يوليو استهدفت غارة إسرائيلية «فؤاد شكر» المستشار العسكرى للأمين العام للحزب.

وفى ٢٠ سبتمبر ٢٠٢٤ اغتيل «إبراهيم عقيل» عضو مجلس الجهاد فى الحزب ومسئول وحدة الرضوان (وحدة النخبة) فى غارة جوية إسرائيلية على بيروت وقتل معه عشرة من القيادات العسكرية المساعدة.

وبعد أربعة أيام استهدفت إسرائيل «إبراهيم قبيسى» قائد منظومة الصواريخ فى غارة جوية على الضاحية الجنوبية.

وبعد يومين اغتيال «محمد حسين سرور» قائد القوة الجوية فى غارة نفذتها طائرة إسرائيلية (إف ٣٥) أطلقت ثلاثة صواريخ على مبنى يسكنه فى الضاحية الجنوبية.

وفى الفترة ذاتها أجهزت إسرائيل على نحو خمسة آلاف عضو فى الحزب بتفجيرات البيجر وأجهزة اللاسلكى.

وبدا واضحا أن خطة الاغتيال لم تكن عشوائية وإنما استهدفت القيادات العسكرية العليا والوسطى والصغرى قبل التخلص من الرأس الكبير «حسن نصر الله».

قصقصت ونتفت ريشه حتى أصبح عاريا ثم فجرته ليصبح الحزب فى أزمة صعبة ومعقدة يصعب الخروج منها بعد اغتياله.

ولكن الحقيقة أنه هو من بدأ الأزمة حين شعر «نصر الله» أنه السلطة العليا فى لبنان يأمر وينهى فى البلاد كما يشاء.

وبمساهمته فى عمليات عسكرية فى سوريا والعراق واليمن صنفت الولايات المتحدة الحزب منظمة إرهابية واعتبرت اغتيال «نصر الله» تحقيقًا للعدالة بعد اتهامه بقتل جنود من مشاة البحرية الأمريكية فى لبنان.

بل اعتبرت الولايات المتحدة مقتله لا يقل أهمية عن مقتل «أسامة بن لادن».

يضاف إلى ذلك الاختراقات الأمنية المتوالية التى تعرض لها الحزب بصورة يصعب تصديقها وبتكلفة متدنية تحملتها إسرائيل وكأن جزءًا من التجسس على الحزب هو الكراهية التى تحملها جماعات كثيرة فى لبنان وما حولها.

لكن هناك سببًا أهم وراء انهيار الحزب وهو موقف إيران الذى يوصف بالصمت الاستراتيجى الذى لجأت إليه حتى لا ترد على اغتيالات علمائها المسئولين عن برنامجها النووى واغتيال رئيسها «إبراهيم رئيسى» واغتيال «إسماعيل هنية» على أرضها وسرقة الأسرار النووية باختراقات سيبرانية.

بل أكثر من ذلك تركت أذرعها فى المنطقة تحارب وحدها وراحت تتفرج عليها.

وكانت حجتها أنها لا تريد أن تتورط حتى تنتهى من القنبلة النووية وساعتها ستكون قادرة على الردع النووى بينها وبين إسرائيل.

والحقيقة أن هذه سذاجة استراتيجية فى التحليل السياسى فالردع النووى لا يوقف الصراعات الإقليمية مثل الهند وباكستان وروسيا وأوكرانيا.

وعندما تصل إيران إلى ما تحلم به ستكون إسرائيل قد حققت كل ما تريد عسكريا وسياسيا لتصل بالمنطقة إلى نظام إقليمى جديد لن يكون لنظام آيات الله فى طهران تأثير يذكر فيه.

ويبدو الحديث عن مستقبل حزب الله المرشح لقيادته «هاشم صفى الدين» حديثا مؤسفا فقد أصابه الضعف ويعانى من صورة ذهنية سيئة.

ولن تقوم له قيامة إلا إذا نجح فى تغيير الصورة الذهنية السيئة بعدم التدخل فى شئون الدول مهما كان وجوده فيها.

بجملة أخرى يجب تغيير سياساته الداخلية والإقليمية.

لكن الأهم لا بد من عمليات عسكرية نوعية قوية حاسمة ومؤلمة وسريعة ضد إسرائيل تعادل اغتيال «نصر الله» ومساعديه الكبار والصغار.

دون هذه العمليات الموجعة غير القابلة للانتظار لن يثق أحد فى الحزب وسينتظر الجميع مراسم دفنه.

ليكن «صفى الدين» عند كلمته عندما أعلن أنه سيقصف بيت «نتنياهو» ولكن بشرط أن يقتله كما توعد وإلا اعتذر عن قيادة الحزب.

ولن تكون هذه العمليات مجرد انتقام فقط وإنما ستوقف المخطط الإسرائيلى عند حده.

إن إسرائيل حاصرت لبنان بعد اغتيال «نصر الله» ومنعت طائرة إيرانية من الهبوط فى مطار بيروت كما حذرت السفن الإيرانية من الرسو فى موانئ لبنان.

وعندما تغير إسرائيل اسم عمليتها فى لبنان إلى «تقديرات جديدة» فإنها تفتح جميع السيناريوهات للتعامل معها ومنها الغزو البرى واحتلال خطوط استراتيجية فاصلة آمنة لها.

لقد حاربت «حماس» إسرائيل سنة كاملة ولا تزال صامدة ونجحت فى وضع مؤسساتها العسكرية والأمنية والسياسية فى حرج شديد وأشعلت الغضب فى شعوب العالم ضدها واستردت القضية الفلسطينية وجودها رغم الثمن الفادح الذى دفعه الشعب فى غزة والضفة الغربية.

لكن بمشهد اغتيال «حسن نصر الله» الذى سيطر على الدنيا كلها قبل أن تكمل الحرب سنتها الأولى بدأت إسرائيل تسترد بعضا من هيبتها وسمعتها وقدرتها المفقودة على الردع.

إن الضربة للأسف جاءت للمقاومة من جهة المساندة.

على أن عواصف النار لم تهدأ بعد.

ولا أحد يعرف من سيحترق بها فى بداية السنة الثانية من الحرب.

 


بالاشتراك مع: الحسين محمد

مقالات مشابهة

  • مسؤول أمريكي: الصين ترفض التعاون مع الولايات المتحدة بشأن أزمة اليمن
  • الولايات المتحدة الأمريكية تعلن عن تقديم مساعدات إلى لبنان بقيمة 157 مليون دولار
  • باحثة سياسية: الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تسير الأمور في الشرق الأوسط
  • لافروف: أكرانيا تُدرب الإرهابيين في سوريا بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية
  • الصين تصعق الولايات المتحدة بموقفها من الحوثيين في اليمن!
  • الصين ترفض دعوات الولايات المتحدة للتعاون في أزمة الحوثيين
  • السلطات الأمريكية: الخطر الإرهابي في الولايات المتحدة سيبقى عاليا في العام القادم
  • الولايات المتحدة الأمريكية تصفع الجزائر والبوليساريو وتشيد بالملك محمد السادس
  • عاجل : الزبيدي يعلن من الولايات المتحدة استخدام القوة لفرض انفصال الجنوب وهذا ما حدث في ’’شيكاغو’’ الأمريكية (تفاصيل)
  • عادل حمودة يكتب: سنة على الحرب فى غزة انتهت بمشهد اغتيال «نصر الله»