سلطان بن ناصر القاسمي
كثيرًا ما نجد أنفسنا مشغولين بالعيش والتفاعل في محيط يعتمد بشكل كبير على ظاهرة تعرف بالمجاملات؛ حيث تعد هذه الظاهرة مقبولة لدى البعض، ويبرر البعض استخدامها بضرورة إدارة بعض الأمور؛ سواءً كانت هذه الأمور تتعلق بالجوانب المجتمعية أو الوظيفية. كما أن البعض يمارس سلوكيات تتسم بالكذب والنفاق، راهنين على أن مثل هذه التصرفات قد تساعدهم في تحقيق أهدافهم الشخصية.
وقبل أن أتطرق إلى مناقشة ظاهرة النفاق الاجتماعي، يتوجب أن أقدم توضيحًا شاملًا لهذا المصطلح من الناحية اللغوية والاصطلاحية، ويُعرَّف النفاق لغويًا باعتباره مشتقًا من الفعل "نافق"، حيث يستمد أصله من مصطلح "النفق"، نظرًا لأن المنافق يخفي حقيقته كمن يدخل ويختبئ في النفق. ويُقال أيضًا إن اللفظ مستمد من "نافقاء اليربوع"، وهو جحر يحفر في الأرض ليخرج منه، حيث يبقى تحت سطح الأرض حتى يقترب من الظهور، تاركًا طبقة خفيفة لعدم كشف موقع مخرجه. وإذا اضطُر المنافق للخروج بسبب الخوف أو الشك في وجود شيء، يرفع رأسه ليزيح الطبقة العلوية ويظهر. وهكذا يُعد النفاق جزءًا من هذا السياق.
وكما أشرتُ سابقًا، يعامل بعض أفراد المجتمع مفهوم "النفاق" تحت راية التجاوب الاجتماعي، حيث يعتبره البعض وسيلة مقبولة لتحقيق أهدافهم الشخصية، حيث ظهر هذا المصطلح في البداية في الإسلام ليُطلق على الأفراد الذين يدّعون اتباع الإسلام فيما يظهرون، على الرغم من كونهم يتناقضون مع ذلك في سلوكهم الحقيقي. ومع ذلك، يظهر هذا المصطلح في وقتنا الحالي بشكل متزايد تحت راية التجاوب الاجتماعي، حيث يروج البعض لفكرة أنه لا مانع من استخدام المجاملة لتحقيق أهداف اجتماعية أو حتى في سياق العمل.
وفي محيطنا الاجتماعي، توجد فئة من الأفراد الذين يسعون لفرض أسلوبهم على المجتمع الذي ينتمون إليه باستخدام نفوذهم الاجتماعي، يتمتعون بقدر كبير من النفوذ، مما يجعل الناس يتجنبون التصدي لهم ويميلون إلى مجاملتهم والانصياع لرغباتهم. وعلى الرغم من أن هؤلاء الأفراد يدركون تمامًا الطابع السلبي لأفكارهم والسلوكيات الملتوية التي يتبعونها في التعامل مع الآخرين، إلا أنهم يستمرون في فرض سيطرتهم.
وهناك جماعة أخرى تختبئ وراء ستار الدين والوقار، ناهيك عن مظاهرهم الدينية الزائفة، وبكثرة ذهابهم لأداء فريضة الحج والعمرة يوهمون الناس ويسعون لكسب الاحترام والتقدير من المجتمع، ومع ذلك، يدركون تمامًا أنهم يقومون بفتنة المجتمع والكذب وتزوير الحقائق باستخدام مبررات مثل المجاملة والنفاق والتقرب من الأشخاص ذوي النفوذ في المجتمع، حيث تظهر هذه السلوكيات التناقض بين الظاهر والحقيقة، كما يتم التلاعب بالقيم الدينية من أجل تحقيق مكاسب شخصية والتأثير على الآخرين بطرق غير أخلاقية.
وبالنسبة بيئات العمل أيضا فإن بعضها يتسم بانتشار مصطلح المجاملة والهدف منه التقرب من القادة والمسؤولين، ورغم أن هذا السلوك قد يؤدي إلى ممارسة الظلم على زملائهم في سبيل تحقيق أهدافهم الشخصية، إلّا أن هناك حالات عديدة تظهر وتستمر في التطور والتفاقم. في النهاية، يأتي الوقت الذي يتم فيه تصحيح الظلم ومحاسبة أولئك الذين قاموا بإيذاء زملائهم، حيث يتم التعامل معهم بالعدالة والانصاف.
ولنتطرق الآن إلى الجانب المعاكس لظاهرة النفاق، والذي يتمثل في الإخلاص والتمسك بالقيم الحميدة والأخلاق النبيلة في مختلف جوانب الحياة، ابتداءً من العمل وصولًا إلى التفاعلات اليومية، حيث يعكس الإنسان في هذا السياق صدقًا واجتهادًا في أداء مهامه، ويعتمد على التوفيق الذي يأتي من الله تعالى، دون الحاجة إلى التلطيف والمجاملات من قبل الأفراد ذوي السلطة أو المسؤولين. كما تعتبر هذه السمة النبيلة عنصرًا أساسيًا في بناء المجتمعات المتقدمة، حيث يسعى الفرد إلى الارتقاء بذاته بجد واجتهاد، دون اللجوء إلى الوسائل غير الأخلاقية.
كما إن الوطن يحتاج إلى أفراد مخلصين يسهمون بجد وإخلاص في تقدمه ونجاحه. هؤلاء الأفراد يتعاونون مع بعضهم البعض من دون التصنع أو الرغبة في تحقيق مصالح شخصية. يكمن في هذا التمسك بالأخلاق والإخلاص في تحقيق التوازن الإيجابي بين الفرد والمجتمع، وهو الأساس الذي يسهم في بناء أسس قوية ومستدامة لأي مجتمع يسعى إلى التقدم والازدهار.
وما يدفعنا إلى التأمل أكثر في هذا السياق هو الحديث الشريف "لو اجتمع الأنس والجن على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بما كتبه الله لك". يظهر هذا القول الشريف أهمية الاعتماد على القضاء الإلهي والثقة في رزق الله، وكذلك تأكيد أن أفعال الإنسان وإخلاصه في تحقيق الخير تكون الأساس الحقيقي للنجاح والتقدم، دون الاعتماد على الاصطفاف أو النفاق.
ومن الناحية الاجتماعية، يعتبر التحلي بالأخلاق الحميدة ومعاملة الناس بحسن الخلق والنية الصادقة أساسًا لبناء علاقات متينة في المجتمع.
إن هذا التصرف يُسهم بشكل فعّال في إيجاد جو من الاحترام والتقدير، ويشجع على تعزيز المحبة وروح الإخاء بين أفراد المجتمع. وفي هذا السياق، يبرز الإسلام كمصدر رئيسي لهذه القيم والتوجيهات، حيث يعلمنا أن الفارسي والحبشي والعربي، جميعهم يتساوون في هذه القيم بموجب الدين الإسلامي، دون أي تفرقة.
لذا.. يتعين على كل فرد يتبنى هذا الأسلوب أن يكون على علم بأن النفاق الاجتماعي أو المجاملة، كما يُطلق عليها بعض الأشخاص، ليست مرتبطة بالرزق أو المكانة الاجتماعية أو حتى الوظيفة التي يشغلها، إنما تعتمد على قوانين وضوابط أخلاقية ودينية تمضي بها المجتمعات التي تعيش وتتطور وفقها. ومن خلال توعيتنا بهذه القيم، يمكن للمجتمع السير بثقة واستقرار نحو التقدم والتسامح في جو من التعاون والتفاهم المتبادل.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
لماذا تكون آثار السكتة الدماغية أشد لدى البعض؟
كشفت دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعة جالواي في أيرلندا عن العوامل التي تزيد حدة السكتة الدماغية إذا حدثت، وقد بينت الدراسة التي نُشرت في مجلة علم الأعصاب أن الأشخاص الذين يعانون من بعض المشكلات الصحية مثل ارتفاع ضغط الدم، أو عدم انتظام ضربات القلب (الرجفان الأذيني)، أو المدخنين، ليس لديهم خطر أعلى للإصابة بالسكتة الدماغية فحسب، بل قد يصابون أيضا بسكتات دماغية أكثر حدة من الأشخاص الذين لا يعانون من هذه العوامل.
السكتة الدماغيةتحدث السكتة الدماغية عندما يتوقف إمداد جزء من الدماغ بالتروية الدموية، أو ينخفض بشكل كبير، مما يؤدي إلى انقطاع إمداداته من الأكسجين والمواد المغذية، وفي دقائق تبدأ خلايا الدماغ بالموت. ولأن خلايا الدماغ لا تتجدد فإن هذا قد يؤدي إلى ضرر دائم في المخ.
وهناك 3 أنواع من السكتات الدماغية هي أولا: السكتة الإقفارية وتنتج عن انقطاع وصول الدم إلى الدماغ نتيجة انسداد أحد الشرايين المؤدية إليه. وثانيا: السكتة النزفية وتحدث بسبب حصول نزيف في أحد الأوعية الدماغية. وثالثا: السكتة الإقفارية العابرة وهي نوع من السكتة المؤقتة التي تحدث نتيجة انقطاع أو انخفاض مؤقت في إمدادات الدماغ من الدم، وتستمر 5 دقائق على الأقل، وبعد ذلك يعود إمداد الدم إلى وضعه الطبيعي.
وقالت مؤلفة الدراسة كاتريونا ريدين، الحاصلة على الدكتوراه في الطب بجامعة جالواي في أيرلندا وعضو الأكاديمية الأميركية لعلم الأعصاب، "يمكن أن تؤدي السكتة الدماغية إلى الإعاقة أو حتى الموت، ومع ذلك، هناك عدد من عوامل الخطر التي يمكن للأشخاص السيطرة عليها بتغيير نمط الحياة أو الدواء، وفق موقع يوريك أليرت.
وأضافت "تؤكد نتائجنا على أهمية إدارة عوامل خطر السكتة الدماغية، خاصة ارتفاع ضغط الدم والرجفان الأذيني والتدخين من أجل منع السكتة الدماغية الشديدة التي تعيق الحياة".
أعراض السكتة الدماغية تتمثل في الصداع الشديد المفاجئ والشلل المفاجئ بأحد جانبي الجسم واختلالات الإحساس (وكالة الأنباء الألمانية) تحليل عوامل الخطرشملت الدراسة ما يزيد عن 26 ألف شخصا من 32 دولة بمتوسط عمر 62 عاما، ومن هذه المجموعة أصيب نصف الأشخاص بسكتة دماغية، وكان النصف الآخر من الأشخاص الذين لم يصابوا بسكتة دماغية.
من بين المصابين بسكتة دماغية، أصيب 4848 شخصا بسكتة دماغية شديدة و8612 شخصا بسكتة دماغية خفيفة إلى متوسطة، وقد تم تعريف السكتة الدماغية الشديدة بأنها السكتة التي كانت نتائجها تتراوح بين عدم القدرة على المشي أو رعاية الذات دون مساعدة، والحاجة إلى رعاية تمريضية مستمرة حتى الموت، وتم تعريف السكتة الدماغية الخفيفة إلى المتوسطة بأن نتائجها تتراوح بين عدم وجود أعراض، والحاجة إلى بعض المساعدة في الرعاية الشخصية، مع بقاء القدرة على المشي دون مساعدة شخص آخر.
قارن الباحثون مدى أهمية عوامل خطر السكتة الدماغية الشديدة والسكتة الدماغية الخفيفة إلى المتوسطة مع الأشخاص الذين لم يصابوا بسكتة دماغية، كما قارن الباحثون أيضا مدى أهمية عوامل الخطر لدى المصابين بالسكتة الدماغية فقط.
يمكن أن تؤدي السكتة الدماغية إلى الإعاقة أو حتى الموت (الجزيرة) العوامل التي تزيد خطر وشدة السكتات الدماغيةكشف الباحثون أن عوامل الخطر التي تزيد احتمالية الإصابة بالسكتة الدماغية هي:
أن يكون ضغط الدم أعلى من 140/90 مليمتر زئبق. الرجفان الأذيني. مرض السكري. ارتفاع نسبة الكوليسترول. التدخين. جودة النظام الغذائي. الخمول البدني. الإجهاد النفسي والاجتماعي. زيادة الدهون في الجسم حول الخصر.وقال ريدين: "تؤكد نتائجنا على أهمية السيطرة على ارتفاع ضغط الدم، وهو عامل الخطر القابل للتعديل الأكثر أهمية للسكتة الدماغية على مستوى العالم. وهذا مهم بشكل خاص بالنسبة للدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط التي لديها معدلات متزايدة بسرعة من ارتفاع ضغط الدم والسكتات الدماغية في سن أصغر".