الشاعر محمد الجزيري يكتب عبر “أثير”: أنت اخترت هذا الطريق وعليك أن تتمّه
تاريخ النشر: 29th, January 2024 GMT
أثير- مكتب أثير في تونس
بوح: محمد الهادي الجزيري
كتبت ما يلي وما لم أمحه:
” لا أرغب في فعل شيء… ، حتى الحياة أعيشها فقط لأعيشها.. ، لقد نزعوني من قوّتي وعزمي وإنسانيتي.. وإيماني بغد أفضل لبني البشر…، لست أدري من أين جاؤوا.. وكيف تسللوا إلى حياتي المتزنة..إلى أرضي وافتكّوها غصبا بتحالف قوى الشرّ معهم ……”
وأكتب ما هو قريب من الشعر وإن كان نثرا .
ماذا دهاك.. ماذا تكتب؟
تقرّ بهزيمتك للعدوّ
ليزداد غرورا وصلفا
أترضى بهذا الذلّ.. وترفع الراية البيضاء
وتعلن أنك مستسلم؟
لم أظنك هكذا بتاتا
ألم تقل أنك بتّ تتنفس على وقع أنفاس فلسطين
ألم تعد روحك وأهلك والعالم وكل شيء فيه..
بالمقاومة والصبر على الأذى
فكيف تستسلم الآن؟
وآلاف مؤلفة من شهدائك تحت الركام
ينظرون إليك مستغربين.. بتعجب شديد
ألست الشاعر المناضل الحرّ
يا من لا تقبل الضيم
فكيف تركع..؟
أأوجعك المشهد ولم تعد تتحمّل أشلاء الأطفال والنساء والشيوخ..
وهي تتفتت بين يديك؟
ماذا جرى لك
هل طغى الكيان الصهيوني الإرهابي النازي عليك إلى درجة الانبطاح
والرغبة في الاختفاء عن الأعين والأنفس وكلّ شيء..
لمن ستترك الإنسان والأرض والله والوطن؟
قل أنك تكذب..
وسوف تثأر “لروح روحك..”
تلك الرقيقة التي وسّدتها التراب
وكوّمت عليها التراب..
تلك اللطيفة مثل الهواء
هل نسيت ابتسامتها ورقصها العفوي
وركضها إليك لتحضن ك بكلّك.. بلحيتك وقامتك المنحنية لها
لن أصدق أنك تبكي…
أيبكيك هوانك على الناس..
وانفضاضهم عنك وعن وطنك ودمك ومقدساتك..
وكلّك…
لقد انفضوا عنك كما لم ينفض أحد عن أحد من قبل..
قل إنّك تكذب
وتذكر آلاف النصوص التي حبّرت في النضال
وحرّضت نفسك والعالم على القبح والبشاعة والحقد الأعمى
قل إنّك تكذب
واقرأ على العالم ما تيسّر من عنادك :
” تعبتُ من ترتيب هذا المنزل الخربْ
تعبت من أهلي …
أخي يمحو نخيلا بغُزاة
ويقصّ وردة العربْ
ينثرها في الريحْ
الدم في المجاري
والدمع عنقود غضبْ
تقتات منه الروحْ
تعبت…. لكنّ العناد صاحبي القديمْ
وها يدي تمتدّ رغم خوفها إلى الظلامْ
وتوقد الشموع في أركانه…”
حسنا ..، اطمئن عليك قلبي ..أنت اخترت هذه الطريق ..
وعليك أن تتّمها ……
المصدر: صحيفة أثير
إقرأ أيضاً:
الصحافي يحي العوض يكتب عن الجنيد على عمر (2)
عبد الله علي إبراهيم
هذا مقال بحي العوض، رحمه الله، الثاني عن صحبته للجنيد على عمر، الذي كان في وحشة التخفي عن عيون الأمن، لدور السينما في الستينات الأولى بطلب أخوي من قيادة الحزب الشيوعي. وأصاب الجنيد من ذلك ما هو معروف. وحدس الناس حدساً ما ساقه إلى سكة الصمت اختياراً، في عبارة يحي، ولقي أستاذنا عبد الخالق من لؤم الحدس والظنة ما لقي. في مثل قولهم إنه أراد التخلص منها بالغياب لخوفه من منافسته في القيادة.
ليس صعباً أن تستنتج من حكاية يحي أن الحزب من كان وراء التماسه أن يصطحب الجنيد إلى دور السينما لمحبته لعالم الفيلم. ومن كان يعرف محبة الجنيد للسينما؟ ليس سوى أستاذنا عبد الخالق على التحقيق. فقد كان الجنيد سكن مع أسرة عبد الخالق بمنزلهم بالشهداء. ويذكر محمد محجوب عثمان، شقيق عبد الخالق الأصغر، ما كان يجري من نقاش بينه وبينهما بعد عودته من مشاهدة فيلم ما. وكان حدثني عن ذلك في تسجيل بالتلفون من مقامه في السويد، رحمه الله. ولم أحسن تدوين العبارة من التسجيل، ولكنكم ستجدونها مختلطة كما هي عندي وآمل أن اعود للشريط للتدقيق في نصها. خذوها على البركة على ما بين أستاذنا والجنيد وعن زمالتهما لا في الحزب وحده، ولكن في محبة السينما أيضاً:
"يذكر محمد محجوب عثمان الأستاذ الجنيد وسكناه معهم. كان محمد في أول الوسطى. جاء مرة من مشاهدة فيلم فسأله عبد الخالق عنه. فقال محمد اسمه "الفرسان الثلاثة". فسأل: أليس فيلم Limelight إنجليزياً؟ قال: نعم. قال: وما اسمه بالإنجليزية. وفي مرة أخرى كان الفيلم هو لشابلن. فسألوني، عبد الخالق وجنيد، عنه فقلت "أضواء المسرح" لأن لايم بدت لي كالمادة الجيرية. فصارت نكتة بينهما".
ول limelight هذه حكاية بيني وبين أستاذي في نحو 1970 أحكيها يوماً.
أخذت من مقال يحي ما تعلق بالجنيد وتركت بعضه الأخر الذي توسع فيه عن أستاذنا. وقال إنه سيحدثنا عن لحظة منعطف عن الجنيد في حلقات قادمة لا أعرف إن وفق إليها.
ما قبل الغياب: التوحد مع النسيان والصمت اختياراً
يحيى العوض
العطر رفيق الحياة والموت. كانت عبارة مفضلة للأستاذ الجنيد على عمر في مرحلة كمال الصحو. وعندما نتوجه لمشاهدة فيلم سينمائي سبقه احتفاء إعلامي مثل فيلم " زوربا " الذي شاهدناه معا عن رواية الاديب اليونانى نيكوس كازينتاكس وبطولة انتونى كوين وايرين باباس، كان يقول لي إنه يستحق قبل مشاهدته حلاقة الذقن وتشذيب الشارب وبخات من العطر. ورويت له ذات ليلة ونحن في طريقنا الى سينما " كولزيوم " حكاية صديقه وصديقنا الاستاذ عوض برير، رئيس تحرير صحيفة "الاسبوع " مع شاب يعمل معه في المنزل. كان من مدمنى افلام الكاوبوى التى اشتهرت بها سينما كولزيوم. وتصادف في تلك الامسية أن الأستاذ عوض برير كان يتوقع زيارة بعض الأصدقاء فطلب من الشاب أن يذهب إلى السينما في حفل الدور الثاني وليس الاول ليساعده فى خدمة الضيوف. لكن الشاب رفض بشدة وقال له: لا يا استاذ في الدور الثاني يكون البطل "تعبان". ويقصد أن بطل الفيلم سيصاب بالإرهاق من كثرة المعارك التي يخوضها في حفل الدور الأول. ولعلها مصادفة مؤلمة أن هذا الخلط بين الواقع والخيال هو النذير الصاعق لاقتراب استاذنا الجليل من مشارف برزخ الغياب. وكانت بدايته أثناء مشاهدتنا معا لفيلم "صالة الشاي في قمر اغسطس " للممثل الامريكى جلين فورد. واحبس دموعي وقلمي عن تفصيل تلك الاحداث، حتى نهاية هذه السلسلة من المقالات بقدر ما أستطيع. وما تسمح به ذكرى غالية لصديق عزيز ورمز شامخ "توحد مع النسيان اختياراً وانتسب إلى الصمت طوعاً". وهو من صفوة الصفوة التي لم تنحن أبداً إلا عند احتضان الوطن وقضاياه. ترى هل تبقى من امثال اولئك الرجال في اجيالنا المعاصرة؟
ibrahima@missouri.edu