تدشين مشروع "منتجع بندر الخيران" بمواصفات عالمية ممزوجة بملامح من التراث العماني
تاريخ النشر: 29th, January 2024 GMT
الرؤية- فيصل السعدي
رعى أمس معالي سالم بن محمد المحروقي وزير التراث والسياحة، حفل تدشين أعمال إنشاء منتجع بندر الخيران الذي صُمم ليكون إضافة نوعية ومتميزة في قطاع السياحة في سلطنة عمان، وذلك بحضور عدد من أصحاب السمو والمعالي والسعادة وعدد من المسؤولين.
وتقدر التكلفة الاستثمارية للمشروع نحو 36 مليون ريال عماني، بمساحة مستغلة إجمالية تبلغ حوالي 49 ألف متر مربع، ليوفر المنتجع 121 غرفة فندقية تتميز بخصوصية ورفاهية تنسجمان مع الطبيعة المحيطة، كما سيضم مجموعة من المطاعم والمرافق التي تُعنى براحة الزوار وأذواقهم المختلفة وسط مناظر خلابة وأجواء ساحرة، وسيقدم تجربة استجمام فريدة من خلال الخدمات التي يقدمها النادي الصحي والنادي الرياضي والأنشطة المائية المتنوعة.
ويقع مشروع منتجع بندر الخيران في ركن هادئ على أطراف مدينة مسقط محاطاً بجمال الجبال وسحر سواحل خليج عمان على مساحة إجمالية تبلغ 189 ألف متر مربع، ويتميز بموقعه وإطلالته الفريدة التي تنقل الزائر إلى عالم من الراحة والسكينة.
وصرح معالي سالم بن محمد المحروقي وزير التراث والسياحة، بأن مشروع منتجع بندر الخيران سيدعم قطاع السياحة في محافظة مسقط استكمالا لرؤية الوزارة في تطوير المناطق الطبيعية المتميزة في منطقة الخيران، مضيفا: "يأتي المشروع ترجمةً لجهود الوزارة المبذولة في تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص المتمثلة في توفير أراضٍ سياحية بما يتماشى مع خطط التنمية السياحية الشاملة".
وأشار معاليه إلى أن الوصول إلى هذه المرحلة من المشروع كان نتاج الجهود المتواصلة والتنسيق المستمر بين مختلف الأقسام والمديريات في الوزارة من جهة وبين المطور من جهة أخرى، موضحا: "نحن على ثقة من قدرة المطور على تقديم منتجع يلبي تطلعات الزوار والمقيمين بناء على الخبرة المحلية المشتركة التي يتمتع بها كل من المطور والمشغل التزاماً بالمعايير الفنية والهندسية لهذا النوع من المنتجعات، وسيكون للوزارة دور في متابعة تنفيذ المشروع لتعزيز الشراكة المجتمعية والقيمة المحلية المضافة لتوفير فرص العمل للشباب العماني".
وأكد الدكتور محمد بن علي البرواني رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات محمد البرواني، أن منتجع بندر الخيران يعد من المشاريع الواعدة في القطاع السياحي، مبينا: "نطمح من خلاله إلى تقديم تجربة سياحية فريدة على الصعيدين المحلي والعالمي، وقد تم تصميم منتجع بندر الخيران بمواصفات عالمية ممزوجة بملامح من الطبيعة والتراث العماني، ونتمنى أن تسهم شركة مستير من خلال مشاريعها السياحة في تطوير ودعم القطاع السياحي في السلطنة".
وتعتبر شركة مستير ذراع التطوير العقاري لمجموعة شركات محمد البرواني، وهي إحدى الشركات العُمانية الفاعلة في مجال التطوير السياحي.
وحرصت الشركة على أن يكون هذا المشروع نموذجيا ومثاليا يلبي أعلى المعايير الفنية والجمالية، وفي نفس الوقت متناغما مع البيئة المحيطة، لكي يوفر في صيغته النهائية تجربة ثرية واستثنائية للمواطنين والزائرين، كما أنها قامت بصياغة رؤية شاملة للمسؤولية الاجتماعية في كل مراحل المشروع؛ بالإضافة إلى الاستعانة بأفضل المهارات العُمانية من خلال 200 فرصة عمل من المتوقع أن يقدمها المنتجع في مختلف المجالات وبنسبة تعمين قد تبلغ 30% في المرحلة الأولى.
وسيوفر المشروع العديد من الفرص للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في منطقة الخيران والمناطق المجاورة لتقديم المنتجات والخدمات، منها الأعمال الحرفية الصغيرة وتجهيز المنتجات الزراعية والصيد البحري، بالإضافة إلى خلق فرص شراكة مستدامة مع أصحاب الأعمال السياحية الصغيرة من أبناء المنطقة.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
التعامل الراشد مع تراث الأئمة الفقهاء.. ابن تيميّة وتراثه العلمي نموذجًا
في ظل تعاظم الاهتمام بالتراث الإسلامي عموما، والتراث الفقهي على وجه الخصوص، تظهر الحاجة الملحة إلى منهجية علمية متوازنة للتعامل مع ما تركه لنا الأئمة والعلماء من نتاج فكري أصيل.
وفي هذا السياق، يأتي كتاب "التعامل الراشد مع تراث الأئمة الفقهاء" للأستاذ الدكتور عدنان حسن باحارث ليقدم إسهاما علميا مميزا، حيث يسلط الضوء على أهمية تبني رؤية نقدية واعية تحترم الإنجازات الفقهية الكبرى، وتقيمها في الوقت ذاته بأسلوب علمي لا يخلو من التقدير لجهود العلماء ومراعاة طبيعة البشر التي تحتمل الخطأ والزلة.
والمؤلف حاصل على الإجازة في العلوم العامة من جامعة بورتلاند الأميركية، ودرجة الماجستير في التربية الإسلامية من جامعة أم القرى، والدكتوراه في التربية من جامعة محمد بن سعود، وله عدة مؤلفات في التربية والشريعة، وهو أستاذ التربية الإسلامية جامعة أم القرى سابقا، ومحاضر حاليا في كلية المعلمين بمكة.
ويقع كتاب "التعامل الراشد مع تراث الأئمة الفقهاء" في 590 صفحة، عدا قائمة المصادر والمراجع، وموزع على 3 فصول. وقد صدر حديثا عن دار طيبة الخضراء.
ويسلط المؤلف فيه الضوء تنظيرا وتطبيقا على طريقة التعامل مع التراث الفقهي الإسلامي بموضوعية وعلمية، ويسعى المؤلف من خلاله إلى تقديم رؤية متوازنة قوامها الاحترام والتقدير لعلماء الأمة مع النظر بعين الإنصاف إلى تراثهم ومراعاة الطبيعة البشرية التي تحتمل الزلل، وتستدعي النقد والتقييم العلمي الصادق لما تركوه من آثار فكرية.
ينطلق الأستاذ باحارث من منهج يتسم بالاعتدال ويحاول تجنب الانحياز، حيث يجعل ضرورة الممايزة بين الإعجاب بالشخصيات التراثية والتقديس -الذي كثيرا ما يؤدي إلى تحجيم الفكر النقدي- منطلقا فكريا له مؤكدا أن احترام العلماء وتقدير نتاجهم المعرفي أمر متفق عليه بين العقلاء.
إعلانغير أن ما يخشى الكاتب مغبته هو الانصهار الكلي في شخصياتهم واختياراتهم دون تمييز ولا غربلة، فهو يرى أن الباحث الموفق يجب أن يلتزم بواجب التقويم الشرعي وفق ضوابط الترجيح المعتمدة عند أهل الاختصاص.
فليس هناك أحد بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم فوق النقد، بل إن العلماء على مر العصور قد رد بعضهم على بعض، مشيرا إلى أن الاجتهادات ليست مقدسة، بل هي نتاج بشري يمكن أن يخطئ أو يصيب، فما المأخوذ من اجتهادات الأئمة بأولى من المتروك منها.
ولأن الاجتهاد لا ينقض باجتهاد، وإنما هي ترجيحات وفق قناعات علمية، قد تصيب الحق، وقد تخطئه، فلا يقطع لرأي أحد بالصواب إلا أن يؤيده إجماع ثابت، أو دليل -لا معارض له- قطعي الدلالة والثبوت، وما لم يكن للرأي مستند من هذين المصدرين القطعيين، فإنه يبقى دائما عرضة لمشرحة النقد والتقويم.
يتناول الكتاب -فيما يتناوله شخصية شيخ الإسلام ابن تيمية مع أمثاله من الأئمة المؤثرين- ليقدم من خلاله نموذجا عمليا للتعامل الراشد مع التراث الفقهي، في اختيار موفق لشخصية فذة جدلية تتلقى في الساحة الفكرية المعاصرة على الأغلب بين التقديس أو الإسقاط، وتصلح تطبيقا عمليا لفكرة الكتاب ولتحقيق هدفه للتعامل الراشد مع العلماء بعيدا عن التحجيم أو التجزئة أو المغالاة أو التعصب.
ويذكر -على النقيض مما ينشده في كتابه- أمثلة عن التعامل غير الراشد، الذي يتسم إما بالمغالاة أو الاجتزاء القاصر وغير الكلي، مع بيان مآلاتها الخطرة. ومن ذلك ما حدث لترجيحات الإمام ابن تيمية الاجتهادية، التي كان يفترض أن تكون ثروة دينية مضافة إلى باقي الثروات الدينية التراثية من نتاج كبار علماء الأمة، إلا أنها تحولت -بيد بعض المناصرين المتعصبين- إلى فتنة بين أهل السنة.
إعلانفبدلا من أن تعامل اختيارات ابن تيمية الاجتهادية برؤية متفهمة، أصبحت محكا قاطعا لوصف السلف والسلفية، بحيث تصبح مخالفة أي من آرائه الاجتهادية -حتى في القضايا التي خالف فيها جمهور الأئمة المجتهدين- سببا كافيا للطعن في شخص المخالف. بل إن الأمر قد يتجاوز ذلك إلى اتهام المخالف بما يشينه في دينه ومستواه العلمي.
وعلى صعيد آخر، تظهر مخاطر التعامل غير الراشد مع التراث في بعض الفتاوى المنسوبة إلى شيخ الإسلام ابن تيمية، التي برزت بشكل واضح في مجالات الغلو والتطرف، حيث قامت بعض الجماعات المغالية بتبني أجزاء من آرائه الجهادية والسياسية، واستخدامها لبناء قناعات فكرية تؤصل للعنف الفكري والسلوكي.
ورغم ذلك، فإن مجموع تراث الشيخ يغلب عليه الكثير مما يبطل أطروحات هذه الجماعات، ويبدد شذوذاتهم الفكرية والفقهية. لكن هذا يتطلب تناولا شاملا لتراثه العلمي، بعيدا عن التجزئة والانتقاء، مع مراعاة السياقات الكاملة وفهم منتوجه المعرفي بصورة كلية متكاملة.
أما الفصل الأول من الكتاب الذي عنونه الكاتب بـ"الأئمة الأربعة الفقهاء بين التحمل والأداء" فيتناول مكانة الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل العلمية والدينية، مظهرا دورهم المحوري في صياغة الفقه الإسلامي.
ويتناول بعدها مناقشة الافتراءات التي طالت الأئمة الثلاثة أبا حنيفة ومالكا والشافعي بدعوى قلة حديثهم، ويخص المؤلف بعد ذلك بالحديث الإمام أبي حنيفة، ويفصل في الرد على ما اتهم به لاسيما تقديم الرأي على الحديث، والإرجاء، عاطفا على ذلك بيانا لما جرته هذه التهم من اجتراء على شخصيته وعلمه، محاولا في كل ذلك تسليط الضوء تنظيرا وتطبيقا على رؤيته للتعامل الراشد مع الأئمة الفقهاء في التراث الإسلامي.
إعلان الفصل الثاني: ضوابط الأخذ عن الأئمة الفقهاءوأما الفصل الثاني من الكتاب فيتناول "ضوابط الأخذ عن الأئمة الفقهاء" وفيه عدة مباحث أساسية: أولها التأكيد على أهمية الحذر من الغلو في تقدير الأئمة المجتهدين خشية التلبس بحالة التعظيم المفرط التي قد تعيق الاجتهاد الشخصي، وثانيها تفصيل في خطر التعصب لآراء الأئمة لما يمكن أن يؤدي إليه من انغلاق الفكر وتعصب وزلل.
أما ثالثها فهو تنبيه العامل في التراث على توخي الحيطة ولزوم اليقظة مع لغة الأئمة ومفرداتهم، ورابعها رصد لأمثلة عن زلات العلماء حتى يستبين للعامل في التراث أهمية التحقق والتدقيق قبل قبول الآراء، ولا ينسى المؤلف في غمرة الحديث عن ضوابط الأخذ والرد الحديث عن أهمية مراعاة طالب العلم أدب الخلاف العلمي واحترام الآراء.
الفصل الثالث: شخصية شيخ الإسلام ابن تيميةوأما الفصل الثالث فيستعرض شخصية شيخ الإسلام ابن تيمية المتفردة ودوره العلمي البارز، مع الوقوف بالتفصيل عند تصريحه عن بعض آرائه الاجتهادية الخاصة وهي مسألة خلق القرآن، وقدم العالم، والألفاظ العقدية الموحشة، والتعبيرات الانفعالية.
ويقف الكاتب في بعض مباحث هذا الفصل على ملامح من شخصية الإمام ابن تيمية وعلى نفسيته لا سيما ثباته على آرائه العلمية وشدته في معاملة الخصوم، وعلى صبره على ما تعرض له من ضغوط.
مع التوقف وقفة طويلة عند الغلو في شخصه واجتهاداته العلمية من المتعصبين له، ليحاول المؤلف أن ينسج من تلك الخيوط جميعها صورة صادقة منصفة غير متحيزة له بعيدا عن تقديس المحبين وكيد الكارهين.
ليختتم الفصل بعد هذا الذي ذكر بنماذج تطبيقية من تعامل ابن تيمية نفسه المنصف مع مخالفين له فكريا، من ذلك عدله مع الأعداء المعاندين، وعدله مع المجتهدين المخطئين، وعدله مع علماء أشاعرة، وعدله مع التصوف والمتصوفة، وعدله مع مبتدعة المسلمين، وعدله مع الكفار الأصليين.
يسعى كتاب "التعامل الراشد مع تراث الأئمة الفقهاء" لمعالجة مشكلة شائعة بين طلبة العلم في التعامل مع علماء التراث، وهي مشكلة الحيف العلمي ومجانبة الإنصاف التي تأتي من المحب المتعصب كما تأتي من الكاره الحاقد.
إعلانويحاول تفكيك المشكلة بوصفها وتعرية أسبابها، وتبيين مخاطرها ومآلاتها، مع تقديم جملة من الأدوات الخلقية والإرشادية والعلمية المعينة على تحييد العاطفة عامة سواء أكانت انبهارا أم كراهية، ونبذ العصبية والنظر بعين الحق والإنصاف، ومراعاة الدقة والتحقيق بأخذ أسباب الحذر والحرص في التعامل مع النصوص التراثية، والتلبس بآداب المخالفة عند المخالفة.
ويأخذ الكاتب في ذلك كله بيد القارئ إرشادا وتعليما ليقدم رؤية نظرية وتطبيقية واضحة عن التعامل، بعين الإنصاف والعدل، مع التراث الفقهي الإسلامي.