تجاوزت الحرب في السودان شهرها التاسع، ولا زالت جهود تحقيق السلام بين أطرافها تتعثر، حيث شهدت الأشهر الأخيرة انتقال الحرب من ولاية الخرطوم إلى ولايات غرب ووسط وجنوب دارفور، وولايتي شمال وجنوب كردفان، ثم ولاية الجزيرة وولاية سنار، بعد أن سيطرت قوات الدعم السريع على العديد من مقرات القوات المسلحة السودانية، والآن تهدد الحرب بقية ولايات السودان بلا استثناء.


وتشهد الحرب منذ بدايتها في ١٥ أبريل ٢٠٢٣ إزهاقاً لأرواح المدنيين والعسكريين على حدٍ سواء، بوتيرة غير مسبوقة، حيث قتل أكثر من ١٢ ألف مدني حتى ٧ ديسمبر ٢٠٢٣، كما أدى التصعيد في المواجهات لنزوح أكثر من ٧ مليون نسمة (٥,٥ مليون نسمة نزحوا لمناطق آمنة داخل البلاد، وتم تهجير ١،٥ مليون للدول المجاورة).
ذلك، فضلاً عن الأزمات الإنسانية والممارسات القاسية والمصاحبة التي انتشرت على نطاق واسع من اضطهاد للنساء والأطفال، بما في ذلك العنف الجنسي وإجبار الأطفال على الخدمة العسكرية وحمل السلاح، والندرة في الغذاء وغلاء في أسعار المواد الأساسية وما إليها من تجاوزات. كما شهدت أيضاً تدميراً واسعاً للبني التحتية بصورة لم يسبق لها مثيل، من إطلاق الآلاف من القذائف والرصاص والقصف العشوائي، والحرائق في البيئات الطبيعية والصناعية، والقنابل الفسفورية، وبقايا القصف من عناصر المتفجرات والرصاص والمقذوفات، وتلوث مصادر المياه، وغيرها من الآثار البيئية الضارة.
قدّرت دراسة أجراها المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية خسائر الاقتصاد السوداني خلال فترة الحرب بمبلغ ١٥ مليار دولار بنهاية العام الماضي (٢٠٢٣)، ما يعادل ٤٨٪ من الناتج المحلي الإجمالي. ووفقاً للدراسة، انخفض الناتج المحلي الإجمالي في قطاعات الصناعة، والخدمات، والزراعة بنسبة (٧٠٪، ٤٩٪، ٢١٪) على التوالي. تنبأت الدراسة، والتي طُبقت على ١٠ ولايات، بفقدان ٢,٥ مليون وظيفة، وهو ما يقرب من نصف القوة العاملة في البلاد، نتيجة للخسائر في قطاعات الصناعة، والخدمات، والزراعة. كما حُرم أكثر من ١٩ مليون طفل وشاب من التعليم في مراحله المختلفة. وأشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن ٧٠٪ من المؤسسات الصحية توقفت عن العمل وأصبحت خارج الخدمة، ما أدى لأنتشار الأمراض مثل الكوليرا والملاريا وحمى الضنك.
تعرضت العديد من المقار العامة والحكومية والخاصة، ومنظمات المجتمع المدني لاجتياح لمبانيها ومقراتها واعتداءات ونهب وسلب لأصولها في جميع الولايات التي تعاني من ويلات الحرب. فعلى سبيل المثال، تعرض مقر رئاسة الجمعية السودانية لحماية البيئة في أركويت بالخرطوم، لاعتداءات متكررة، تم على إثرها نهب ٤ سيارات هي من الأصول الأساسية للجمعية، كما نهبت جميع أجهزة الكمبيوتر وملحقاتها، ونظام الطاقة الشمسية وملحقاته بكاملها. وعلى إثر ذلك التدمير الممنهج لموقع رئاسة الجمعية وأصولها وممتلكاتها من مكتبات وتقارير ومصادر مالية بالعملتين المحلية والأجنبية لمشاريع تختص بالتنمية البيئية - حيث تقع مسؤولية حفظ تلك المصادر المالية والصرف على أنشطة المشاريع الملحقة بها، على عاتق الجمعية السودانية لحماية البيئة - قامت الجمعية من دافع مسؤوليتها تجاه التنمية البيئية، وإلتزاماتها تجاه شركاء الجمعية، بالرغم من ظروف الحرب القاسية، قامت بجهد كبير في إنشاء مقر بديل بمدينة ود مدني في سبتمبر ٢٠٢٣ واستطاعت أن تستأنف عملها في تنفيذ بعض المشاريع التى تهدف لحماية البيئة والتنمية البيئية في عدد من الولايات، منها الخرطوم وجنوب وغرب دارفور وكردفان والنيل الأبيض.
ولكن، بعد سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة ود مدني في منتصف ديسمبر الماضي، دخل بعض منتسبيه إلى مكتب الجمعية الجديد، وقاموا بتهديد المدير التنفيذي وسلب جهاز الحاسوب المحمول الخاص بالجمعية، إلى جانب أموال تخص المدير، كما تم أيضاً سلب أموال من المدير الإداري للجمعية.
تدعو الجمعية السودانية لحماية البيئة جميع أطراف الحرب الجارية الآن في السودان لتقديم مصلحة الوطن والمواطنين على ما سواها، والجلوس للتفاوض من أجل تحقيق سلام دائم يجنب البلاد والعباد المزيد من سفك الدماء والخراب والدمار وشبح المجاعة والحالة الإنسانية الحرجة التي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم.
أدى نزوح أعداد كبيرة من المواطنين إلى ضغوط كبيرة على الاستهلاك غير المرشد للموارد الطبيعية للطاقة، خاصة الكتلة الحية، وخصوصاً بعد الزيادة الكبيرة جداً في قيمة أسطوانات غاز البترول المسال، في الولايات التي لم تطالها غائلة الحرب حتى الآن.
تحتاج بصمة الكربون التي خلفتها الحرب المستعرة منذ منتصف إبريل ٢٠٢٣ إلى دراسة لمعرفة أثر انبعاث غازات الاحتباس الحراري، على أثر التعدي المستمر على الغابات لتوفير الوقود المنزلي. استغل بعض ضعاف النفوس حالة الفوضى وضعف الرقابة التي تسببت فيها الحرب وقاموا بالتعدي على الغابات بصورة منتظمة بغرض التجارة في الحطب والفحم على مستوى واسع، حيث لم تنج حتى الغابات المحجوزة من تلك التعديات.
علاوةً على كل ذلك، فقد دمرت الحرب في الخرطوم معظم البني التحتية للجامعات الحكومية والخاصة والكليات الجامعية والمراكز البحثية، كما حدث نفس الشيء في ولايات وسط وغرب وجنوب دارفور، وأخيراً ولاية الجزيرة، ويعاني ملايين الطلاب الجامعيين من توقف الدراسة وحالات الإحباط والقلق، إلى جانب الآثار الأخرى للحرب.
ومن الآثار بعيدة المدى للحرب الداخلية الدائرة في السودان هي الأثر النفسي للحرب والعدوان والترويع، خاصة لدى الأطفال.

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی السودان

إقرأ أيضاً:

أولويات عمل وزير البيئة الجديد.. مواجهة التغيرات المناخية والتلوث

أكد الدكتور عبد المسيح سمعان، أستاذ الدراسات البيئية بجامعة عين شمس، ضرورة تضافر الجهود الحكومية من أجل بيئة سليمة وآمنةٍ للأجيال المقبلة، مشيرا إلى أنّ الاهتمام بملفات التحول الأخضر، وإيجاد حلول سريعة للتكيف مع آثار التغيرات المناخية وزيادة الوعي بخطورتها، وتنفيذ مخرجات مؤتمر المناخ، وتفعيل قانون المخلفات، يجب أن يكون على رأس أولويات وزارة البيئة في الحكومة الجديدة.

وأكد سمعان لـ«الوطن»، ضرورة تكثيف الجهود لمكافحة التلوث بأنواعه المختلفة، بدءًا من تلوث الهواء الذي يُهدّد صحة الإنسان من خلال تكثيف حملات التفتيش على المركبات وتشجيع التحول للسيارات الكهربائية، مرورًا بتلوث المياه وصولًا إلى تلوث التربة الذي يُفقدنا خصوبة أراضينا.

تفعيل استراتيجية مصر 2030 للتنمية المستدامة

وطالب بتفعيل استراتيجية مصر 2030 للتنمية المستدامة، والتي تُمثل خارطة طريق شاملة لحماية البيئة وتحقيق التوازن بين احتياجات التنمية وحقوق الأجيال المقبلة، ووضع خططٍ استراتيجيةٍ شاملةٍ لمكافحة التلوث، تشمل تشديد الرقابة على الانبعاثات الصناعية، وتعزيز استخدام الطاقة النظيفة، وتشجيع ممارسات الزراعة العضوية، ودعم مشاريع إعادة تدوير المخلفات.

وطالب بوضع خططٍ فعّالةٍ لإدارة الموارد الطبيعية بشكلٍ مستدامٍ، تشمل ترشيد استهلاك المياه، وحماية الغابات، والحدّ من ظاهرة التصحر، مشددا على دور التثقيف والتوعية في تعزيز السلوكيات البيئية الإيجابية لدى المواطنين.

دعم برامج التعليم البيئي

وطالب بتكثيف حملات التوعية البيئية، ودعم برامج التعليم البيئي في المدارس والجامعات، وإشراك المجتمع المدني في الجهود البيئية، مؤكدا أهمية التعاون الدولي في معالجة التحديات البيئية التي تواجهها بلادنا، خاصةً تلك المتعلقة بتغيّر المناخ.

كما طالب بتبادل الخبرات مع الدول المتقدمة في مجال التكنولوجيا البيئية، وتعزيز التعاون الإقليمي في مجال مكافحة التلوث، مشيرا إلى أنّ حماية البيئة مسؤوليةٌ تقع على عاتق الجميع، من حكومةٍ ومواطنين ومؤسساتٍ مجتمعيةٍ.

ولفت إلى ضرورة العمل الجادّ من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وضمان مستقبلٍ أخضرٍ وصحّيّ للأجيال المقبلة، وضرورة دعم مشاريع الطاقة المتجددة، كطاقة الشمس وطاقة الرياح، كبديلٍ نظيفٍ لمصادر الطاقة الأحفورية التي تُساهم بشكل كبير في تلوث البيئة.

مقالات مشابهة

  • «تقدم» ترحب بالمشاركة في مؤتمر القوى السودانية بالقاهرة
  • الانتحار السوداني ... متى يتوقف وكيف؟!
  • خيار الادارة السودانية المؤقتة في المهجر
  • خبير: المناطق الصحراوية تراث طبيعي يعزز الاستدامة
  • وزيرة البيئة: مصر لاعب قوى ورئيسي بالاتفاقيات البيئية الإقليمية والدولية
  • أولويات عمل وزير البيئة الجديد.. مواجهة التغيرات المناخية والتلوث
  • بعد تصدرها التريند.. ماذا تعرف عن مدينة سنجة السودانية؟
  • الإمارات: استمرار العنف يؤكد أن الأطراف المتحاربة لا تمثل الشعب السوداني
  • في رسالة إلى مجلس الأمن.. الإمارات تدفع مجدداً من أجل تعزيز السلام في السودان
  • مناشدات لحماية المدنيين في حرب السودان بعد دعوة «هيومن رايتس ووتش» لنشر قوات أممية