ما هو مصير الوساطات في الأزمة السودانية؟
تاريخ النشر: 29th, January 2024 GMT
نقلا عن مصر 360
بقلم : أمانى الطويل
يشكل تجميد الحكومة السودانية لعضويتها في منظمة الإيجاد خطوة، تطرح أسئلة بشأن موقف جهود الوساطة الإقليمية من الأزمة المحتدمة في السودان، تحت مظلة الاستقطاب الداخلي السوداني الذي يأخذ أشكالا عرقية، وقبلية وأيضا جهوية، كما يطرح أسئلة موازية بشأن قدرة هذه الوساطات على اختراق حالة التعقيد المركب في المشهد السوداني المسلح.
بداية، لا بد من الإشارة أن خطوة تجميد السودان لعضويتها جاءت على خلفية قرار قمة طارئة لـ «إيجاد»، بتجديد الدعوة للقاء مباشر بين طرفي الصراع (الجيش وقوات الدعم السريع) في غضون أسبوعين، وذلك على الرغم من فشل المنظمة في تأمين حضور محمد حمدان دقلو (حميدتي)، لقاء تم ترتيبه بجيبوتي في ديسمبر الماضي لنفس الهدف أي جمع الجنرالين المتصارعين، وبدلا من حضور اللقاء، قام حميدتي بجولة للقاء رؤساء دول، هم أعضاء في منظمة إيجاد ذاتها في خطوة أقل ما يقال عنها، إنها مكايدة ضد البرهان ومن ورائه من قوى سياسية واجتماعية وقبلية وجهوية، ومن الأسف أن وافق عليها رؤساء دول في أداء دبلوماسي غير مطروق ولا مقبول.
وبطبيعة الحال السياسي الذي نعرفه في السودان رد البرهان على المكايدة بموقف سياسي، يجمد عضوية بلاده في منظمة إىجاد، بعد أن اتخذت قرارا بعقد قمة جديدة في كمبالا، دعت إلى نفس الإجراء أي لقاء البرهان وحميدتي متجاهلة طبقا لمنطوق بيان وزارة الخارجية السودانية القرار الرسمي من السودان بوقف انخراطه، وتجميد تعامله في أي مواضيع، تخص الوقع الراهن في السودان تحت مظلة منظمة إيجاد.
هذا النموذج من التفاعل الإقليمي مع الأزمة السودانية يشير إلى ضرورة توافر شروط بعينها للنجاح في مسألة الوساطة أولها، المسافة الواحدة بين طرفي الصراع، ويبدو أن إيجاد بسبب الدعم الذي تجده من الأطراف الغربية، ومقولات الحلول الإفريقية للأزمات الإفريقية التي يتبناها الاتحاد الإفريقي، دون فاعلية واقعية في حل الأزمات، تتجاهل هذه المسألة أو تتعالي عليها في وقت، يبدو فيه المشكل السوداني في بعض تجلياته تعبيرا عن صراع عرقي وجهوي إلى جانب الصراع السياسي، حيث لا بد هنا أن يؤخذ بعين الاعتبار مكوناته على الأرض، وطبيعة انحيازاته للرموز السياسية أو العسكرية التي تعبر عنه.
على أية حال، حضور ممثل عن الجامعة العربية في قمة كمبالا، قد يكون بداية انتباه من جانب إيجاد بضرورة تضمين، واحترام كافة المكونات السودانية وكافة تجلياتها.
ولكن على المستوى الإجرائي، وفي خطوة متعجلة ومستغربة ومتجاهلة الوقائع على الأرض، وجهت الأمانة العامة لـمنظمة الإيجاد والاتحاد الإفريقي، بالبدء في إجراء مشاورات مشتركة مع أطراف النزاع، لإطلاق عملية سياسية في غضون شهر، تنتهي بتشكيل حكومة ديمقراطية في البلاد، وهو ما يعني انحيازا جديدا لطرح، يتبناه حميدتي ومن معه للحصول على شرعية سياسية بحكومة تنفيذية.
على الصعيد المقابل، فإن الفريق البرهان يتجاهل الخيار التفاوضي ،وربما ما رشح عن منبر جدة في مراحله الأخيرة، يشير الي ذلك، حيث حقق المنبر خطوات متقدمة، فيما يتعلق بموافقة الدعم السريع على الانسحاب من مواقع محددة لها قيمة رمزية للقوات المسلحة السودانية، وتم تجاهل هذه الخطوة المتقدمة، وحدث انسحاب لوفد الجيش بضغط، فيما يبدو من جانب أجنحته المتأثرة برموز الجبهة القومية الإسلامية في السودان، وربما هذا ما يفسر ضعف الحماس السعودي للفاعلية في الأزمة السودانية، والتمثيل الدبلوماسي منخفض المستوى في قمتي إيجاد الأخيرتين.
وقد ترتب على إهمال الخيار التفاوضي من جانب البرهان على الرغم من اختلال الميزان العسكري لصالح الدعم السريع، منذ نوفمبر الماضي، أن تم اللجوء لأطراف إقليمية مثل، إيران لتسليح الجيش من جهة، وكذلك طرح مقاومة سميت (بالشعبية) ممن تم تسميتهم بالمستنفرين، وهم منتشرون جهويا في شمال ووسط وشرق السودان، ويمثلون القاعدة القبلية والاجتماعية لكل من الجيش، وتيار الإسلام السياسي في السودان.
في هذا السياق، نستطيع أن نرصد تداعيات إهمال الخيار التفاوضي في عدد من النقاط منها، أن استدعاء إيران لنقطة تمركز جديدة على شاطئ البحر الأحمر تحت مظلة الصراع في غزة، قد يشكل حساسية، بل رفض أمريكي للأداء السوداني، وبالتأكيد مثل هذه الخطوة، لن توافق عليها كل من المملكة العربية السعودية ومصر، بحسبان أن هذه الإتاحة السودانية لإيران، هي قوة مضافة لإيران غير مطلوبة، ولا مقبولة إٍقليميا.
أما على الصعيد الداخلي، فإن تسليح المدنيين قد ترتب عليه فوضى لحظية، حيث باع البعض منهم قطع السلاح لمجهولين واستخدموا الأموال في الخروج من السودان، كما برزت مصالح ضيقة لبعض رجال الأعمال السودانيين متوسطي القدرة الاقتصادية، جعلهم يمولون ويدعمون مدنيين بالسلاح في خطوة لموالاة الجيش، نظير حرية تعدين الذهب في بعض المناطق، كما أسفر الخطاب الاستقطابي المصاحب لعملية الاستنفار التي أطلقها البرهان، أن تم طرد مواطنين سودانيين منتمين للغرب من ولايات الوسط والشمال، وفي المقابل تم طرد مواطنين، ورجال أعمال من الوسط من مناطق غرب السودان.
وعلى صعيد مواز، فإنه يبدو، أن أكثر الأطراف تشددا ضد التفاوض، وهو علي كرتي، الأمين العام للجبهة القومية الإسلامية، بات طبقا لتسريبات متطابقة من عدد من الأطراف غير مسيطر على شباب الحركة الذين انخرطوا في حملات الاستنفار، ومن المتوقع، أن يكونوا قد تحالفوا مع خلايا نائمة لتنظيمات متطرفة مثل، داعش وغيرها في تطور غاية في الخطورة للسودان، وللإقليم الممتد من شرق إفريقيا نحو شمال القارة.
هذا المشهد بالتأكيد، يذكر بنمط الصراع الصومالي الذي أنتج أمراء للحرب على مستوى المناطق، وأسفر عن حرب أهلية ضعضعت الصومال وما تزال.
وقد يكون السؤال المطروح في هذه التفاعلات الساخنة، والمعقدة بالسودان، ماهي الشروط اللازمة؛ لتطوير موقف البرهان ومن معه للانخراط في عملية تفاوضية، دعوت إليها قائد الجيش السوداني من أكتوبر الماضي، أي قبل سقوط نيالا، وأكدت عليها، فيما عرف ونقل عني تحت عنوان حديث إلى البرهان.
في تقديري، مطلوب تقدير صحيح، يستبصره البرهان، ومن معه في هذه المرحلة الدقيقة، وهو تقدير قائم على محورين: الأول، أنه رغم اختلال الميزان العسكري لصالح الدعم السريع، إلا أنهم لن يستطيعوا حكم السودان؛ لأسباب مرتبطة بالوعي العام، بأن المشروع السياسي الذي يطرحه حميدتي حاليا، لا يملك مصداقية من ناحية الجدية في الخيار التفاوضي، وذلك بعد أن مارس مكايدة، ضد البرهان في جيبوتي، ولا يملك مصداقية في الموقف من التحول الديمقراطي؛ بسبب مشاركته في انقلاب أكتوبر ضد المدنيين، وربما بسبب ذلك، نرى أن تحالفه مع المدنيين في تحالف “تقدم” هو نوع من التحالفات الانتهازية المؤقتة التي تعرفها السياسية السودانية تاريخيا.
أما المحور الثاني، فهو وجود حاضنة شعبية للجيش من جانب الطبقة الوسطى السودانية الغير منخرطة في التفاعلات السياسية، وهي الطبقة القائدة والمرجحة للتحولات السياسية في أي بلد.
في هذا السياق، فإنه ربما يكون من المطلوب في هذه المرحلة، هو تقدم قوى إقليمية بمبادرة جديدة، تقوم على أسس الحياد السياسي بين الأطراف السودانية، والكفاءة الإجرائية؛ لإقناع البرهان الذي هو في موقف قوة بالفعل، بالدخول في تفاوض، يحقق وقفا لإطلاق النار، طال انتظاره في السودان، وذلك قبل الانخراط في حرب أهلية شاملة.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الدعم السریع فی السودان من جانب
إقرأ أيضاً:
بعد استدعاء سفيره .. أول تعليق من مجلس السيادة الإنتقالي علي الأزمة مع كينيا
انتقد مجلس السيادة الانتقالي السوداني بقيام الرئيس الكيني ويليام روتو، بدوافع غير معلنة من العداء تجاه السودان، بممارسات تُعتبر خرقاً لمبادئ الإتحاد الأفريقي للحفاظ على السلام والاستقرار بين دول الاتحاد.
وقال مالك عقار إير نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي : ففي الفترة من 10 إلى 14 يونيو 2023، خلال اجتماع قادة دول الإيقاد في جيبوتي، تم اقتراح خطة طريق تسمح بتدخل القوات (وفقاً للمواد 4-8). وبعد انتهاء الجلسة، أعلن الرئيس روتو بشكل ثنائي آلية رباعية تضم جنوب السودان وجيبوتي وأوغندا وكينيا، حيث جعل كينيا رئيسةً لهذه الآلية ،فهذا الاقتراح لم يتم التصديق عليه من قبل الحكومة السودانية ولا تم الاتفاق عليه من قبل جمعية الإيقاد. وبذلك، تم تجاهل المظالم المشروعة للسودان، مما يُظهر استهانة بسيادتنا.
وأضاف عقار في بيان له نقلته صفحة مجلس السيادة الإنتقالي علي التليجرام : وفي الاجتماع الاستثنائي للإيقاد الذي عُقد في أوغندا في 18 سبتمبر 2024 لمناقشة قضية الصومال، قام الرئيس روتو بإدخال قضايا السودان في نقاشات لا علاقة لها بالموضوع، مما زاد من حدة التوترات باقتراحه أن يجلس زعيم قوات الدعم السريع -المُدان بالإبادة الجماعية- على كرسي السودان لتمثيله، وهذا الإقتراح يعد انتهاكاً صارخاً لمبادئ الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي التي تمنع مشاركة جهات غير حكومية في اجتماعات حكومات الدول، مما يقوض الحكومة القائمة بالإضافة إلى ذلك، ألقى الرئيس روتو عدة تصريحات مهينة ومستفزة حول الصراع في السودان.
وتابع : لقد أكد الاتحاد الأفريقي مراراً وتكراراً التزامه باحترام سيادة السودان. وفي 14 فبراير 2025، أعاد الاتحاد التأكيد على التزامه بالحفاظ على الوحدة الترابية والسيادة السودانية في الفقرة 7 من قراراته. ومع ذلك، وبعد أيام فقط، في 18 فبراير 2025، سمح الرئيس روتو لأعضاء وأنصار قوات الدعم السريع وغيرهم بالاجتماع في العاصمة الكينية نيروبي بهدف إنشاء حكومة موازية في السودان. هذا الفعل لا ينتهك فقط مبادئ الاتحاد الأفريقي، بل يضعف أيضاً مكانة كينيا كوسيط للسلام.
وإستطرد : من الضروري تذكير الرئيس ويليام روتو بأن بلاده كينيا، التي يتحمل مسؤولية رعايتها، تواجه تحديات داخلية عديدة، بما في ذلك بطالة الشباب والفقر والمطالبات بالشفافية – وهي قضايا تتطلب اهتمامه الكامل. كيف يمكنه الادعاء بالتوسط في شؤون السودان وهو لم يختبر أبداً حجم العنف الذي يشهده السودان حالياً؟ الشعب السوداني الوطني قادر تماماً على مواجهة تحدياته، وإنشاء حكومة موازية كما يدعو المشاركون في الاجتماع الذي استضافه الرئيس روتو ليس أولوية، بل الأولوية هي وقف القتال.
وواصل : سلسلة الإجراءات التي اتخذها الرئيس روتو تمثل اتجاهاً مقلقاً للتدخل الخارجي الذي يهدد بتقسيم السودان فهذا السلوك محظور صراحةً بموجب ميثاق الاتحاد الأفريقي ويتم إدانته من قبل مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الافريقي ويجب هنا أن نتساءل: لماذا تتدخل كينيا في الشؤون الداخلية للسودان بينما تتوقع ألا تتحمل أي عواقب نتيجة لذلك؟
وزاد : علاوة على ذلك، فإن دعم الحكومة الكينية لقوات الدعم السريع – وهي جماعة مُدانة بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان – يعد أمراً مشكوكاً فيه أخلاقياً وغير قابل للدفاع قانونياً ،ويجب أن نسأل أنفسنا: أي سابقة يُرسيها هذا الفعل لمبادئ الاتحاد الأفريقي والقانون الدولي وسيادة الدول؟
وتابع : حل مشاكل السودان يقع في أيدي الشعب السوداني الوطني، وليس تحت ظل القوى الأجنبية أو أولئك الذين يسعون لتحقيق مكاسب شخصية،و يجب أن تظل مبادئ الاتحاد الأفريقي الخاصة بالمساواة في السيادة وحل المشاكل الأفريقية داخلياً هي الموجه لتحركاتنا المستقبلية.
وأتم : طالما يلتزم السودان بهذه المبادئ، فإنه يحتفظ بحق إثارة هذه القضية أمام الاتحاد الأفريقي ذو القيادة الجديدة، منتظراً تحقيق العدالة والمساءلة العادلة ، فدعونا نلتزم بمبدأي(المساواة في السيادة، وحل المشاكل الأفريقية داخلياً دون تفاقمها).
وكانت الخارجية السودانية أعلنت في وقت سابق استدعاء سفيرها في كينيا للتشاور ردا علي تصريحات رئيس كينيا بشأن ميليشيا الدعم السريع.