تداعيات الحرب في السودان على المدنيين
تاريخ النشر: 29th, January 2024 GMT
بسم الله الرحمن الرحيم
أسامة صلاح الدين نقدالله
onugdalla@gmail.com
من المتوقع ان تقدم المحكمة الجنائية الدولية اليوم إلى مجلس الأمن الدولي تقريرها بشأن تحقيقات خبرائها عن الانتهاكات التي خلفتها الحرب العبثية في السودان والتي على مشارف الشهر العاشر وقد أسفرت عن محن ومعاناة كان ضحيتها ملايين من المدنيين في كل أنحاء البلاد ، فالحرب تخاض في المدن الكبرى ومدن وأرياف دارفور لتتحول كما حذر الأمين العام للأمم المتحدة الى حرب أهلية شاملة أكثر دموية من الحروب في اليمن وسوريا والعراق .
والكارثة الإنسانية الرهيبة التي تعصف بالسودان جراء هذه الحرب تشمل المجاعة والتهجير القسري وتدمير المساكن وتوقف الحياة الاقتصادية والاحتراب الأهلي . كما أدت الى مقتل أكثر من ١٣ ألف شخص ونزوح أكثر من ٧ مليون شخص لجأ منهم حوالي المليون ونصف الى دول الجوار مما حدا بمنظمة الهجرة الدولية لاعتبار أزمة النزوح من البلاد هي الأكبر في العالم .
وقد ارتكب الطرفان : قوات الدعم السريع والقوات المسلحة أعمال عنف مروعة من موت ودمار وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وتطهيرا عرقيا . وقد قوبلت هذه الانتهاكات والجرائم بإدانات دولية واسعة .
جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الابادة الجماعية تعتبر من قبيل الجرائم ذات الخطورة الإستثنائية ، والتي أجمع المجتمع الدولي على إستحالة التسامح حيالها ، أو غض الطرف عنها مهما كانت درجة مرتكبيها في سلم المسؤولية الوطنية في كافة دول العالم سواء كانوا مسئولين سياسيين أو عسكريين .
ولبيان عدم تسامح المجتمع الدولي إزاء ارتكاب هذه الجرائم ومحاكمة مرتكبيها ، فإن معظم دول العالم تطبق مبدأ الاختصاص العالمي الذي يتيح لمحاكمها ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم أينما كانوا حتى ولو تم ارتكابها خارج النطاق الإقليمى للدولة المعنية .
والمحاكم الوطنية يقع عليها اولاً واجب محاكمة مرتكبي هذه الجرائم وإذا لم تفعل ، فإن الأجهزة الدولية مثل مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية تتدخل لضمان تحقيق العدالة والتأكد من عدم إفلات المتهمين من العقاب بذرائع السيادة الوطنية أو الحصانة الدستورية . كما أن الدول يمكنها أن تلاحق المتهمين عملاً بمبدأ الإختصاص العالمى فى هذه الجرائم .
التعريفات القانونية
جرائم الحـرب
تنقسم جرائم الحرب إلى قسمين رئيسيين :
1/ الجرائم المرتكبة في إطار نزاع مسلح دولي ، أى فى نطاق حرب أو نزاع بين دولتين أو أكثر .
2/ الجرائم المرتكبة في إطار نزاع مسلح داخلي حسب ما نصت عليه المادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م والقوانين والأعراف الأخرى ذات الصلة بالنزاعات الداخلية والتى تنص على أن هذه الجرائم تتمثل فى أى من الأفعال التالية المرتكبة ضد أشخاص غير مشتركين إشتراكاً فعلياً فى الأعمال الحربية :
أ- العنف خاصة القتل بجميع أنواعه والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب .
ب- التعدي على كرامة الشخص (أى إهانته والحط من قدره) .
ج- أخذ الرهائن .
د- توجيه الهجمات ضد المدنيين .
هـ- شن هجمات ضد المباني والمواد والوحدات الطبية ووسائل النقل والأفراد من مستعملي الشارات المميزة الموضحة فى إتفاقيات جنيف .
و- شن هجمات ضد موظفين أو منشآت أو مواد أو وحدات مستخدمة فى مهمة من مهام المساعدة الإنسانية أو حفظ السـلام عملاً بميثاق الأمم المتحدة .
ز- توجيه هجمات ضد المبانى المخصصة للأغراض الدينية أو الفنية أو العلمية أو الخيرية والآثار التاريخية والمستشفيات وأماكن تجمع المرضى والجرحى شريطة ألا تكون أهدافاً عسكرية .
ح- نهب أي بلدة أو مكان حتى وان تم الاستيلاء عليه عنوة .
ط- الإغتصاب أو الإستعباد الجنسى أو الإكراه على البغاء أو الحمل القسري .
ى- تجنيد الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر إلزامياً أو طوعياً فى القوات المسلحة أو فى جماعات مسلحة أو استخدامهم للمشاركة فعلياً فى الأعمال الحربية .
ك- إصدار أوامر بتشريد السكان المدنيين لأسباب تتصل بالنزاع ما لم يكن ذلك بمسوغ من أمن المدنيين المعنيين او لأسباب عسكرية مسلحة .
ل- قتل أحد المقاتلين من العدو أو إصابته غدراً .
م- إعلان أنه لن يبقى على قيد الحياة أحد .
ن- التشويه البدني وإجراء التجارب الطبية .
ح- تدمير ممتلكات العدو أو الإستيلاء عليها ما لم تحتم ذلك ضرورات الحرب .
11/ تنطبق الفقرات المذكورة فى (10) أعلاه على النزاعات المسلحة الداخلية وهي لا تنطبق على حالات الاضطرابات والتوترات الداخلية مثل أعمال الشغب أو أعمال العنف المنفردة أو المتقطعة . وتنطبق على المنازعات المسلحة التى تقع فى إقليم دولة عندما يوجد صراع مسلح متطاول بين السلطات الحكومية وجماعات مسلحة منظمة أو فيما بين هذه الجماعات .
12/ المبادئ والنصوص المذكورة أعلاه هي ما تضمنه الملحق الثاني (1977) لاتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م والخاص بالنزاعات الأهلية أو الداخلية وليس فيها ما يؤثر وفق منطوق الملحق (على مسئولية الحكومة عن حفظ أو إقرار القانون أو النظام فى الدولة أو الدفاع عن وحدتها الترابية وسلامتها الإقليمية بجميع الوسائل المشروعة) .
الجرائم ضد الإنسانية:
13/ تم تحديد الجرائم ضد الإنسانية فى القانون الجنائى الدولى فى الأفعال التالية :
أ/ القتل العمد .
ب/ الإبادة Extermination وهى غير الإبادة الجماعية Genocide
ج/ الاسترقاق .
د/ النقل القسرى للسكان وإبعادهم .
هـ/ السجن أو الحرمان من الحرية بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولى أى إستثناء أحكام السجن الصادرة من محكمة مختصة بعد توجيه الاتهام والإدانة .
و/ التعذيب .
ز/ الإغتصاب أو الإستعباد الجنسى أو الإكراه على البغاء أو الحمل القسري أو التعقيم القسري أو أى شكل آخر من أشكال العنف الجنسي .
ح/ الاضطهاد لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو إثنية أو ثقافية أو دينية .
ط/ الاختفاء القسري للأشخاص .
ى/ التمييز العنصرى .
14/ لا تعد الحوادث الفردية المتقطعة جرائم ضد الإنسانية إذ أنه يشترط فى الأفعال المذكورة أعلاه أن تتم فى إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين ، أى أن تكون هذه الأفعال جزءً من سياسـة عامة للدولة .
القانون الدولى الإنسانى:
هو مجموعة القواعد القانونية التي تهدف إلى حماية المدنيين في حالات النزاعات المسلحة والجرحى والمرضى من الجنود وأسرى الحرب . كما يسعى إلى حماية أطراف النزاع المسلح من اللجوء إلى الأساليب الوحشية واللا إنسانية أو الاستخدام غير المناسب للقوة . ويشكل القانون الدولى الإنسانى جزءاً من القانون الدولي الذي يسعى لصيانة الكرامة الإنسانية وحماية الأشخاص من المعاملة المهينة والإجراءات التعسفية . وتعتبر اتفاقيات جنيف الأربع والبروتكولان الإضافيان لها هي أساس القانون الدولي الإنساني .
قانون حقوق الإنسان:
أساسه هو ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام1948م والذى يتضمن المبادئ العامة لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية باعتباره إعترافاً بكرامة البشر وحقوقهم المتساوية الثابتة التى هى أساس الحرية والعدل والمساواة والكرامة . وتوسعت تلك الحقوق لتدخل فئات أخرى فشملت حقوق المرأة والطفل والمعاقين والمسنين والمهاجرين واللاجئين وكافة الفئات الضعيفة .
السودان طرف فى معاهدات جنيف الأربع ، لكنه غير منضم للبروتوكولين الإضافيين المعنيين بالنزاعات المسلحة الدولية والنزاعات المسلحة الداخلية ، ولكن عدم الانضمام للبروتوكولين الإضافيين لايعنى عدم الخضوع لأحكامها حيث أصبحا ضمن القانون العرفي الدولي .
الآليات الدولية المتاحة
المحكمة الجنائية الدولية:
هناك ثلاث طرق لتحريك الدعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية ، بواسطة الدول الأطراف في نظام روما المنشئ للمحكمة ، أو بالاحالة من مجلس الأمن الدولي ، أو أن يقوم بذلك المدعي العام للمحكمة .
ولكن يمكن للضحايا او من يمثلهم تقديم معلومات وأدلة للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ويطلبون منه بناء على ما لديهم من معلومات تحريك دعوى أمام المحكمة . ويظل تقييم المعلومات والأدلة وتحريك الدعوى او رفض تحريكها من اختصاص المدعي العام للمحكمة .
بعثة تقصي الحقائق:
في أكتوبر 2023م أنشأ مجلس حقوق الإنسان البعثة المذكورة للتحقيق والتثبت من الحقائق والظروف والاسباب الجذرية لكل الاتهامات المتعلقة بانتهاكات لحقوق الانسان ، والقانون الانساني الدولي، والجرائم الناجمة عن الصراع المسلح بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ 15 أبريل 2023م .
مهام البعثة جمع وتحليل الادلة وتحديد الافراد والكيانات المسئولين عن ارتكاب تلك الانتهاكات ، وتقديم توصيات تهدف إلى تحقيق العدالة للضحايا وضمان المساءلة ، وإنهاء الإفلات من العقاب .
يمكن للأفراد والجماعات والمنظمات تقديم المعلومات والوثائق باللغتين العربية او الانجليزية بشأن انتهاكات القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان وكافة جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية الوارد وصفها وتعدادها أعلاه والتي وقعت منذ اندلاع القتال في 15 أبريل 2023م .
الموعد النهائي للابلاغ هو نهاية يوليو 2024م حيث يتم مناقشة تقرير البعثة في الدورة السابعة لمجلس حقوق الإنسان في سبتمبر – أكتوبر 2024م .
البريد الالكتروني للجنة للإبلاغ عن الانتهاكات
Submits-ffmsudan@un.org
الخبير المعين المعني بحقوق الانسان:
عين مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في 16 ديسمبر 2022م السيد رضوان نويصر ( تونسي) كخبير لحالة حقوق الإنسان في السودان . وقام المذكور بزيارة للبلاد في يناير 2023م . ويعتزم زيارة بورتسودان في فبراير المقبل قبل انعقاد الدورة 55 لمجلس حقوق الإنسان في مارس 2024م .
ظل الخبير يعقد اجتماعات ويتلقى تقارير من ممثلين لبعض منظمات المجتمع المدني حول انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب المختلفة التي تعرض لها المدنيين في السودان . وهو يرحب بتلقي الإفادات والشهادات المكتوبة من الأفراد والمنظمات على العنوان nouicer@un.org
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: المحکمة الجنائیة الدولیة جرائم ضد الإنسانیة حقوق الإنسان فی هذه الجرائم فی السودان الجرائم ضد
إقرأ أيضاً:
«شباب الأحزاب والسياسيين» تناقش خفض التصنيف الدولي للمجلس القومي لحقوق الإنسان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
نظمت لجنة حقوق الإنسان بتنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، مائدة مستديرة حول دور المجلس القومي لحقوق الإنسان، وكيفية تعزيز استقلاليته في ظل التحديات الداخلية والقواعد الدولية وتعهدات مصر، ومعالجة مسألة خفض التصنيف الدولي للمجلس من الفئة (أ) إلى الفئة (ب).
وشهدت المائدة مشاركة عدد من رموز العمل الحقوقي والخبراء في مجال حقوق الإنسان، وهم علاء شلبي رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان، وعصام شيحة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، ورضا عبدالعزيز، الباحث والمدرب الدولي في مجال حقوق الإنسان، ومحمد عثمان مدير وحدة حقوق الإنسان بالهيئة العامة للاستعلامات.
كما شهدت المائدة مشاركة النائبة أميرة العادلي، عضو مجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، ومحمد صلاح خليفة وأسامة بديع وماجد الفقي، أعضاء لجنة حقوق الإنسان بالتنسيقية، ومحمد الصعيدي عضو اللجنة الاقتصادية، وسامي الزيات عضو لجنة الحوار السياسي.
وأدار النقاش النائب محمد عبدالعزيز، وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، وعضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، وسلمان إسماعيل، عضو لجنة حقوق الإنسان بالتنسيقية.
وناقش المشاركون في المائدة آليات تعزيز استقلالية المجلس المجلس القومي لحقوق الإنسان، والتعديلات المقترحة على قانون المجلس، وبحث سبل تطوير عملية اختيار وتعيين أعضاء المجلس، والإطار القانوني لحصانة أعضاء المجلس وحمايتهم من الملاحقات القضائية المتعلقة بعملهم.
كما تطرق المشاركون في المائدة إلى تعزيز العلاقة بين المجلس القومي لحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني، وتطوير آليات التنسيق مع المؤسسات الدولية، وتعزيز الشفافية والتواصل مع الجمهور.
وأوصى المشاركون بضرورة إدخال تعديلات على قانون المجلس القومي لحقوق الإنسان لسنة 2003 وما لحق به من تعديلات في 2017، تعزز من المزيد من ضمانات استقلال المجلس القومي لحقوق الانسان مطالبين بأهمية التحرك البرلماني بعد خفض التصنيف الدولي للمجلس وهي سابقة لم تحدث على مدار 20 عاما مرت.
وأكد المشاركون أهمية ترجمة ملاحظات لجنة الخبراء الدولية التابعة للتحالف الدولي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في صورة تعديلات تشريعية، أبرزها آلية اختيار وتعيين أعضاء المجلس، وحصانتهم من الملاحقات بسبب عملهم الحقوقي، وكذلك منح المجلس مزيدا من الحرية في تلقي المنح والتمويلات دون موافقة مسبقة من البرلمان، على أن يكون هناك كشف حساب بعد انتهاء البرنامج المتلقي للمنحة.
وفي نهاية الفعالية التي امتدت لساعتين، أكد المشاركون في المائدة ضرورة تضافر جهود الفاعلين والناشطين في مجال حقوق الإنسان للحفاظ على المجلس القومي لحقوق الانسان، وتعزيز صلاحياته وترسيخ استقلاله تحقيقا لمبادئ باريس.