بقلم: تاج السر عثمان
خامسا: الطبقة العاملة :
كما أشرنا في دراسة سابقة عن التاريخ الاجتماعي لفترة الحكم التركي ، أن هذه الفئة ظهرت بشكل جنيني في تلك الفترة ، وكانت تعمل في الصناعات الحديثة التي أدخلها الأتراك في السودان مثل صناعة الذخيرة والبارود والصابون وصناعة النيلة وحلج القطن وفي ترسانة الخرطوم ( برادين ، حدادين ، نجارين ،.

. ) . وتميزت هذه الفئة بأنها كانت تعمل بأجر وتسكن المدن وتتفاوت اجورها حسب وضعها في العملية الإنتاجية ، ولكن يجب الا نبالغ في عددها فقد كانت ضئيلة جدا ومحدودة العدد، ونسجلها من باب ظهور البذور الاولى لهذه الطبقة التي تعمل بأجر، واذا اضفنا اليها صغار الكتبة وأمناء المخازن، يمكن أن نتحدث عن بذور فئة العاملين بأجر في فترة المهدية .
وتظهر لنا وثائق المهدية أن الدولة استطاعت تشغيل بعض المصانع مثل مصنع الذخيرة وترسانة الخرطوم للبواخر النيلية ، كما أنشأت مصنعا للصابون في امدرمان ومدني ، وكان العمال في هذه المصانع يتقاضون اجورا متفاوتة حيث يتقاضي رئيس العمال خمسة وعشرون ريالا، وتتدرج الفئات حتى تصل سبعة ريالات للبراد والخراط ، وكان لعمال مصنع الذخيرة ( ورشة الظروف ) فئات اعلى نسبيا من الفئات الاخرى، ربما لأن عملهم يحتاج لدراسة فنية ( قدال : 175 ) .
ويبدو أن مرتبات العمال التابعين لبيت المال لم تكن تصرف في مواعيدها فقد تشكى رئيس الترسانة لأمين بيت المال قائلا ( ان الأخوان خدما الترسانة تشكو حصول الاحتياج لهم ، من قصدهم القوت الضروري ، ولهذا نحرر هذا الكشف بصرفيتهم المعتاد ( نفسه : 175 ) . ويبدو أن المقصود بالقوت الضروري هو المرتب أو المرتبات ، واذا صح ذلك ، يمكن القول أن المرتبات كانت تحدد على أساس القوت الضروري ، وهذا تعريف دقيق ورد في وثائق المهدية وهو ما يعادل القوت الضروري الذي يجعل العامل يبقي على حياته لمواصلة العمل والانتاج أو يجدد قوة عمله، كما نلاحظ أن تركيب هذه الفئة المهني كان متفاوتا، اذ كان وسطها فنيون ومهنيون يتقاضون اجورا اعلى نسبيا مثل رؤساء العمال والبرادين والخراطين وعمال الذخيرة.
سادسا : المزارعون والرعاة :
أ – المزارعون :
ويتفاوت تركيب هذه الفئة ، ويمكن تصنيفها الى فقراء ومتوسطين وأغنياء . وتقدم لنا وثائق المهدية تصنيفا لهذه الفئة تم تحديده على أساس مقدار الإنتاج الضروري ( قوت العام ) والإنتاج الفائض الذي يجب أخذ الزكاة في لحظة اصدار المنشور .
يقول منشور المهدي الذي حدد نصاب زكاة الحبوب والنصاب الذي يجب الإخراج فيه خمسة اوسق والوسق ستين صاعا ففيه العشر ان سقي بالمطر وبالبحر دون فعل فاعل ، وفيما سقي بالساقية والدواليب نصف العشر .. ) .
واذا جاز لنا الاعتماد على هذا المنشور، فيمكن تحديد فئة فقراء المزارعين الذين ينتجون فقط ( مؤونة عام ) أو أقل ولايجب أخذ الزكاة منهم ، أى ينتجون أقل من خمسة أوسق أو ستمائة صاعا ، وهؤلاء اما يعملون في اراضيهم الخاصة أو يعملون في أراضي الدولة أوأراضي الملاك .
أما فئة متوسطي المزارعين فهم الذين ينتجون اكثر من ستمائة صاعا وتؤخذ منهم الزكاة مع الأخذ في الاعتبار أنهم، اما يعملون في املاكهم الخاصة أو املاك الدولة أو كبار الملاك .
أما اغنياء المزارعين أو كبار الملاك فهم الذين يمتلكون الأراضي ( ملكية خاصة ) ويؤجرونها للمزارعين مقابل خراج أو ( تكندي ) ، أى لايعملون، ولكن يعيشون على (التكندى) ، ومن أعمالهم التجارية الأخري ..
ب – الرعاة :
ويمكن تصنيفهم الى ثلاثة فئات : فقراء ومتوسطين وأغنياء . واذا جاز لنا الأخذ بمنشور المهدي الذي حدد أنصبة الزكاة من ملاك الابل والغنم والبقر، فيمكن تحديدهم كالآتي :
1 – الابالة: ويكون فقراء الرعاة هم الذين يملك الفرد منهم أقل من خمسة ، وبالتالى لاتؤخذ منهم الزكاة .
ويكون متوسطي الرعاة هم الذين يملك الفرد منهم ما بين خمسة الى مائة وعشرين ، وتؤخذ منهم الزكاة بدرجات متفاوتة حسب الفئات التي حددها المنشور ( منشور المهدي : الآثار الكاملة ج4 ، ص 108 ) .
ويكون أثرياء الابالة ( رعاة الابل ) هم الذين يملك الفرد منهم اكثر من أربعين
2 – البقارة (رعاة البقر): وتصنف هذه الفئة على النحو التالى:
- فقراء الرعاة الذين يملك الفرد منهم أقل من ثلاثين بقرة ولذا لاتؤخذ منهم زكاة.
- متوسطي الرعاة: وهم الذين يملك الفرد منهم ما بين ثلاثين وأربعين بقرة وتؤخذ منهم الزكاة حسب ما حدد المنشور في كل ثلاثين يبيعة وفي كل اربعين حسنة.
أما اثرياء البقارة فهم الذين يملك الفرد منهم اكثر من اربعين بقرات ويتفاوتون في درجة الثراء حسب تفاوت الملكية ..
ج – رعاة الغنم :
ويصنف المنشور هذه الفئة على النحو التالى :
- فقراء الرعاة وهم الذين يملك الفرد منهم اقل من اربعين وبالتالى لاتؤخذ منهم زكاة.
- متوسطى الرعاة وهم الذين يملك الفرد منهم ما بين اربعين الى اربعمائة شاة وتؤخذ منهم الزكاة حسب الفئات التى حددها المنشور
- اغنياء الرعاة: وهم الذين يملك الفرد منهم اكثر من اربعمائة.
سابعا : الجيش :
ويتكون من المراتب القيادية التالية : رأس الميه – المقدم – الجهادى – الملازمين – الانصارى أو الجندى ..
وكانت المرتبات تتفاوت على النحو التالى :
رأس الميه – خمسة ريالات وأردب ذرة في الشهر .
المقدم - ريال وثلث اردب في الشهر .
الجهادى - عشرة قروش وثمن اردب ذرة في الشهر .
الجندى الانصارى - خمسة قروش ( د . قدال : 176 ) .
أما زوجات الجنود واطفالهم فلم يحسبوا في تموينه الشهرى في بادئ الأمر ولكنهم ادرجوا مؤخرا فصرف للزوجة ربع ريال وربع اردب ذرة ، واضيفت نسبة ضئيلة للأطفال ، لهذا اصبح على كل ( رأس ميه ) أن يقدم قائمة بأسماء رجاله وزوجاتهم واطفالهم كل شهر لبيت المال حتى يتم الصرف على أساسها ، ولعل ضعف الدخل الشهرى للأسرة هو الذي دفع النساء للعمل في السوق واحيانا كان الجنود يهربون من الديم ويستمر الصرف لهم بينما كانوا يقومون بأعمال اخرى . ( نفسه : 176 ) .
ثامنا : الرقيق :
استمر نظام الرق في المهدية ، وبالتالى كانت هناك طبقة الرقيق، وان كان كبضاعة قل تداوله، وكان من وظائف الرقيق انه كان يستعمل احيانا كعملة : يستبدل بضائع أو يباع لكسوة الجهادية أو لسد حاجة المقاتلين وازالة ( ضرورات الانصار ) .
وأغلب الرقيق كان يعمل في الزراعة والرعى والأعمال المنزلية مثل : الطحن ، حمل الماء ، وتتخذ النساء الصغيرات كسرارى ، وكان الرقيق يعمل وفقا لعلاقات الإنتاج العبودية .
وحاصل القول:أن التفاوت الطبقي كان واضحا في أنماط الاستهلاك المستوردة التي كانت في سوق امدرمان وغيره والتي كانت تستهلكها الفئات الغنية والمتوسطة مثل اقمشة الدبلان، المرمر، الكرب، الزراق ، التيتل، والحرير الى كان يستعملها التجار والفئات المترفة .
ومن المأكولات مثل الارز والشاى والقمردين والسكر ، ومن العطور مثل : الصندلية والعطور الجافة ، وبعض المواد التى تستعمل في تحضير العطور المنزلية مثل المحلى والكركم . وبعض الكماليات مثل: كراسي الخشب ، فناجين القهوة ، كبابي الشاى ، معالق المعدن والصابون.
أما الفئات الفقيرة والمتوسطة فقد كانت تلبس الدمور والدبلان، وتستهلك الأطعمة المحلية ولم تعرف أنماط الاستهلاك الجديدة مثل : الشاى والسكر والصابون والقهوة وفناجين القهوة وكبابي الشاى . الخ
هكذا نصل الى أن فترة المهدية عرفت التفاوت الاجتماعي والتمايز الطبقي ، رغم شعارات العدالة الاجتماعية التى رفعت في بداية الثورة .

alsirbabo@yahoo.co.uk  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: هذه الفئة اکثر من

إقرأ أيضاً:

وزير الري: نصيب الفرد من المياه في مصر يصل لنصف خط الفقر العالمي

شارك الدكتور هانى سويلم وزير الموارد المائية والرى، فى فعاليات جلسة "الأمن الغذائي والمائي من أجل اقتصاد مرن" والمنعقدة ضمن فعاليات مؤتمر "الاستثمار المصرى الأوروبي".

وفى كلمته بالجلسة الحوارية ردا على سؤال "ما هى إنجازات وزارة الموارد المائية والري لمواجهة تحديات تغير المناخ و ندرة المياه".. أشار الدكتور سويلم لتحدى الزيادة السكانية وما يمثله من ضغط كبير على الموارد المائية المحدودة، حيث يبلغ عدد السكان 105 ملايين نسمة بالإضافة لحوالى 9 ملايين ضيف من اشقائنا المقيمين فى مصر، فى الوقت الذى يصل فيه نصيب الفرد من المياه فى مصر لحوالى نصف خط الفقر العالمى، وهو ما يدفعنا لإعادة استخدام حوالى 21 مليار متر مكعب سنويا من المياه، واستيراد محاصيل تكافئ حوالى 33.50 مليار متر مكعب سنويا من المياه.

بالإضافة لتأثيرات تغير المناخ على مصر سواء من الشمال من خلال ارتفاع منسوب سطح البحر والنوات البحرية التي تؤثر سلبا على الشواطئ والخزانات الجوفية بالمناطق الساحلية، أو من الجنوب من خلال التأثير الغير متوقع على منابع نهر النيل فى الوقت الذى تعتمد فيه مصر بنسبة 97% على نهر النيل لتوفير مواردها المائية المتجددة، بالإضافة لتأثير موجات الحرارة المرتفعة على استخدامات المياه داخل مصر وما يمثله ذلك من ضغط على المنظومة المائية خاصة عندما تتزامن مع فترة أقصى الإحتياجات المائية، وكذا زيادة الظواهر المناخية المتطرفة مثل السيول الومضية.

وللتعامل مع تحديات المياه.. أشار الدكتور سويلم لما تقوم به الوزارة من مجهودات لرفع كفاءة إستخدام المياه من خلال التحول للرى الحديث في الأراضى الرملية طبقاً لمواد قانون الموارد المائية والرى، وتشجيع المزارعين على التحول للرى الحديث فى مزارع قصب السكر والبساتين، فى نفس الوقت الذى تقوم فيه الدولة المصرية بتنفيذ مشروعات كبرى لمعالجة مياه الصرف الزراعى مثل محطة بحر البقر (بطاقة 5.60 مليون متر مكعب يومياً)، ومحطة الدلتا الجديدة (بطاقة 7.50 مليون متر مكعب يومياً)، ومحطة المحسمة (بطاقة 1 مليون متر مكعب يومياً)، وهو ما يضيف للمنظومة المائية في مصر حوالى 4.80 مليار متر مكعب سنوياً.

بالإضافة لتنفيذ مشروعات لحماية الشواطىء المصرية بأطوال تصل إلى 260 كيلومتر منها 69 كيلومتر منفذة باستخدام مواد صديقة للبيئة من خلال "مشروع تعزيز التكيف بالساحل الشمالى ودلتا نهر النيل".

وفيما يخص السؤال الخاص بتحديد دور شركاء التنمية والقطاع الخاص فى دعم قطاع المياه، خاصة فى ظل توقيع إتفاق الشراكة المصرية الأوروبية فى مجال المياه.. أشار الدكتور سويلم إلى أن مصر أصبحت مركز اقليمى هام لتبادل الخبرات والمعرفة وبناء القدرات بين الدول، مشيرا لمبادرة AWARe التى اطلقتها مصر فى مؤتمر COP27 والتى تعد منصة هامة لدعم الدول النامية وخاصة الدول الإفريقية فى مجال المياه والمناخ.

وأكد على اهتمام الوزارة بإنتهاج السياسات والحلول الخضراء والمستدامة، وتنفيذ المشروعات الصديقة للبيئة مثل "مشروع تعزيز التكيف مع التغيرات المناخية بالساحل الشمالي ودلتا نهر النيل" والذى يتم الترتيب لإطلاق مرحلة ثانية له، ودراسة نقل الرمال من منطقة الدلتا البحرية لتغذية أماكن النحر بالمناطق الشاطئية، وتأهيل الترع بمواد صديقة للبيئة، وتحسين عملية إدارة المياه بالتحول من استخدام المناسيب لإستخدام التصرفات فى إدارة المياه.

وأشار لما تحقق من طفرة كبيرة خلال الفترة الماضية فى تشكيل روابط مستخدمى المياه والتى وصلت إلى 6000 رابطة، كما تم إجراء انتخابات لممثلى الروابط على مستوى المراكز والمحافظات والجمهورية، حيث يعد تشكيل هذه الروابط احد اهم أدوات التعامل مع تحدى تفتت الملكية الزراعية من خلال تجميع الإدارة - وليس الملكية - بما يسهم فى تعزيز التنسيق بين المزارعين على نفس الترعة فى توزيع المياه واستلام الأسمدة والبذور وبيع المحاصيل وغيرها، مضيفا أن تجميع المزارعين على نفس المجرى فى كيان مؤسسى واحد سيمكن الوزارة والمستثمرين والقطاع الخاص من التعامل مع كيان واحد عند التحول للرى الحديث أو إستخدام الطاقة الشمسية لرفع المياه فى الاراضى الزراعية، وهو ما سيكون للقطاع الخاص دور هام فيه.

وأوضح أنه ومع استمرار الزيادة السكانية بحوالى 2 مليون نسمة سنويا وثبات الموارد المائية التقليدية، فهناك حاجة ماسة للإستمرار فى إعادة إستخدام المياه والتوسع فى إنشاء محطات الخلط الوسيط خاصة فى النقاط الساخنة.

وأكد الدكتور سويلم على أهمية التوسع فى البحث العلمى فى مجال تحلية المياه للإنتاج الكثيف للغذاء على غرار التجربة الناجحة لدولة المغرب الشقيقة، شريطة البحث عن حلول تسهم فى تقليل تكلفة الطاقة المستخدمة فى عملية التحلية وبما يجعل من التحلية للإنتاج الكثيف للغذاء ذو جدوى إقتصادية.

وأشار لضرورة استمرار التعاون الاستراتيجى بين مصر والإتحاد الأوروبى فى ظل ما تمتلكه الدول الأوروبية من تكنولوجيا متقدمة، وما تتمتع به مصر من موارد وامكانات، حيث تعد مصر واحدة من أكثر دول العالم من حيث السطوع الشمسى وتوفر الرياح بسرعة مرتفعة في عدة مناطق بمصر، وهو ما يسهل من عملية إنتاج الطاقة والهيدروجين الأخضر فى مصر بصورة ذات جدوى إقتصادية.

مقالات مشابهة

  • بداية من الغد.. صرف الإعانة الشهرية لهذه الفئة
  • 400 لتر حصة الفرد البغدادي من المياه يومياً.. ماذا عن نسبة الهدر؟
  • التيار الحرام
  • وزير الري: نصيب الفرد من المياه في مصر يصل لنصف خط الفقر العالمي
  • أنصر جيشك ظالماً أو مظلوماً
  • اتحاد المصريين مهنئاً السيسي: 30 يونيو أعادت أبنائنا بالخارج لأحضان الوطن
  • أسعار ومواصفات سيارة بي ام دبليو M850i BMW
  • بترجي: فهد بن نافل هو الرئيس الوحيد الذي يملك الصلاحيات .. فيديو
  • أشرف سنجر: ثورة 30 يونيو أعادت هيبة الدولة
  • خطة بـ40 مليار دولار.. كيف نجحت مصر في التحول للاقتصاد الأخضر؟