كشف الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، المقصود بحديث النبي صلى الله عليه وسلم : (الإيمان بضع وسبعون -أو بضع وستون- شعبة فأفضلها قول (لا إله إلا الله) وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) [رواه مسلم].

ما المقصود بأدنى شعب الإيمان؟ 

ولفت في الحديث "وأدناها -أي أدنى الشعب- إماطة الأذى عن طريق الناس"، وانظر إلى هذا التوافق بين أعلى الشعب وبين أدناها، فإن الله سبحانه وتعالى في عليائه يأمرنا بالخير، وينهانا عن الشر، ويربط أفعالنا بالإيمان به، وإماطة الأذى عن طريق الناس خير يتعدى إلى الآخرين في نفسه، ولكنه يلزم منه شيء مسكوت عنه، وهو في قوة المصرح به، وهو أن الإنسان لا يضع الأذى في طريق الناس، حيث إنه مأمور أن يزيل ذلك الأذى إذا ما وجده، فما بالك أن يكون سببا في وضعه، وإماطة الأذى عن طريق الناس.

 

وأضاف: الامتناع عن وضع الأذى في طريق الناس قد يتعلق بالأفراد، وهو حينئذ من مكارم الأخلاق، ولكنه أيضا قد يتعلق بالمفاهيم الإنسانية، وهو حينئذ من الواجبات التي تخلقت بها الحضارة الإسلامية؛ ولذلك لم يهلك المسلمون الحرث حتى نصل إلى حالة التصحر، لم يقتلعوا الغابات، لم يقتل المسلمون طائفة من الحيوان إلى حد الإبادة كما حدث في تجارة العاج مع الأفيال، لم يلوث المسلمون الكون من حولهم بالعوادم وبغاز الفريون حتى يتسبب ذلك في ثقب الأوزون، بل إنهم عاملوا الكون على أنه يسبح، وعلى أنه يسجد، وعلى أنه مخلوق من خلق الله، وعلى أن المسلم يسير في تياره معه، فيسبح ويسجد لله.

وأشار إلى أن إماطة الأذى عن طريق الناس وعدم وضع الأذى في طريق الناس بالتالي، قد يتعلق بالأمم ولذلك لم نر في تاريخ المسلمين تميزا عنصريا، ولم نر في تاريخهم إكراها بدنيا، ولم نر في تاريخهم تفتيشا على الأفكار، ولم نر في تاريخهم إبادة للشعوب، ولم نر في تاريخهم حرمانا للمعرفة، ولم نر في تاريخهم طبقات اجتماعية، ولا دما أزرق يجري في عروق أحد منهم، مهما كان.

وقال عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر إن الربط بين الشعبة العليا في الإيمان، والشعبة الدنيا في الإيمان فيه ربط يذكرنا مرة ثانية بتلك الدائرة، التي تدل على اللانهائية حتى ولو كانت محدودة، فإننا لا ندري بداية الدائرة من نهايتها، ومن هنا فإنه يمكن البدء من أي مكان فيها، فنصل بالسلوك والسير إلى منتهاها، وهذا كما أشرنا من قبل يدل على السهولة التي خاطب بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم الناس وكيف أنها تصل بنا عند تطبيقها إلى قمة الفائدة على مستوى الفرد والمجتمع والأمة.

علي جمعة: أفضل شعب الإيمان 4 كلمات وأدناها هذا الفعل

كما أن للإيمان أركان فله شعب كذلك وخصال، وشعبه كثيرة جدًا أجملها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله، مضيفا: ولقد تتبع المسلمون شعب الإيمان، فرأينا الإمام البيهقي وهو يؤلف كتابه الجامع المانع الماتع، الجامع لشعب الإيمان ويبدأ في تفصيل هذه الشعب وفي تتبعها، وفي تتبع نصائح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنها في أوامره ونواهيه وإرشاداته، وأصبح كتابه بالإضافة إلى ذلك المجهود الذي فصل فيه تلك الشعب، التي أجملها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كلامه البليغ الفصيح في الحديث، أصبح مرجعًا من مراجع الكتب المسندة في علم الحديث رواية ودراية، وهكذا خدم المسلمون محور حضارتهم.

وألف في شعب الإيمان جماعة من العلماء منهم : الإمام الحليمي إلا أن كتاب الجامع للبيهقي وقد طبع في نحو 15 مجلدًا هو الأكبر على مر التاريخ، فعندما طبع كتاب الحليمي رأيناه في ثلاث مجلدات. 

وفكرة أن الإيمان شعب، فكرة تدل في حد ذاتها على إدراك لطبيعة الإنسان، فإن نفسية الإنسان في غاية التركيب والتعقيد بحيث إن كلمة شعب تتناسب معها، وتصفها بدقة بليغة، وفكرة أن هذه الشعب لها أعلى ولها أدنى، ولها عدد تحتاج إلى وقفة للتأمل والتدبر والاستفادة، فأعلى هذه الشعب (لا إله إلا الله) وهي القضية الأساسية التي تجيب على أسئلة الإنسان الكلية، وتخرجه من الحيرة والمتاهة وتخرجه من الانغماس في نفسه أو في الدنيا، وتجعله دائمًا مؤمنًا بالغيب، ومؤمنًا بالشهادة معًا، وهذا هو المحك الأول الذي سوف يترتب عليه كثير من المواقف والآراء بإزاء كل مجالات الحياة، فإن تصرفات المؤمن بالله، المعتقد في التكليف، المصدق بيوم القيامة وبالحساب، الذي يعرف أن هناك دائرة للحلال ودائرة للحرام تختلف تمامًا عن تلك النفس التي تنحي قضية الألوهية وتغفل عنها، حتى يصل بها الأمر إلى إنكارها في بعض الأحيان، أو عدم اللجوء إليها إلا عندما يحاصر الإنسان بالأمراض والأسقام والهموم للفرح، حتى صار نسيان الله عند أولئك وأيضا نسيان حقيقة الموت هو الوجه الآخر للفرح والسرور، ذلك الفرح المذموم الذي يختلف اختلافا بينًا عن الفرح المحمود، والذي قال الله فيه (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الفَرِحِينَ).

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: علي جمعة الدكتور علي جمعة هيئة كبار العلماء شعب الإيمان الإيمان شعب صلى الله علیه شعب الإیمان

إقرأ أيضاً:

د. يوسف عامر يكتب: قصة مهاجرة

إنها السيدةُ «هند بنت أبى أُمية» ابنةُ عمِّ سيدِنا خالدِ بنِ الوليدِ، رضى الله عنهما، التى اشتهرتْ بكنيتِها «أم سلمة»، التى صارتْ فيما بعد أُماً للمؤمنين حينَ تزوجَّها سيدُنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بعد أن مات زوجُها فنشأَ أبناؤُها فى كنَفِهِ، صلى الله عليه وسلم.

وكان زوجها قبل ذلك هو سيدنا عبدالله المعروف بأبى سلمة، وهو أخو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الرضاعة، وقد هاجر الزوجان معاً إلى الحبشة حين أذن سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لصحابته بالهجرة إليها، ثم عادا إلى مكة، ولما أذن سيدنا صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة خرج الزوجان ومعهما ولدهما سلمة للهجرة، وأعدَّ الزوجُ بعيراً يحملُ عليه زوجتَهُ وولدهما «سَلَمةُ»، وخرج يقود البعير، ولكن اعترضه رجال من قومِ أُمِّ سلمَة، فقالوا: هذه نفسُكَ غلبتنا عليها، أرأيتَ صاحبتَكَ [زوجتَك] هذه.. علامَ نتركُكَ تَسيرُ بها فى البلاد؟! قالت: فنزعوا خِطامَ [زمام] البعيرِ من يده، فأخذوها منه!

وحينئذٍ غضب قومُ أبى سلمَة، فقالوا: لا واللهِ لا نتركُ ابنَنَا [الطفل سلمَة] عندَها إذ نزعتموها مِن صاحبِنا!

وتقصُّ علينا السيدة أم سلمة، رضى الله عنها، ما وقع فتقول: فتجاذبوا ابنى سَلمَةَ بينهم حتى خلعوا يده، وانطلق به بنو عبدِ الأسد، وحبسنى بنو المغيرة عندَهُم، وانطلق زوجى أبوسلمة إلى المدينة، ففُرّقَ بينى وبين زوجى وبين ابنى.

قالت: فكنتُ أخرجُ كلَّ غداةٍ [صباح] فأجلسُ بالأبطحِ [موضع]، فما أزال أبكى حتى أُمسِى سَنَةً أو قريباً منها، حتى مرَّ بى رجلٌ من بنى عمّى، فرأى ما بى فرحمَنِى، فقال للقوم: أَلَا تُخرجونَ هذهِ المسكينةَ؟! فرَّقْتُم بينَها وبينَ زوجِها وبينَ ولدِها! فقالوا لى: الحقى بزوجِكِ إنْ شئْتِ.

وعند ذلك ردَّ عليها قوم زوجِها ولدها سلمة، تقول رضى الله عنها: فارتحلتُ بعيرِى «وضعت عليه ما تحتاجه للركوب والرحيل» ثم أخذتُ ابنى فوضعتُهُ فى حجرى، ثم خرجت أريدُ زَوجى بالمدينة، وما معى أحدٌ مِن خَلْقِ اللهِ.

فقلتُ: أَتبلّغُ بمَن لقِيتُ حتى أقدمَ على زوجى، حتى إذا كنتُ بالتنعيمِ [موضع] لقيتُ عثمانَ بنَ طلحةَ [ولم يكن حينئذٍ مسلماً، وأسلم بعد ذلك] فقال لى: إلى أينَ يا بنتَ أبى أُميّة؟ فقالت: أريدُ زوجى بالمدينةِ. قال: أَوَمَا معكِ أحدٌ؟ فقالت: لا واللهِ، إِلَّا اللهُ وبُنَىَّ هذا. قال: واللهِ ما لكِ مِن مَتْرَكٍ. فأخذ بخطام البعير فانطلق معى، فو اللهِ ما صحبْتُ [أى فى السفَرِ] رجلاً من العربِ قطُّ أرى أنه كان أكرمَ منه، كان إذا بلغَ المنزلَ أناخَ بى، ثم استأخرَ [ابتعد] عنّى، حتى إذا نزلتُ استأخرَ ببعيرِى، فحطّ عنه [أنزل ما على ظهره من متاع]، ثم قيَّده فى الشجرة، ثم تنحى عنى إلى شجرة، فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرَّوَاحُ قام إلى بعيرى فقدَّمه فرحَلَهُ، ثم استأخر عنى، وقال: اركبى. فإذا ركبتُ واستويتُ على بعيرى أتى فأخذ بخطامه [بزمامه] فقاده، حتى ينزل بى. فلم يزل يصنع ذلك بى حتى أقدمنى المدينة، فلما نظر إلى قرية بنى عَمرو بن عوفٍ بقُباء، قال: زوجُكِ فى هذه القرية، فادخليها على بركةِ الله. ثم انصرفَ راجعاً إلى مكة. فكانت تقول: والله ما أعلمُ أهلَ بيتٍ فى الإسلامِ أصابهم ما أصابَ آل أبى سلمَة، وما رأيتُ صاحباً قط كان أكرمَ مِن عثمانَ بنِ طلحة.

* رئيس لجنة الشئون الدينية والأوقاف بـ«الشيوخ» ورئيس قناة «الناس»

مقالات مشابهة

  • د. يوسف عامر يكتب: قصة مهاجرة
  • مفتي الجمهورية لـ «الأسبوع»: من حق المرأة تولي منصب الإفتاء إذا توافرت فيها هذه الشروط (حوار)
  • سر كلمات أوصى بها النبي.. «حياتك هتتغير لو حرصت عليها»
  • دعاء دخول المسجد كما ورد عن النبي.. «اللهم افتح لي أبواب رحمتك»
  • سنن الجمعة المهجورة.. أعمال مستحبة لها فضل عظيم
  • يمن الإيمان يجسِّد أروع صور التلاحم مع قضية المقدسات الإسلامية
  • فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
  • الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم..آداب يوم الجمعة
  • وزارة الأوقاف المصرية من جمعة للأزهري.. ما الجديد؟!
  • رأس السنة الهجرية ١٤٤٦.. قصة الهجرة النبوية للأطفال