واشنطن: تضع وزير داخلية السودان السابق أحمد هارون ضمن قائمة مجرمي الحرب
تاريخ النشر: 29th, January 2024 GMT
أعلنت الخارجية الأميركية، اليوم الاثنين، أن واشنطن وضعت أحمد محمد هارون، وزير الداخلية السوداني السابق في حكومة عمر البشير، في برنامجها لمكافآت الإرشاد عن المشتبه بارتكابهم جرائم حرب، الذي يقدم مكافآت تصل إلى خمسة ملايين دولار.
وأضافت الوزارة أن هارون الذي كان وزيرا إبان حكم عمر البشير مطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية لارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يُزعم أنه ارتكبها في دارفور بين 2003 و2004.
ويُعتبر أحمد هارون (58 عاما)، الذي عمل مساعدا للبشير وقبلها وزيرا وواليا، أبرز قادة الحركة الإسلامية السودانية التي دبّرت الانقلاب العسكري عام 1989م.
وفي الأعوام الأخيرة لحكم التنظيم الإسلاموي بالسودان، ظهر هارون كأحد أفراد الدائرة الضيقة حول الرئيس المخلوع. حينها اكتسب هارون ثقة عمر البشير الذي استعان به لإنقاذ قارب حكمه المشارف على الغرق وسط الطوفان الثوري الهادر.
ففي فبراير 2019م، أي قبل أقل من شهرين على سقوطه، اضطر البشير تحت وطأة المد الجماهيري، لنقل سلطاته في رئاسة حزب المؤتمر الوطني الحاكم إلى هارون، ولم يمض وقت طويل حتى أصدر البشير قرارا جديدا في مارس 2019 بتعيين هارون مساعدا له. قبلها تقلد أحمد هارون حقائب وزارية، كما تولى منصب والي جنوب كردفان وشمال كردفان.
مسؤول عن كارثة دارفور
كما يعد أحمد هارون أحد القادة المسؤولين عن الكارثة الإنسانية في دارفور التي هزت الضمير الإنساني، ووصفت بأنها أسوأ كارثة إنسانية في القرن الحادي والعشرين.
ولم يقف سجله الإجرامي هناك، بل امتد للخرطوم إبان الثورة ضد نظام البشير، حيث كشف تخطيطهم لفض الاعتصام أمام القيادة العامة بالقوة حسبما ذكر الإمام الصادق المهدي في شهادته: "أحمد هارون قال لنا إنه قد اتخذ القرار لفض اعتصام القيادة بالقوة".
خلف جدران سجن كوبر
لاحقا اعتقل هارون بعد سقوط النظام البائد وظل مخفورا خلف جدران سجن كوبر بالخرطوم بحري حتى فراره منذ أيام مع بقية قادة التنظيم الإسلاموي، قبل أن يتصدر واجهة الأحداث بمقطع صوتي مُثير للجدل.
وتلقى أحمد محمد هارون تعليمه الابتدائي والمتوسط بمدرسة الأبيض الأهلية ثم الثانوي بمدرسة خور طقت الثانوية حيث برزت أثناء الدراسة الثانوية شخصيته القوية كواحد من القيادات الطلابية، الأمر الذي أهله لتولي رئاسة الداخلية، وفي أثناء دراسته الثانوية التحق بتنظيم الاتجاه الإسلامي، واستمر في العمل التنظيمي عند التحاقه بالدراسة الجامعية في مصر وفي هذه الفترة برز أحمد هارون ككادر خطابي مفوَّه وقائد طلابي، حيث تولى رئاسة اتحاد الطلاب السودانيين في مصر.
تخرج هارون في كلية القانون/جامعة القاهرة عام 1987م.
وعاد إلى السودان ليلتحق بالسلطة القضائية، حيث عمل قاضياً لفترة قصيرة، قبل أن يتم اختياره ليعمل وزيراً للشؤون الاجتماعية في ولاية جنوب كردفان.
وزير موالٍ للسلطة
حينها برز أحمد هارون في مهمته كوزير موالٍ للسلطة، وتبعا لذلك جرت ترقيته إلى وظيفة أعلى، إذ تم تعيينه منسقاً عاماً للشرطة الشعبية، وهي قوة شبه عسكرية تتبع لوزارة الداخلية وتستعين بها في بسط الأمن.
عام 2003م تم تعيين أحمد هارون وزير دولة بوزارة الداخلية، ومسؤولا عن مكتب دارفور الأمني، بالفترة التي شهدت اشتداد أوار الصراع الدامي في إقليم دارفور، وتفاقم الأزمة الإنسانية بطريقة لم يسبق لها مثيل بالسودان.
ونسب إليه تجييش قوات الاحتياطي المركزي وتحويلها من مجرد شرطة لفض المظاهرات ومكافحة الشغب لجيش صغير، لاستخدامه كعصا لتأديب من يصفهم بـ"المتمردين في دارفور"، ولم يقف الرجل عند تجييش قوات الاحتياطي المركزي فقط، بل زاد عليه بتكوين الشرطة الظاعنة التي استخدمت لذات الغرض، والتي قال عنها مني أركو مناوي رئيس حركة جيش تحرير السودان، وكان يشغل حينها منصب كبير مساعدي البشير.
وأثناء حفل تأبين لضحايا ما يعرف بـ"أحداث أم درمان" الذين قتلوا في اشتباكات دامية بين قواته والشرطة عام 2007م، إن حل الشرطة الظاعنة وإبعادها عن الإقليم كان على رأس قائمة مطالبهم أثناء المفاوضات مع حكومة الخرطوم في ذلك الوقت.
الثعلب الذي عهد إليه برعاية الدجاج!
بعد توقيع اتفاق سلام نيفاشا الذي أنهى أطول حرب أهلية بين شمال وجنوب السودان عام 2005 أعفي هارون من منصبه كوزير دولة بالداخلية، ليتحوّل إلى منصب وزير الدولة بوزارة الشؤون الإنسانية في سبتمبر 2005 م بالحكومة التي شُكلت بموجب اتفاق السلام الشامل. حينها قال لويس مورينو أوكامبو، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، تعليقه الشهير واصفا تعيين هارون وزيرا للشؤون الإنسانية بـ"الثعلب الذي عهد إليه برعاية الدجاج".
المصدر: الحدث.نت
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: أحمد هارون
إقرأ أيضاً:
الثالوث الذي دمر حميدتي
تظلّ دراسة الخصائص الشخصية والنفسية للقادة- مدنيين كانوا أم عسكريين، متفقين معهم كنا أم مختلفين- أمرًا مهمًا يكتسب أهمية قصوى في سياق الحاجة لمعرفة توجهاتهم وطرق تفكيرهم، وهو ما يساعد على القراءة والتنبّؤ بخطواتهم اللاحقة وبكيفية تعاملهم مع المواقف والأحداث.
وحين تكون الشخصية محل الدراسة، مؤثرة في حياة الناس سلبًا أو إيجابًا تزداد أهمية ذلك، فعلم النفس حول سلوك وسمات القادة الفعّالين، يكشف كيف يؤثر القادة على مواقف أتباعهم وسلوكياتهم وأدائهم.
تلك كانت مؤشرات الدراسات الاجتماعية والنفسية حول القادة، وهنا نحن أمام حالة ربما يعجز حتى علم النفس الحديث عن سبر أغوارها وتناول شخصيتها التي حطّت رحالها على عجل في المشهد السياسيّ والعسكريّ السوداني، فهي بلا تاريخ ولا حيثيات مقنعة لتتصدر كلّ هذا المشهد، ولتلعب كل هذه الأدوار الخطيرة والمدمرة.
إنها شخصية قائد مليشيا الدعم المتمرد السريع محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، ومن خلال هذا المقال تلمس نشأتها في بواكير حياتها الأولى ليتضح من غير عناء أن شخصيته كانت أقرب (للمادة الخام) التي لم تُستصلح خامتها بالتطوير ولم تكتسب قيمتها بالإضافة.
فهو لم ينل حظًا وافرًا من التعليم، فقط مجرد إنسان بدوي بسيط على سجيته اكتسب شيئًا من طبائع البادية، حيث يولد الناس هناك أغلبهم أذكياء بالفطرة وشجعان بالميلاد، تطغى فراستهم على خوفهم وصدقهم على كذبهم، ورعايتهم للعهود على خيانتهم لها، بهذه الشخصية (الخام) وبكثير من الطموح القاتل الناتج عن الحرمان، ولج حميدتي المدن ودخل العواصم، ثم رأى الحضر وأهله لتختلط عليه الأمور متناسيًا البادية وأهلها، ومتخلّيًا عن طبائعها.
إعلانوحول أخلاق أهل البادية يرى ابن خلدون أنها في المجمل مكان لجملة من الفضائل الإنسانية فيقول: (البدو أقرب إلى الخير من أهل الحضر وإن البادية أصل العمران، والأمصار مدد لها)، ثم يرى في كتابه أن الحضارة (تضعف من يملك أسبابها، ويستسلم لنعيمها، فتفسد الحضارة طبعه، ويستولي عليه الترف، فيفسد ويضمحل). وفي فصول أخرى، يبدأ ذمَّه لبعض حالات البداوة، وانتقاصه من شأنها.
بهذه الخصائص الشخصية والأوصاف النفسية دخل الجنرال في الدنيا الجديدة بكل تعقيداتها وتشعباتها العصية على مدارك فهمه وقدرة استيعابه، هناك حيث عِلية القوم وأكابر الناس، وحيث القادة العسكريون الحقيقيون تملأ النجوم والنياشين أكتافهم، تفتح لهم الأبواب وتصطف لهم طوابير الشرف، فيها رأى أصحاب المال والأعمال وخالط الأثرياء واحتك بالعوائل الغنية.
في هذا العالم الجديد حيث مباهج الحياة ومغرياتها، دخل الجنرال في متاهة عميقة من الحوار العنيف بينه وبين نفسه، يحاورها ويستمع لصداها وهو يريد أن يكون كلَّ هذا؛ قائدًا عسكريًا عظيمًا كتفًا بكتف مع الجنرالات عبود وسوار الذهب والنميري والبشير والبرهان، ورأسماليًا كبيرًا يكنز الأموال ويحتكر الأعمال، يشيد المصانع ويناطح الأثرياء، يريد أن يصبح زعيمًا سياسيًا ضخمًا له من الأتباع ما يبزّ الترابي وآل المهدي وآل الميرغني.
باختصار، إنه يرغب في أن يكون كل شيء وبأقصى سرعة. فإذا كان قد وجد الطريق سالكًا نحو مقعد الرجل الثاني في الدولة، فلمَ لا يكون الأول فيصبح رئيسًا للسودان، كل السودان بمثقفيه ونخبه وعلمائه وجامعاته، بتاريخه ونضالاته، من لدن مملكة سنار وسلطنة دارفور إلى المهدية وجمعية اللواء الأبيض، ومنذ مثقفي نادي الخريجين ولحين مأثرة رفع الأزهري والمحجوب لعلم دولة 56 على سارية الاستقلال.
لِمَ لا، وقد اجتمع له ما لم يجتمع لغيره؛ المال والرجال، والسلاح والنفوذ، وفوق هذا وذاك الوهم الذي بلغ به حدًّا جعله يعتقد أن أي شيء في السودان قابل للبيع والشراء، الذمم والمواقف، الرجال والنساء، ما دام أن مناجم ذهبه لا تنضب، لقد وصل حمدان إلى نقطة اللاعودة.
إعلانهذه الشخصيات المتعددة في جلباب حميدتي والتي تعيش داخل نفسه سوّلت له أمره وصنعت تلك الشخصية الجديدة المتخلقة (الهجين) التي تمسي هنا وتصبح هناك، تصالح اليوم وتعادي غدًا، تدخل في هذا الحلف وتنشئ غيره، تقول الشيء وتفعل ضده.
الشخصية الهجين هذه كانت أسيرة لثلاثية الجهل والمال والطموح، فاندفعت وانتفخت للحد الذي قادها لتنفجر على نفسها، ظن حمدان أن بمقدوره أن يتملك السودان بأرضه وشعبه وتاريخه، وأنه سيتوج نفسه أميرًا عليه.
كانت تلك سمات شخصيته المزهوة التي عبر عنها بعد يومين من اندلاع الحرب بكل غرور الدنيا وصلف العالمين حين قال: (البرهان ما عندنا معاه كلام، يسلم بس، وكان ما سلم بنستلمه).
كان حميدتي في داخله مفتونًا بالنخبة السودانية بوعيها وتاريخها وأرستقراطيتها وأمجادها وبأسلوب حياتها، واجتهد ما وسعه الجهد في مجاراتها، وعندما رأى نفسه صفرًا في مكيال التعليم وميزان الثقافة امتلأ حقدًا عليها، وراح يتعالى بالنياشين الكذوبة على كتفه ويظهر ذلك الحقد في تصريحه الشهير قبيل الحرب مهددًا سكان العاصمة الخرطوم: (لو قامت الحرب، عماراتكم السمحة دي إلا تسكنها الكدايس)، يقصد القطط.
كما قال الدكتور مصطفى محمود: فإن أشق الحروب هي حرب الإنسان مع نفسه، وهذا عين ما فعله حمدان بنفسه، من النعيم إلى الجحيم، ومن سعة الدنيا إلى ضيقها، من الاستحواذ على كل شيء إلى لا شيء.
ومن عجب أن المباهج ومغريات المدن لم تنسِه البادية وحدها، بل أنسته حتى طباعها التي جُبلت على مكارم الأخلاق، حين خاض حربه بلا أخلاق ولا مكارم، لم يكن حمدان ومرتزقته رجالًا ولا فرسانًا حيث خاضوا حربهم بأكثر درجات الجبن والنذالة، حرب الاستباحة لأملاك الناس والتعدي على حقوقهم وحرماتهم، هكذا كانت حرب الجنجويد من النوع البشع الغارق في الرذائل.
الآن أكملت حرب الجنجويد على السودانيين عامها الثاني، وهي تمضي نحو خواتيمها، إلى طردهم وإنهاء أسطورة حميدتي، الذي لم يتمكن من استلام البرهان ولا من حكم السودان، بل انتهى إلى مصير غامض ما بين هارب متخفٍ من ميدان المعركة إلى ميت لا وجود له إلا من خلال فيديوهات قصيرة، يعتقد أغلب السودانيين تهكمًا أنها مفبركة من إنتاج الذكاء الاصطناعي، بهدف خديعة جنوده بأن القائد معهم وبينهم في ميادين القتال يخوض المعارك.
إعلانلم يحقق حميدتي شيئًا، ولم ينجح في شيء إلا الهزيمة واكتساب كراهية السودانيين ولعناتهم التي ستلاحقه حيًا وميتًا، فمشاعرهم الغاضبة لن تغفر تلك الآلام وذلك البؤس الذي صنعه بهم، فهي لم تتفق مجتمعة على أمر كاتفاقها على كراهية حميدتي ومليشياته، للدرجة التي تحولت إلى مزاج شعبي ومجتمعي عام لن ينساها السودانيون، ولن تطويها الأيام.
انتهى حميدتي إلى كونه ظاهرة صوتية، تظهر من حين لآخر عند كل هزيمة كبيرة يلحقها به الجيش السوداني، يبدو فيها دائمًا في حالة مزاجية سيئة، يكيل الشتائم والسباب على الجميع بطريقة أقرب للتشنج والتوتر، ثم يُمَنِّي ما تبقى معه من مرتزقة بنصر قريب لكنه لا يأتي أبداً.
ولأن حميدتي لا يملك مشروعًا واضح المعالم، سياسيًا أو فكريًا، غير تلك الخطابات الارتجالية التي تندرج تحت بند الكلام الدارج الذي يقال أمام الناس وفقًا لما يطلبه المستمعون، والذي يقابله عادة الناس كفاصل درامي يلعب فيه حميدتي دور البطل المهرج، فقد كان وِفَاضُ القائد خاليًا من أن يقدم مشروعًا متكاملًا يوازي أحلامه العريضة ورغبته الجامحة في حكم السودان.
المشروع الوحيد عند حميدتي هو مشروعه الشخصي القائم على الطموح الجامح، وحتى هذا كان أمرًا هلاميًا بلا سيقان أو هوية محددة تمكنه من التنفيذ، فغاب بالتالي مشروعه بغيابه هو كقائد، وانتهى كل شيء، الأحلام والأماني والقوات التي لا تُقهر ولا تخسر، وتبقت جزر المليشيا معزولة ومقهورة، تنتظر مصيرها المحتوم بالموت والهلاك.
كان ذلك هو مشروع حميدتي الهلامي، الذي ما استقرت له وجهة، ولا عُرف له مؤيدون، سوى من تم شراؤهم بحفنة معدودة من المال، سقط هذا المشروع بسقوط صاحبه، وشيِّع أتباعه ملفوظين من المجتمع السوداني السليم.
انتهى حميدتي، وانتهت قواته، وبقي السودان، رغم ما به من جراح غائرة، وحريق ورماد، إلا أنه سينهض ويحلق في الفضاءات من جديد، كما يفعل طائر الفينيق، معلنًا عودته للحياة مرة أخرى، فإرادة الشعوب الحرة لا تنكسر، وعزائمها الأبية لا تخور.
إعلانالآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline