روبوت يتمدد جسمه حسب الطلب لدعم الإنقاذ وقت الكوارث
تاريخ النشر: 29th, January 2024 GMT
تحتاج فرق الإنقاذ وقت وقوع الكوارث إلى التأكد من وجود أحياء تحت الأنقاض، وهي عملية صعبة تستغرق جهدا ووقتا طويلين، لكن فريقا بحثيا مشتركا من المعهد الإيطالي للتكنولوجيا، وجامعة مونبلييه بفرنسا، وضع خطوة مهمة على طريق توفير الدعم التقني لهذه الجهود، وذلك عبر الإعلان عن نموذج أولي لروبوت على شكل ثعبان يستطيع القيام بهذا الدور.
والروبوت الجديد يعتمد على تقنية مبتكرة استلهمها الباحثون من النباتات، وتتيح له أن يقرر بشكل مستقل متى يمدد جسمه، ومقدار هذا التمدد بناء على البيئة المحيطة به، بحيث يستطيع حينها الوصول إلى أماكن يصعب على الروبوتات التقليدية الوصول لها.
وقال الباحثون في شرحهم لتفاصيل تلك التقنية في دراسة نشرتها دورية "ساينس روبوتكس": إنهم نجحوا في تجاوز سلبيات المحاولات السابقة لعلماء آخرين حاولوا إنتاج روبوتات متنامية (أي ينمو جسمها حسب الحاجة). ووصف خبير استطلعت "الجزيرة نت" رأيه، ما فعله الباحثون بأنه يحمل ميزات وقدرات واعدة للتطبيق.
تقنيتان سابقتان لم تنجحاواستخدم الباحثون في المحاولات السابقة لتصنيع الروبوتات المتنامية أسلوبين رئيسيين، كان لكل منهما مشاكله:
أولا- انقلاب الجلد المدفوع بالهواء المضغوط:وفيه يكون الروبوت عبارة عن هيكل آلي ناعم يشبه أنبوبا مجوّفا مصنوعا من مادة مرنة، ويتم ضغط الجزء الداخلي من الأنبوب بالهواء أو الغاز، ومع زيادة الضغط تبدأ المادة المرنة التي تشكل جدران الأنبوب في الانقلاب من الداخل إلى الخارج.
وواجه هذا النهج عده تحديات في تحقيق حركة فعالة في بيئات ثلاثية الأبعاد غير منظمة، وبالتالي كانت هناك قيود تتعلق بالقدرة على التكيف والاستجابة للظروف المتغيرة.
ثانيا- أنابيب الاستطالة المضغوطة:ويتكون الروبوت المصنوع بهذا الأسلوب من أنابيب مرنة مرتبة في تكوين معين، وتتمتع هذه الأنابيب بالقدرة على الاستطالة أو التمدد عند الضغط على أجزائها الداخلية، وتكون الأنابيب في البداية بحالة استرخاء أو تقلص، وعند إدخال سائل مضغوط (مثل الهواء أو غاز آخر) إلى الأنابيب، فإن الضغط يؤدي إلى استطالتها.
ولم يحقق هذا النهج النجاح بسبب تحديات في إمكانية التحكم في عملية الضغط لتحقيق استطالة دقيقة تحقق الغرض، وضمان سلامة هيكل الأنابيب تحت الضغط.
آلية قمة البراعم.. روبوت جديدوللتغلب على هذه التحديات، استلهم الباحثون من المعهد الإيطالي للتكنولوجيا وجامعة مونبلييه بفرنسا، تصميم روبوت جديد اسموه "فيلوبوت" من النمو التكيفي للنباتات المتسلقة، بحيث يحاكي "آلية قمة البراعم" الموجودة في سيقان النباتات، مما أدى إلى نوع قادر على التنقل بكفاءة دون الحاجة إلى حركات مبرمجة مسبقا.
وتشير "آلية قمة البراعم" إلى الجزء العلوي من فرع النبات، حيث يحدث انقسام الخلايا النشط في النسيج الإنشائي، مما يؤدي إلى نمو وامتداد جسم النبات، وتشارك تلك الآلية في الإدراك الحسي الذي يوجه نمو النبات استجابة للمحفزات البيئية.
وتلعب المستقبلات الضوئية وخلايا استشعار الجاذبية الموزعة في جميع أنحاء قمة البراعم دورا في السلوكيات الضوئية (الاستجابة للضوء) والجاذبية (الاستجابة للجاذبية).
ووفق هذه الآلية الموضحة بالدراسة، فإن الروبوت "فيلوبوت"، سيكون قادرا على محاكاة النمو التكيفي والاتجاهي الملحوظ في النباتات حتى يتمكن من التنقل في البيئات غير المنظمة بشكل فعال.
وصُميم الروبوت لاستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد لإنشاء كتلة إضافية للجسم، مما يسمح له بالاستطالة، حيث يحتوي رأس الروبوت على حبر الطابعة ثلاثية الأبعاد، وهو نوع من البلاستيك يستخدم لطباعة مادة الجسم (حمض البوليلاكتيك)، ويحتوي الروبوت على أنبوب داخل جسمه يغذي الرأس.
ويتم برمجة الروبوت لينمو في اتجاهات محددة، مثل اتجاه الضوء أو ضد الجاذبية، ويوجد داخل الرأس إلكترونيات تستجيب للإشارات الصادرة عن أجهزة الاستشعار الخارجية الموجودة في الرأس، وتوفر هذه المستشعرات مدخلات للتحكم في مخرجات الطابعة، مما يسمح بإجراء تعديلات في معدل الدوران وكمية الحبر المزود، وتتيح هذه الآلية التحكم الدقيق في اتجاه ومعدل النمو، ويوجد في الجزء الخلفي من الروبوت قاعدة تحتوي على محبرة ومضخة ومصدر للطاقة.
ووفق ما جاء في الدراسة من تفصيل آلية عمل الروبوت، يتخيل أستاذ الهندسة الميكانيكية المتخصص في الروبوتات والنظم الذكية بجامعة المنوفية المصرية محمد مكي، آلية عمل الروبوت عند وقوع زلزال، ووجود حاجة إلى أدوات لدعم جهود البحث عن عالقين تحت أنقاض المنازل.
ويقول مكي في حديث هاتفي مع "الجزيرة نت": "في هذه الحالة سيتم توجيه الروبوت إلى مكان ما، ومع تحركه للأمام، يقوم الجزء الأمامي منه -باستخدام الطابعة ثلاثية الأبعاد- بمد جسمه عبر طباعة أجزاء إضافية منه للوصول إلى مناطق جديدة، وعند مواجهة الروبوت لأي عوائق، يمكن للجزء الأمامي منه طباعة أجزاء إضافية تسمح لها بالتنقل حول العائق، حيث بُرمج بأجهزة استشعار لاكتشاف العوائق أو الميزات المثيرة للاهتمام".
ويضيف أنه "عند وصوله للهدف، فقد يكون الروبوت مزودا بأجهزة استشعار مختلفة لاكتشاف علامات الحياة، مثل الحرارة أو الصوت أو الاهتزازات، ويمكن لهذه المجسات أن تساعد في التعرف على وجود ناجين تحت الأنقاض، وقد يُزود بقدرات اتصال لنقل البيانات في الوقت الفعلي إلى فرق الإنقاذ، ويمكن أن تتضمن هذه المعلومات موقع الناجين، أو تحذيرات عدم الاستقرار الهيكلي، أو غيرها من التفاصيل ذات الصلة التي تساعد في التخطيط لعمليات الإنقاذ".
5 نقاط.. دراسات لاحقةومع اعتراف مكي بأن الوصف التفصيلي لطريقة عمل الروبوت والتجارب التي أجريت عليه، تكشف أنه محاولة أبعد من المرحلة النظرية، مما يدل على ميزات وقدرات واعدة يمكن أن تجعله قابلا للتطبيق في العالم الحقيقي، لا سيما في البيئات غير المنظمة والصعبة، إلا أن ذلك لا يمنع من أن هناك بعض النقاط التي يتعين على الباحثين معالجتها لاحقا، ومنها:
أولا: كفاءة الروبوت في استخدام الطاقة، ومدى إمكانية وجود طرق لتعزيز كفاءتها من أجل التشغيل لفترة طويلة في الميدان. ثانيا: تحديد سعة الحمولة القصوى للروبوت، وكيف يمكن تحسينها لمختلف التطبيقات مثل حمل أجهزة الاستشعار أو الأدوات لمهام محددة. ثالثا: نظام اتصالات الروبوت، والتحسينات التي يمكن إجراؤها لنقل البيانات بكفاءة، خاصة في البيئات الصعبة. رابعا: مدى جودة الأداء في ظل الظروف البيئية المعاكسة، والتدابير التي يمكن اتخاذها لتعزيز مرونته في مواجهة عوامل مثل درجات الحرارة القصوى أو الرطوبة أو الحطام. خامسا: كيفية استجابة المستخدمين النهائيين المحتملين للروبوت، مثل متخصصي الإنقاذ، ومدى تفاعلهم معه في التطبيقات العملية، والتعليقات التي يمكن جمعها لتحسين قابليته للاستخدام.ويقول مكي: "من المرجح أن تتضمن الخطوات التالية للباحثين المزيد من الاختبارات والتحسينات والتعاون المحتمل مع الخبراء في المجالات ذات الصلة، لضمان التطبيق العملي الناجح للروبوت".
وتَعِد عالمة الروبوتات في المعهد الإيطالي للتكنولوجيا في جنوة إيمانويلا ديل دوتوري والباحثة الرئيسية في المشروع؛ بمزيد من الأبحاث التي تدعم جهود تطبيق الروبوت عمليا. وقالت في تقرير نشره موقع "نيتشر": "يمكن أن يجد هذا الروبوت يوما ما تطبيقات مثل مهام البحث والإنقاذ، أو غيرها من المواقف التي يتعين عليه فيها التنقل في بيئات لا يمكن التنبؤ بالعوائق التي توجد بها".
وتضيف أن النمو البطيء للروبوت، وفق الآلية المقترحة لتشغيله، يمكن أن يكون ميزة في مبنى منهار، فقد يساعد ذلك على تفادي التسبب بحركة الحطام غير المستقر".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ثلاثیة الأبعاد یمکن أن
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي يدخل عالم العلاج النفسي: المعالج الروبوت في خدمتك الآن
تحدث دراسة جديدة ضجة في مجال الرعاية النفسية، إذ كشفت أن روبوتات الذكاء الاصطناعي المدربة بطريقة علمية قد تتمكن من تقديم جلسات علاج نفسي بنفس كفاءة الأطباء البشريين، أو ربما أفضل في بعض الحالات.
نتائج الدراسة، التي نشرت مؤخرًا في مجلة نيو إنجلاند الطبية (The New England Journal of Medicine)، تمثل أول تجربة سريرية عشوائية يتم إجراؤها لتقييم فعالية العلاج النفسي عبر روبوتات الذكاء الاصطناعي.
نقص حاد في مقدمي الرعاية النفسيةصمم الفريق البحثي من جامعة دارتموث الأمريكية الروبوت العلاجي كحل مبتكر لمشكلة قديمة؛ النقص الحاد في عدد الأطباء النفسيين في الولايات المتحدة. وصرّح نيك جاكوبسون، الطبيب النفسي والباحث الرئيسي في الدراسة، قائلاً: "من الواضح أن البشر لا يمكنهم التوسع بشكل كافٍ لتغطية الاحتياجات".
وتشير التقديرات إلى أن هناك طبيبًا نفسيًا واحدًا فقط لكل 340 شخصًا في الولايات المتحدة، ما يفتح المجال لحلول تعتمد على الذكاء الاصطناعي لسد هذا العجز.
بدأ المشروع منذ أكثر من خمس سنوات، حيث قام الباحثون بتدريب روبوتهم على أفضل الممارسات السريرية. واستغرق الأمر وقتًا طويلاً من التجريب والخطأ قبل أن يتمكن الفريق من تطوير نموذج يُظهر نتائج علاجية فعالة.
وقال جاكوبسون: "النتائج التي حصلنا عليها تشبه إلى حد كبير ما نشاهده في أفضل التجارب السريرية المبنية على الأدلة في العلاج النفسي". وأضاف أن فعالية الروبوت كانت مماثلة لتلك الناتجة عن العلاجات التقليدية الأكثر تقدمًا.
تحسينات حقيقية في حالات الاكتئاب والقلقشملت التجربة نحو 200 مشارك يعانون من اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب والقلق، أو معرضين لخطر اضطرابات الأكل. تم تقسيم المشاركين إلى مجموعتين؛ إحداهما استخدمت روبوت الذكاء الاصطناعي لتلقي العلاج، بينما لم تتلق المجموعة الأخرى أي علاج. وأظهرت النتائج أن من استخدموا الروبوت حققوا تحسنًا ملحوظًا في أعراضهم النفسية.
رابطة قوية بين المريض والروبوتومن أبرز النتائج التي فاجأت الباحثين بحسب جاكوبسون هي قوة العلاقة التي نشأت بين المستخدمين والروبوتات العلاجية، حيث أشار إلى أن "المستخدمين طوروا شعورًا بالثقة تجاه الروبوت، وكأنهم يعملون مع معالج حقيقي على تحسين صحتهم النفسية".
ويعتبر عامل الثقة بين المريض والمعالج أحد أهم مؤشرات نجاح العلاج النفسي التقليدي.
بدون مواعيدميزة أخرى مهمة هي عدم وجود قيود زمنية. فبحسب جاكوبسون، لاحظ الفريق استخدام المرضى للروبوت في أوقات متأخرة من الليل لعلاج الأرق، والحصول على دعم فوري عند الحاجة، وهو ما يعزز من فعالية هذا النوع من العلاج.
مخاوف من الروبوتات غير المنظمةورغم إشادة العديد من الخبراء بهذه التجربة، إلا أن الجمعية الأمريكية لعلم النفس (APA) كانت قد حذّرت مؤخرًا من مخاطر استخدام روبوتات علاج نفسي غير خاضعة للرقابة أو التنظيم، حيث قد تؤدي إلى نتائج سلبية أو حتى إيذاء الذات.
لكن الجمعية أعربت عن رضاها تجاه النموذج الذي طوره باحثو دارتموث، نظرًا لتدريبه وفقًا لأفضل الأسس العلمية، واشتراك مختصين نفسيين في تطويره.
وقالت فايل رايت، مديرة مكتب الابتكار في الرعاية الصحية بالجمعية: "الروبوت العلاجي في هذه الدراسة يمثل نموذجًا لما كنا نأمل أن يبدأ به المطورون، فهو مبني على علم النفس، ويظهر نتائج فعالة وآمنة".
لا خوف على المعالجين البشريينورغم تقدم هذه التقنية، شددت رايت على أن المعالجين البشريين لن يتم استبدالهم في أي وقت قريب، خاصة في ظل النقص الحاد في عدد المتخصصين.
وقالت: "البلاد بحاجة إلى كل المعالجين الجيدين الذين يمكننا الحصول عليهم، سواء كانوا بشريين أو روبوتات".