رحيل الأحباب يدمي القلوب
تاريخ النشر: 29th, January 2024 GMT
حمد الحضرمي **
الموت حق على كل إنسان في الحياة، يقول تعالى "كل نفسٍ ذائقة الموت" (الأنبياء: 35) إلّا أن موت الأحباب ورحيلهم عن الدنيا يدمي القلوب، ويؤلم الأرواح، ويدمع العيون، ويضعف النفوس، فما لذة الحياة إلا مع من نحب ومن نرتاح لهم، أولئك الذين نسعد إذا حضروا، ونشتاق إذا غابوا أو رحلوا، ونتألم عند ذكراهم، ونتمنى أن نلقاهم، ونجلس معهم ونسمع كلامهم وننظر إليهم ولو للحظات، فما أصعب الحياة بعد فراق الأحباب، ولكن تبقى الذكريات التي جمعتنا بهم، وإن كان ذكراهم تؤلم القلب وتحزنه، لأنهم لن يعودوا إلينا، ولن نراهم بأعيننا مرة أخرى.
من منا في هذه الحياة لم يفقد عزيزًا عليه، أب أو أم، ابن أو بنت، أخ أو أخت، زوج أو زوجة، قريب أو صديق، الكل منا بلا شك فقد عزيزًا عليه، وإلى اليوم وهو يتألم لهذا الفراق، وعندما يتذكره يعتصر قلبه حزنًا عليه، ويرجو أن يعود إليه لأن فراقه صعب عليه، ولكنها سنن الله في الكون، فالميت لا يعود إلى الحياة، إلا يوم القيامة، وصدق القائل :
الموت بابًا وكل الناس يدخله // ياليت شعري بعد الباب ما الدار
فجائه الرد:
الدار جنة عدنٍ إن عملت بما // يرضى الإله وإن خالفت فالنار
هما محلان ما للناس غيرهما // فانظر لنفسك أي الدار تختارُ
فكيف لا يتذكر الإنسان أحبابه الذين فارقوا الحياة ورحلوا عنه وتركوه، وهو عاش معهم سنوات لا تنسى من الذاكرة والوجدان، فالجد والجدة كانوا عليه حنونين أكثر من والديه، والأب والأم كانوا بالنسبة له كعينيه، والزوج أو الزوجة جمع فيما بينهما المودة والرحمة، والأخ والأخت السند والمحبة، والابن والبنت الروح وروح الحياة، والقريب والصديق كانوا وقت الشدة أقرب الناس، هؤلاء وغيرهم من الأهل والأحباب لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ننسى ذكراهم ولحظات وأوقات جميلة جمعتنا بهم، وكلما اشتقنا لهم وتذكرناهم وهم تحت التراب، رفعنا أيدينا إلى رب السماء ودعونا لهم بالرحمة والغفران، وأن يجمعنا الله بهم في جنات النعيم.
ويتخيل الإنسان أحيانًا في خلولاته بأن أباه أو أمه أو عزيزًا عليه يجلسون بقربه وهم أحياء، يسلم عليهم ويقبل أيديهم، ويتحدث إليهم ويتحاور معهم، ويمازحهم ويضحك معهم، ويسمع نصائحهم وتوجيهاتهم إليه، ويوفر لهم طلباتهم، وهو في قمة السعادة والسرور، وفجاءة يلتفت على يمينه ثم على يساره، فلا يجد أباه أو أمه أو الشخص العزيز الذي كان يجلس بقربه ويتحدث إليه، فيتذكر بأنهم قد رحلوا عن الدنيا وفارقوا الحياة، وكل ما حدث كان ذكريات جميلة تمر على روحه وقلبه ونفسه فيعتقد بأنهم ما زالوا أحياء.
نعم بعض الآباء والأمهات والأحباب عنا قد رحلوا بأجسادهم ، ولكن هم باقون في قلوبنا ووجدننا، وتبقى ذكرياتهم لا تنسى للأبد، فهم عندنا أحياء يعيشون بيننا، لما بذلوله من العطاء والوفاء والكرم والسخاء، فالأب هو الحب والحنان والسعادة والأمان، غرس في أبنائه القيم والأخلاق، والأم أجمل وأرق وأطيب قلب في الدنيا، فراقها صعب لا يطاق وألم وحزن يتجدد كل يوم، فبالله عليكم كيف ننسى من ضحى بحياته لنعيش في أمن وأمان وسلام، وقدمنا لنا الحنان والعطف والمحبة والوئام لنحيا بعزة وكرامة، وسيظل هؤلاء الأحباب ذكراهم في قلوبنا، نتذكركم بالليل والنهار، وندعو لكم بالرحمة والمغفرة والرضوان.
** محامٍ ومستشار قانوني
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
لغز بلا أدلة.. الموت الغامض لأيقونة الفن.. من قتل سيد درويش؟
بعض الجرائم تُكشف خيوطها سريعًا، وبعضها يظل معلقًا لسنوات، لكن الأخطر هى تلك الجرائم التي وقعت أمام الجميع، ولم تترك وراءها أي دليل يقود إلى الجاني.
سرقات جريئة، اغتيالات غامضة، جرائم نفذت بإحكام، ومع ذلك، بقيت بلا حل رغم التحقيقات والاتهامات. كيف تختفي لوحة فنية لا تُقدر بثمن دون أن يراها أحد؟ كيف يُقتل عالم بارز وسط إجراءات أمنية مشددة دون أن يُعرف الفاعل؟ ولماذا تظل بعض القضايا غارقة في الغموض رغم مرور العقود؟
في هذه السلسلة، نعيد فتح الملفات الأكثر إثارة للجدل، ونسلط الضوء على القضايا التي هزت العالم لكنها بقيت بلا أدلة.. وبلا إجابات!
الحلقة الثامنة
كان صوته وقود الثورة، وألحانه نشيدًا للوطنية.. سيد درويش، العبقرى الذي غيّر وجه الموسيقى المصرية، رحل فجأة في ظروف غامضة، تاركًا خلفه إرثًا خالدًا، وسرًا لم يُكشف حتى يومنا هذا.
وُلد السيد درويش البحر في 17 مارس 1892 بمحافظة الإسكندرية، ونشأ بين أزقة المدينة الساحلية، يعزف ويلحن بشغف لم يُعرف من قبل.
رغم صغر سنه، تزوج في السادسة عشرة، لكنه لم يترك فنه يومًا. انتقل إلى القاهرة عام 1917، وهناك لمع نجمه سريعًا، فلحن لفرق المسرح الكبرى، مثل فرقة جورج أبيض ونجيب الريحاني وعلي الكسار.
لم يكن مجرد موسيقي، بل كان صوت الشعب في ثورة 1919، حين غنى "قوم يا مصري"، ليصبح رمزًا للنضال ضد الاحتلال البريطاني.
لكن هذا الصوت الثائر لم يدم طويلًا.. ففي أوائل سبتمبر 1923، عاد سيد درويش إلى مسقط رأسه بالإسكندرية، لترتيب استقبال سعد زغلول العائد من المنفى، إلا أن القدر كان له رأي آخر.. ففي التاسع من سبتمبر، أسدل الستار على حياته بشكل مفاجئ وصادم.
رحل سيد درويش عن عمر لم يتجاوز 32 عامًا، ودفن سريعًا في مقابر المنارة، دون أن يعلم أحد بموته إلا بعد يومين، حين نشرت الصحف الخبر.
لكن الأسئلة لم تتوقف منذ ذلك اليوم: هل مات سيد درويش طبيعيًا؟ أم أن أحدًا أراد إسكاته إلى الأبد؟
الروايات الثلاث.. لغز بلا حل
1.اغتيال سياسي: تشير بعض المصادر إلى أن الإنجليز دبروا اغتياله بالسم، خوفًا من تأثير أغانيه الوطنية التي كانت تشعل الحماس ضد الاحتلال، خاصة وأن جثته دُفنت دون تحقيق أو تشريح.
2.جرعة زائدة: تقول رواية أخرى إنه تناول جرعة قاتلة من الكوكايين، ربما عن طريق الخطأ، ما أدى إلى وفاته المفاجئة.
3.انتقام غامض: أما الرواية الأكثر إثارة، فتحكيها عائشة عبد العال، ملهمته، حيث زعمت أن صديقًا له دس له السم في كأس خمر، انتقامًا منه بسبب قصة حب انتهت بشكل مأساوي.
مئة عام مرت، وما زالت الحقيقة ضائعة، كأنما أراد الزمن أن يبقى سيد درويش لغزًا، كما كانت موسيقاه ثورة لا تهدأ. بقيت ألحانه، وبقي الغموض.. لتُقيد قضية جديدة "ضد مجهول".
مشاركة