السودان.. الحرب تُنذر بأزمة غذائية
تاريخ النشر: 18th, July 2023 GMT
الخرطوم- مع دخول أمد القتال بين الجيش السوداني والدعم السريع الشهر الثالث، يواجه السودانيون شبح أزمات اقتصادية متعددة مع ندرة السلع وارتفاع أسعار المواد الغذائية ومخاوف من نفاد المخزون الإستراتيجي.
رئيس الغرفة التجارية بولاية الخرطوم حسن عيسى قال للجزيرة نت إن البلاد بدأت استهلاك المخزون الإستراتيجي للسلع الرئيسية، ويتزامن ذلك مع ارتفاع الأسعار، حيث ارتفع رطل الشاي من ألف جنيه (دولارين) إلى 10 آلاف جنيه (20 دولارا)، مع شح المعروض.
وأضاف عيسى "توقفت المصانع التي كان مركزها العاصمة، وتوقف الإنتاج، بجانب شح السيولة، وإذا استمر الوضع على هذا النمط الاستهلاكي فلن يكفي المخزون شهرا آخر".
الإمداد الغذائيمن جانبه، قال المهندس الزراعي بإدارة الأمن الغذائي عمار حسن بشير للجزيرة نت إن قوات الدعم السريع عملت على تدمير البنية التحتية الصناعية والغذائية، وكسر بعض خطوط إمداد الغذاء والإنتاج والحصاد وطرق الوصول للأسواق والمستهلكين.
وأكد بشير أن انعدام الاستقرار السياسي والأمني بالبلاد يهدد توافر الغذاء ويؤثر على الإمداد الغذائي بصورة فعالة، وتحدث عن تأثر أكثر من 19 مليون شخص (أي 40% من السكان) بتراجع الأمن الغذائي الحاد في السودان.
وتوقع برنامج الغذاء العالمي انزلاق نحو 2.5 مليون شخص في السودان إلى الجوع في الأشهر القادمة بسبب الحرب.
ارتفاع الأسعار
بدوره، قال الخبير الاقتصادي هيثم محمد فتحي إن الحرب أدت إلى استمرار انخفاض مستويات المعيشة مع تزايد اضطراب السوق وارتفاع الأسعار.
وأكد فتحي -في حديث للجزيرة نت- أن أسعار المواد الغذائية الأساسية تتأثر بتغيرات الأسعار العالمية، وقال إنه في ظل عدم الاستقرار الأمني والسياسي ومع ارتفاع أسعار الطاقة والتباطؤ الاقتصادي؛ ستتراجع قدرة السودان في تأمين حاجاته من الغذاء، مما يؤدي إلى انخفاض المخزون الإستراتيجي منها.
وتحدثت الصحفية الاقتصادية رحاب فريني للجزيرة نت عن مواجهة السودانيين نقصا حادا في السلع الأساسية بسبب توقف المصانع وواردات بعض السلع، وانعكس ذلك في ارتفاع كبير للأسعار في الأسواق.
واستبعدت فريني حدوث فجوة غذائية بسبب وجود مخزون إستراتيجي كاف، إضافة إلى نشاط التجارة الحدودية مع إثيوبيا، مع توقعات بتدفق السلع الضرورية للأسواق لتغطية الفجوة في حال استمرار توقف المصانع.
ورغم تضاعف أسعار السلع الاستهلاكية، توقع التاجر فتح الله حبيب الله انخفاض الأسعار في الأسابيع القادمة بسبب انسياب حركة الواردات وتحويل بعض المنشآت الصناعية خارج الخرطوم.
الموسم الزراعي
ويرى مختصون أن القطاع الزراعي الذي يعتمد عليه بشكل رئيسي في توفير الغذاء في السودان يواجه عددا من التحديات خلال هذا الموسم، وحذر غريق كمبال نائب رئيس تجمع مزارعي القطاع المطري بالسودان من أزمة غذائية حادة قد تشهدها البلاد إذا لم تتم زراعة المساحات المستهدفة هذا الموسم التي تقدر بنحو 40 ألف مليون فدان.
وقال غريق للجزيرة نت إن الموسم الزراعي يشهد بداية متعسرة، حيثُ أثرت الحرب على التمويل الزراعي وتوافر السيولة، كما ارتفع سعر الغازولين ليصل سعر البرميل الواحد في بعض المناطق إلى نصف مليار جنيه (ما يعادل ألف دولار)، كما أن هناك صعوبة للزراعة في الولايات التي تشهد تدهورا أمنيا وعدم استقرار مثل ولايات دارفور وجنوب كردفان.
في المقابل، قال وزير الزراعة المكلف أبو بكر عمر البشرى للجزيرة نت إن لجنة عُليا قامت بحصر إنتاجية الموسم السابق وبلغت كمية الحبوب من الذرة والدخن 8 ملايين طن، واستهلاك البلاد لا يتجاوز 5 ملايين طن، وهناك نحو 3 ملايين طن أضيفت للمخزون الإستراتيجي للحبوب. وأضاف أنه تم وضع نحو 63 مليون فدان للزراعة في خطة هذا العام.
وأكد المسؤول السوداني أن السودان يستقبل موسم الأمطار قريبا مما يساعد على زيادة الإنتاج، وتم إدخال التقاوي والوقود اللازم لولايات دارفور وجنوب كردفان حتى لا تخرج من إنتاجية الموسم القادم. وأضاف "نتوقع موسما جيدا رغم شح الإمكانات نتيجة الحرب. السودان لن يجوع".
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
دراما رمضان في السودان تحاول رصد واقع الحرب
وسط استمرار الصراع في السودان منذ قرابة عامين ونزوح كثيرين داخلياً ولجوء غيرهم لدول أخرى، حاول فنانون سودانيون تقديم أعمال درامية في شهر رمضان هذا العام ترصد واقع الأوضاع بينما يئن أبناء بلدهم تحت وطأة القتل والنهب والتشريد.
شهدت الدراما السودانية انتعاشة، تمثلت في زيادة الإنتاج، بعد أن تحررت من قيود الرقابة والسيطرة الأمنية، عقب سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير في أبريل 2019، لكنها تراجعت مرة أخرى بفعل الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، كما أدت الاشتباكات إلى تدمير أجزاء كبيرة من المسرح القومي، وتعرضت معظم دور السينما للنهب وتشتت صناع الدراما بين نازحين يقيمون بمراكز الإيواء في الداخل ولاجئين بدول الجوار.
وبجهود شخصية وإمكانات محدودة، حاول قائمون على هذه الصناعة تقديم أعمال فنية، رغم ما ينطوي عليه ذلك من صعوبات، سعياً لتجسيد واقع مرير يعيشه السودانيون، فلقيت انتقادات لاذعة من قطاع من الجمهور والنقاد، لضعف جوانبها الفنية بينما أشاد بها قطاع آخر؛ لأنها أنتجت في ظل ظروف قاسية.
وتقترب الحرب في السودان من إكمال عامها الثاني في أبريل المقبل، دون بوادر على حدوث أي تقدم نحو حل الصراع.
دراما رمضان وقضايا متنوعة
ومن بين الأعمال الأعلى مشاهدة هذا العام مسلسل “ديالا” الذي يعرض على موقع “يوتيوب”، وهو من بطولة أحمد الجقر، وإنتاج شركة “المزن” للإنتاج الفني. ويتناول المسلسل الذي تم تصويره بالكامل في مصر المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها معظم السودانيين في قالب كوميدي.
ويتناول مسلسل “هروب قسري” الانتهاكات التي يتعرض لها السودانيون، من قتل وهجمات إلى جانب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعانون منها جراء الحرب، وهو من إنتاج مصعب عمر وخديجة محمد، وهما من صناع المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي ومن تأليف وإخراج هيثم الأمين.
وقال عمر، المعروف على مواقع التواصل الاجتماعي باسم “زول سغيل” لـ”الشرق”، إن “المسلسل يوثق لحقبة زمنية مهمة من حياة الشعب السوداني، في إشارة إلى الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع”.
وأضاف: “نسلط الضوء على معاناة الناس من قتل ونزوح في ظل ظروف الحرب، فضلاً عن عكس الطريقة القاسية التي يهربون بها إلى دول الجوار بطرق غير شرعية”، مشيراً إلى أن إنتاج المسلسل جاء في ظل ظروف صعبة وضعف الإمكانيات ودون دعم من أي جهات، أنتجنا المسلسل بمجهود شخصي أنا وخديجة أمريكا من ترتيب اللوكيشن والمعدات وأجور الممثلين”.
وذكر أن تكاليف إنتاج المسلسل بلغت حوالي 20 ألف دولار أميركي.
تأثيرات الحرب
أما الممثل أبو بكر فيصل، فعاد خلال شهر رمضان بعد توقف سنتين بسبب الحرب عبر إنتاج “سلسلة جبريل”، وقال إن “هذا العمل كان من المفترض أن يكون مسلسلاً كاملاً، لكن للأسف وجودي خارج السودان وضيق الزمن منعني من ذلك”.
وأوضح فيصل لـ”الشرق”، أن السلسلة تشمل 15 حلقة تناقش تداعيات الحرب وآثارها وجرى تصويرها بين السودان ومدينة جدة السعودية، وتعرض على قناة “ويكاب” عبر اليوتيوب خلال رمضان.
وأكد أن للحرب تأثيرات مباشرة على الإنتاج الدرامي فهو عمل جماعي يتطلب وجود فريق متكامل في مكان واحد، لافتاً إلى أن هذا كان مستحيلاً؛ بسبب وجود صناع العمل في أماكن مختلفة جراء الحرب.
ويرى الناقد حسين علي، أن الدراما الرمضانية السودانية تحتاج إلى الكثير، مشيراً إلى أن الأفراد تطوروا كثيراً وبرز نجوم مثل محمود ميسرة السراج وإسلام المبارك ووضعوا بصمتهم في الوطن العربي، لكن المنظومة الدرامية الكاملة تحتاج إلى عمل كبير.
وقال علي لـ”الشرق”، إن أعمالاً مثل (ديالا وهروب قسري) تعاني من أخطاء فنية كبيرة، وشدد على ضرورة استفادة صناع الدراما الذين أجبرتهم الحرب إلى اللجوء خارج البلاد إلى الاستفادة من التجارب والخروج بأفكار واكتساب مهارات ومعارف جديدة لتقديم دراما حقيقية تعكس الواقع الاجتماعي خصوصاً في فترة ما بعد الحرب.
ضعف الإمكانات ونقص الأدوات
من جانبه قال الناقد هيثم الطيب، إن أغلبية الأعمال الدرامية “يمكن أن نصفها بأنها في دائرة اجتهاد ومحاولات إنتاج، هناك نقص حقيقي في أدوات العمل المختلفة، نحن نحاول فقط إنتاج دراما سودانية، وهي في الحقيقة مجرد صور مرئية متحركة هنا وهناك، الكتابة بها الخطايا الكثيرة من لغة وتناول القضايا والحوارات وفقرها الواضح في الأبعاد الأربعة في لغة السيناريو (توضيح، توصيف، تحليل، تفسير) وتكاد تكون كل الأعمال المنتجة خلال هذا الموسم متفقة في ضعفها”.
وأضاف:”نحن نفتقد مهنية في الكتابة أولاً لنصنع الصورة المرئية وعليه ما يأتي بعد ذلك يخرج بذات الضعف، لأن أساس العمل الدرامي (الكتابة بالمهنية والشكل الكامل لصناعة صورة درامية مرئية)، هل عرفت صورة درامية؟ إذن الكتابة الفقيرة في أدواتها لا تفعل ذلك والأغلبية من الإنتاج يدخل في تلك الدائرة المليئة بضعف هنا ونقص هناك”.
وذكر الطيب في مقابلة مع “الشرق” أن أغلبية الأعمال الدرامية تعاني من ضعف لغة تناول القضايا يتبع ذلك ضعف في لغة الحوارات نفسها وتوصيفها للأشياء المختلفة، مشدداً على أن “الكتابة صناعة كاملة ولها أدوات ووسائل رئيسة ومساعدة وتفاصيل متحركة ورؤية واضحة، لكن افتقدنا كل ذلك، كيف سيكون تقييمها أو وصفها بغير عبارة اجتهادات فقط، ولا زالت في نفس الاجتهادات كل عام بلا تطوير أو رؤية لرسم ملامح متميزة.. نحن نعمل على طريقة بالضرورة نكون هناك، وبالطبع هذه الطريقة العقيمة تضعنا أننا فاشلون كثيراً”.
وتابع: “لم نصل بعد لطريقة ممارسة النقاش الدرامي لقضية ما بوضعها وصفيا ثم تناولها إجرائياً، وبعد ذلك تفصيلاتها المتعددة وأشكال الصراع نفسها وتحليلية الأوضاع بشكل متحرك درامياً وليس بالطريقة التي نراها اليوم في أعمالنا تلك، وهي الطريقة التي تشبه صناعة صورة مرئية لتقارير إخبارية هنا وهناك”.
جواب لفكرة الحرب
ونوه إلى أن الدراما السودانية لم تقدم للعالم جواباً لفكرة الحرب القاتلة وما فيها، مشيراً إلى أنه “لا يوجد مسلسل وضع الحرب في محاصرة تقييمية كاملة وناقشها بالشكل المهني كصورة وأبعاد ورؤية، وكان يمكن للحركة الإنتاجية أن تكون قيمة دبلوماسية وتعريفية بشكل الحرب التي كانت في وطننا وتضعها كصورة وأبعاد للعالم وهذا ما كنا نطمح فيه”.
وقال:” يتحقق ذلك فقط لو كانت الأيادي التي تقوم بذلك ناجحة مهنياً وفكرياً، ولها الرؤية الراسخة في توظيف الصورة الدرامية إنسانياً ووطنياً، لكن الذي حدث إخفاق كامل”.
ويخوض الجيش السوداني حرباً ضد قوات الدعم السريع منذ أبريل 2023، بعد خلافات حول خطط لدمج الدعم السريع في القوات المسلحة في أثناء عملية سياسية للانتقال إلى حكم مدني.
وأدت الحرب إلى مقتل عشرات الآلاف ونزوح أكثر من 12 مليون سوداني، كما تسببت في واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم.
الشرق
إنضم لقناة النيلين على واتساب