جريدة الرؤية العمانية:
2024-11-26@07:52:16 GMT

الإسلام والعلوم الزائفة

تاريخ النشر: 29th, January 2024 GMT

الإسلام والعلوم الزائفة

 

أ. د. حيدر أحمد اللواتي **

من المؤسف حقًا ألّا يُسلط الضوء على الثورات الفكرية والعلمية التي قام بها الإسلام لينهض بالمجتمعات البشرية، فمن الأمور التي كانت تقف في وجه تطور علوم الطبيعة هو اعتبار السحر والشعوذة والتنجيم جزءًا مهمًا من علوم الطبيعة، ففي الحضارات السابقة ارتبط التنجيم ارتباطا وثيقا بعلم الفلك، فكان التنجيم يعد الجانب التطبيقي لعلم الفلك، كما أن السحر والشعوذة كانا يعدان التطبيقين العمليين للعلوم المرتبطة بدراسة المواد كعلم الكيمياء، وكانت هذه العلوم الزائفة (التنجيم والكهانة والشعوذة) تمارسها النخبة من رجال الدين والكهنة عبر التاريخ.

وينطلق علم التنجيم من الأفكار القائمة على الإيمان بوجود علاقة ورابطة بين الظواهر الفلكية ومواقع الأجرام السماوية وبين الحوادث في عالم الإنسان؛ بل ويمكن التعرف على مستقبل الإنسان ومصيره والنتائج المستقبلية لمختلف الأنشطة التي يقوم بها من خلال متابعة حركة ذلك العالم العلوي.

وربما يكون منشأ علم التنجيم هو ملاحظة الإنسان لبعض الظواهر السماوية والتي كانت لها أثر مباشر على الطبيعة من حوله، فالصواعق تحرق الأرض حينما تضربها، وحركة القمر تؤثر في منسوب المياه وحركة المد والجزر، ومن هنا فلقد وسع الإنسان من مساحة تأثير تلك الأحداث السماوية على الأرض وغالى -كعادته- ليشمل التأثير في النفس الإنسانية وفي حركة الإنسان ومصيره، بحيث غدت حركتها مفاتحا لمعرفة المستقبل والغيب المجهول الذي طالما سعى لمعرفته.

العلوم الزائفة عمومًا تُساعد الإنسان في التعامل مع الطبيعة المخيفة من حوله وتوفر له وسيلة مريحة نفسيا لذلك، تماما كما تقوم العلوم الحقيقية بذلك؛ إذ يشترك الاثنان في أنهما يستندان لقانون السببية في تفسير الظاهرة الطبيعية، غاية ما هنالك أن العلوم الحقيقية تسعى للكشف عن السبب الحقيقي والمباشر وراء الظاهرة، بينما تدّعي العلوم الزائفة الكشف عن علاقات السببية مع أن التجربة العلمية لا تثبت وجود تلك العلاقة، ولذا فالتفريق بين العلوم الحقيقية والزائفة من أكبر التحديات التي تواجه الإنسان، ومن هنا فقد سعى الإسلام وأكد على أهمية التفريق بين العلوم الحقيقية والزائفة.

وربما لا نجد قبل الحضارة الإسلامية من وقف بوجه العلوم الزائفة وفرق بينها وبين العلوم الحقيقية، فقد حارب الإسلام التنجيم واعتبره من الأمور المحرمة قبل عصر النهضة بقرون من الزمن، ففي أوربا كان علم الفلك والتنجيم يوضعان في بوتقة واحدة وكانا يعدان علمان حقيقيان، واستمر الحال على ذلك حتى في بدايات الثورة العلمية، فعلماء الطبيعة ككبلر ونيوتن عرف عنهما التنجيم وعرف عن نيوتن اهتمامه بالسحر أيضًا.

وكما وقف الإسلام بوجه التنجيم، في المقابل حثَّ على علم الفلك وشجع عليه، وهذا التمييز بين العلوم الزائفة (التنجيم) والعلوم الحقيقية (الفلك) هي واحدة من أهم الإنجازات التي حققها الإسلام ووضع أسسها، تمهيدا لتأسيس مناهج صلبة لعلوم طبيعية، فالتشريعات الإسلامية ساهمت مساهمة فاعلة في تطوير علم الفلك، فمع توسع الرقعة الإسلامية وانتشار المسلمين في مختلف بقاع العالم، نمت الحاجة الى إيجاد وسائل لتحديد اتجاه القبلة، وعمل علماء الإسلام بجد في محاولات رائدة بهذا الخصوص، كما إن الحاجة إلى تحديد أوقات الصلوات الخمسة، دفعت بالعلماء لإيجاد وسائلة حسابية دقيقة، وسمي العلم المختص بهذه المواضيع بعلم الميقات بينما عرف المهنيون المختصون بذلك بالموّقت، كما نشأت الحاجة إلى تحديد بدايات الأشهر العربية، لما لذلك من أهمية في تحديد عدد من المناسبات الدينية كشهر رمضان والأعياد والحج، وهنا حاول علماء المسلمون وبذلوا جهودًا كبيرًا إلّا أن الرؤية بالعين المجردة ظلت هي الطريق الأهم والأدق آنذاك في تحديد بداية الأشهر، ولربما يكون أحد الأسباب في ذلك، ارتباط تحديد بدايات الأشهر بالتنجيم حيث إن التفريق بين الحسابات الفلكية القائمة على حركة القمر وبين الحسابات القائمة على التنجيم لم يكن أمر سهلا.

وعلى الرغم من الإنجاز الكبير الذي حققه الإسلام في تحريمه للتنجيم و اعتباره علما زائفًا، الّا أن هذا العلم الزائف ما زال متواجدًا في كثير من مجتمعاتنا الإسلامية، ولشديد الأسف، لكنه يتشكل بأشكال ومسميات مختلفة ليتأقلم مع ثقافة المجتمعات، فما زال البعض يدعى أنه يملك القدرة على الكشف عن المستقبل معتمدا على أدوات ووسائل لم تثبت صحتها، فإذا استشاره أحدهم عن عمل ما، فسيشير عليه بالقيام بذلك العمل، أو يشير عليه بالامتناع عنه لأن القيام بذلك العمل سيضره ولا ينفعه، مع أن هذا المستشار لا يدرك طبيعة العمل ولا يملك أي خبرة ولا دراية فيه، فهو لا يلجأ في الكشف عن المستقبل وعمّا ستؤول إليه الأمور معتمدًا على خبراته العملية ومعرفته العلمية؛ بل يستعين بأدوات ووسائل غامضة ومبهمة وغير علمية، و يعد الاعتماد على هذا النوع الوسائل من أهم سمات العلوم الزائفة، تما كما هو الحال مع التنجيم.

إنَّ الاعتماد على هذه العلوم الزائفة يشل عقل الإنسان فبدل أن يعتمد على النعمة العظمى التي منحه الله لها وهي العقل ليزن بها الأمور، ويستشير أصحاب الخبرات، وبعد أن يتخذ قراره، يتوكل على الله، ويسأله التوفيق ودفع البلاء، تجده يلجأ إلى هؤلاء العرافين أو المنجمين أو من يحذو حذوهم من المتلبسين بلباس الدين أو بلباس العلم ويقومون بالمهمة ذاتها.

 

المصادر المعلومات العلمية والتاريخية:

The Oxford History of Science by Iwan Rhys Morus

 

 

** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

 

 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مصر حاضرة في جوائز الألكسو للإبداع والابتكار للباحثين الشباب

أكد الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي، رئيس اللجنة الوطنية المصرية للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو – ألكسو – إيسيسكو)، أهمية الدور الذي تقوم به اللجنة الوطنية في المُشاركة في تنفيذ برامج ومشروعات المنظمات الثلاث (اليونسكو – الألكسو – الإيسيسكو) على نحو يُحقق رؤية مصر 2030.

وأعلنت اللجنة الوطنية المصرية للتربية والعلوم والثقافة، بالتعاون مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) فوز الدكتور هاني ناصر عبدالحميد أستاذ مُساعد بكلية العلوم قسم الكيمياء بجامعة أسيوط، وذلك مُناصفة ضمن الفئة الأولى، بجائزة الألكسو للإبداع والابتكار للباحثين الشُبان في الوطن العربي في دورتها السادسة بجامعة الشارقة لعام 2024، حول بحث بعنوان ” إطار الأيميدوازلات الزوليتيه محمله علي أنابيب نانومتريه من تتنانات الهيدروجين لامتصاص فعال وأكسده حفزيه الأصباغ العضوية والميكروبلاستك” وسوف يتم تكريم الباحث خلال فعاليات مُلتقى الشارقة لتوأمة الجامعات العربية الذي سُيعقد خلال الشهر الجاري بجامعة الشارقة.

تشجيع الباحثين العرب

ومن جهته، أوضح الدكتور أيمن أحمد فريد مُساعد الوزير للتخطيط الاستراتيجي والتدريب والتأهيل لسوق العمل، والقائم بأعمال رئيس قطاع الشئون الثقافية والبعثات والمُشرف على اللجنة الوطنية، أن هذه الجائزة تهدف إلى تشجيع الباحثين العرب وحثُهم على الإقبال على البحث العلمي والتقني، فضلًا عن رعاية الإبداع والمُبدعين العرب، وتقديرهم ماديًا ومعنويًا، وكذا نشر ثقافة البحث العلمي، والابتكار بين الشباب العربي، والتعريف بالباحثين والمُبدعين العرب، إضافة إلى التركيز على الجوانب التطبيقية في البحوث العلميّة والتقنية، وجذب اهتمام الباحثين والمُجتمع العلمي إلى الأولويات البحثية العربية، ودعم الباحثين الذين تركز أبحاثهم على مُتطلبات التنمية المُستدامة، وتحقيق مُعالجة تطبيقية للتحديات التي تواجه الوطن العربي، وتكون ذات آثار إبداعية خلاقة، ودعم جهود المؤسسات والهيئات والمراكز البحثية العربية لدفع عجلة البحث العلمي والابتكار في الوطن العربي.

جدير بالذكر أن اللجنة الوطنية المصرية للتربية والعلوم والثقافة قد أعلنت عن هذه الجائزة خلال شهر سبتمبر 2024، وأن هذه الجائزة تستهدف ثلاث فئات، الفئة الأولى: تُمنح لباحث قام بتنفيذ بحث أو مجموعة من الأبحاث تحمل صفة الريادة والإبداع والابتكار في مجال الجائزة، والفئة الثانية: تُمنح لباحث أو مجموعة باحثين عن مشروع بحث لم يُنفذ بعد، ويحمل صفة الإبداع والابتكار في مجال الجائزة، والفئة الثالثة: تُمنح لمؤسسة عربية قامت أو تقوم بتنفيذ مشروع يحمل صفة الإبداع والابتكار في مجال الجائزة .

مقالات مشابهة

  •  سلاف فواخرجى: فيلم «سلمى» يعبر عن معاناة نساء سوريا.. والظروف الحقيقية أصعب من التخيل
  • وكيل الأزهر: علماء الأمة قادرون على الربط ‏بين الأصالة والمعاصرة
  • وكيل الأزهر يؤكد شمولية الإسلام لعلوم الحياة والكون
  • "فهم أحاديث طلب العلم" لقاءات علمية بالمدارس لأوقاف الفيوم
  • نائب رئيس جامعة القاهرة: تطور كبير في العلاقات مع الصين بجميع المجالات
  • غزة والعلوم الاجتماعية.. سبر أغوار المسألة الاجتماعية زمن الحرب
  • ندوة الهُوية الوطنية في ظل متغيرات العصر بصلالة
  • تمييز صوت الله في العائلة.. الأنبا توماس يلقي محاضرة لأسر الفلك بالإيبارشية البطريركية
  • مصر حاضرة في جوائز الألكسو للإبداع والابتكار للباحثين الشباب
  • حظك اليوم وتوقعات الفلك الأحد 24-11-2024.. حياة اجتماعية مثيرة للجوزاء