جريدة الرؤية العمانية:
2025-07-03@02:54:26 GMT

الإسلام والعلوم الزائفة

تاريخ النشر: 29th, January 2024 GMT

الإسلام والعلوم الزائفة

 

أ. د. حيدر أحمد اللواتي **

من المؤسف حقًا ألّا يُسلط الضوء على الثورات الفكرية والعلمية التي قام بها الإسلام لينهض بالمجتمعات البشرية، فمن الأمور التي كانت تقف في وجه تطور علوم الطبيعة هو اعتبار السحر والشعوذة والتنجيم جزءًا مهمًا من علوم الطبيعة، ففي الحضارات السابقة ارتبط التنجيم ارتباطا وثيقا بعلم الفلك، فكان التنجيم يعد الجانب التطبيقي لعلم الفلك، كما أن السحر والشعوذة كانا يعدان التطبيقين العمليين للعلوم المرتبطة بدراسة المواد كعلم الكيمياء، وكانت هذه العلوم الزائفة (التنجيم والكهانة والشعوذة) تمارسها النخبة من رجال الدين والكهنة عبر التاريخ.

وينطلق علم التنجيم من الأفكار القائمة على الإيمان بوجود علاقة ورابطة بين الظواهر الفلكية ومواقع الأجرام السماوية وبين الحوادث في عالم الإنسان؛ بل ويمكن التعرف على مستقبل الإنسان ومصيره والنتائج المستقبلية لمختلف الأنشطة التي يقوم بها من خلال متابعة حركة ذلك العالم العلوي.

وربما يكون منشأ علم التنجيم هو ملاحظة الإنسان لبعض الظواهر السماوية والتي كانت لها أثر مباشر على الطبيعة من حوله، فالصواعق تحرق الأرض حينما تضربها، وحركة القمر تؤثر في منسوب المياه وحركة المد والجزر، ومن هنا فلقد وسع الإنسان من مساحة تأثير تلك الأحداث السماوية على الأرض وغالى -كعادته- ليشمل التأثير في النفس الإنسانية وفي حركة الإنسان ومصيره، بحيث غدت حركتها مفاتحا لمعرفة المستقبل والغيب المجهول الذي طالما سعى لمعرفته.

العلوم الزائفة عمومًا تُساعد الإنسان في التعامل مع الطبيعة المخيفة من حوله وتوفر له وسيلة مريحة نفسيا لذلك، تماما كما تقوم العلوم الحقيقية بذلك؛ إذ يشترك الاثنان في أنهما يستندان لقانون السببية في تفسير الظاهرة الطبيعية، غاية ما هنالك أن العلوم الحقيقية تسعى للكشف عن السبب الحقيقي والمباشر وراء الظاهرة، بينما تدّعي العلوم الزائفة الكشف عن علاقات السببية مع أن التجربة العلمية لا تثبت وجود تلك العلاقة، ولذا فالتفريق بين العلوم الحقيقية والزائفة من أكبر التحديات التي تواجه الإنسان، ومن هنا فقد سعى الإسلام وأكد على أهمية التفريق بين العلوم الحقيقية والزائفة.

وربما لا نجد قبل الحضارة الإسلامية من وقف بوجه العلوم الزائفة وفرق بينها وبين العلوم الحقيقية، فقد حارب الإسلام التنجيم واعتبره من الأمور المحرمة قبل عصر النهضة بقرون من الزمن، ففي أوربا كان علم الفلك والتنجيم يوضعان في بوتقة واحدة وكانا يعدان علمان حقيقيان، واستمر الحال على ذلك حتى في بدايات الثورة العلمية، فعلماء الطبيعة ككبلر ونيوتن عرف عنهما التنجيم وعرف عن نيوتن اهتمامه بالسحر أيضًا.

وكما وقف الإسلام بوجه التنجيم، في المقابل حثَّ على علم الفلك وشجع عليه، وهذا التمييز بين العلوم الزائفة (التنجيم) والعلوم الحقيقية (الفلك) هي واحدة من أهم الإنجازات التي حققها الإسلام ووضع أسسها، تمهيدا لتأسيس مناهج صلبة لعلوم طبيعية، فالتشريعات الإسلامية ساهمت مساهمة فاعلة في تطوير علم الفلك، فمع توسع الرقعة الإسلامية وانتشار المسلمين في مختلف بقاع العالم، نمت الحاجة الى إيجاد وسائل لتحديد اتجاه القبلة، وعمل علماء الإسلام بجد في محاولات رائدة بهذا الخصوص، كما إن الحاجة إلى تحديد أوقات الصلوات الخمسة، دفعت بالعلماء لإيجاد وسائلة حسابية دقيقة، وسمي العلم المختص بهذه المواضيع بعلم الميقات بينما عرف المهنيون المختصون بذلك بالموّقت، كما نشأت الحاجة إلى تحديد بدايات الأشهر العربية، لما لذلك من أهمية في تحديد عدد من المناسبات الدينية كشهر رمضان والأعياد والحج، وهنا حاول علماء المسلمون وبذلوا جهودًا كبيرًا إلّا أن الرؤية بالعين المجردة ظلت هي الطريق الأهم والأدق آنذاك في تحديد بداية الأشهر، ولربما يكون أحد الأسباب في ذلك، ارتباط تحديد بدايات الأشهر بالتنجيم حيث إن التفريق بين الحسابات الفلكية القائمة على حركة القمر وبين الحسابات القائمة على التنجيم لم يكن أمر سهلا.

وعلى الرغم من الإنجاز الكبير الذي حققه الإسلام في تحريمه للتنجيم و اعتباره علما زائفًا، الّا أن هذا العلم الزائف ما زال متواجدًا في كثير من مجتمعاتنا الإسلامية، ولشديد الأسف، لكنه يتشكل بأشكال ومسميات مختلفة ليتأقلم مع ثقافة المجتمعات، فما زال البعض يدعى أنه يملك القدرة على الكشف عن المستقبل معتمدا على أدوات ووسائل لم تثبت صحتها، فإذا استشاره أحدهم عن عمل ما، فسيشير عليه بالقيام بذلك العمل، أو يشير عليه بالامتناع عنه لأن القيام بذلك العمل سيضره ولا ينفعه، مع أن هذا المستشار لا يدرك طبيعة العمل ولا يملك أي خبرة ولا دراية فيه، فهو لا يلجأ في الكشف عن المستقبل وعمّا ستؤول إليه الأمور معتمدًا على خبراته العملية ومعرفته العلمية؛ بل يستعين بأدوات ووسائل غامضة ومبهمة وغير علمية، و يعد الاعتماد على هذا النوع الوسائل من أهم سمات العلوم الزائفة، تما كما هو الحال مع التنجيم.

إنَّ الاعتماد على هذه العلوم الزائفة يشل عقل الإنسان فبدل أن يعتمد على النعمة العظمى التي منحه الله لها وهي العقل ليزن بها الأمور، ويستشير أصحاب الخبرات، وبعد أن يتخذ قراره، يتوكل على الله، ويسأله التوفيق ودفع البلاء، تجده يلجأ إلى هؤلاء العرافين أو المنجمين أو من يحذو حذوهم من المتلبسين بلباس الدين أو بلباس العلم ويقومون بالمهمة ذاتها.

 

المصادر المعلومات العلمية والتاريخية:

The Oxford History of Science by Iwan Rhys Morus

 

 

** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

 

 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

موجة زلازل وزيادة حرارة المياه .. معهد الفلك يحسم جدل ما يحدث بالبحر المتوسط

قال الدكتور عمرو الشرقاوي أستاذ الزلازل وديناميكية باطن الأرض بالمعهد القومي لبحوث الفلك، إن تغير المناخ هو ارتفاع في متوسط درجة الحرارة المياه، موضحا أنه خلال آخر 40 عاما كان هناك ارتفاعا في درجة حرارة مياه البحر المتوسط بنسبة وصلت إلى 2.5 درجة.

رسميا.. رابط التقديم لرياض الأطفال والصف الأول الابتدائي الأزهريعماد الدين حسين: تطابق واضح في المواقف المصرية والعُمانية تجاه ملف غزةمفاجأة بشأن ما يحدث في البحر المتوسط

وتابع الدكتور عمرو الشرقاوي أستاذ الزلازل وديناميكية باطن الأرض بالمعهد القومي لبحوث الفلك، خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامي شريف نور الدين ببرنامج أنا وهو وهي المذاع على قناة صدى البلد، أن ارتفاع درجة الحرارة المياه، أدى إلى تمدد في كمية المياه الموجودة مع ارتفاع منسوب المياه، وذلك ينتج عنه تولد موجات مياه في البحر المتوسط، وينتج عنه حركة طفيفة تحدث بشكل مستمر.

زيادة درجة الحرارة ومعدل حركة الرياح، تبدأ ذرات المياه في التحرك نحو بعضها البعض

كما أوضح الدكتور عمرو الشرقاوي أستاذ الزلازل وديناميكية باطن الأرض بالمعهد القومي لبحوث الفلك، أنه مع زيادة درجة الحرارة ومعدل حركة الرياح، تبدأ ذرات المياه في التحرك نحو بعضها البعض، مع تكوين موجات، وقد ترتفع موجات المياه بنسبة كبيرة، متوقعا حدوث تحرك في موجات زلازل بشكل طفيف في شهر يوليو.

ارتفاعات في درجات الحرارة بنسب غير معتادة

وذكر الدكتور عمرو الشرقاوي أستاذ الزلازل وديناميكية باطن الأرض بالمعهد القومي لبحوث الفلك، أن موجات الزلازل غير مقلقة وتكون بشكل طبيعي وغير مقلقة على الدولة، دوبان الجليد وحريق الغابات حول العالم، ساهم في ارتفاع درجات حرارة الكون مع صعود منسوب المياه ودرجة حرارتها.

وأضاف الدكتور عمرو الشرقاوي أستاذ الزلازل وديناميكية باطن الأرض بالمعهد القومي لبحوث الفلك، أن هناك ارتفاعات في درجات الحرارة بنسب غير معتادة، وذلك يرجع إلى نتيجة التغير المستمر في التأثيرت على المناخ.

طباعة شارك الفلك الحرارة درجة حرارة عمرو الشرقاوي أستاذ الزلازل

مقالات مشابهة

  • أخبار التوك شو| معهد الفلك يحسم جدل البحر المتوسط وأحمد موسى ينفعل ويوجه تحذيرا عاجلا
  • موجة زلازل وزيادة حرارة المياه .. معهد الفلك يحسم جدل ما يحدث بالبحر المتوسط
  • امانة بغداد توضح الملابسات الحقيقية بشأن مول العراق
  • عراقجي: لا يمكن القضاء على التكنولوجيا والعلوم اللازمة لتخصيب اليورانيوم عبر القصف
  • شركات الوهم.. الداخلية تلاحق سماسرة الأحلام الزائفة بالخارج
  • ثروت الخرباوى عن ثورة 30 يونيو : كنت متأكد أن حكم الاخوان كان سينكشف سريعا للمصريين بسبب عقائدهم الزائفة
  • العُلا في الصيف.. وجهة مفضّلة للمصورين ومحبي الفلك من أنحاء العالم
  • رئيس مجلس إدارة شركة المها الدولية محمد العنزي: على بعد كيلو مترات من هذا القصر ولدت أول أبجدية عرفتها البشرية وعلى هذه الأرض خط الإنسان أولى الحروف التي تحولت لاحقاً إلى حضارات وتراث إنساني لا يزال نوره يهدي العقول والأمم ومن هنا من دمشق نطلق مشروعنا الث
  • كومباني يترقب مواجهة باريس: الآن تبدأ المعركة الحقيقية
  • جامعة رأس الخيمة للطب والعلوم الصحية.. ريادة أكاديمية وتميز طبي في قلب الإمارات