جريدة الرؤية العمانية:
2025-02-08@20:05:45 GMT

الإسلام والعلوم الزائفة

تاريخ النشر: 29th, January 2024 GMT

الإسلام والعلوم الزائفة

 

أ. د. حيدر أحمد اللواتي **

من المؤسف حقًا ألّا يُسلط الضوء على الثورات الفكرية والعلمية التي قام بها الإسلام لينهض بالمجتمعات البشرية، فمن الأمور التي كانت تقف في وجه تطور علوم الطبيعة هو اعتبار السحر والشعوذة والتنجيم جزءًا مهمًا من علوم الطبيعة، ففي الحضارات السابقة ارتبط التنجيم ارتباطا وثيقا بعلم الفلك، فكان التنجيم يعد الجانب التطبيقي لعلم الفلك، كما أن السحر والشعوذة كانا يعدان التطبيقين العمليين للعلوم المرتبطة بدراسة المواد كعلم الكيمياء، وكانت هذه العلوم الزائفة (التنجيم والكهانة والشعوذة) تمارسها النخبة من رجال الدين والكهنة عبر التاريخ.

وينطلق علم التنجيم من الأفكار القائمة على الإيمان بوجود علاقة ورابطة بين الظواهر الفلكية ومواقع الأجرام السماوية وبين الحوادث في عالم الإنسان؛ بل ويمكن التعرف على مستقبل الإنسان ومصيره والنتائج المستقبلية لمختلف الأنشطة التي يقوم بها من خلال متابعة حركة ذلك العالم العلوي.

وربما يكون منشأ علم التنجيم هو ملاحظة الإنسان لبعض الظواهر السماوية والتي كانت لها أثر مباشر على الطبيعة من حوله، فالصواعق تحرق الأرض حينما تضربها، وحركة القمر تؤثر في منسوب المياه وحركة المد والجزر، ومن هنا فلقد وسع الإنسان من مساحة تأثير تلك الأحداث السماوية على الأرض وغالى -كعادته- ليشمل التأثير في النفس الإنسانية وفي حركة الإنسان ومصيره، بحيث غدت حركتها مفاتحا لمعرفة المستقبل والغيب المجهول الذي طالما سعى لمعرفته.

العلوم الزائفة عمومًا تُساعد الإنسان في التعامل مع الطبيعة المخيفة من حوله وتوفر له وسيلة مريحة نفسيا لذلك، تماما كما تقوم العلوم الحقيقية بذلك؛ إذ يشترك الاثنان في أنهما يستندان لقانون السببية في تفسير الظاهرة الطبيعية، غاية ما هنالك أن العلوم الحقيقية تسعى للكشف عن السبب الحقيقي والمباشر وراء الظاهرة، بينما تدّعي العلوم الزائفة الكشف عن علاقات السببية مع أن التجربة العلمية لا تثبت وجود تلك العلاقة، ولذا فالتفريق بين العلوم الحقيقية والزائفة من أكبر التحديات التي تواجه الإنسان، ومن هنا فقد سعى الإسلام وأكد على أهمية التفريق بين العلوم الحقيقية والزائفة.

وربما لا نجد قبل الحضارة الإسلامية من وقف بوجه العلوم الزائفة وفرق بينها وبين العلوم الحقيقية، فقد حارب الإسلام التنجيم واعتبره من الأمور المحرمة قبل عصر النهضة بقرون من الزمن، ففي أوربا كان علم الفلك والتنجيم يوضعان في بوتقة واحدة وكانا يعدان علمان حقيقيان، واستمر الحال على ذلك حتى في بدايات الثورة العلمية، فعلماء الطبيعة ككبلر ونيوتن عرف عنهما التنجيم وعرف عن نيوتن اهتمامه بالسحر أيضًا.

وكما وقف الإسلام بوجه التنجيم، في المقابل حثَّ على علم الفلك وشجع عليه، وهذا التمييز بين العلوم الزائفة (التنجيم) والعلوم الحقيقية (الفلك) هي واحدة من أهم الإنجازات التي حققها الإسلام ووضع أسسها، تمهيدا لتأسيس مناهج صلبة لعلوم طبيعية، فالتشريعات الإسلامية ساهمت مساهمة فاعلة في تطوير علم الفلك، فمع توسع الرقعة الإسلامية وانتشار المسلمين في مختلف بقاع العالم، نمت الحاجة الى إيجاد وسائل لتحديد اتجاه القبلة، وعمل علماء الإسلام بجد في محاولات رائدة بهذا الخصوص، كما إن الحاجة إلى تحديد أوقات الصلوات الخمسة، دفعت بالعلماء لإيجاد وسائلة حسابية دقيقة، وسمي العلم المختص بهذه المواضيع بعلم الميقات بينما عرف المهنيون المختصون بذلك بالموّقت، كما نشأت الحاجة إلى تحديد بدايات الأشهر العربية، لما لذلك من أهمية في تحديد عدد من المناسبات الدينية كشهر رمضان والأعياد والحج، وهنا حاول علماء المسلمون وبذلوا جهودًا كبيرًا إلّا أن الرؤية بالعين المجردة ظلت هي الطريق الأهم والأدق آنذاك في تحديد بداية الأشهر، ولربما يكون أحد الأسباب في ذلك، ارتباط تحديد بدايات الأشهر بالتنجيم حيث إن التفريق بين الحسابات الفلكية القائمة على حركة القمر وبين الحسابات القائمة على التنجيم لم يكن أمر سهلا.

وعلى الرغم من الإنجاز الكبير الذي حققه الإسلام في تحريمه للتنجيم و اعتباره علما زائفًا، الّا أن هذا العلم الزائف ما زال متواجدًا في كثير من مجتمعاتنا الإسلامية، ولشديد الأسف، لكنه يتشكل بأشكال ومسميات مختلفة ليتأقلم مع ثقافة المجتمعات، فما زال البعض يدعى أنه يملك القدرة على الكشف عن المستقبل معتمدا على أدوات ووسائل لم تثبت صحتها، فإذا استشاره أحدهم عن عمل ما، فسيشير عليه بالقيام بذلك العمل، أو يشير عليه بالامتناع عنه لأن القيام بذلك العمل سيضره ولا ينفعه، مع أن هذا المستشار لا يدرك طبيعة العمل ولا يملك أي خبرة ولا دراية فيه، فهو لا يلجأ في الكشف عن المستقبل وعمّا ستؤول إليه الأمور معتمدًا على خبراته العملية ومعرفته العلمية؛ بل يستعين بأدوات ووسائل غامضة ومبهمة وغير علمية، و يعد الاعتماد على هذا النوع الوسائل من أهم سمات العلوم الزائفة، تما كما هو الحال مع التنجيم.

إنَّ الاعتماد على هذه العلوم الزائفة يشل عقل الإنسان فبدل أن يعتمد على النعمة العظمى التي منحه الله لها وهي العقل ليزن بها الأمور، ويستشير أصحاب الخبرات، وبعد أن يتخذ قراره، يتوكل على الله، ويسأله التوفيق ودفع البلاء، تجده يلجأ إلى هؤلاء العرافين أو المنجمين أو من يحذو حذوهم من المتلبسين بلباس الدين أو بلباس العلم ويقومون بالمهمة ذاتها.

 

المصادر المعلومات العلمية والتاريخية:

The Oxford History of Science by Iwan Rhys Morus

 

 

** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

 

 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

“قيصر” يكشف عن هويته الحقيقية ويروي لأول مرة تفاصيل عن قيامه بتسريب جرائم الأسد ضد السوريين

سوريا – كشف منفذ أكبر عملية تسريب لجرائم الرئيس السوري السابق بشار الأسد بحق المعتقلين في سوريا، والذي يعرف بـ”قيصر” عن هويته، وتحدث عن تفاصيل جديدة حول الجرائم المرتكبة منذ 2011.

وقال “قيصر” وهو المساعد أول فريد ندى المذهان رئيس قلم الأدلة القضائية بالشرطة العسكرية في العاصمة دمشق وينحدر من مدينة درعا جنوبي البلاد لقناة “الجزيرة”: “أوامر التصوير وتوثيق جرائم نظام بشار الأسد يصدران من أعلى هرم في السلطة للتأكد من أن القتل ينفذ فعليا، مشيرا إلى أن قادة الأجهزة الأمنية كانوا يعبرون عن ولائهم المطلق لنظام الأسد عبر صور جثث ضحايا الاعتقال”.

وأضاف: “أول تصوير لجثث معتقلين كان بمشرحة مستشفى تشرين العسكري بدمشق لمتظاهرين من درعا في مارس 2011، مؤكدا أن الموقوف بمجرد دخوله المعتقل يوضع رقم على جثته بعد قتله”.

وتابع: “أماكن تجميع وتصوير جثث ضحايا الاعتقال في مشرحة مستشفيي تشرين العسكري وحرستا، إضافة إلى تحويل مرآب السيارات في مستشفى المزة العسكري لساحة تجميع الجثث لتصويرها مع ازدياد عدد القتلى”.

وروى جانبا من طريقته في إخفاء صور المعتقلين، قائلا “كنت أخبئ وسائط نقل الصور في ثيابي وربطة الخبز وجسدي، خوفا من التفتيش على الحواجز الأمنية”.

وأشار إلى أن عملية تهريب الصور كانت تتم بشكل شبه يومي من مقر عمله إلى مسكنه وامتدت قرابة 3 سنوات.

وحول الانشقاق عن نظام الأسد، قال “قيصر” إن القرار كان لديه منذ بداية الثورة السورية، لكنه ارتأى تأجيله لكي يتمكن من جمع أكبر عدد من الصور والأدلة.

وأعرب عن أمله في أن تفتح الحكومة السورية الجديدة “محاكم وطنية تقوم بملاحقة ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب”.

ودعا الحكومة الأمريكية إلى إلغاء قانون “قيصر” ورفع العقوبات عن الشعب السوري.

وبدأت الولايات المتحدة في 17 يونيو 2020 بتطبيق “قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا” الذي تم بموجبه فرض عقوبات على 39 شخصية وكيانا على صلة بالسلطات السورية، بينهم رئيس البلاد، بشار الأسد، وعقيلته، أسماء الأسد.

المصدر: “الجزيرة”

مقالات مشابهة

  • البحوث الإسلامية: لا يغيب عن أذهاننا أن هدف الحضارة الإنسان قبل أي شيء
  • ناقد رياضي: الزمالك بحاجة إلى صفقات أقوى لتحقيق المنافسة الحقيقية في الدوري| فيديو
  • جمعة: الإسلام يدعو إلى النجاح والرقي وليس الزهد السلبي
  • برلمانية: الحوار الوطني يعكس إرادة الدولة الحقيقية في تعزيز المشاركة السياسية والمجتمعية
  • “قيصر” يكشف عن هويته الحقيقية ويروي لأول مرة تفاصيل عن قيامه بتسريب جرائم الأسد ضد السوريين
  • غدًا تلتقى الأحبة
  • تعز .. مسير ومناورة لخريجي طوفان الأقصى من جامعتي الحكمة والعلوم والتكنولوجيا
  • فكَّر في مخالفة الأوامر.. عميد المعتقلين السوريين يروي أسباب سجنه الحقيقية
  • السبت.. صالون "نفرتيتي" يناقش عبقرية مصر القديمة في استكشاف علوم الفلك
  • خبراء: تصريحات ترامب عن تهجير سكان غزة تكشف النية الحقيقية للمشروع الصهيوني