الإسلام والعلوم الزائفة
تاريخ النشر: 29th, January 2024 GMT
أ. د. حيدر أحمد اللواتي **
من المؤسف حقًا ألّا يُسلط الضوء على الثورات الفكرية والعلمية التي قام بها الإسلام لينهض بالمجتمعات البشرية، فمن الأمور التي كانت تقف في وجه تطور علوم الطبيعة هو اعتبار السحر والشعوذة والتنجيم جزءًا مهمًا من علوم الطبيعة، ففي الحضارات السابقة ارتبط التنجيم ارتباطا وثيقا بعلم الفلك، فكان التنجيم يعد الجانب التطبيقي لعلم الفلك، كما أن السحر والشعوذة كانا يعدان التطبيقين العمليين للعلوم المرتبطة بدراسة المواد كعلم الكيمياء، وكانت هذه العلوم الزائفة (التنجيم والكهانة والشعوذة) تمارسها النخبة من رجال الدين والكهنة عبر التاريخ.
وينطلق علم التنجيم من الأفكار القائمة على الإيمان بوجود علاقة ورابطة بين الظواهر الفلكية ومواقع الأجرام السماوية وبين الحوادث في عالم الإنسان؛ بل ويمكن التعرف على مستقبل الإنسان ومصيره والنتائج المستقبلية لمختلف الأنشطة التي يقوم بها من خلال متابعة حركة ذلك العالم العلوي.
وربما يكون منشأ علم التنجيم هو ملاحظة الإنسان لبعض الظواهر السماوية والتي كانت لها أثر مباشر على الطبيعة من حوله، فالصواعق تحرق الأرض حينما تضربها، وحركة القمر تؤثر في منسوب المياه وحركة المد والجزر، ومن هنا فلقد وسع الإنسان من مساحة تأثير تلك الأحداث السماوية على الأرض وغالى -كعادته- ليشمل التأثير في النفس الإنسانية وفي حركة الإنسان ومصيره، بحيث غدت حركتها مفاتحا لمعرفة المستقبل والغيب المجهول الذي طالما سعى لمعرفته.
العلوم الزائفة عمومًا تُساعد الإنسان في التعامل مع الطبيعة المخيفة من حوله وتوفر له وسيلة مريحة نفسيا لذلك، تماما كما تقوم العلوم الحقيقية بذلك؛ إذ يشترك الاثنان في أنهما يستندان لقانون السببية في تفسير الظاهرة الطبيعية، غاية ما هنالك أن العلوم الحقيقية تسعى للكشف عن السبب الحقيقي والمباشر وراء الظاهرة، بينما تدّعي العلوم الزائفة الكشف عن علاقات السببية مع أن التجربة العلمية لا تثبت وجود تلك العلاقة، ولذا فالتفريق بين العلوم الحقيقية والزائفة من أكبر التحديات التي تواجه الإنسان، ومن هنا فقد سعى الإسلام وأكد على أهمية التفريق بين العلوم الحقيقية والزائفة.
وربما لا نجد قبل الحضارة الإسلامية من وقف بوجه العلوم الزائفة وفرق بينها وبين العلوم الحقيقية، فقد حارب الإسلام التنجيم واعتبره من الأمور المحرمة قبل عصر النهضة بقرون من الزمن، ففي أوربا كان علم الفلك والتنجيم يوضعان في بوتقة واحدة وكانا يعدان علمان حقيقيان، واستمر الحال على ذلك حتى في بدايات الثورة العلمية، فعلماء الطبيعة ككبلر ونيوتن عرف عنهما التنجيم وعرف عن نيوتن اهتمامه بالسحر أيضًا.
وكما وقف الإسلام بوجه التنجيم، في المقابل حثَّ على علم الفلك وشجع عليه، وهذا التمييز بين العلوم الزائفة (التنجيم) والعلوم الحقيقية (الفلك) هي واحدة من أهم الإنجازات التي حققها الإسلام ووضع أسسها، تمهيدا لتأسيس مناهج صلبة لعلوم طبيعية، فالتشريعات الإسلامية ساهمت مساهمة فاعلة في تطوير علم الفلك، فمع توسع الرقعة الإسلامية وانتشار المسلمين في مختلف بقاع العالم، نمت الحاجة الى إيجاد وسائل لتحديد اتجاه القبلة، وعمل علماء الإسلام بجد في محاولات رائدة بهذا الخصوص، كما إن الحاجة إلى تحديد أوقات الصلوات الخمسة، دفعت بالعلماء لإيجاد وسائلة حسابية دقيقة، وسمي العلم المختص بهذه المواضيع بعلم الميقات بينما عرف المهنيون المختصون بذلك بالموّقت، كما نشأت الحاجة إلى تحديد بدايات الأشهر العربية، لما لذلك من أهمية في تحديد عدد من المناسبات الدينية كشهر رمضان والأعياد والحج، وهنا حاول علماء المسلمون وبذلوا جهودًا كبيرًا إلّا أن الرؤية بالعين المجردة ظلت هي الطريق الأهم والأدق آنذاك في تحديد بداية الأشهر، ولربما يكون أحد الأسباب في ذلك، ارتباط تحديد بدايات الأشهر بالتنجيم حيث إن التفريق بين الحسابات الفلكية القائمة على حركة القمر وبين الحسابات القائمة على التنجيم لم يكن أمر سهلا.
وعلى الرغم من الإنجاز الكبير الذي حققه الإسلام في تحريمه للتنجيم و اعتباره علما زائفًا، الّا أن هذا العلم الزائف ما زال متواجدًا في كثير من مجتمعاتنا الإسلامية، ولشديد الأسف، لكنه يتشكل بأشكال ومسميات مختلفة ليتأقلم مع ثقافة المجتمعات، فما زال البعض يدعى أنه يملك القدرة على الكشف عن المستقبل معتمدا على أدوات ووسائل لم تثبت صحتها، فإذا استشاره أحدهم عن عمل ما، فسيشير عليه بالقيام بذلك العمل، أو يشير عليه بالامتناع عنه لأن القيام بذلك العمل سيضره ولا ينفعه، مع أن هذا المستشار لا يدرك طبيعة العمل ولا يملك أي خبرة ولا دراية فيه، فهو لا يلجأ في الكشف عن المستقبل وعمّا ستؤول إليه الأمور معتمدًا على خبراته العملية ومعرفته العلمية؛ بل يستعين بأدوات ووسائل غامضة ومبهمة وغير علمية، و يعد الاعتماد على هذا النوع الوسائل من أهم سمات العلوم الزائفة، تما كما هو الحال مع التنجيم.
إنَّ الاعتماد على هذه العلوم الزائفة يشل عقل الإنسان فبدل أن يعتمد على النعمة العظمى التي منحه الله لها وهي العقل ليزن بها الأمور، ويستشير أصحاب الخبرات، وبعد أن يتخذ قراره، يتوكل على الله، ويسأله التوفيق ودفع البلاء، تجده يلجأ إلى هؤلاء العرافين أو المنجمين أو من يحذو حذوهم من المتلبسين بلباس الدين أو بلباس العلم ويقومون بالمهمة ذاتها.
المصادر المعلومات العلمية والتاريخية:
The Oxford History of Science by Iwan Rhys Morus
** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس
رابط مختصر
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
«هذه القصة الحقيقية».. كوري يخرج فائزاً في «أن بي ايه»
لوس أنجلوس (أ ف ب)
خرج الموزع المخضرم ستيفن كوري فائزاً من مواجهته مع زميله في المنتخب الأولمبي جايسون تايتوم، وقاد جولدن ستايت ووريرز إلى الفوز على حامل اللقب بوسطن سلتيكس 118-112، في دوري كرة السلة الأميركي للمحترفين.
ورفع ووريرز رصيده إلى سبعة انتصارات مقابل خسارة واحدة، بالتساوي مع فينيكس صنز وأوكلاهوما سيتي في صدارة المنطقة الغربية.
على ملعب تي دي جاردن في بوسطن، كانت الفرصة مناسبة لتايتوم في توجيه رسالة لإبقائه بديلاً في تشكيلة المنتخب الأميركي الذي أحرز ذهبية أولمبياد باريس الصيف الماضي، والذي أشرف عليه مدرب جولدن ستايت ستيف كير.
وفيما تألق تايتوم في الشوط الثاني، خصوصاً من وراء القوس، حيث سجل 15 من نقاطه الـ32، نجح كوري في وضع فريقه على سكة الفوز.
قال كوري صاحب 27 نقطة، 9 تمريرات حاسمة، 7 متابعات و4 سرقات: «نقول دائماً، حموا ظهر بعضكم، والشبان يخرجون ويلتزمون بذلك».
تابع الموزع الموهوب، «نحن قادرون على الفوز أمام أي فريق. هذا صعب... لكنها سنة مختلفة، ونحاول السير ببطء وتطوير هويتنا».
وساهم أيضاً في تحقيق فوز جولدن ستايت الكندي أندرو ويجنز صاحب 16 نقطة، وأضاف البديل بادي هيلد 16 وكايل اندرسون 11، والكونغولي الديموقراطي جوناثان كومينجا 10.
وسجل تايتوم 24 نقطة في الشوط الثاني، ليساهم في قلب تأخر بوسطن 14 نقطة إلى تقدم لافت بسبع نقاط في الربع الأخير.
لكن الفريق الأخضر تراجع في الوقت الحاسم، ومني بخسارته الثانية هذا الموسم مقابل سبعة انتصارات، ليحتل المركز الثاني في ترتيب المنطقة الرشقية وراء كليفلاند كافالييرز الوحيد لم يخسر بعد (9-0).
وحصل مدرب جولدن ستايت ستيف كير على استقبال ساخن من جماهير بوسطن التي أطلقت صافرات الاستهجان في وجهه، بسبب وضعه تايتوم على مقاعد البدلاء في باريس.
وتجاهل كير الجدل قبل المباراة، مشيراً إلى أنه لم يستمتع باستبعاد تايتوم عن التشكيلة الأساسية «لم يكن قراراً جميلاً، لكن شباننا كانوا كلهم رائعين، التزموا ببعضهم، وبإحراز الميدالية الذهبية... هذه القصة الحقيقية».
أضاف، «لكننا نعيش في زمن، حيث نتطرق لأمور ليست مهمة حقاً».