حذر مختصون في مجال الصحة النفسية، من الآثار المدمرة على أهالي قطاع غزة، بسبب مجازر الاحتلال وحربه الوحشية، التي لا تراعي أي خطوط حمراء.

ويؤكد المختصون أن الحرب الحالية مزدوجة التأثير على أهالي غزة، وينتج عنها اضرابات تسمى "الصدمة المستمرة، واضرابات ما بعد الصدمة حال انتهاء الحرب".

وبهذا الصدد، تقول الأخصائية النفسية حنين زقوت إنه "خلال الحرب يجب استخدام مفهوم الإسعاف النفسي الأولي، وهو علاج نفسي مبدأي خلال فترة الصراع والكوارث وغيرها".



تأثير الحرب الحالية صعب
وتابعت زقوت في حديثها لـ"عربي21": "لا يوجد أي تدل نفسي فعال حاليا، والتأثير خلال الحروب كبير جدا، ويؤدي إلى اضطرابات كبيرة مثل الاكتئاب والقلق وكرب ما بعد الصدمة، وهو ما قد يتطور لشيء أخطر مثل اضطراب ثنائي القطب، والفصام العقلي، واضرابات النوم ونوبات الهلع".

 وتضيف أن "الحرب الحالية تأثيرها أصعب وأقوى، ولا يوجد أي إمكانية لتدخل نفسي، لأن الاحتياجات الأساسية غير متوفرة، إذ أن الجانب العقلي والنفسي أصبح بمثابة رفاهية يصعب التعامل معها أو حتى توفيرها، وعلى المدى البعيد، ستكون الآثار كارثية وصعبة وقاسية جدا".

وتكشف أن الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة واردة في قطاع غزة بشكل كبير، لأنها يمكن أن تحدث بمجرد السماع بالحوادث الأليمة أو حتى مشاهدتها عبر التلفاز، مشيرة إلى أن الكثير من متابعي منصات التواصل يعانون من هذه الاضطرابات بسبب المشاهدة فقط، وهذا التأثير على أشخاص خارج الحدث، بينما يكون أكثر شدة على الذين يعشون هذا الحدث الصادم.

وتتابع بقولها: "كرب ما بعد الصدمة ينتج عنه أحلام وكولبيس وذكريات سيئة مستمرة، ما يدفع المريض إلى حالة تجنب للأماكن والأشخاص وأي أحد يذكره بهذا الحدث، ما يخلق بدوره نظرة سلبية تجاه الواقع والحياة وقد يؤدي ذلك إلى تبلد للمشاعر والعواطف".

وتؤكد أن الصدمة في قطاع غزة معقدة وهي أصعب أنواع الصدمات النفسية التي يمكن أن يواجهها الإنسان في حياته، موضحة أنها "صدمة مركبة، لأن ما يحدث في غزة لم يحدث سابقا، وكل شخص معرض لكرب ما بعد الصدمة".

وبحسب زقوت، فإن أكبر التحديات التي كانت تواجه قطاع غزة قبل الحرب، هو قلة خدمات الصحة النفسية، منوهة إلى أن أكثر من 70 طفلاً في غزة يعانون من اضطرابات النوم.

حالة من عدم اليقين
وتشير إلى أن الأطباء والمعالجين النفسيين في غزة بحاجة أيضاً بعد هذه الحرب إلى إعادة تأهيل، لأنه ليس من السهل معاودة العمل وهم من ضمن الأشخاص الذين تعرضوا للصدمة".



بدوره، يقول الطبيب في برنامج غزة للصحة النفسية بهزاد الأخرس إن "الحرب تخلق حالة من عدم اليقين، وتؤسس للشعور بالقلق ثم اضطرابات القلق نفسها".

ويوضح الطبيب بهزاد لـ"عربي21" أن هذه الاضطرابات تأتي بسبب "جهل الشخص بمصيره وسط حالة كبيرة من الخوف"، مضيفا أن "هذه الحرب تخلق تساؤلات عديدة متعلقة بالنجاة ومصير المنزل وخسارة الأحباب والأقارب وهل هناك المزيد من النزوح وكل الظروف السيئة المصاحبة لها".

وعن تأثير هذه الظروف، يبين الطبيب أن "حالة الخوف المتكرر تجعل الإنسان في حالة طوارئ نفسية دائمة، ما تجعله يعجز عن التخطيط للمستقبل وغير قادر على الاسترخاء أو الشعور بالسعادة، وهو دائما في وضع النجاة، وعضلاته مشدودة وعينه زائغة ويعاني من الصداع، وهو ما يؤثر على الصحة الجسدية بشكل عام".

ويؤكد أن الناجيين من الحرب تتراكم لديهم بعض الأزمات النفسية ومنها الشعور بالذنب، خصوصا لغير المتواجدين داخل قطاع غزة أو الذين سافروا وفقدوا بعضا من أفراد عائلاتهم، قائلا: "نحن نسمي ذلك عقدة الناجي الذي يلوم نفسه وتعصف به التساؤلات وجلد الذات".
 
ويشرح الطبيب بهزاد أن "اضطراب أو كرب ما بعد الصدمة  يكون بتعرض الشخص لحدث صادم مفاجئ مهدد للحياة، ثم يبدأ بعد أكثر من شهر بتطوير أعراض مثل إعادة استرجاع الحدث، كأنه بعيشه لأول مرة بنفس الأعراض الجسدية، فيصبح يتجنب الحديث عن الحدث وكل ما يذكره به".

ويبين أن "هذا لم يحدث بغزة حتى الآن بشكل دقيق بسبب استمرار الحدث وتكرره كل سنتين، وأيضا بسبب استمرار الحرب الحالية.. ونحن الآن في حالة تسمى الصدمة المستمرة ضمن حرب غير مسبوقة".

ويستكمل حديثه قائلاً: "هناك نقاش دائم أن اضطرابات ما بعد الصدمة تكونت بناء على معايير أمريكية وغربية، لكن يمكن تعميمها على غزة".

وعن كيفية ظهور أعراض الاضطراب النفسي، يشرح الطبيب أنه يكون "على الأطفال بأعراض واضحة مثل التبول اللا إرادي والعزلة والوحدة والبكاء خلال الليل، والتعلق بالأبوين ونوبات الصراخ وعض الأظافر".

بدء العلاج النفسي مهم
وعند الكبار يكون بظهور "فكرة التجنب وعدم الحديث عن الحدث وذكرياته والمكان.. وحتى تجمهر الناس حول الأحداث وأماكن القصف لا ينفي وجود التجنب، إنما هو يحدث ويتم التعبير عنه بطريقة مختلفة".

ويحذر أنه "لا يجب انتظار ما بعد الحرب من أجل بدء العلاج النفسي.. مصيبة إذا لم يوجد بعد الحرب علاج، ومنذ بداية الحرب نحن نعيش أزمة ولم تدخل أي أدوية نفسية للقطاع، ومرضى الاضطرابات النفسية الأخرى منتقطعين عن الأدوية الخاصة بهم لأكثر من شهرين وثلاثة شهور، وهناك مرضى وصلوا إلى انتكاسات وحدة أعراض غير مسبوقة".

إضافة إلى ذلك، يكشف الطبيب الأخرس أنه تم "تسجيل العديد من الاضطرابات الذهانية بخلاف اضطرابات القلق والاكتئاب، وحاليا لا يوجد علاج دوائي والخدمات النفسية شحيحة ومحدودة ولا يوجد أي علاج فعال نفسي حاليا، ولأن اول خطوة في علاج الصدمة هو وقف الحدث الصادم".

كما حذر أنه "بعد الحرب حال لم يوجد علاج نفسي شامل سيكون هناك كارثة وهناك 2 مليون انسان بحاجة إلى تأهيل من حالة الفقدان التي أصابتهم والنزوح وخسارة البيوت، أيضا بسبب الجروح الجسدية التي تترك أثرا نفسيا".



ويضيف: "هناك حاجة لتأهيل المعتقلين الذين تم التنكيل بهم والظروف غير الإنسانية التي مروا لها من ضرب و تعذيب وإهانة ونزع الإنسانية عنهم، وحال لم يتم علاج نفسي شامل لكل المجتمع، سنعيش في التبعات السلبية لسنوات وسنوات، وربما لا يمكن للتعافي منها ويتم تمريرها للأجيال القادمة".

ويشير إلى أنه "كلما طالت الحرب كانت الآثار النفسية أصعب وأشق، سواء كانت مباشرة بسبب الحروب والانفجارات والقنابل والأسر والتنكيل، أو غير مباشرة بسبب النزوح والمعاناة في الملاجئ ومراكز الإيواء ونقص الرعاية الصحية".

ويؤكد أنه عندما "يخسر الإنسان بيته الذي تربى فيه وكل ذكرياته فهو يفقد مفهوم الشعور بالأمان والسلامة في بنيته النفسية، ويصير ينظر إلى العالم على أنه مكان غير آمن ومهدد للحياة وخطر، وبدلا من التفاعل فيه يتجه الشخص إلى الانعزال، وسط معاناة من أعراض الشك والريبة والقلق، ويعمل على فصل الإنسان عن ذكرياته وبعيش في حالة حسرة وتصاب في بنيته النفسية مفاهيم الأمن والسلامة".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية غزة مجازر الاحتلال الحرب غزة الاحتلال مجازر الحرب اثار نفسية المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحرب الحالیة ما بعد الصدمة قطاع غزة لا یوجد إلى أن

إقرأ أيضاً:

من أجل الضغط على حماس الاحتلال يدرس إعادة اعتقال الأسرى المحررين

كشفت وسائل إعلام عبرية، الإثنين، أن السلطات الإسرائيلية تبحث اتخاذ خطوة تصعيدية جديدة تتمثل في إعادة اعتقال أسرى فلسطينيين كانت قد أفرجت عنهم ضمن صفقات تبادل سابقة مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وذلك في محاولة للضغط على الحركة للقبول بشروط تل أبيب لعقد اتفاق تهدئة جديد.

وذكرت القناة 12 الإسرائيلية أن هذه الخطوة تأتي في أعقاب سلسلة إجراءات تصعيدية، من بينها منع إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وقطع التيار الكهربائي عن منطقة المواصي، مشيرة إلى أن الخطة المطروحة تركز على إعادة اعتقال عشرات من الأسرى المحررين، لا سيما أولئك الذين أُفرج عنهم ضمن اتفاقات تبادل خلال الحرب الجارية منذ أكثر من 19 شهراً، وتمت إعادتهم إلى الضفة الغربية والقدس.

وأوضحت القناة أن هذه الخطوة طُرحت في اجتماعات سابقة للمجلس الوزاري الأمني المصغر (الكابينت)، لكنها قوبلت برفض متكرر من المؤسسة الأمنية الإسرائيلية التي اعتبرتها غير مجدية. إلا أن الضغوط المتزايدة من بعض الوزراء، خصوصاً وزير المالية اليميني المتطرف  بتسلئيل سموتريتش، أعادت إحياء المقترح في الأيام الأخيرة.

ومن المقرر أن يناقش "الكابينت" الإسرائيلي، في اجتماعه المقبل غدا الثلاثاء، عدداً من الملفات البارزة، على رأسها تحديد موعد نهائي للوسطاء وحركة "حماس" للرد على المقترح الأميركي الأخير الذي قدّمه المبعوث الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، ويتضمن إطلاق سراح عشرة من الأسرى الإسرائيليين مقابل التفاوض على إنهاء الحرب.


وأكدت القناة أن "إسرائيل" تعتزم، في حال عدم التوصل إلى اتفاق بحلول الموعد المحدد، الانتقال إلى "مرحلة جديدة من القتال"، مع تغيير جوهري في أهدافها، من التركيز على ملف الأسرى إلى السعي لهزيمة "حماس" عسكرياً بشكل كامل، كما كان هدفها المعلن قبيل وقف إطلاق النار المؤقت.

ويأتي هذا التصعيد في ظل إصرار الاحتلال الإسرائيلي على رفض شروط "حماس" المتمثلة في وقف الحرب بشكل دائم وانسحاب الاحتلال من قطاع غزة، رغم أن الجانبين أبرما سابقاً اتفاقاً جزئياً لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بوساطة مصرية وقطرية، وبدعم أمريكي، دخل حيّز التنفيذ في 19 كانون الثاني/يناير الماضي وانتهت مرحلته الأولى في 1 آذار/مارس الماضي.

وقد شهدت المرحلة الأولى من الاتفاق الإفراج عن 1777 أسيراً ومعتقلاً فلسطينياً، إلى جانب أسير أردني واحد، موزعين على سبع دفعات. 

وشملت الدفعة السابعة والأخيرة إطلاق سراح 642 أسيراً، من بينهم 151 محكوماً بالمؤبد أو بأحكام طويلة، و445 معتقلاً من قطاع غزة احتُجزوا بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، إلى جانب 46 من الأطفال والنساء.

ووفقاً لمعطيات "نادي الأسير الفلسطيني"، فقد شملت القوائم المُفرج عنها خلال المرحلة الأولى: 285 أسيراً محكوماً بالسجن المؤبد، و1046 معتقلاً من غزة، و69 طفلاً، و71 امرأة، و41 من كبار السن.


إلا أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي، برئاسة بنيامين نتنياهو، تنصّلت لاحقاً من الالتزام بالمرحلة الثانية من الاتفاق، واستأنفت عدوانها على غزة في 18 آذار/مارس الماضي، تماشياً مع توجهات الجناح الأكثر تطرفاً داخل الائتلاف الحاكم، بحسب الإعلام العبري.

ويواصل الاحتلال الإسرائيلي، بدعم أميركي غير مشروط، حرباً توصف بأنها "إبادة جماعية" ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أسفرت عن استشهاد أكثر من 168 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، إلى جانب أكثر من 11 ألف مفقود تحت الأنقاض، في ظل دمار واسع وانهيار شبه تام للمنظومة الإنسانية والصحية في القطاع المحاصر.

مقالات مشابهة

  • ارتفاع حالات الإصابة بحمى الضنك وسط تحذيرات من تفشي المرض
  • بيت حانون تواصل المقاومة.. إصابة 3 جنود إسرائيليين في هجوم مباغت
  • من أجل الضغط على حماس الاحتلال يدرس إعادة اعتقال الأسرى المحررين
  • التعليم في غزة تحت وطأة الحرب والحصار
  • فيديو.. نتنياهو في مرمى الانتقادات بسبب "حفل حناء"
  • 44 شهيدًا في مجازر جديدة بغزة.. والقسام تكشف تفاصيل كمين “كسر السيف” شرق بيت حانون
  • جمود في مفاوضات إسرائيل وحماس بسبب عدم الاتفاق على شروط إنهاء الحرب
  • 25 شهيدا في مجازر الاحتلال المتواصلة بقطاع غزة
  • وزيرة فلسطينية: يجب وقف حرب الإبادة وإدخال المساعدات لأهالي غزة
  • كوارث صحية في غزة .. وأزمات انسانية طاحنة