لا نزال أحياء ولكن مات فينا كل شيء.. يوميات نازحة في رفح
تاريخ النشر: 29th, January 2024 GMT
مع بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بدأت القنوات والوكالات العالمية والنشطاء بتوثيق معاناة أهالي غزة وما يتعرضون له من حرب إبادة ونزوح قسري في ظل القصف الإسرائيلي المستمر على القطاع منذ 113 يوما.
ولكنْ هناك قصص لا توثقها عدسات المصورين، فيدونها أصحابها عبر حساباتهم على منصات التواصل الاجتماعي، فيكتبون يومياتهم مع حياتهم الجديدة في النزوح، والمعاناة التي يعيشونها في مسكنهم الجديد.
نور عاشور النازحة من شمال قطاع غزة إلى رفح تكتب يومياتها وما يصادفها خلال يومها من قصص النزوح اليومية عبر حسابها على منصت "إكس".
نور هذه المرة كتبت قصة صديقتها شيماء. وبدأت تغريدتها بالقول: "صديقتي شيماء من مخيمات النازحين كتبت"، وسردت نور معاناة صديقتها في رحلة النزوح وما تشعر به في ليالٍ عاصفة ماطرة شديدة البرودة، حتى بزوغ أول شعاع الشمس في مسكنها الجديد "الخيمة" في مكان نزوحها في رفح.
وتصف شيماء ساعاتها الأولى مع دخول الليل وغروب الشمس بالقول: "ساعاتٌ طويلة من الليل نقضيها في مكان مظلم وضيق، أجلس في زاوية الخيمة بعد أن افترشت ما تيسر من الأغطية التي لا تقي بردا، وفي حضني طفلاي الصغيران في محاولة مني تدفئة جسديهما الصغيرين، بعد يوم طويل صعب قضيناه في مخيم النزوح الذي يفتقر لأدنى مقومات الحياة".
إذن شيماء هي أم لطفلين، وكأي أم تحاول أن تهوّن عليهما حياتهما الجديدة التي لم يألفوها من قبل. وتقول شيماء: "طفلاي يختبران صبري بأسئلتهما المتكررة التي لا أملك لها إجابة. أين بيتنا؟ وماذا حل به؟ لم تم استهدافه؟ وهل بقيت ألعابنا؟ متى سنعود ولم نحن هنا؟ أهوِّن على قلوبهم الصغيرة، بل على نفسي بأن القادم أجمل".
صديقتي شيماء من مخيمات النزوح تكتب :
ليالٍ عاصفة ، ماطرة شديدة البرودة بل أشد منها سواداً.
بمجرد غروب الشمس يلوذ الجميع الى مكانه المخصص للمبيت ، حتى بزوغ أول شعاع شمس.
ساعاتٌ طويلة من الليل نقضيها في مكانٍ مظلمٍ وضيق ، أجلس في زاوية الخيمة بعد أن افترشت ما تيسر من الاغطية التي… pic.twitter.com/ku3CIEKC4H
— نور عاشور (@NoorMAshour) January 27, 2024
ومن أبسط حقوق الطفل أن يذهب إلى المدرسة واللعب مع أصدقائه، ولكن هذه الحياة الطبيعية أصبحت من الماضي والذكريات لدى أنس بن شيماء الأكبر. وقول الأم في يومياتها: "يبدأ ابني أنس بسرد ما يجول في ذاكرته من ذكريات عاشها قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي. أصدقاؤه، مدرسته، مشاويرنا معا، يسرد ويتبعها بقول (بتتذكري يا ماما؟) أتذكر يا صغيري وكيف لي أن أنسى!. في الوقت الذي يتمنى فيه الأطفال امتلاك لعبة جديدة أو الذهاب إلى مدينة الملاهي، يطلب مني أنس "ماما أمانة بس تخلص الحرب بدي صينية دجاج بالخضار اللي كنتي تعمليلي ياها".
ويستمر الحديث بين الأم وابنها عن الماضي والذكريات والحياة الجميلة التي كانوا يعيشونها في بيتهم في شمال قطاع غزة، ولكن هناك صوت صغير قاطع حديثهما؛ إنه صوت أمير ابنها الأصغر الذي أنهكه البرد، حيث يخبرها بشعوره بالبرد بالقول: "ماما بردان". هنا يعيد أمير أمه لحياة النزوح القاسية، والواقع المرير في خيمة لا تقيهم الشتاء القارص، فتقول شيماء: "هنا أبدأ بفرك قدميه الباردتين حتى يدفأ وينام"، وتقصد أمير. وتكمل: "أعتذر منكم يا صغيري بالنيابة عن كل من خذلنا وتآمر علينا، أعتذر منكم على كل ما عشتموه، أعتذر على كل ذكرى مؤلمة طُبعت في ذاكرتكم، أعتذر لأني وقفتُ عاجزة أمام كل ما يجري، لا ذنب لكم سوى أنكم من بقعة جغرافية لا يراها ولا يسمع صوتها أحد.. وتكمل شيماء قصتها مع ليل النزوح وتقول: "ينام طفلاي الصغيران ولا أستطيع أن أغفو".
وبعد أن ينام الطفلان تجلس شيماء مع نفسها وبيدها هاتفها الذي يعيدها إلى حياتها التي كانت تعيشها مع أسرتها وأصدقائها قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، تقلّب بين الصور، وتقول: "أقضي الوقت في تقليب صور الهاتف، أُحدّق في كل صورة، فتنهمر مني الدموع شوقا وحزنا ووجعا، يختلط تفكيري ما بين ماضٍ لم يبق منه شيء وبين مستقبل مجهول لا أعلم خفاياه، بعد أن توقف كل ما كنت أسعى لأجله".
وتكمل شيماء في كتابة ذكرياتها مع النزوح بالقول: "لم تكن خشونة العيش جديدةً علينا، ولكننا الآن نكتشف أبعادا جديدة للبؤس، إننا نفعل الآن ما لم نكن نتصور من قبل أننا سنفعله، إننا ننحدر بسرعة إلى حيثُ لا يبقى غير غريزة البقاء بأي ثمن. أنا وغيري في هذه المدينة المنكوبة لا حيلة لنا وليس بوسعنا شيء، ولكني على يقين بأنه إن تغافل عنا العالم بأسره فإن الله لن يضيعنا ولن ينسانا، وأن فرج الله ونصره قريبان وعوضه كبير كبير".
وتختتم شيماء رسالتها التي نقلتها نور عاشور بالسؤال: لمن يهمه حالنا؟، فتجيب: "نحن لا نزال أحياء، ولكن مات فينا كل شيء! والله عاش من مات ومات من نجا".
هذه قصة كتبتها نازحة من أهالي غزة التي هجرها الاحتلال الإسرائيلي قسرا من منزلها، إلى خيمة تسكنها لا توفر لها ولطفليها أدنى مقومات الحياة الكريمة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: بعد أن
إقرأ أيضاً:
ولكن من الذى كتب مخطوطة «الأسد والغواص»؟
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
بعد أن قرأت رواية "الغواص" للدكتورة ريم بسيوني كان التساؤل الذى يدور بينى وبين نفسى هو لماذا اختارت هذه الروائية الإمام الغزالي لتكتب قصة حياته بكل تفاصيلها وظلت فترة الإجابة غير كافية لكنني اقتنعت أخيرا بأنها لم تختار الإمام الغزالي لتكتب رواية الغواص ولكنه هو الذى جذبها بقوة إليه وهذا ما صرحت به الروائية فى حوارات كثيرة عندما دار تساؤل حول خلفية كتابتها لهذه الرواية فكانت تحكى قصة حقيقية حدثت لها وهى أنها عندما كان عمرها ثمانية عشر عاما وكانت وقتئذ طالبة فى القسم الأدبى بالمرحلة الثانوية درست فى مادة الفلسفة رحلة الإمام من الشك لليقين فأعجبتها رحلته جدا فقررت بعدها أن تقرأ كتابه "المنقذ من الضلال" وقالت إنها فى هذا العمر الصغير توهمت أنها فهمت كل مافيه تماما وبكل ثقة اعتقدت أيضا أنها عرفت سيرته الذاتية والعقلية والروحية من هذه القراءة الأولى لكنها أضافت قى نفس حوارها أنها بعد عشرة أعوام تالية على هذه القراءة قررت أن تعيد قراءتها لهذا الكتاب مرة ثانية فاكتشفت أنها لم تفهم مسيرته الفكرية والروحية كما تصورت وتأكدت أن رؤيتها كانت قاصره فاضطرت أن يكون التأنى هو منهجها حتى تفهم سياحته الداخلية في أعماق نفسه، والتى أراد منها أن يبين كيف انتهى إلى ما انتهى إليه فى كتابه المنقذ من الضلال بعد معاناة شاقة في آفاق التفكير والبحث عن المعرفة اليقينية.. ثم ذكرت أنها بعد عشرة أعوام أخرى عندما أعادت قراءة هذا الكتاب مرة ثالثة اكتشفت للأسف أنها أيضا لم تفهم مراد هذه الشخصية ذات العمق الفكري والفلسفى والصوفي فقررت أن تقرأه بتمهل وعناية لكى تفهم مقصده من هذا الكتاب.
الأجمل انها عندما قررت أن تكتب الرواية عن هذا الإمام العبقري قرأت هذا الكتاب مرة رابعة ضمن قراءتها لكل مؤلفاته فاكتشفت انها كانت يجب ان تفهم كتاب المنقذ من الضلال بشكل اعمق فاضطرت أن تدرس كل كلمة يقولها فى هذا الكتاب وتبحث فى مؤلفاته الأخرى لتفهم مراده!.
ومن أجمل ما قالته انك اذا أعدت قراءة اى كتاب للإمام الغزالي تكتشف أن به فكرة ورؤية جديدة.لكن الأغرب هو أنها أيضا انجذبت بشدة لرفيقة دربه بقوة أكثر من انجذابها للإمام الغزالي وكتبت تفاصيل لقاء الفتاة الجميلة ثريا لتصبح شريكة رحلته الطويلة وزوجته بأسلوب سلسل وجميل بل وأرجعت كتابة المخطوطة المصورة التى تم تداولها بعنوان "الأسد والغواص"والتى لم يكن يعرف أحد شيئا عمن كتبها الا بعد أن كتب عالم أجنبي كتابًا عن فلسفة أبي حامد الغزالي وقال فيه أن بطل مخطوطة الأسد والغواص يحاكي الغزالي في شخصيته ومصيره وبذكاء الكاتبة توقعت ان كاتبة هذه المخطوطة زوجته ثريا ولم توضح رأيها هذا الا فى نهايه الرواية بقولها:
" وصلت لنا مخطوطة من حكاية الأسد والغواص دون ذكر اسم المؤلف، ولكن كلمات الغزالي وأفكاره وسيرته كانت تصاحب من ألفها كأنه أقرب إليه من أي إنسان" وهى تقصد زوجته كما صرحت هى فى أحاديثها.
أكتفي بهذه الأجزاء من القراءة فى رواية الغواص.