حلمي النمنم في ندوة التنسيقية: الهوية المصرية ثابتة وراسخة بعمق التاريخ
تاريخ النشر: 29th, January 2024 GMT
قال الكاتب الصحفي حلمي النمنم، وزير الثقافة الأسبق، إن معرض الكتاب يعد عيدا من الأعياد الوطنية المصرية وتشارك فيه العديد من مؤسسات الدولة، وأصبح تقليدًا راسخًا، فكل الدول العربية أصبحت تحرص على أن يكون لها معرض على غرار معرض القاهرة الدولي للكتاب، موضحًا أن الهوية المصرية ثابتة وراسخة بعمق البلد والتاريخ، فهذا البلد شهد أزمات كثيرة أشدها كانت في 1967، ومع ذلك استطاعت مصر إعادة بناء القوات المسلحة وتحقيق انتصارا كاسحًا عام 1973.
وأشار إلى أن الهوية تأتي من منطلق الجغرافية المصرية، فهي جغرافية جاذبة بسبب نهر النيل، ومصر البلد الوحيد الذي تحول فيها نهر النيل إلى حضارة وهذا يعود إلى العبقرية المصرية التي استطاعت أن تروض هذا النهر، موضحًا أن العبقرية المصرية استطاعت أيضا مقاومة البلهارسيا الآتية من النهر والقضاء على فيروس سي بعدما كنا أعلى بلد في العالم لديها نسبة كبيرة في فيروس سي، مشيرًا إلى أن منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة أكدت خلو مصر من الفيروس، واستطعنا بمشروع قومي قدمه الرئيس عبد الفتاح السيسي التخلص من هذا الفيروس، فنحن أقوى من كل أزمة بثقافتنا وميراث البناء وتجاوز الأزمات والمقاومة والتحدي ومواجهة أي أزمة أيًا كانت، فالشعب المصري يقاوم كل الأزمات لأننا لدينا ميراث المقاومة والتحدي.
ندوة تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين في معرض الكتابجاء ذلك خلال ندوة نظمتها تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين ندوة بعنوان: «التراث الثقافي ودوره في ترسيخ الهوية المصري»، وذلك على هامش معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ55.
أدار الندوة، النائب نادر مصطفى، وكيل لجنة الإعلام والآثار والثقافة بمجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، وشارك فيها كل من الدكتور أحمد بهي الدين، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، الدكتور حلمي النمنم، وزير الثقافة الأسبق، النائب عمرو عزت، عضو مجلس الشيوخ عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، الدكتورة نهلة إمام، مستشار وزير الثقافة لشؤون التراث اللامادي.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: التنسيقية حلمي النمنم النواب معرض الكتاب تنسیقیة شباب الأحزاب والسیاسیین
إقرأ أيضاً:
تأملات في الكتابة عن العبقرية
في إحدى زياراتي إلى شارع المتنبي، أهداني صديقٌ كتابًا مترجمًا عن ليوناردو دافينشي، من تأليف والتر إيزاكسون وترجمة محسن بني سعيد. فأثار فضولي: كيف يمكن لمؤلفٍ أن يعالج شخصية موسوعية بحجم دافينشي دون الوقوع في شرك الإعجاب المبالغ فيه؟
إنّ التصدي لكتابة سيرة رجلٍ تُجمع الألسن على عبقريّته مغامرة قد تجرّ إلى درك التمجيد. فالتاريخ حافل بسِيَرٍ تحوّلت فيها الشخصيات إلى رموزٍ معصومة، بعيدًا عن التناقضات الواقعية. ولعلّ كتاب جورجيو فازاري حياة الفنانين «1550» مثال على الهالة الأسطورية التي أُضفيت على عمالقة النهضة، ما يفسّر جزئيًّا الأسعار الخيالية لأعمالهم اليوم، كبيع لوحة سلفاتور مندي المنسوبة لليوناردو بقيمةٍ قاربت 450 مليون دولار.
يعتمد إيزاكسون في كتابه منهجًا يجمع بين التأريخ والتحليل، متتبعًا أعمال ليوناردو ومشاريعه، من رسومٍ ولوحاتٍ وصولًا إلى ابتكاراته الهندسية. يُضيف بذلك بُعدًا علميًّا يبني على أحدث الاكتشافات، مثل نسب والدته الحقيقي، واكتشاف لوحة مبكرة للقديس سباستيان في مزادٍ فرنسي عام 2016، إلى جانب تحليلٍ بالأشعة تحت الحمراء يكشف عن فروقٍ بين نسختي عذراء الصخور. ويؤكّد المؤلّف أيضًا أنّ حقبة النهضة كانت زمنًا للعمل الجماعي، حين تلاقحت المواهب في ورشٍ مشتركةٍ تحتضن العقول المتقدة، فلا تكون العبقرية حِكرًا على فردٍ بعينه.
وقد جاءت سيرته أشبه برصد متحمّس لكل مشروع تبنّاه ليوناردو، لا بوصفها تأريخًا لحياته فحسب، بل استقصاءً لرحلة إبداعه. وليس في ذلك مأخذ، بل يُحمد للكاتب أنه يضع بين يدي القارئ أحدث ما توصل إليه الباحثون المعاصرون، من إثبات نسب والدته الحقيقي، إلى الكشف عن لوحة مبكرة للقديس سباستيان عُثر عليها في دار مزادات فرنسية عام 2016، فضلًا عن تحليل الأشعة تحت الحمراء الذي كشف الفروق بين نسختي عذراء الصخور.
كذلك، لا يغفل الكاتب عن الإشارة إلى طبيعة الفن في عصر النهضة، مؤكدًا أنّ العبقرية الفردية لم تكن وحدها المحرك، بل كان العمل الفني ثمرة ورش جماعية، حيث تتلاقى العقول وتتضافر الجهود، ليولد الإبداع من روح الجماعة لا من فردية النبوغ وحدها.
ولعلّ أبرز إنجاز لإيزاكسون هو رسم صورة ليوناردو فنانًا مسكونًا بالكمال حدّ الوسواس؛ إذ ينوء تحت وطأة مشاريعه التي لا تُستكمَلُ إلا بشقّ النفس، كما في التمثال الفروسي الضخم للودوفيكو سفورزا في ميلانو، والجدارية العظمى لمعركة أنغياري في فلورنسا، وحتى مشروعه الطموح لتغيير مجرى نهر أرنو. ويخصّص الكاتب مساحةً واسعةً لتحليل تنظيرات ليوناردو حول فن الرسم، مقارنًا إياها بلوحاته الباقية. وتبرز جرأته في مخالفته بعض المختصين، كما في تفسير الإصبع البارزة في لوحة القدّيس يوحنا المعمدان في متحف اللوفر، إذ يصرّ على أنها ابتكارٌ متعمَّد. وحتى إن لم نقتنع ببعض هذه الاجتهادات، فإنّ الكتاب يبهرنا بالرسومات الملونة واللوحات المدمجة التي تُعين القارئ على تتبع أفكار المؤلّف خطوةً خطوة، ولا سيما عندما يشرح تقنية سفوماتو التي جعلت لوحات ليوناردو تنبضُ بالحياة.
لكن لهذا التركيز الشديد سلبياته؛ إذ يقع إيزاكسون في شرك الحماسة المفرطة لعبقرية ليوناردو، ويورد إشاداتٍ قد تُبخس حقَّ معاصريه وأسلافه. ففي حقبته الفلورنسية الأولى، على سبيل المثال، لا نجد تفصيلًا وافيًا لأثر جوتو وماساتشيو، اللذين أثّرَا في تطوُّر فن الرسم وشكّلا أرضيةً ألهمت ليوناردو نفسه. ولعل السبب هو قناعة الكاتب بفكرة «العبقرية الخالدة عبر التاريخ»، إذ يرى في ليوناردو مثالًا فذًّا لا يحتاج إلى إرثٍ سابق. إلا أنّ هذه النظرة قد تغفل التراكمات الحضارية والعلمية التي أسهمت في تطوّره.
وفي هذا السياق، يلمّح إيزاكسون إلى أنّ ليوناردو سبق غاليليو ونيوتن في منهج البحث القائم على الملاحظة والتجريب، لكنه يتجاهل الجذور التي أرساها ابن الهيثم وجان بوريدان وغيرهما ممن وضعوا الأسس الأولى لنظريات الحركة. وليس لأحدٍ أن ينكر سبق ليوناردو في كثيرٍ من الجوانب، غير أنّ إغفال عناصر التأثر لا يزيد الصورة إلا تشويهًا بدلًا من أن يضفي عليها وهجًا مستحقًا.
وفي القسم الأخير من الكتاب، يستشهد المؤلف بعبارة شهيرة من إعلانٍ لشركة أبل، كتبها ستيف جوبز: «الذين هم مجانين بما يكفي ليعتقدوا أنهم قادرون على تغيير العالم، هم الذين يفعلونه حقًّا». ثم يمضي في نثر نصائح تحفيزية، تُضفي على الكتاب طابعًا احتفائيًا بالعبقرية، ولو كان ذلك أحيانًا على حساب حقائق التاريخ وسياقه الأشمل.
وإن كانت هناك مآخذ على تركيز الكتاب على عبقرية ليوناردو الفردية وإغفال السياق الأوسع، فإنّه يظلّ علامةً بارزةً فيما كُتب عن هذه الشخصية في المكتبة المعاصرة.
ومن الطبيعي أن يركّز إيزاكسون على ما يراه الأجدر بالاهتمام في شخصيةٍ فذّةٍ يصعب الإحاطة بكل أبعادها في مجلدٍ واحد. ورغم أنّ الكتاب تجاوز 800 صفحة، فإنّ القارئ الحصيف سيجد نفسه مدفوعًا للبحث عن مصادر أوسع، تتيح له رؤية أشمل للفترة التاريخية التي تألّق فيها ليوناردو، وتكشف عن بيئته الثقافية والاقتصادية التي أثّرت في إبداعه.
لقد نجح والتر إيزاكسون في إماطة اللثام عن جانبٍ كبيرٍ من عبقرية ليوناردو، وإنْ كان قد اكتفى أحيانًا بمقاربةٍ تُعلي من شأن الفرد على حساب تراكمات التاريخ. وبفضل الترجمة، ينفتح أمام القارئ العربي أفقٌ معرفيٌّ ثريٌّ حول شخصيةٍ يصعبُ حصرها في مجالٍ واحد، ليكتشف، في تفاصيل السيرة، كيف كانت مخيلة ليوناردو الجامحة وراء اختراعاتٍ حلّقت بأفكار البشر إلى آفاقٍ جديدة. وإذا أيقظ هذا الكتاب في أنفسنا الرغبة في تعميق البحث واستكشاف جذور عصر النهضة وامتداداته، فقد حقّق غايته، إذ إنّ الكشف عن عبقرية فنانٍ بحجم ليوناردو ليس غايةً في حد ذاته، بل مدخلٌ للتأمّل في رحلة الإبداع الإنساني، وفي الكيفية التي يرسم بها التاريخ ملامح من يُعدّون مناراتٍ ساطعةً في مسيرة الحضارة البشرية.