هذا السؤال يطرحه كثيرون سواء من الذين يتحسرون عمّا فات ويعتبرون أن الشعب قد تخلى عن "ثورته"، أو من الذين يسألون من باب الإغاظة ليؤكدوا بأن المتكلمين في الثورة لم يكونوا ثوريين.
لقد بات واضحا أن الاحتجاجات ضد إجراءات قيس سعيد أصبحت نخبوية؛ يقوم بها قادة سياسيون وعدد من المدافعين عن الحقوق والحريات، ولم تعد للجماهير مشاركة حقيقية في التعبير عن رفض سياسات قيس سعيد رغم سوء الأوضاع الاجتماعية ورغم المحاكمات التي لم يسلم منها حتى نشطاء الفضاء الافتراضي.
ولتفسير هذه الوضعية بعيدا عن التشاؤم وعن الأوهام، علينا فهم دوافع تحركات تلك الجماعير منذ 2011 إن كانت تحركات مقاومة للنظام السياسي القائم يومها أم كانت تحركات سلمية لتحسين الأوضاع الاجتماعية، ثم حتى بعد هروب بن علي ودخول البلاد مرحلة التجريب الديمقراطي، هل كانت تلك الجماهير إذ تخرج للشوارع تريد إسناد الديمقراطية أم تريد الحسم الثوري في الدولة العميقة؟
اعتبار الحراك السياسي الذي حدث بعد كانون الثاني/ يناير 2011 ثورة، سيسمح بطرح السؤال عن مدى وفاء جمهور الثورة لثورته، وسيكون الحديث عن غدر بالثورة أو عن نكاية في الثوريين بعد 25 تموز/ يوليو حديثا ذا معقولية.
علينا فهم دوافع تحركات تلك الجماعير منذ 2011 إن كانت تحركات مقاومة للنظام السياسي القائم يومها أم كانت تحركات سلمية لتحسين الأوضاع الاجتماعية، ثم حتى بعد هروب بن علي ودخول البلاد مرحلة التجريب الديمقراطي، هل كانت تلك الجماهير إذ تخرج للشوارع تريد إسناد الديمقراطية أم تريد الحسم الثوري في الدولة العميقة؟
ولكن علينا أن نسأل: هل كان فعلا جمهور انتخابات التأسيسي ذات تشرين أول/ أكتوبر 2011 جمهورا ثوريا أم كان جمهورا ديمقراطيا؟ يمكن أن يحاججنا صديق بأن الديمقراطية هي ترجمة سياسية للثورة، وبأن الثورة هي أم الديمقراطية، وهو حجاج وجيه نظريا، ولكن السؤال بكل بساطة هو حول مدى ثورية جمهور التأسيسي، وهل كان خروجه المتكرر للشارع دفاعا عن نتائج الانتخابات واحتجاجا على ممارسات التعطيل، أم كان بنيّة المواجهة مع خصوم الديمقراطية وأعداء الثورة؟
أعتقد أن الناس لم يكونوا ينوون مواجهةً مادية مع معطّلي استحقاقات سياسية أنتجتها انتخابات نزيهة، ولم يكونوا يفكرون في بسط الأمن وفرض الشرعية بالغلبة، بل كانوا من خلال حضورهم المتكرر في الشارع يريدون إبلاغ رسالة للداخل وللخارج؛ مفادها أن الديمقراطية لها أنصار كثيرون وأن نتائج انتخابات 2011 و2014 و2019 لا يمكن القبول بإلغاء استحقاقاتها السياسية. فقد شهدت البلاد أحيانا انقسام الشارع بين جمهورين، جمهور مساند لحكومات الفوز الانتخابي، وجمهور معارض يريد إسقاط تلك الحكومات إذ يراها فاشلة اجتماعيا وأمنيا، غير أن الشارعين لم يتصادما لا مع بعضهما ولا مع أجهزة الدولة التي كانت تضبط تلك التحركات الشعبية لمنع الفوضى والعنف.
هذا التوصيف يجيب عن سؤال: أين "اختفى" جمهور "الثورة" بعد 25 تموز/ يوليو 2021؟ فهذا الجمهور لم ينطلق منذ كانون الأول/ ديسمبر 2010 بخيار المواجهة مع أجهزة الدولة، إنما انطلق بخيار الاحتجاج على سياسة الحكومة، ثم إنه بعد دخول المسار الديمقراطي لم يهدد باستعمال القوة في مواجهة أي محاولة انقلابية على حكومات اكتسبت شرعيتها عن طريق الصندوق الانتخابي، فلا يُنتظر من هذا الجمهور إذا أن يخرج عن تقاليد التظاهر السلمي لينتقل الى مواجهة أجهزة الدولة في الشارع.
جمهور أشواق الثورة كان جمهورا ذا تصور مدني للعمل السياسي، وكان فهمه للثورة أنها ثورة في المفاهيم وفي العلاقات وفي آليات حسم الخلافات عبر الحوار الوطني وعبر صناديق الاقتراع، بعيدا عن أسلوب "الغلبة"، هذا الجمهور تفاجأ بأن ديمقراطيته التي ظلت تحبو طيلة عقد من الزمن لم تقدر على مواجهة خصومها
لقد فهم هذا الجمهور بأنه أمام انتقال من آلية الديمقراطية إلى آلية "الغلبة"، وأن أي خروج عن السلمية سيواجه بالقوة، وقد كان قيس سعيد واضحا جدا في بيانه ليلة 25 تموز/ يوليو 2021 حين هدد من يغامرون باستعمال العنف ضد أجهزة الدولة "بوابل من الرصاص لا حدّ له".
فجمهور أشواق الثورة كان جمهورا ذا تصور مدني للعمل السياسي، وكان فهمه للثورة أنها ثورة في المفاهيم وفي العلاقات وفي آليات حسم الخلافات عبر الحوار الوطني وعبر صناديق الاقتراع، بعيدا عن أسلوب "الغلبة"، هذا الجمهور تفاجأ بأن ديمقراطيته التي ظلت تحبو طيلة عقد من الزمن لم تقدر على مواجهة خصومها، ولم يسمح لها قادة اتحاد الشغل بالتقاط أنفاسها لخدمة الناس وتحسين ظروفهم الاجتماعية، ولم يتعامل معها بعض المهرجين إلا بأسلوب الإنهاك والإلهاء والترذيل، فانتهت ديمقراطية رخوة بلا مقومات ضرورية للحكم فكانت في متناول من ذهب إلى اعتماد آلية "الغلبة"، سواء كانت النية إنقاذا للمشهد من مزيد الانهيار أم كانت شهوة السلطة ونية التفرد بالحكم.
عالم السياسة لا يُحتكم فيه إلى النوايا، إنما يُحتكم فيه إلى الوقائع، ولا يُنتصر فيه بالعاطفة إنما بالاقتدار وبـ"الغلبة".
twitter.com/bahriarfaoui1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الثورة الديمقراطية الإنقلاب تونس الثورة الديمقراطية مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أجهزة الدولة هذا الجمهور أم کان
إقرأ أيضاً:
تحركات إسرائيلية في أوروبا لتصنيف الحوثيين تنظيماً إرهابياً
سرايا - أصدرت "إسرائيل" تعليمات لبعثاتها الدبلوماسية في أوروبا بالسعي لتصنيف جماعة الحوثيين في اليمن "تنظيما إرهابيا".
وقال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر في بيان "الحوثيون يشكلون تهديدا ليس "لإسرائيل" فحسب بل أيضا للمنطقة والعالم بأسره. أول وأهم شيء يتعين فعله هو تصنيفهم تنظيما إرهابيا".
وأطلق الحوثيون مرارًا طائرات مسيرة وصواريخ نحو "إسرائيل".
إقرأ أيضاً : ترمب: سنعترف بجنسين فقط "ذكر وأنثى" .. ولن يتم إدراج "المتحولين جنسيًا" بالمدارس والجيشإقرأ أيضاً : تركيا تعلن عودة أكثر من 25 ألف سوري منذ سقوط نظام الأسدإقرأ أيضاً : قتلى وجرحى بانفجار مصنع شمال غرب تركيا
تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا
طباعة المشاهدات: 1150
1 - | ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. | 24-12-2024 12:55 PM سرايا |
لا يوجد تعليقات |
الرد على تعليق
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * | |
رمز التحقق : | تحديث الرمز أكتب الرمز : |
اضافة |
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2024
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...