عقدت السفيرة سها جندي، وزيرة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج، مؤتمرا جماهيريا توعويا لأهالي عدد من القرى المصدرة للهجرة غير الشرعية، بمحافظة الدقهلية، وذلك ضمن فعاليات تنفيذ المبادرة الرئاسية "مراكب النجاة" بالمحافظات المصدرة للهجرة غير الشرعية، بحضور د. أيمن مختار محافظ الدقهلية وعدد من القيادات التنفيذية بالمحافظة، وممثلي المجلس القومي للمرأة وجهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر.

وفي كلمتها للمواطنين، شددت السفيرة سها جندي على أن الدولة المصرية في ظل الجمهورية الجديدة حريصة على سلامة أبنائها، ولذلك تحرص القيادة السياسية على دعم الهجرة النظامية وتوفير البدائل الآمنة للهجرة غير الشرعية، من تأهيل وتدريب للشباب ودعم لجهود التدريب من أجل التوظيف، وأضافت: "علينا الحفاظ على فلذات أكبادنا فهم مستقبل هذا البلد"، متابعة، "أن التوعية مسؤولية كل فرد، وبشكل خاص الأمهات اللاتي تنفطر قلوبهن في حوادث الفقد والغرق التي يذهب ضحيتها زهرة شبابنا في رحلات الموت التي يروج لها سماسرة معدومي الضمير والإنسانية".

وأشارت السفيرة سها جندي إلى أن مصر تسعى بكل طاقتها للتوسع في جذب الاستثمارات وبناء مشروعات التنمية لتوفير فرص العمل الآمنة للشباب، مؤكدة أننا نتكاتف جميعا لدعم الشباب وتدريبه علي المنافسة في أسواق العمل المحلية والدولية، مشيدة بالأمثلة الواعية والمتميزة من شباب المحافظة الذين يشاركوا اليوم لعرض مشروعاتهم التي حرصوا على إطلاقها داخل المحافظة لتنمية المجتمعات المحلية وتوفير فرص العمل لغيرهم، مثمنة دعم جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة الحجم والمتناهية الصغر للشباب، وكذلك الدور الرائد للمجلس القومي للمرأة في توعية الأسر والأمهات لمجابهة ظاهرة الهجرة غير الشرعية حتي تكون الام محركا للحياة والمستقبل للأبناء ولا تكن عاملاً داعم لتعريض حياتهم للخطر.

وفي السياق ذاته، استعرضت وزيرة الهجرة جهود الوزارة في التوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية والترويج للهجرة الآمنة في 14 محافظة مصدرة للهجرة غير الشرعية، منذ انطلاق المبادرة الرئاسية "مراكب النجاة"، ضمن توصيات منتدى شباب العالم، بالتعاون مع وزارات ومؤسسات الدولة المعنية، واستكمال جهود التوعية في عدة محافظات، ومن بينها محافظة الدقهلية، والترويج للمنتجات والحرف التراثية التي تمتاز بها المحافظات المختلفة، بجانب جهود المركز المصري الألماني للتوظيف والهجرة وإعادة الإدماج، في التوعية والتدريب من أجل التوظيف.

وتابعت السفيرة سها جندي أن محافظة الدقهلية تعد المحطة السابعة ضمن جولاتها في المحافظات للتوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية، في إطار المبادرة الرئاسية "مراكب النجاة"، معربة عن تهنئتها لأبناء المحافظة بمناسبة العيد القومي للدقهلية والذي يوافق 8 فبراير، مشيدة بالرموز الفكرية والثقافية، العلمية والفنية من أبناء المحافظة الذين أثروا الحياة الفكرية في مصر بمشاركاتهم وإبداعاتهم في شتي المجالات.

وأكدت وزيرة الهجرة عزمنا وحرصنا على توفير كافة سبل الدعم للمواطن البسيط ورغبتنا الصادقة في توفير كافة متطلبات الحياة الكريمة في الجمهورية الجديدة، وتبادل وجهات النظر، مع أهالينا، والوقوف على كافة احتياجاتهم وذلك في إطار دعمً مسيرة الوطن نحو الاستقرار وبما يعزز قدراتنا في مواجهة التحديات المرتبطة بالأوضاع الاقتصادية من خلال توفير كافة سبل الدعم بالتعاون مع شركاء النجاح في  مجالات التدريب والتأهيل من أجل التوظيف والتنمية؛ والصحة، والتعليم وريادة الأعمال وبما يحقق مصالح كافة فئات الشعب ويحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية، حرصا منا علي حياة أبناؤنا ولتحقيق طفرة تنموية تنعكس آثارها بشكل مباشر على المواطن من خلال جهود التوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية وتوفير البدائل الآمنة له لحياة كريمة سواء في بلده او في أسواق العمل الخارجية.

وأشارت وزيرة الهجرة إلى تنفيذ برنامج "من أجل مقاربة شاملة لحوكمة هجرة اليد العاملة وتنقل العمال في شمال أفريقيا (THAMM)، بالتعاون ما بين وزارة الهجرة والاتحاد الأوروبي والحكومة الألمانية وبالتنسيق مع عدد من المؤسسات الدولية الفاعلة لصقل مهارات الشباب في مجالات صناعية وحرفية متنوعة بهدف دعم الصناعة بالأيادي العاملة الماهرة وتوفير فرص عمل للشباب للنهوض بالاقتصاد المصري بما يوفر مستوى اقتصادي آمن ومستدام للشباب.

وتناولت وزيرة الهجرة جهود إنشاء "المركز المصري للهجرة" على المستوى الوطني وتحت إشراف وزارة الهجرة، ودولة رئيس مجلس الوزراء د. مصطفى مدبولي بشكل شخصي، لدعم منظومة التشغيل من أجل التوظيف على المستوى الوطني، والذي من المنتظر أن يرى النور في المرحلة القادمة وسيضم كافة الجهات المعنية بالتدريب من أجل التوظيف على مستوى مصر، والعمل على خلق الفرص البديلة لشبابنا.

كما أشادت السفيرة سها جندي بالجهود المتميزة لجهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، بجانب توقيع بروتوكول تعاون بين الوزارة والجهاز لدعم الشباب في المناطق الأكثر تصديرا للهجرة غير الشرعية، وتقديم الخدمات اللوجيستية والمالية والاستشارات للراغبين في إطلاق مشروعاتهم من الشباب، كما ثمنت جهود شباب محافظة الدقهلية وحرصهم على إطلاق مشروعاتهم داخل الوطن، مشيرة إلى أن هناك فرصا متميزة لتصدير المنتجات إلى الأسواق الأفريقية، والتي تربطنا بها علاقات تبادل تجاري متميزة.

من جانبه، ألقى د. أيمن مختار محافظ الدقهلية كلمة خلال اللقاء الجماهيري، رحب فيها بالسفيرة سها جندي وزيرة الهجرة وذلك بمناسبة استكمال فاعليات مبادرة فخامة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية "مراكب النجاة" على أرض المحافظة لعلاج أسباب الهجرة غير الشرعية وخطرها على الشباب والمجتمع ككل، وتوفير فرص عمل ملائمة لهم في إطار بناء الإنسان المصري وفي ظل بناء الجمهورية الجديدة.

وتابع أن الدولة المصرية عملت على توفير العديد من فرص العمل للشباب للحد من الهجرة غير الشرعية من خلال آليات الإقراض المختلفة ومنها علي سبيل المثال (جهاز مشروعك التابع لوزارة التنمية المحلية - جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر التابع لمجلس الوزراء - إدارة بناء وتنمية القرية التابعة لوزارة التنمية المحلية - جهاز شباب الخريجين التابع لمحافظة الدقهلية)، مضيفا أن إجمالي عدد القروض التي تم منحها إلى الشباب خلال الـ 10 سنوات  الماضية عن طريق الجهات السابق ذكرها قد وصل إلى 7 مليار جنيه تقريبا بإجمالي عدد 143 ألف مشروع وتوفير 350 الف فرصة عمل تقريبا.

وأضاف مختار أن محافظة الدقهلية عملت على إقامة العديد من المشروعات لتوفير فرص العمل للشباب أبناء الدقهلية، ومنها على سبيل المثال مشروع 306 الذي تم تنفيذه بمدينة المنصورة، بالإضافة إلى توفير العديد من فرص العمل بالقطاع الخاص والتي وصلت إلى 4 أضعاف العمل في القطاع الحكومي، مشيرا إلى أن الهجرة غير الشرعية لا تبني الأسر ولا توفر حياة كريمة للشباب بل تعرض حياتهم وحياة أسرهم للخطر ولا بد من توعية الشباب وأسرهم بالخطر الذي سيلاحقهم بسببها.

واختت مختار كلمته بأن الهجرة الشرعية لها إيجابيات عديده لذلك أطلق فخامة رئيس الجمهورية مبادرة "مراكب النجاة" لتوعية الشباب بالطرق الشرعية للهجرة والتي تعود بالخير عليهم وتحافظ علي حياتهم، مقدما خالص الشكر والتقدير إلى السيدة السفيرة سها جندي وزيرة الهجرة، على تنفيذ مبادرة رئيس الجمهورية وتشريفها أرض محافظة الدقهلية، مشيدا بجهود وزارة الهجرة في توعية وتدريب الشباب، بجانب توفير البدائل الآمنة للهجرة غير الشرعية، ومؤكدا أهمية تكاتف الجهود لدعم الشباب وتلبية طموحاتهم، وأن هناك نماذج متميزة من أبناء المحافظة نجحت في عمل مشروعات صغيرة ومتوسطة لتوفير فرص العمل لأنفسهم ولغيرهم من الشباب، ومضيفا أن محافظة الدقهلية تزخر بالكثير من الفرص المتميزة التي يمكن للشباب أن يستثمروا فيها لتحقيق طموحاتهم، بدلا من المجازفة بحياتهم في رحلة المجهول.

ومن ناحيته، أوضح خالد رزق، ممثل جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، خلال اللقاء، أن الجهاز معني  بدعم المشروعات للحد من الفقر ومحاربة البطالة وخلق بيئة داعمة للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر ونشر ثقافة ريادة الأعمال، إلى جانب تنفيذ برامج للتنمية المجتمعية والبشرية ومشروعات عامة كثيفة العمالة أسهمت بفاعلية في الارتقاء بمستويات المعيشة للمواطنين، وتحفيزهم على الدخول إلى سوق العمل من خلال هذه المشروعات، مضيفين أن الجهاز يغطي ۳۳ فرع في كافة محافظات الجمهورية، ويتيح للمتقدمين  خدمات استصدار التراخيص والسجل التجاري والبطاقة الضريبية، كما قام الجهاز بتنفيذ 350 ندوة توعية لنشر ثقافة العمل الحر والحد من انتشار الهجرة غير الشرعية، وتوقيع بروتوكول تعاون مشترك مع محافظة الدقهلية لمكافحة الأسباب الجذرية للهجرة غير الشرعية بإجمالي مبلغ 50 مليون جنيه بقرى ومراكز محافظة الدقهلية.

وتابع رزق أن فرع الجهاز بمحافظة الدقهلية حرص منذ انشائه حتى ديسمبر 2023 على تمويل العديد من المشروعات في نطاق المحافظة بإجمالي التمويل المتاح بلغ 4.9 مليار جنيه، مولت حوالي 180 ألف مشروع صغير ومتناهي الصغر، وفرت 375 ألف فرصة عمل، كما تم ضخ نحو 3.7 مليار جنيه، منذ عام 2014، مولت نحو 115 ألف مشروع صغير ومتناهي الصغر ووفرت 220 ألف فرصة عمل.

وبدورها، استعرضت د. أمينة شلبي، مقرر المجلس القومي للمرأة بالدقهلية، أن فرع المجلس، تحت رئاسة د.مايا مرسى رئيس المجلس القومي للمرأة، نفذ حملتي طرق أبواب في 5 قرى بالمحافظة، ضمن القرى الأكثر احتياجا للتوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية، وهي:(قرية بانوب مركز نبروه، قرية ميت زنقر مركز طلخا، قرية ميت الكرما مركز طلخا،  قرية بساط كريم الدين مركز شربين،  قرية أولاد صبور مركز المطرية)، حيث تُنفذ حملات التوعية تحت إشراف وزارة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج بهدف إقناع الأبناء داخل أسرهن بالعدول عن قرار الهجرة غير الشرعية، و البحث عن فرص آمنة للعمل بالداخل في إطار خطة الدولة لتوفير فرص عمل والقضاء على البطالة وتحقيق التنمية المستدامة.

وتابعت شلبي أن الحملة الأولى نفذت خلال الفترة من 20 – 25 نوفمبر 2021، بتقديم دورات تدريبية لعدد 5 من أعضاء الفروع ،( 100) رائدة ريفية ، 12 من العاملين بالفرع بواقع ( 3) دورات لتدريبهم على  رسائل توعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية وجهود الدولة للحد منها و التعريف بالبدائل المتاحة لتوفير فرص العمل الامن بالداخل، بجانب لقاءات جماهيرية موسعة لتوعية الأمهات بمخاطر الهجرة غير الشرعية، وعقد ندوة بالفرع تحت عنوان " الهجرة غير الشرعية ضياع محقق" ليستهدف طالبات التدريب الميداني بكلية الدراسات الإنسانية حيث ناقشت الندوة مخاطر الهجرة غير الشرعية والجهود التي تبذلها الدولة لحماية أبنائها والأسباب والبدائل والحياة الكريمة التي تكلفها الدولة للمواطنين.

وأضافت شلبي أن حملة طرق الأبواب تم تنفيذها في خمس قرى الأكثر تصديرا للهجرة غير الشرعية بالمحافظة بعدد زيارات منزلية 31600 زيارة ، استهدفت 460,194 مستفيدا، منهم: 49160 سيدة، 39200 رجل، 106100 طفل، بينما نفذت الحملة الثانية خلال الفترة من 16 – 18 مايو 2023، وقدمت دورة تدريبية لعدد ( 70) رائدة ريفية لمدة يومين، و3 من العاملين بالفرع لتدريبهم على  رسائل توعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية وجهود الدولة للحد منها و التعريف بالبدائل المتاحة لتوفير فرص العمل الامن بالداخل، بجانب لقاءات جماهيرية موسعة لتوعية الأمهات بمخاطر الهجرة غير الشرعية، وتنفيذ حملة طرق الأبواب فى خمس قرى الأكثر تصديرا للهجرة غير الشرعية بالمحافظة بعدد زيارات منزلية 10500 زيارة، استهدفت 10500 مستفيدة.

كما قدمت د. أمينة شلبي، ممثل المجلس القومي للمرأة، ألبوم لوحات فنية من تنفيذ طالبات فنانات من كلية التربية النوعية والدراسات الاسلامية بالمنصورة تجسد مخاطر ظاهرة الهجرة غير الشرعية.

وفي ختام اللقاء، أكدت وزيرة الهجرة قائلة: "إننا سنسعى بكل طاقتنا وجهدنا لنوفر الفرص البديلة الآمنة لشبابنا، وألا نتركهم للمغامرة بحياتهم في رحلات الموت، مضيفة أن كل الأعراف والأديان تعلي من قيمة النفس البشرية وحياتها وأهمية الحفاظ عليها وصونها، وهو ما نعمل على تنفيذه ليل نهار، ليبقى شبابنا درعا قويا لبناء وتنمية الوطن والعمل على رفعته لتحقيق جهود التنمية المستدامة، وعلينا تكاتف الجهود بين مختلف مؤسسات الدولة لصون حياة أولادنا، والحفاظ على مستقبلهم، وعدم التفريط في أهم ثرواتنا وهم شبابنا، مضيفة أن الهجرة غير الشرعية عدوى يجب التعاون لإيقافها ومجابهتها، لأن هناك كوابيس لا تنتهي أثناء رحلة الهجرة غير الشرعية، حتى بعد وصول المهاجر إلى دولة المقصد، من استغلال الشباب من جانب منظمات إجرامية".

وأشارت وزيرة الهجرة إلى حرص الوزارة على دراسة المجتمعات المصدرة للهجرة غير الشرعية ولذلك نكثف الجهود لتوفير البدائل، بالتعاون من ووزارات ومؤسسات الدولة المصرية، بالتدريب والتأهيل والتوعية ودعم النماذج المتميزة من رواد الأعمال وأصحاب المشروعات، وإتاحة فرص العمل بالخارج للمتميزين، بعد تلقي الشباب التوعية اللازمة بثقافة المجتمع الذي سيهاجر إليه واحتياجاته ولغته، ما يتيح للشباب المهاجر فرص أكثر تميزا بالخارج، مشددة على أن مصر دولة شابة في قارة شابة، ولذلك فهناك فرص متميزة لفتح مختلف الأسواق الأوروبية أمام الأيدي العاملة المصرية وهو ما تعمل عليه الوزارة لاستنساخ تجربة المركز المصري الألماني وإطلاق "المركز الوطني للهجرة" لتأهيل العمالة وتعزيز جهود الهجرة الآمنة للشباب.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: جهاز تنمیة المشروعات الصغیرة والمتوسطة المجلس القومی للمرأة للهجرة غیر الشرعیة لتوفیر فرص العمل السفیرة سها جندی محافظة الدقهلیة ومتناهیة الصغر من أجل التوظیف مراکب النجاة وزارة الهجرة وزیرة الهجرة العدید من متمیزة من من خلال للحد من فی إطار

إقرأ أيضاً:

الكفاءَةُ أولا.. معيار صناعة الأحداث المفصلية

الهجرة النبويّة حدثٌ غيّرَ وجه التّاريخ دون أدنى مبالغة، ولذلك من الواجب على أهل الفكر والدّعوة قراءته بعمقٍ وتحليل تفاصيلِه لاستلهام الدّروس ووضع الأسس التي ينبني عليها نجاح الأحداث المفصليّة في واقع المسلمين الطّامحين إلى الخروج من المأزق التّاريخي والحضاري الذي يعيشونه.

ومن أهمّ الدروس التي يمكننا التقاطها من شجرة الهجرة يانعة الثّمار متجدّدة الأوراق كلّ عامٍ وارفة الظّلال عبر الزّمن؛ هو درس الاعتماد على الكفاءة عند إسناد الأعمال في الأحداث المفصليّة والمؤسسات المهمّة إذا أردنا أن نغيّر وجه التّاريخ، واعتبار الكفاءة على رأس الأولويات ليسَ من ترف السّلوكيّات بل من صميم الواجبات.

الدّليلُ الكافرُ الكفءُ
من أهمّ الدروس التي يمكننا التقاطها من شجرة الهجرة يانعة الثّمار متجدّدة الأوراق كلّ عامٍ وارفة الظّلال عبر الزّمن؛ هو درس الاعتماد على الكفاءة عند إسناد الأعمال في الأحداث المفصليّة والمؤسسات المهمّة إذا أردنا أن نغيّر وجه التّاريخ، واعتبار الكفاءة على رأس الأولويات ليسَ من ترف السّلوكيّات بل من صميم الواجبات
اتَّخذَ النّبي صلى الله عليه وسلم دليلا يسلك به طريق الهجرة من مكة إلى المدينة، ويعرفُ خفاياها ويستطيعُ التغلب على صعوبة الجغرافيا، ومفاجآتِ الأرض القاسية. ومهمّة الدّليل من أخطر المهمّات الأمنيّة في حادثة الهجرة، إذ يمكنه ببساطةٍ أن يقوم بتسليم النبيّ صلى الله عليه وسلّم وصاحبه من حيثُ يوهمهما بالحفظ والصّيانة والرّعاية. ومع ذلك كانَ هذا الدليل كافرا وهو عبد الله بن أُريقط اللَّيثي، وقد كانَ اختيارُه ابتداء بسبب كفاءتِه، ففي صحيح البخاريّ عن عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها قالت: "استأجر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأبو بكر رجلا مِن بني الدِّيل وهو مِن بني عَبدِ بن عَدِيٍّ هاديا خِرِّيتا (والخِرِّيتُ الماهرُ بالهداية) قد غمس يمين حلف في آل العاص بن وائل وهو على دينِ كفّار قريش، فأَمِنَاه فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غارَ ثور بعد ثلاث ليال، فأتاهما براحلتيهما صبيحة ليال ثلاث فارتحلا".

فعائشة رضي الله عنها تنصّ على أنّ السبب الرّئيس في التّعامل مع عبد الله بن أريقط مع كونه كافرا هو أنّه دليلٌ ماهر، وذلك بقولها "هاديا خِرِّيتا"، وقد فسّر البخاريّ هذا الوصف يقوله: "والخِرِّيتُ الماهرُ بالهداية"؛ أيّ أنّه دليلُ طريقٍ متميّزٌ وكفءٌ في تخصّصه.

كثيرون عند استشهادهم بهذه الحادثة يستنبطون منها جواز التّعامل مع الكافر وجواز تكليفه بالأعمال المهمّة والحسّاسة بشرط أن يكون مأمون الجانب، ولئن كان هذا صحيحا من حيث الأصل فهو ليسَ المعنى الأهمّ في هذا التكليف، إذ إنّ استخدام الشّخص مأمون الجانب شرطٌ يجبُ توافرُه في كلّ أحدٍ ينبغي تكليفُه بمهمّةٍ ولو كان مسلما، كما أنّ تقديم عائشة رضي الله عنها لتوصيفه بالمهارة في العمل التخصصي يشير بشكلٍ أقرب إلى التّصريح بأنّ أصل تكليفِه جاء بسبب كفاءته إلى جانب أمانته.

الشّاب الثّقف اللّقن وكفاءة العمل الاستخباراتيّ

كلّف النبيّ صلى الله عليه وسلّم عبد الله بن أبي بكر بمهمّة رجل الاستخبارات الذي يجمع المعلومات وينقلها، وكان تكليفه بهذه المهمّة بسبب الكفاءة التي توافرت فيه؛ ففي الحديث نفسه الذي ترويه عائشة رضي الله عنها في صحيح البخاريّ تقول:

مؤسّساتٌ كثيرةٌ فشلَت، ومشاريعُ كبيرةٌ أُجهضت في ساحة العمل الإسلاميّ بسبب إقصاءِ الكفاءاتِ التّخصّصية اللّازمة، وعدمِ استقدامِها واستخدامِها بحجّة عدم انتمائِها للتَّنظيمِ أو الجماعةِ أو التيَّار، أو بسبب اعتقاد المُشرِفينَ عليها أنَّ مجرَّد الانتماء للمشروع الإسلاميّ يجعلُهم أكْفاءَ في التَّخصصات كلِّها، قادرينَ على إدارَتِها وتوجيهِ دفّتِها باقتدار
"ثمّ لحقَ النّبي صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر بغارٍ في جبلٍ يقال له ثور، فمكث فيه ثلاثَ ليالٍ يبيتُ عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلامٌ شابٌّ لقنٌ ثقفٌ؛ فيرحلُ من عندهما سحرا فيصبحُ مع قريش بمكّة كبائتٍ، فلا يسمعُ أمرا يُكادان به إلّا وعاهُ حتّى يأتيهما بخبرِ ذلك حينَ يختلطُ الظّلام".

وقد وصفت عائشة رضي الله عنها أخاها عبد الله أنّه شاب ثقفٌ لقنٌ، في إشارةٍ إلى أنّ هذه الصّفات هي التي أهّلته لهذا النّوع من العمل، ومعناها كما يقول ابن حجر في فتح الباري؛ الثّقف: الحاذق، واللّقن: السريع الفهم، وهي الصّفات التي يجب أن يتصف بها عنصر المخابرات الكفء، الذكاء الشديد مع سرعة الفهم والقدرة على تحليل ما يسمع ونقله بأمانة، فالكفاءة في العمل كانت هي أيضا السبب الرّئيس في تكليف عبد الله بن أبي بكرٍ رضي الله عنهما بهذه المهمّة الخطيرة.

لا بلحَ الشّام ولا عنبَ اليمن:

إنّ نجاح أيِّ مشروعٍ أو عملٍ او مؤسّسةٍ أو حدثٍ مهمٍ أو مفصليّ يقومُ على اختيارِ الكفاءاتِ اللّازمةِ للعمل بغضِّ النّظر عن انتمائها التنظيميّ أو الحزبيّ، أو حتّى بغضّ النظر عن انتمائها الفكريّ للمشروع ما دامت مأمونة الجانب وتعملُ في مهام تخصّصية ضمنَ الآليَّات المرسومةِ لتحقيقِ الأهدافِ المرحليَّة والاستراتيجيّة.

مؤسّساتٌ كثيرةٌ فشلَت، ومشاريعُ كبيرةٌ أُجهضت في ساحة العمل الإسلاميّ بسبب إقصاءِ الكفاءاتِ التّخصّصية اللّازمة، وعدمِ استقدامِها واستخدامِها بحجّة عدم انتمائِها للتَّنظيمِ أو الجماعةِ أو التيَّار، أو بسبب اعتقاد المُشرِفينَ عليها أنَّ مجرَّد الانتماء للمشروع الإسلاميّ يجعلُهم أكْفاءَ في التَّخصصات كلِّها، قادرينَ على إدارَتِها وتوجيهِ دفّتِها باقتدار، لذا فإن وَضْعَ أشخاص لا تخصص لهم فضلا عن أنّه لا خبرة لهم ومؤهّلهم الوحيد هو المكانة في الجماعة أو التيّار أو التّنظيم؛ على رأس مؤسساتٍ تخصّصية، كان السبب في عدم فلاح تلك المؤسسة التخصّصية، ولم يستطيعوا خدمة الجماعة التي ينتمون إليها، وهكذا ما طالُوا بلح الشّام ولا عنبَ اليمن.

x.com/muhammadkhm

مقالات مشابهة

  • جهاز مكافحة الهجرة: 60 ألف مهاجر تم ترحيلهم في 2024 وتحديات تعيق العملية
  • جنوح قارب للهجرة غير النظامية جنوب الداخلة رغم تشديد المراقبة الأمنية
  • حزب مصر أكتوبر: مصر تسير بخطوات ثابتة كقوة إقليمية تُواجه الهجرة غير الشرعية
  • روسيا تدين بشدة الهجوم الإرهابي الذي استهدف القيادة الشرعية في تشاد
  • الأمم المتحدة تختار متطوعة من صندوق مكافحة الإدمان للمشاركة بمنتدى الشباب الدولي
  • محافظ الدقهلية يكلف بتوفير مكان لائق على الفور وتوفير الرعاية لرجل مسن "بلا مأوى"
  • في لفتة إنسانية..محافظ الدقهلية يكلف بتوفير مكان لائق على الفور وتوفير الرعاية لرجل مسن "بلا مأوى"
  • عبدالغفار: توجيهات من القيادة السياسية لتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في الصحة
  • الريادة: القيادة السياسية تسير على النهج الصحيح في معالجة الأزمات الاقتصادية
  • الكفاءَةُ أولا.. معيار صناعة الأحداث المفصلية