كاتبة أميركية: طالما لا تطبق القوانين على إسرائيل فالعالم في ورطة
تاريخ النشر: 29th, January 2024 GMT
انتقد مقال في صحيفة نيويورك تايمز انتقائية الغرب في تطبيق معايير النظام الدولي القائم على القوانين والنظم، وإحجامه عن فرضها على دولة إسرائيل بالتحديد.
وذكرت كاتبة العمود ليديا بولغرين في مقالها بالصحيفة الأميركية أن العالم شاهد العام المنصرم دراما دولية "مذهلة وعالية المخاطر" تدور أحداثها في مدينة لاهاي الهولندية، مقر محكمة العدل الدولية.
وهناك، تمكنت مجموعة من الدول الأفقر والأقل قوة -والتي يطلق عليها لقب الجنوب العالمي بقيادة جنوب أفريقيا- من جر الحكومة الإسرائيلية، ومعها حلفاؤها الدول الغنية والقوية، إلى "أعلى هيئة قضائية" للنظام القائم على القواعد الغربية، متهمة إسرائيل بشن حرب وحشية في قطاع غزة تتسم بطابع "الإبادة الجماعية".
ووصف المقال ردود الدول الرائدة في هذا النظام العالمي على الدعوى المرفوعة ضد إسرائيل بأنها جاءت سريعة وصريحة رافضة الاتهامات الموجهة ضد تل أبيب. فقد عدَّها رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك بأنها خطوة "غير مبررة على الإطلاق وخاطئة، في حين وصفها المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، بأنها "بلا قيمة، ولها نتائج عكسية، ولا أساس لها ألبتة". أما المتحدث باسم الحكومة الألمانية فقال إن بلاده تعارض "الاستغلال السياسي" لقانون الإبادة الجماعية.
وكانت محكمة العدل الدولية أصدرت حكما مؤقتا، الجمعة، يطالب إسرائيل باتخاذ "إجراءات لمنع أعمال الإبادة الجماعية بما في ذلك منع وقوع أضرار لا يمكن إصلاحها لسكان غزة بما يشمل تخفيف الحصار شبه الكامل على المساعدات الإنسانية"، لكن القرار لم يدعُ إلى وقف كامل للعمليات العسكرية الإسرائيلية في القطاع.
ووفقا لبولغرين، فإن قرار المحكمة اتسم بالرصانة والدقة، وينطوي على توبيخ الدول الرافضة للتهم الموجهة ضد إسرائيل.
وأشارت الكاتبة إلى أن اتهام إسرائيل يعد خطوة ضرورية، فهي الدولة التي أنشئت في أعقاب المحرقة (الهولوكوست) التي تعرض لها اليهود على يد ألمانيا النازية إبان الحرب العالمية الثانية، وصيغ على إثرها -للمفارقة- مصطلح الإبادة الجماعية.
ومهما تكن النتيجة النهائية لهذه القضية، فإنها تشعل -برأي كاتبة المقال- معركة ملحمية حول مغزى وقيم ما يسمى بالنظام العالمي القائم على القواعد. فإذا كانت هذه القواعد لا تطبق عندما لا تريد لها الدول القوية أن تُطبق، فهل تعد في هذه الحالة قواعد؟ تتساءل بولغرين.
مافورا: هذا النوع من المراوغة الذي نراه يحدث بشأن غزة، والتقليل من حجم الأزمة الإنسانية، والجبن في انتقاد الحكومة الإسرائيلية على تصرفاتها، كل ذلك قد نال من سلطة الولايات المتحدة الأخلاقية في عيون العديد من شعوب العالم.
ونقلت الكاتبة عن ثولي مادونسيلا -وهي قانونية ومحامية ضليعة في جنوب أفريقيا، وساهمت في صياغة دستور ما بعد الفصل العنصري في بلادها- القول: "طالما أن أولئك الذين يضعون القواعد يفرضونها على الآخرين بينما يعتقدون أنهم وحلفاءهم فوق تلك القواعد، فإن نظام الحكم الدولي في ورطة".
وأضافت المحامية: "نحن نقول إن القوانين هي القوانين، سواء عندما تغزو روسيا أوكرانيا، أو عندما يُقتل الروهينغا (الأقلية المسلمة) في ميانمار، لكن إذا كانت إسرائيل الآن تذبح الفلسطينيين، وتحرمهم من الطعام، وتعمل على تهجيرهم جماعيا، ثم لا تُطبق القواعد عليها ومن يحاول تطبيقها فهو معادٍ للسامية، فإن ذلك يعرض تلك القواعد للخطر".
ومع إقرار بولغرين، في مقالها، بأن التحقيق في التهم ضد إسرائيل سيستغرق سنوات، فإنها تصف حرب إسرائيل في غزة بأنها "أبشع جريمة" يمكن أن ترتكبها دولة "ولها صدى خاص"، مشيرة إلى أن من صاغ مصطلح "الإبادة الجماعية" هو الباحث القانوني رافائيل ليمكين -وهو يهودي بولندي- أثناء المحرقة لإعطاء تعريف قانوني للمذبحة وضمان ألا تحدث مرة أخرى.
ورغم افتقار محكمة العدل الدولية إلى آليات تنفيذ قراراتها، فإن هذه القضية -في نظر بولغرين- ذات قدر كبير من الأهمية لأنها ترتبط بشكل مباشر بالتحديات الماثلة التي تواجه النظام العالمي القائم على القواعد بقيادة الولايات المتحدة والذي استمر منذ الحرب العالمية الثانية، رغم بعض العقبات التي تعترض طريقه.
وبحسب مقال نيويورك تايمز، فإن الدول الغربية الغنية التي حددت شروط ذلك النظام، آخذة بالتقهقر على جبهات عدة مع ارتفاع طموحات الصين العالمية؛ في حين تهدد روسيا في عهد رئيسها فلاديمير بوتين أوروبا، وتتراجع الديمقراطية الليبرالية في أرجاء كثيرة من العالم؛ في حين تميل القوى الناشئة ذات الأهمية الإستراتيجية -مثل تركيا والهند- نحو الاستبداد.
كل المحاذير تنذر بأن العالم يغامر بالاندفاع "بتهور" نحو عصر جديد من السياسة الواقعية التي شعارها "القوة تصنع الحق"، حيث كل شيء فيه جائز، وتُزدرى فيه القوانين والأعراف الدولية.
وقالت الكاتبة إن كل المحاذير تنذر بأن العالم يغامر بالاندفاع "بتهور" نحو عصر جديد من السياسة الواقعية التي شعارها "القوة تصنع الحق"، حيث كل شيء فيه جائز، وتُزدرى فيه القوانين والأعراف الدولية.
فماذا يعني نظام قائم على القواعد، إذا كانت القواعد تُطبق بشكل انتقائي، وإذا كانت محاولة تطبيقها على دول بعينها يُنظر إليها على أنها تحامل واضح؟
ووفق بولغرين، فمن قصر النظر في هذه الأوقات أن إدارة الرئيس بايدن اختارت التغاضي عن القضية الموثقة بعناية التي أعدتها جنوب أفريقيا.
وفي تقديرها أن أحد أكبر التهديدات للنظام الدولي القائم على القواعد هو الإجماع المتزايد في العالم الفقير بأن العالم الغني يطبق تلك القواعد بشكل انتقائي حسبما يراه وعندما يناسب الدول القوية التي تشكل الشمال العالمي، مثلما حدث عندما غزت روسيا أوكرانيا.
وتنقل الكاتبة عن الباحث القانوني في جنوب أفريقيا، دان مافورا، القول إن هذا النوع من المراوغة الذي نراه يحدث بشأن غزة، والتقليل من حجم الأزمة الإنسانية، والجبن في انتقاد الحكومة الإسرائيلية على تصرفاتها، كل ذلك قد نال من سلطة الولايات المتحدة الأخلاقية في عيون العديد من شعب العالم.
وتختم بالقول إن المخرج الوحيد من هذه "المأساة" يتمثل في ضم الشعب الفلسطيني إلى أسرة الدول التي تتمتع بالحكم الذاتي التي تعيش، على نحو منقوص، في ظل القواعد التي حافظت على سلام غير مستقر لكنه مستمر لأجيال عديدة، على حد تعبيرها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: القائم على القواعد الإبادة الجماعیة جنوب أفریقیا أن العالم
إقرأ أيضاً:
ربيع السنوار
د. إبراهيم بن سالم السيابي
لا ندري إذا كان البعض يتذكر ما أطلق عليه الربيع العربي وثورات الربيع العربي، وهي حركات احتجاجية سلمية ضخمة انطلقت في بعض البلدان العربية خلال أواخر عام 2010 ومطلع 2011، وما تبعها من أحداث وسقوط لبعض الأنظمة العربية، وكذلك إجراء بعض الإصلاحات في بعض الدول والتي قوبلت بالاستحسان من شعوب بعض الدول، ولسنا هنا بصدد تقييم نتائج هذه الأحداث ولا حتى الخوض في أسبابها.
نحن اليوم بصدد الحديث عن ربيع آخر ولكنه ربيع سنطلق عليه ربيع السنوار، السنوار هذا القائد الفلسطيني، الذي ينسب إليه التخطيط والتفنيذ لطوفان الأقصى ، والذي قضى شهيدًا وهو يدافع لآخر رمق عمَّا أعتقد أنه لن يناله إلّا بالقوة، كما أخذ بالقوة، استشهادًا بقول الزعيم المصري الراحل جمال عبدالناصر عندما قال "ما أحذ بالقوة لا يسترد إلّا بالقوة"، في خضم كفاحه ضد إسرائيل.
السنوار، لم يفاوض لأجل العيش مرفهًا في إحدى العواصم هو وأسرته مع حصوله على الأرصدة الضخمة من النقود في حسابه، ضامنًا لحياته وحياة أسرته؛ بل ظل على خط النار يقود المعارك في مقدمة الصفوف طالبًا للحرية والكرامة مهما كلف الأمر، ورحل عن هذه الدنيا جسدا وبقي رمزا، ليس لأبناء بلده فحسب، ولكن للعالم اجمع، خاصة عندما تناقلت وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي اللحظات الأخيرة لاستشهاده وهو يرفع يديه معلناً بأن الأبطال تظل أيديهم مرفوعة مع الحق والشرف والأمانة.
فما هو ربيع السنوار؟
1- وضع للعالم أجمع معادلات جديدة للعلاقات بين الشعوب، فلم يعد ينطوى على أحد كلام العلاقات المنمق عن العلاقات التاريخية والمصالح المشتركة بين البلدان، فجميع العلاقات تبنى من أجل مصالح الشريك الأساسي والمصلحة معه ولتترك العلاقات والمصالح المشتركة جانبا فلم يعد لها قيمة في هذه المعادلات.
2- أسقط كبرياء بعض الدول التي كانت تتغنى بقيادة العالم، وأن كلامها هو الفصل في العالم وأنها تهيمن بقوتها وجبروتها على هذا العالم، فالأحداث والعدوان على غزة بعد طوفان الأقصى، فضح هذه الدول ومن في صفها، فا هي دولة العدوان تمضي في غيها وجرائمها التي لم يسبق لها مثيل وعلى مرأى من العالم أجمع، دون حتى الاكتراث برأيها؛ بل إنه ألزمها بتقديم كافة وسائل الإسناد والمساعدة بالتالي المشاركة مع هذا الكيان في جرائم حرب الإبادة التي تتنهج قتل المدنين العزل من الأطفال والنساء العزل.
3- اظهر حالة الانفصام بين القيادة والشعوب الذي يعيشه هذا العالم الذي يدعى التقدم والديمقرطية، والذي طالما اتهم بلدان العرب بهذه التهم، حيث تتظاهر شعوب هذه الدول ضد حرب الإبادة وتتطالب بإعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه المتمثلة في إقامة دولة مستقلة على أراضيه، بينما تقف قيادات هذه الشعوب مع هذا الكيان رغما عن إرادة هذه الشعوب.
4- وأد حلم التطبيع مع هذا الكيان الغاصب بدون حداد، فهذه الرغبة كانت لا تخص الشعوب بل كانت بعض القيادات السياسية، وحتى في رغبة هذه القيادات الآن في المضي في هذا الأمر فإنهم لن يجدوا أي متطبع من هذه الشعوب فقد قضي الأمر والشعوب العربية مع فرقتها مع تنوع أفكارها وأختلاف توجهاتها لن تضع يدها مرة أخرى مع هؤلا القتلة المجرمين.
5- أعاد للشعوب العربية روح القومية العربية التي ربما، قد كانت نائمة في قلب كل عربي ولكنه لم يمت بالرغم الفرقة بالرغم التشرد، بالرغم ما يحاط به من مؤامرات من الداخل والخارج، ولكن يبقى العربي الأصيل ودمه ووجدانه يثور، عندما يتعرض أخوانه إلى الظلم أو تتعرض مقدساته للتدنيس، فيعود ثائرا، فلمدة عام كامل وهو يتسمرون أمام شاشات التلفاز يتابعون الأحداث في كل وسيلة، ولسان حالهم يلهج بالدعاء بأن ينصر الله المقاومة ويخفف عن أهل غزة معاناتهم.
6- أطلق آخر رصاصة في نعش، من كان يروج لاختلاف المذاهب والفرقة وفضح أمر أولئك الذين كانوا يعزفزن على وتر التفرقة، فظهرت لأول مرة أقوال المشايخ وقادة هذه المذاهب وهم ينبذون الفرقة ويدعون الى توحيد الصف والجماعة، وأن صراع هذه الأمة صراع الحق ضد الباطل وهو صراع وجود وصراع عقيدة.
7- أعاد اسم دولة فلسطين إلى العالم أجمع، وليس اعترافاً بدولة فلسطين في الأمم الممتحدة وكذلك اعتراف عدة دول أخرى بدولة فلسطين إلا نتائج هذا الربيع، حيث كان اسم هذه الدولة وقضيتها العادلة ليست في طي النسيان.
8- السنوار وهو يرفع في آخر لحظات حياته يده اليسرى يقاوم ويرمي طائرة العدو، بينما اليد الأخرى مضرجة بدماء طلبِ الحرية، أعاد صياغة مفاهيم هذا العالم وذكر شعوبها، بقيمة الأوطان وتراب الأوطان وأن لاقيمة لحياة الإنسان دون وطنه واستعادة أرضه المحتلة من الغير.
9- نبه السنوار في ربيعه بضررورة مراجعة الموسسات الدولية، وإعادة قراءة القانون الدولي مرة أخرى؛ بل إعادة تدريسه في المؤسسات الأكاديمة بصيغة مختلفة وإعادة صياغة بنوده من جديد.
10- أخيرًا كتب السنوار آخر رسائله للعالم العربي، بأن العربي مهما بلغ من الضعف، ومهما بلغ من قلة الحيلة، فإنه قد يسترجع أيامه وتاريخه عندما يتذكر بأنه يدافع عن شرفه وعن كرامته وأن التاريخ لا يسجل في صفحاته ولا يتذكر إلا من يدافع عن أمته وشعبه ووطنه، فعليكم قراءة التاريخ من جديد.
في الختام.. نكتب، وأقلامنا تقطر دمًا على الشهداء في غزة ولبنان، شهداء هذا العدوان الوحشي الغادر، وتنفطر قلوبنا على أولئك المشردين والمحاصرين في غزة بلا طعام أو شراب أو مأوى أو علاج.
ندعو الله أن يكون في عونهم ويشد من أزر أولئك المقاتلين الذين يقاتلون من أجل الشرف والحرية وضد قوى البغي والعدوان، ويؤيدهم بنصره وليس ذلك على الله بعزيز.