بائعة الفِجل وبائعة الشِّعر
تاريخ النشر: 29th, January 2024 GMT
لا أريد أن أكتب هذا المقال، ولا غيره من المقالات. فى الحقيقة، أنا لا أريد أن أفعل
أى شىء. لماذا أستمر فى هذا العبث.. لماذا أمد خيوط اللا جدوى، لكى تلتف حول عنقى وتخنقنى؟.
منذ سقطت فى مأزق الوجود، أو حُفرة الحياة، وأنا لا أتذكر أننى فعلت شيئًا إلا الكتابة.
حقيبتى ليست مثل حقائب النساء، تحوى مرآة وقلم الروج، بل أوراقى وقلم الأبجدية.
أن تُنشر لى قصة أو مقال أو قصيدة، وبجانبها اسمى وصورتى، كان حدثًا مفرحًا،
فى زمن لا أفراح له، مدهشًا كبدايات العشق، وهطول المطر فى الصيف.
ولادة قصيدة، ولادة جديدة للكون، أو ميلاد ثورة جامحة ضد الثبات والجمود. لا أرى الحياة إلا حروفًا وكلمات، تتجمع لترسم وردة، أو صرخة، أو ملامح وطن. يمكن أن تمر ساعات وأنا حائرة بين كلمتين، أيهما أختار لأبدأ. يمكن أن أموت آلاف المرات، ولم أستقر كيف أبدأ الكتابة. يوم لا أكتب هو يوم لا أحسبه من عمرى، ينتمى لامرأة أخرى، ليست أنا.
ألقى بنفسى فى خطر المغامرات، أسافر عبر الطرق الوعرة لأفوز بإلهام قصة، أو وحى قصيدة. لا يهمنى أن أخسر علاقة حب، المهم أننى ربحت الشِّعر. لا أبالى أن أنوثتى قد هُزمت، أفكر فقط فى انتصار القصيدة.
أن أكتب، معناه أننى أستسلم لجنون العقل، ونزف القلب. لا أفكر منْ سيقرؤنى، أو هل ستنال كتاباتى الإعجاب والإطراء. الكتابة تقبلنى كما أنا.. تحبنى حبًّا غير مشروط. لا تقيّدنى بقواعد الشِّعر، ونظريات النقد، وأصول فن الكتابة، وضعها كهنة الكلمات.
يعتل جسدى، أكتب. وهذا يعنى أن الكتابة هى جسدى الحقيقى. أشعر أننى منبوذة، مطرودة، تفتح لى الكتابة أحضانها، فكيف لا تكون وطنى وبيتى؟؟. ولأن الكتابة، جسدى ووطنى وبيتى، فأنا لا ألوثها، ولا أخونها، ولا أثير فيها الفوضى.
وكما تذهب المرأة لتلتقى بالحبيب، أذهب إلى ورقة الكتابة، فى كامل أناقتى، مرتدية أجمل أثوابى.. يخفق قلبى وتتسارع دقاته، يروق بالى، يصفو مزاجى، أرتشف القهوة والكلمات.
أعجبنى رجال كثيرون، لكننى لم أحب، ولم أعانق عناقًا حميميًا إلا رجلًا واحدًا، هو «القلم».
كل كتاب نسجته أناملى وتركنى ليُباع فى الأسواق، أشعر أننى أبيع جزءًا حميمًا من وجودى، وأننى أعرض أهم وأجمل ما أكونه على الأرصفة.
تمر السنوات.
وبعد عدة مؤلفات متنوعة، أحس كم كنت ساذجة. صدقت تلك الأكذوبة التى تمجد فعل الكتابة، وصدقت أن الشِّعر نوع من السحر، وأن تعرية القبح وعدم العدالة بالقلم واجب وطنى، وأن الكاتبة والشاعرة التى لا تصدم شيئًا لا تساوى شيئًا. كم كنت ساذجة، لأصدق أن مكانتى ترتفع كلما بقيت ضد التيار سابحة. ورغم أننى أكره تعبير «قطة مغمضة» إلا أننى كنت كذلك، لأصدق أن «الموهبة» وحدها تكفى، وأنها حتمًا ستؤتى ثمارها فى أحد أيام العمر.
أعطيت سنوات العُمر للكتابة، دون قيد أو شرط، ومن أجلها تركت الشهادات الجامعية، لتبقى حبرًا على ورق، محبوسة فى الأدراج، أو مشنوقة على الحائط.
أتأمل مؤلفاتى المرصوصة على الأرفف، وتبدو لى مثل جناة يصطفون فى طابور، ينتظرون دورهم فى الإعدام. لا أريد التحديق فيها، فهى دليل دامغ على جريمة
«العبط» ضد نفسى، مع سبق الإصرار والترصد.
ما أقسى أن أشعر أننى كنت أحرث فى البحر، وأننى نثرت بذورى الطازجة فى تربة جافة، طاردة، مشققة، لا تصلح إلا للحشائش والحشرات.
أعطيت الكتابة وجحدتنى، اشتهيتها وزهدتنى.
لو كنت «بائعة فجل» أو «بائعة خردة»، لجاءت الرياح بما تشتهى سفينتى، ولأصبحت من الأثرياء، ونساء الأعمال المرموقات.
بين الحين والآخر، تنتابنى هذه الأفكار…. تتملكنى، تطاردنى.. تعاقبنى بقلة النوم، وزيادة مضادات الاكتئاب.
لا أدرى كم من الوقت يمضى لأجدنى مرة أخرى أشد الرحال إلى ورقة الكتابة، فى كامل أناقتى، مرتدية أجمل أثوابى، يخفق قلبى، تتسارع دقاته، يروق بالى، يصفو مزاجى، أرتشف القهوة والكلمات.
لا أدرى كم من الوقت مضى ليتجدد يقينى أن الكتابة نعمتى ولعنتى، جحيمى وجنتى، كما تحبنى حبًا غير مشروط لابد أن أحبها بالمثل، ولا أنتظر منها شيئًا.
أكتب الكتابة وأرميها فى البحر.. هذه هى حكمة «القلم»، وهذا هو الأمر.
الكتابة – شئت أو أبيت – قدرى.. ومنْ أنا لأقاوم القدر؟. منْ أنا لأغير مجرى الأنهار، أصمد كالجبال، أعدل سنة الحياة، وتعاقب الليل والنهار؟.
بالأمس شاهدت فيلمًا وثائقيًّا عن مقتل المخرج الإيرانى «بابيك خمردين»،
23 سبتمبر 1974 – 15 مايو 2021، فى بيت العائلة بحى «اكباتان»،
على يد أبيه «أكبر خرمدين» وأمه «إيران خمردين». صباح يوم 16 مايو 2021، اكتشفت أشلاء جثته المشوهة فى إحدى حاويات النفايات. ومن خلال بصمات الأصابع، تعرفت الشرطة على هوية الضحية. وقد اتهم الوالدان بقتل ابنهما والتمثيل بجثته، وتم القبض عليهما بعد التقاطهما بكاميرات المراقبة. اعترف الأب أكبر خرمدين بأن زوجته وضعت المخدر فى طعام الابن، ثم قام الأب بطعنه بالسكين والتمثيل بجثته وإلقائها فى النفايات.
قال الأب مفتخرًا: «لا أشعر بتأنيب الضمير… ولا تأتينى الكوابيس فى الليل.. ابنى غير متزوج ويعيش حياة فاسدة أخلاقيًا، لا تتوافق مع الشريعة الاسلامية».
تأملت الأب. ملامحه مزيج من القسوة والصرامة واللامبالاة، والأم كذلك. ومن خلال التحقيقات تبين أن الأب- عقيد متقاعد فى الجيش الإيرانى- قاتل متسلسل، حيث قام بالجريمة نفسها وقتل ابنته «أرزو» 2018، وقبلها قتل زوجها ابن أخته «فرامرز» 2010، وكان يخطط لقتل شباب آخرين من العائلة وخارجها، لنشرهم نمط حياة مخالفًا للشريعة الإسلامية، ولما تربى عليه من عادات وتقاليد.
أهكذا بكل بساطة يقتل الأهل فلذات أكبادهم؟؟. ماذا نسمى هذه الجرائم؟. وكيف وصل البعض إلى هذا التفكير المعوج؟.
إلى متى يبقى سفك الدماء باسم الأديان والشرائع؟؟. إلى متى ستظل الحياة
مهددة بالقتل والذبح، من قبل المختلين عقليًا ونفسيًا؟. هل ستنتظر البشرية طويلًا
حتى يأتى يوم تنتصر فيه ثقافة الحياة على ثقافة الموت؟؟.
خِتامه شِعر
من يَأْس الانتظار
تُكتب الأشعار
من غرق الأحلام
يبدأ الإبحار
د. منى نوال حلمي – المصري اليوم
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
يداً بيد.. راغب علامة وابنه لؤي يتصدران غلاف فوغ العربية للرجل
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- يتصدر الفنان اللبناني راغب علامة وابنه لؤي غلاف مجلة "فوغ" العربية للرجل في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وتنشر المجلة حوارًا وصفته بالـ "صريح" بين الأب والابن حول الشهرة والأسرة والموضة.
ونشرت "فوغ" بالعربية عبر حساباتها الرسمية على مواقع التواصل، صور الغلاف، وجلسة تصوير لراغب وابنه لؤي الذي دخل مجال عروض الأزياء مؤخراً، إلى جانب مقتطفات من الحوار، قال فيه الفنان اللبناني: "رغم التحديات التي واجهتُها في عملي وسفرياتي الكثيرة، بذلتُ جهدًا واعيًا كي لا تشعر عائلتي بأني بعيد عنهم... لقب الأب هو أغلى لقب في قلبي ومن أهم إنجازاتي".
وتوجه لؤي لوالده بالقول: "عندما كنتُ لا أنتهي من أداء واجباتي المدرسية، كنتَ أنت، مثل أي أب، تقتطع وقتًا من يومك لمساعدتي. لم تغب أبدًا عن وقت اللعب معي في الحديقة مهما كنت مشغولاً" بحسب الحوار الذي نشرته "فوغ" العربية.
View this post on InstagramA post shared by Vogue Man Arabia (@voguemanarabia)
وفي الحوار الذي دار بين الأب وابنه يسأل راغب: "ما إحساسك تجاه مصطلح (نيبو بيبي) الذي أطلقوه عليك؟" في إشارة إلى ابن المشاهير الذي يستفيد من شهرة والديه في تحقيق النجاح.
فيجيبه لؤي: "بصراحة، أتقبل ذلك. فلا شك في أن شهرة أحد الوالدين قد تتيح لك الفرص، ولكنها تقترن أيضًا بكثير من الضغوط والتوقعات. لذا، رغم امتناني للفرص التي أتيحت لي، أؤمن بأن عزيمتي وشغفي بما أفعله هما ما أكسبني المكانة التي بلغتها".