موقع النيلين:
2025-04-26@16:18:37 GMT

بائعة الفِجل وبائعة الشِّعر

تاريخ النشر: 29th, January 2024 GMT


لا أريد أن أكتب هذا المقال، ولا غيره من المقالات. فى الحقيقة، أنا لا أريد أن أفعل

أى شىء. لماذا أستمر فى هذا العبث.. لماذا أمد خيوط اللا جدوى، لكى تلتف حول عنقى وتخنقنى؟.

منذ سقطت فى مأزق الوجود، أو حُفرة الحياة، وأنا لا أتذكر أننى فعلت شيئًا إلا الكتابة.

حقيبتى ليست مثل حقائب النساء، تحوى مرآة وقلم الروج، بل أوراقى وقلم الأبجدية.

أن تُنشر لى قصة أو مقال أو قصيدة، وبجانبها اسمى وصورتى، كان حدثًا مفرحًا،

فى زمن لا أفراح له، مدهشًا كبدايات العشق، وهطول المطر فى الصيف.

ولادة قصيدة، ولادة جديدة للكون، أو ميلاد ثورة جامحة ضد الثبات والجمود. لا أرى الحياة إلا حروفًا وكلمات، تتجمع لترسم وردة، أو صرخة، أو ملامح وطن. يمكن أن تمر ساعات وأنا حائرة بين كلمتين، أيهما أختار لأبدأ. يمكن أن أموت آلاف المرات، ولم أستقر كيف أبدأ الكتابة. يوم لا أكتب هو يوم لا أحسبه من عمرى، ينتمى لامرأة أخرى، ليست أنا.

ألقى بنفسى فى خطر المغامرات، أسافر عبر الطرق الوعرة لأفوز بإلهام قصة، أو وحى قصيدة. لا يهمنى أن أخسر علاقة حب، المهم أننى ربحت الشِّعر. لا أبالى أن أنوثتى قد هُزمت، أفكر فقط فى انتصار القصيدة.

أن أكتب، معناه أننى أستسلم لجنون العقل، ونزف القلب. لا أفكر منْ سيقرؤنى، أو هل ستنال كتاباتى الإعجاب والإطراء. الكتابة تقبلنى كما أنا.. تحبنى حبًّا غير مشروط. لا تقيّدنى بقواعد الشِّعر، ونظريات النقد، وأصول فن الكتابة، وضعها كهنة الكلمات.

يعتل جسدى، أكتب. وهذا يعنى أن الكتابة هى جسدى الحقيقى. أشعر أننى منبوذة، مطرودة، تفتح لى الكتابة أحضانها، فكيف لا تكون وطنى وبيتى؟؟. ولأن الكتابة، جسدى ووطنى وبيتى، فأنا لا ألوثها، ولا أخونها، ولا أثير فيها الفوضى.

وكما تذهب المرأة لتلتقى بالحبيب، أذهب إلى ورقة الكتابة، فى كامل أناقتى، مرتدية أجمل أثوابى.. يخفق قلبى وتتسارع دقاته، يروق بالى، يصفو مزاجى، أرتشف القهوة والكلمات.

أعجبنى رجال كثيرون، لكننى لم أحب، ولم أعانق عناقًا حميميًا إلا رجلًا واحدًا، هو «القلم».

كل كتاب نسجته أناملى وتركنى ليُباع فى الأسواق، أشعر أننى أبيع جزءًا حميمًا من وجودى، وأننى أعرض أهم وأجمل ما أكونه على الأرصفة.

تمر السنوات.

وبعد عدة مؤلفات متنوعة، أحس كم كنت ساذجة. صدقت تلك الأكذوبة التى تمجد فعل الكتابة، وصدقت أن الشِّعر نوع من السحر، وأن تعرية القبح وعدم العدالة بالقلم واجب وطنى، وأن الكاتبة والشاعرة التى لا تصدم شيئًا لا تساوى شيئًا. كم كنت ساذجة، لأصدق أن مكانتى ترتفع كلما بقيت ضد التيار سابحة. ورغم أننى أكره تعبير «قطة مغمضة» إلا أننى كنت كذلك، لأصدق أن «الموهبة» وحدها تكفى، وأنها حتمًا ستؤتى ثمارها فى أحد أيام العمر.

أعطيت سنوات العُمر للكتابة، دون قيد أو شرط، ومن أجلها تركت الشهادات الجامعية، لتبقى حبرًا على ورق، محبوسة فى الأدراج، أو مشنوقة على الحائط.

أتأمل مؤلفاتى المرصوصة على الأرفف، وتبدو لى مثل جناة يصطفون فى طابور، ينتظرون دورهم فى الإعدام. لا أريد التحديق فيها، فهى دليل دامغ على جريمة

«العبط» ضد نفسى، مع سبق الإصرار والترصد.

ما أقسى أن أشعر أننى كنت أحرث فى البحر، وأننى نثرت بذورى الطازجة فى تربة جافة، طاردة، مشققة، لا تصلح إلا للحشائش والحشرات.

أعطيت الكتابة وجحدتنى، اشتهيتها وزهدتنى.

لو كنت «بائعة فجل» أو «بائعة خردة»، لجاءت الرياح بما تشتهى سفينتى، ولأصبحت من الأثرياء، ونساء الأعمال المرموقات.

بين الحين والآخر، تنتابنى هذه الأفكار…. تتملكنى، تطاردنى.. تعاقبنى بقلة النوم، وزيادة مضادات الاكتئاب.

لا أدرى كم من الوقت يمضى لأجدنى مرة أخرى أشد الرحال إلى ورقة الكتابة، فى كامل أناقتى، مرتدية أجمل أثوابى، يخفق قلبى، تتسارع دقاته، يروق بالى، يصفو مزاجى، أرتشف القهوة والكلمات.

لا أدرى كم من الوقت مضى ليتجدد يقينى أن الكتابة نعمتى ولعنتى، جحيمى وجنتى، كما تحبنى حبًا غير مشروط لابد أن أحبها بالمثل، ولا أنتظر منها شيئًا.

أكتب الكتابة وأرميها فى البحر.. هذه هى حكمة «القلم»، وهذا هو الأمر.

الكتابة – شئت أو أبيت – قدرى.. ومنْ أنا لأقاوم القدر؟. منْ أنا لأغير مجرى الأنهار، أصمد كالجبال، أعدل سنة الحياة، وتعاقب الليل والنهار؟.

بالأمس شاهدت فيلمًا وثائقيًّا عن مقتل المخرج الإيرانى «بابيك خمردين»،

23 سبتمبر 1974 – 15 مايو 2021، فى بيت العائلة بحى «اكباتان»،

على يد أبيه «أكبر خرمدين» وأمه «إيران خمردين». صباح يوم 16 مايو 2021، اكتشفت أشلاء جثته المشوهة فى إحدى حاويات النفايات. ومن خلال بصمات الأصابع، تعرفت الشرطة على هوية الضحية. وقد اتهم الوالدان بقتل ابنهما والتمثيل بجثته، وتم القبض عليهما بعد التقاطهما بكاميرات المراقبة. اعترف الأب أكبر خرمدين بأن زوجته وضعت المخدر فى طعام الابن، ثم قام الأب بطعنه بالسكين والتمثيل بجثته وإلقائها فى النفايات.

قال الأب مفتخرًا: «لا أشعر بتأنيب الضمير… ولا تأتينى الكوابيس فى الليل.. ابنى غير متزوج ويعيش حياة فاسدة أخلاقيًا، لا تتوافق مع الشريعة الاسلامية».

تأملت الأب. ملامحه مزيج من القسوة والصرامة واللامبالاة، والأم كذلك. ومن خلال التحقيقات تبين أن الأب- عقيد متقاعد فى الجيش الإيرانى- قاتل متسلسل، حيث قام بالجريمة نفسها وقتل ابنته «أرزو» 2018، وقبلها قتل زوجها ابن أخته «فرامرز» 2010، وكان يخطط لقتل شباب آخرين من العائلة وخارجها، لنشرهم نمط حياة مخالفًا للشريعة الإسلامية، ولما تربى عليه من عادات وتقاليد.

أهكذا بكل بساطة يقتل الأهل فلذات أكبادهم؟؟. ماذا نسمى هذه الجرائم؟. وكيف وصل البعض إلى هذا التفكير المعوج؟.

إلى متى يبقى سفك الدماء باسم الأديان والشرائع؟؟. إلى متى ستظل الحياة

مهددة بالقتل والذبح، من قبل المختلين عقليًا ونفسيًا؟. هل ستنتظر البشرية طويلًا

حتى يأتى يوم تنتصر فيه ثقافة الحياة على ثقافة الموت؟؟.

خِتامه شِعر

من يَأْس الانتظار

تُكتب الأشعار

من غرق الأحلام

يبدأ الإبحار

د. منى نوال حلمي – المصري اليوم

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

الأب جون جبرائيل لـ«البوابة نيوز»: الحرس القديم عطل إعادة معمودية الكاثوليك

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قال الأب جون جبرائيل الراهب الدومنيكاني، المتخصص في اللاهوت العقيدي أنه كان من المفترض أن يكون هناك إمضاء على إلغاء إعادة معمودية الكاثوليك خلال زيارة البابا فرانسيس لـ الكنيسة القبطية الأرثوكسية بمصر، مكملاً أنه ولظروف داخلية وتدخل بعض أساقفة الكنيسة القبطية أوقف هذا الموضوع.


 

كنيسة مؤسسات 
 


واضاف الأب جون جبرائيل  فى تصريحات خاصة لـ«البوابة نيوز» :  نوضح أن الكنيسة الكاثوليكية هى كنيسة مؤسسات، فهي تعمل بدساتير ووثائق فليس هناك بابا يستطيع أن يلغي أو يخفي الوثائق التي تسبقه؛ فالبابا فرانسيس في علاقته مع الكنائس الأرثوذكسية «اللا خلقدونية»، فقد صار في مسار الكنيسة الكاثوليكية التي بدأت في الخمسينات، حيث بدأ الحوار مع كنائس الروم الأرثوذكس، وتسمى هذه الحركة باسم «الآباء الجدد»، فقد اجتمعوا أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها خصوصاً في باريس.

وتابع، ومن ناحية الكنائس الأرثوذكسية الشرقية، أبرزهم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ومن المعتاد أن يولي بابا الفاتيكان اهتماماً بالكنائس الضخمة مثل الأنجليكانية أو الروم الأرثوذكس؛ ولكن أولى البابا فرنسيس اهتماماً كبيراً بالكنيسة القبطية ونشأت صداقة بينه وبين البابا تواضروس الثاني، وبدأ هذا الاهتمام منذ لقاء البابا بولس السادس مع الأنبا شنودة الثالث قبل أن يرسم كبطريرك للكنيسة القبطية، ونوصف هذا العلاقة بأنها علاقة محبة، واستمرارية وذلك في ظل وجود بطريرك محب ووديع ويملك عقلية منفتحة مثل البابا تواضروس الثاني.

 

مشاكل عقائدية ولاهوتية
وأكمل، هناك تطور في العلاقة ولكن فقط من ناحية الكنيسة القبطية وصراعاتها الداخلية، فالكنيسة الكاثوليكية ترى أنه ليست هناك مشاكل عقائدية ولاهوتية كبيرة، بينما على جانب الكنيسة القبطية، نرى خلافات أكثر وخصوصاً في وجود البابا تواضروس الثاني، مع وجود تيار موال للبابا الذي يسبقه، فهناك صراعات داخلية وتصفية حسابات؛ فيضغط هذا التيار على البابا تواضروس، فمثلاً كان هناك حديث عن إعادة إيقاف المعمودية وهو شيء لم يتم أبداً في تاريخ الكنيسة القبطية غير بعد وصول البابا شنودة بسنوات؛ فإذن هو شيء فرضه البابا شنودة على الكنيسة؛ وذلك بسبب ضغط بعض الأساقفة الملقبين بالحرس القديم وهذا الذي يوقف التطور، في النهاية الكنيسة الكاثوليكية ثابتة على موقفها والكنيسة الكاثوليكية لا تستطيع أن تدخل في صراعات الكنيسة القبطية الداخلية، ولكنها تُبقي القنوات مفتوحة وخصوصاً أنه ليست هناك خلافات لاهوتية كبيرة بين الكنيستين، فالكنيستان رسوليتان وعريقتان.

 

معمودية الكاثوليك

واختتم الأب جون معلقاً على زيارة البابا فرنسيس لمصر، كان من المفترض أن يكون في هذه الزيارة إمضاء على إلغاء إعادة معمودية الكاثوليك، وهذا في الكنائس التقليدية ترفضه، فكيف لكنيسة رسولية أن تعمد شخص من كنيسة رسولية أخرى؛ فهذا شيء مريب، ولاهوتي، ولكن لظروف داخلية وتدخل بعض أساقفة الكنيسة القبطية أوقفت هذا الموضوع، ودائماً تكون هذه الاتفاقيات في التعاون، ولكن أكبر اتفاق قد حدث كان مع البابا شنودة الثالث وكان يتعلق بالمسيح وناسوته، وكان ذلك أساس الانشقاق القديم؛ فإذن العقبة الكبيرة قد تم إزالتها فإذن لم يتبق الكثير. 
 

لقراءة المواضوع كاملاً:

بابا المحبة والسلام... كيف وطد البابا فرنسيس علاقته مع كنائس العالم؟


 

مقالات مشابهة

  • الكتابة للأطفال وجذب الانتباه بالصور والحبكة والأسلوب
  • خبيران في "أدب الطفل": الكتابة للأطفال تستلزم جذب الانتباه بالصور والحبكة والأسلوب
  • الأب جون جبرائيل لـ«البوابة نيوز»: الحرس القديم عطل إعادة معمودية الكاثوليك
  • سامح قاسم يكتب | فتحي عبد السميع.. الكتابة من الجهة التي لا يلتفت إليها الضوء
  • خبراء يناقشون سؤال: الكتابة في عصر الذكاء الاصطناعي.. إلى أين؟
  • ما صحة تمرير مرشحين رسبوا في امتحانات الكتابة في البقاع؟
  • الطلاق لا يعني نهاية دور الرجل.. كيف يتعامل الأب مع أطفاله بعد الطلاق؟
  • حكم الشرع في تصرف الأب في ممتلكاته لبناته حال حياته
  • خرافة نهاية الكنيسة الكاثوليكية.. ما حقيقتها؟
  • أب يعتدي على مدرب كرة سلة بعد تدخله لمنع شجاره مع آخر..فيديو