يواجه الرئيس جو بايدن ضغوطًا متزايدة لمواجهة إيران مباشرة، بعد أن قتل وكلاؤها 3 جنود أمريكيين، وأصاب العشرات، في غارة بطائرة بدون طيار على قاعدة عسكرية قرب الحدود السورية الأردنية، مما يهدد على وجه التحديد بالصراع الإقليمي الأوسع الذي قال إنه يريد تجنبه.

وأعلن الجيش الأمريكي، الأحد، مقتل 3 من جنوده وإصابة نحو 34 آخرين، بهجوم لمسيرة استهدف قاعدة تضم قوات أمريكية في الأردن (البرج 22).

ونقلت وكالة "بلومبرج"، في تقرير ترجمه "الخليج الجديد"، عن شخص مطلع على الموقف الأمريكي (طلب عدم الكشف عن هويته أثناء مناقشة المناقشات الخاصة)، إنه من الواضح أن ضربة تقتل أمريكيين ستؤدي إلى رد فعل أقوى مما فعلته الولايات المتحدة حتى الآن في الأسابيع التي تلت هجوم مسلحي "حماس" على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وأشعل حريقًا جديدًا في الشرق الأوسط.

ووفق المصدر، فإن أحد الاحتمالات هو العمل السري الذي من شأنه أن يجعل الولايات المتحدة تضرب إيران دون أن تدعي الفضل في ذلك، ولكنها ترسل رسالة واضحة.

ويمكن لإدارة بايدن أيضًا أن تستهدف المسؤولين الإيرانيين بشكل مباشر، كما فعل الرئيس السابق دونالد ترامب عندما أمر بقتل الجنرال قاسم سليماني في بغداد عام 2020.

اقرأ أيضاً

بايدن يواجه ضغوطا بعد هجوم الأردن: مررنا بيوم صعب وسنرد

وبغض النظر عن النتيجة، فإن الهجوم يعرض على بايدن قرارا سيكون من أكثر القرارات أهمية في رئاسته، فهو يريد معاقبة منفذي الهجوم وردع إيران عن أفعالها في المنطقة، لكن القيام بذلك قد يضع الولايات المتحدة في مواجهة مباشرة مع القيادة في طهران، التي اكتسبت جرأة بالفعل في المنطقة منذ هجوم "حماس"، وشنت هجمات في العراق وباكستان.

ويجب عليه أيضًا، وفق المصدر، أن يزن احتمال حدوث المزيد من الاضطرابات الاقتصادية في الوقت الذي تتعامل فيه الولايات المتحدة مع المسلحين الحوثيين (وكيل إيراني آخر) الذي أدى إلى اضطراب الشحن العالمي، وأثار مخاوف من حدوث اضطرابات اقتصادية جديدة من خلال استهداف السفن التجارية في البحر الأحمر، الذي يمثل 12% من التجارة العالمية.

من جانبه، يقول المسؤول السابق في المخابرات الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط جوناثان بانيكوف جوناثان بانيكوف: "سيتعين على إدارة بايدن أن تسير على خط دقيق للغاية في محاولة الرد بقوة كافية لاستعادة قدر من الردع حتى لا يحدث هذا مرة أخرى، مع عدم القيام برد يؤدي إلى تصعيد الصراع".

ويضيف: "لكن التحدي الأوسع هو كيفية التعامل مع التهديد الإيراني".

وتعهد بايدن بالفعل بالانتقام بعد أن قال إن المسلحين المدعومين من إيران، قتلوا أفراد الخدمة وأصابوا عشرات آخرين في هجوم بطائرة بدون طيار بالقرب من الحدود السورية.

اقرأ أيضاً

إيران تنفي ضلوعها في الهجوم على القاعدة الأمريكية قرب حدود الأردن

وبعد عشرات الضربات على القوات الأمريكية في سوريا والعراق، كان الهجوم بمثابة أول حالة وفاة أمريكية، منذ أن دخلت إسرائيل و"حماس" في الحرب، وكثف وكلاء إيران هجماتهم.

وقال بايدن في بيان: "سنحاسب كل المسؤولين في الوقت وبالطريقة التي نختارها".

ويخاطر مثل هذا التصعيد أيضًا بإحباط الجهود الأمريكية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وغزة يمكن أن يساعد في وقف هذا الصراع.

وتوجه مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز إلى باريس لإجراء محادثات تهدف إلى وقف العنف لمدة شهرين على الأقل، مقابل إطلاق "حماس" سراح معظم الأسرى المتبقين، الذين احتجزتهم في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول ضد إسرائيل.

وليس لهذه المحادثات أي ضمانة للنجاح، نظرا للحاجة إلى إقناع ليس فقط "حماس"، بل أيضا إسرائيل التي قاومت الضغوط لتخفيف حملتها العسكرية على الرغم من تزايد القلق الأمريكي بشأن الخسائر في صفوف المدنيين والإدانة الدولية المتزايدة.

وفي بيان صدر الأحد، قال رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، إنه لا تزال هناك "فجوات كبيرة"، لكنه وصف المحادثات بأنها مثمرة.

اقرأ أيضاً

هجوم البرج 22 مفترق طرق تصعيد أو خفضه

وكان الضغط يتصاعد بالفعل في الوطن على بايدن لاتخاذ إجراء مباشر ضد إيران، حيث ألقى الجمهوريون في الكونجرس باللوم على الرئيس، فيما وصفوه بـ"الردود الخجولة" على تصرفات وكلاء إيران حتى الآن.

ويجادل مشرعون بأن بايدن يفتقر إلى السلطة لتنفيذ الضربات من جانب واحد، بينما على العكس من ذلك، يقول صقور السياسة الخارجية إنه لا يذهب بعيدا بما فيه الكفاية.

وقال السيناتور روجر ويكر، أكبر عضو جمهوري في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، في بيان: "ردود إدارة بايدن حتى الآن لم تؤد إلا إلى مزيد من الهجمات".

وأضاف: "حان الوقت للتحرك بسرعة وحسم، ليشاهده العالم أجمع".

وفي كلتا الحالتين، يرى المحللون أن الولايات المتحدة على أعتاب الانجرار إلى مزيد من الصراع الإقليمي.

واستُهدفت القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي المناهض لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) المنتشرة في العراق وسوريا بأكثر من 150 هجوما منذ منتصف أكتوبر/تشرين الأول، وفق وزارة الدفاع الأمريكيّة (البنتاغون).

ونفذت واشنطن ضربات انتقامية في كلا البلدين.

اقرأ أيضاً

معلومات أولية عن هجوم "البرج 22" بالأردن ومقتل جنود أمريكيون للمرة الأولى

ويرى الجمهوريون مثل ويكر أن إيران اكتسبت المزيد من الجرأة.

أما الخيار الأخير، وفق "بلومبرج"، والذي يبدو أقل احتمالا في هذه المرحلة، هو أن الولايات المتحدة قد تفكر في سحب قواتها من الأردن وسوريا والعراق، حيث كانت تتمركز كجزء من الجهود المبذولة لهزيمة تنظيم "الدولة الإسلامية" في السنوات الأخيرة.

ومع تراجع هذا التهديد، جادل بعض النقاد بأن الولايات المتحدة كانت فقط تعرض جنودها للتهديدات دون سبب وجيه.

يقول زميل أولويات الدفاع وضابط مشاة البحرية الأمريكي السابق جيل بارندولار: "الأردن شريك أمني منذ فترة طويلة، ولكن علينا أن نسأل أنفسنا ما إذا كان وجود القوات الأمريكية في العراق وسوريا يستحق ذلك".

وقد يُنظر إلى القيام بذلك على أنه هدية لإيران، التي تتمتع بنفوذ واسع على الحكومة العراقية والقوات المسلحة في سوريا.

أما دينيس روس، الذي شغل منصب مبعوث البيت الأبيض للشرق الأوسط في عهد بيل كلينتون، فيعتقد أن "الولايات المتحدة تحتاج إلى التفكير أكثر فيما نفعله، حتى يفهم الإيرانيون أن هناك خطرًا هنا، وهي ليست مخاطرة يريدون القيام بها".

ويضيف: "إذا كانت طبيعة ردنا هي نفسها التي كانت حتى الآن، فإن الرسالة هي أن بإمكانهم الاستمرار في القيام بذلك ولن يكلفهم ذلك أي شيء".

اقرأ أيضاً

جماعة عراقية تتبنى الاستهداف القاتل لقوات أمريكية على حدود الأردن وسوريا

المصدر | بلومبرج - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: قوات أمريكية البرج 22 الأردن بايدن خيارات أمريكية إيران الولایات المتحدة اقرأ أیضا حتى الآن البرج 22

إقرأ أيضاً:

أمريكا وإسرائيل.. حكاية حبّ يجب أن تُروى.. في السياسة لا بدّ من الإيضاح

1 ـ  خطوط متباعدة تلتقي بعد خمسة قرون

بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل حكاية حبّ بعيدة الغور ينسجها قدر خفي. وعلى خلاف نزار القباني الذي يقول عند وصف علاقة ما بين مثليتين: "وحكاية حب لا تُحكى** في الحبّ يغيب الإيضاح"، نقدّر أن الحكاية بين الدولتين المارقتين يجب أن تُحكى، فلعلّها أن تفسّر شيئا من تحالف الحروب والدّماء بينهما. لذلك تأخذنا هذه الورقة إلى وقائع بعيدة من التّاريخ وإلى يد خفيّة تنسج من خيوطه المتنافرة الحلّة التي يرتديها العالم اليوم.

ظهر أوّل خيطي القصّة في العام 1492. فلمّا كان أبو عبد الله محمد الثاني عشر، آخر ملوك الأندلس المسلمين، يُسلّم غرناطة إلى الملك الإسباني، كان المستكشف الإيطالي كريستوفر كولومبوس يبحر برعاية إسبانية متجها إلى الهند. ولا شكّ أنّ الحدثين متباعدان أشد التباعد أو منفصلان أشد الانفصال عن كيانين هجينين لم يريا النور بعد هما الولايات المتّحدة وإسرائيل ثانيا. ومن هنا توجّب الإيضاح !

تعود بدايات التحالف الرّسمي بين الصهاينة والولايات المتّحدة الأمريكية إلى المؤتمر اليهودي بنيويورك عام 1942. فقد اجتمعت 600 شخصية صهيونية وازنة في المؤتمر الذي ترأسه كل من حاييم وايزمن ممثلا للمنظمة الصهيونية ودايفد بن غوريون ممثلا للوكالة اليهودية. وقررت نقل التنسيق اليهودي من بريطانيا إلى الولايات المتحدة التي أضحت تتزعّم العالم.يشاء النسّاج وهو يغزل الخيط الأول أن تسقط الأندلس. ويدرك الغرب أن عدم تقديم الإمبراطورية العثمانية الغوث لمن استغاثوا بها من المسلمين مؤشر على بلوغها درجة من الضعف والهوان. فيجعلها لاحقا هدفا لنزعته الاستعماريّة بحثا عمّا تحتاجه ثورته الصّناعية من مواد أولية وأسواق. ويدرك بعدها أن اليهود يمثلون عبئا على اقتصاده. فيتخلّص منهم بأن يمنحهم فلسطين وطنا قوميا.

ويشاء أن يضلّ كريستوفر كولومبوس الطريق وهو يغزل الخيط الثّاني. فيكتشف العالم الجديد بالصدفة. ويشاء أن تنشأ الولايات المتحدة الأمريكية بعد قرون ليستولي وافدوها البيض على أراضي الهنود الحمر، السكان الأصليين، وليمارسوا ضدّهم عملية تطهير عرقي واسعة، وأن تتسيد العالم بجزئيه القديم والجديد.

وحاصل نسج الخيطين أن نشأت إسرائيل وطنا قوميا لليهود، وأن أخذت تعيد تجربة الولايات المتحدة. فتتقمص الدور نفسه  في الشرق الأوسط وتجعل من الفلسطينيين هنودا حمرا جددا. وهذا ما سنعرض شذرات سريعة منه على نحو مقارن ونترك التّفصيل للقارئ، فنحن لا نذكر إلا لنحفز ذاكرة لا تغيب عنها هذه المعارف بكل تأكيد.

2 ـ الهاربون من الجحيم يصنعون جحيم ضحاياهم

فضلا عن المغامرين الحالمين بالثروة من أصحاب شركات الاستثمار والتجارة، يعدّ الأوروبيون الذين قصدوا العالم الجديد غالبا، الأقلّ حظا في عالمهم القديم. فقد وصلوا إلى الأراضي الأمريكية عامّة هاربين من اضطهاد رجال دين بيوريتان (طائفة المتطهرين) أو من اضطهاد الكنيسة الإنغليكانية في عهد الملك شارل الأول. أما المهاجرون الألمان والبريسبتاريون (بروتستانت الكنيسة المشيخية) من شمال أسكتلندا وأيرلندا فقد غادروا بلدانهم هرباً من الفقر والحروب وممّا يتعرضون له من اضطهاد ديني، مستفيدين من قرار البرلمان البريطاني منح الجنسية لكل بروتستانتي يهاجر إلى أمريكا .

والدّافع نفسه كان وراء هجرة اليهود إلى فلسطين منذ نهاية القرن التاسع عشر. فقد كانوا عرضة لاضطهاد ديني يحمّلهم باستمرار مسؤولية تسليم المسيح للرومان لصلبه. ولأنهم كانوا يسيطرون على أسواق المال والذهب ويبسطون سلطانهم على الحياة الاقتصادية في المجتمعات التي يعيشون فيها وجدوا أنفسهم مخيرين بين الذوبان في الكيانات المسيحية أو التعرّض إلى التمييز والإقصاء، خاصّة في ظل تنامي النزعات القومية والتنافس الاقتصادي والحمّى الاستعمارية.

3 ـ الاستيلاء على الأراضي.. أوّل خطط الاستيطان

عمل الأوروبيون الوافدون إلى العالم الجديد على الاستيلاء على المناطق الخصبة. ولمّا واجهوا مقاومة من مالكيها الأصليين دمروا مزارعهم ورحّلوهم قسريا إلى المناطق الداخلية القاحلة. ولعلّ ما ورد في خطاب الرئيس أندرو جاكسون عند تنصيبه في 4 مارس 1829، كاف لتلخيص ما تعج به كتب المؤرخين من تفاصيل الاضطهاد والتهجير القسري والتطهير العرقي الذي تعرض له الهنود الحمر. فقد  أعلن أنه سيفعل ما هو ضروري "لإفراغ" القارة الشرقية من الهنود واحتلال أراضيهم. وبالفعل ففي 28 مايو 1830، وقّع على ما يعرف بقانون إزالة الهنود، [l'Indian Removal Act] وهو القانون الذي يبيح تهجيرهم من جميع ولايات الساحل الشرقي وتوطينهم في المحميات الواقعة غرب سهل المسيسيبي. ورغم قرار المحكمة العليا الذي منع هذا الإجراء، تم ترحيل حوالي 100.000 من الأمريكيين الأصليين حتى عام 1850. ولقي أكثر من 4000 حتفهم في الرحلة، بسبب المرض والجوع والتعرض لظروف الطقس القاسية فيما أصبح يعرف باسم درب الدموع.

وبعد نصف قرن من هذا القرار وما تبعه من الإجراءات ظهرت فكرة تمكين يهود الشتات من وطن قومي. واستدرجوا من كل حدب ليحلوا محل شعب قائم. فقد أسّس الأمريكي حييم وايتمن، عضو الحركة الصهيونية "شركة تطوير أراضي فلسطين" في يافا عام 1907 لاستقطابهم. ثم ابتاع الصندوق القومي اليهودي في 1910 أكثر 200.000 دونم من ضباط عثمانيين عبر وساطة لبنانين في سهل مرج بن عامر شمال فلسطيني. فأخلاها من ستين ألف مزارع يعملون فيها وعوّضهم بيهود أوروبا الشرقية ثم بآخرين من اليمن. وأمّن هربيرت صامويل، وصول نحو 34 ألف يهودي ومنحهم الجنسية الفلسطينية في 1925 وأسهم في تأسيس 13 مستوطنة جديدة.

4 ـ من الممارسة العنصرية إلى التطهير العرقي: جرائم الأمريكيين التي تبناها الصّهاينة

من منطلق الشعور بتفوق العرق الأبيض مارس الوافدون إلى العالم الجديد عنصريتهم ضدّ السّكان الأصليين. فلم تصفهم الكتب الإنجليزية بكونهم "وحوشا لا تعقل ويأكلون زوجاتهم وأبناءهم" إلا لتبرّر ما سيرتكبون ضدّهم من الإبادة الجماعية والتطهير العرقي. وبعد تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية انخرطت حكوماتها المتعاقبة في حملات إبادة ضدّهم.  فقد كان عددهم 12 مليونا في عام 1500. ولكن هذا الرّقم وصل إلى أقل من 237 ألف عام 1900، ويبلغ حالياً حوالي الخمسة ملايين نسمة، من أصل أكثر من 300 مليون نسمة، إجمالي سكان الولايات المتحدة. ويشمل الرّقم سكان ألاسكا الأصليين.

في الشطر الآخر من العالم وقبل النكبة بأشهر، كانت الاجتماعات التّنسيقية التي يشرف عليها الصهاينة تلتئم أسبوعيا. فتخطّط لطرد الأهالي من قراهم جماعيا. وطبقت الخطة داليت (أو د) ، وهي خطة وضعتها عصابة الهاجاناه في فلسطين بين خريف 1947 وربيع 1948 وأُقرت في سنة 1948، وكانت تهدف إلى تأمين تأسيس دولة يهودية في فلسطين، عبر  السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي الفلسطينة وطرد أكبر عدد ممكن من الأهالي وفرض سياسة الأمر الواقع على الأرض. فطورت عصاباتهم صناعة قاذفات اللهب لحرق القرى وقامت باختبارها ميدانيا في خمس منها. وتولت عصابة بالماخ التي يقودها الضابط إسحاق رابين، الحائز على جائزة نوبل للسلام لاحقا، تدميرها وطرد 1500 قروي منها. وفي مذبحة دير ياسين قتلت العصابات والهجاناه 100 قروي بأمر من ديفيد بن غوريون الذي كتب في مذكراته لاحقا أنه كان يجب إيقاع ضربة حاسمة في كل هجوم ضد الفلسطينيين. 

وتواصل التطهير العرقي إثر النكبة. وتمّ تنفيذ خطته في نحشون ودیر یاسین وحيفا وعكا وبيسان ويافا. فارتكبت المذابح ومات الكثير من المهجرين عطشا. ومما تذكر المصادر الإسرائيلية نفسها أن الفلسطينيين كانوا يُرغمون على حفر الخنادق التي سيدفنون فيها لاحقا. طُرد نحو مليون نسمة من بيوتهم بقوة السلاح.

5 ـ طمس الثقافة الأصلية للاستيلاء على العقول

أنتج سكان أمريكا الأصليون أرقى حضارات العالم القديم مثل الإنكا والأزتك والمايا، واشتهرت بالزراعة والصناعة والصيد والعمران. ولكن الأوروبي الغازي عمل على طمس ثقافتهم للسيطرة عليهم. ففرض عليهم العزلة والتهميش بأن حشرهم في المحميات الخاصّة ومنعهم من ارتداء لباسهم التقليدي، وممارسة تقاليدهم، وتكلم لغاتهم الأصلية. ثم أخذ أطفالهم بالقوّة إلى المدارس المسيحية الخاصة؛ بغاية تمسيحهم وتربيتهم وفق المعايير والقيم البروتستانتية الأنجلو-ساكسونية. وتولّت هوليوود ترسيخ الصورة التي يريدها لهم البيض: بدائيين وهمجا وقتلة.

وهذه الصورة مطابقة لصورة الفلسطيني في السينما الإسرائيلية تقريبا. فقد ["تمثلت الصورة السينمائية للعربي الفلسطيني في الموجة الأولى من الأفلام الصهيونية بالذي "لا صورة له". فالحديث عنه ضمنيٌّ وبرؤية مبتورة مشوهة وشاحبة ولا أهمية لها. "كانوا عشرة (1961)" و"الخروج (1960)" نماذجٌ على تلك الأفلام. فمثلًا يحاكي فيلم "عمود النار (1959)" نمط أفلام الغرب الأمريكي. ويحكي قصة كيبوتس صغير في الجنوب يُصدم ساكنوه بمواجهة دبابات مصرية يعاونها مجموعة من الفدائيين الفلسطينيين لا يظهرون بطريقة مباشرة. وتندلع المواجهة على طريقة مطاردة راعي البقر الأبيض للهندي الأحمر الهمجي. ولم يفت على السينما الإسرائيلية صورة الفلسطيني الهمجي. إذ يُظهر الفلم الوثائقي "قصة فلسطين (1962)" العرب في أعين المهاجرين الصهاينة كقبيلة وثنية شديدة البدائية. ويعلق الراوي على جهلهم استخدام الآليات الزراعية، ويطرَح بحسرة سؤاله: "أهذه هي أرضنا المشتهاة؟" فيجيب: "لا، ما دام هؤلاء فيها".

وفي فيلم "لقد مشى عبر الحقول (1967)" كان لا وجود للفلسطيني أصلًا. فقدم حرب 1948 كحرب تستهدف البريطانيين حصرًا. ويروي الفيلم قصة أوري، أول طفل يولد في فلسطين. يصبح محاربًا في البالماخ، سلاح العاصفة في الهاقانا [الهجاناه]، ويقع في حب فتاة مهاجرة"]. [والفقرة بأسرها مقتبسة عن مصطفى علي، موقع https://thmanyah.com/)

6 ـ  التقاء الخطين المتوازيين عند الدّم الفلسطيني

تعود بدايات التحالف الرّسمي بين الصهاينة والولايات المتّحدة الأمريكية إلى المؤتمر اليهودي  بنيويورك عام 1942. فقد اجتمعت 600 شخصية صهيونية وازنة في المؤتمر الذي ترأسه كل من حاييم وايزمن ممثلا للمنظمة الصهيونية ودايفد بن غوريون ممثلا للوكالة اليهودية. وقررت نقل التنسيق اليهودي من بريطانيا إلى الولايات المتحدة التي أضحت تتزعّم العالم. وفي مؤتمرها اللاحق بعد سنتين طالبت بإخراج بريطانيا التي باتت تتراجع حضاريا وعسكريا وباتت الشمس تغرب عنها من فلسطين توفير حماية دولية لليهود وإنشاء كومنويلث على كامل الأراضي الفلسطينية "يكون مخلصا لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط". وليضمنوا ولاء الساسة الأمريكيين لفكرة الصهيونية ركزوا لوبي قويا واسع النفوذ الاقتصادي والسياسي والإعلامي. فتمكّنوا من السيطرة على مفاصل الدّولة. وأقاموا العلاقات المتينة بالحزبين الكبيرين. وهيمنوا على أصحاب القرار فيهما. وحولوا الولاء إلى فكرة الوطن القومي لليهود إلى مصعد يعتمد عليه كل ذي طموح سياسي. وهذا ما جعل العلاقة بين البلدين لاحقا قائمة على مفارقة. فالولايات المتحدة، البلد الأقوى أصبحت تابعة لإسرائيل مرتهنة في قرارها الوطني لمصالحها. أما إسرائيل فتتقمص باستمرار دور الولايات المتحدة في علاقتها بالسكّان الأصليين. فتمعن في بطشها بهم بغطاء دولي تفرضه الولايات المتحدة وحلفاؤها فرضا.

7 ـ  المرايا المحدّبة

لهذه العلاقة القلّب ما يفسّرها موضوعيا. فإسرائيل تمثل موطئ قدم لأمريكا يخوّل لها مراقبة الشرق عامة وفي الآن نفسه تمثّل ضمانة لإخضاع العرب أعداء الغرب الحضاريين المحتملين.. والاستيلاء على فلسطين عمل إمبريالي ذو عمق عسكري واقتصادي في جوهره يتخفى بالدين. ولكن في مفهوم التّقمص الذي طوّره علم النّفس التّحليلي زاوية أخرى قد تفسّر هذه العلاقة. فقد أخرج علم النفس التحليلي هذا المفهوم من خلفياته الميتافيزيقية لفهم نمو البناء النرجسي للفرد. فاتخذه فرويد أداة لتفسير النمو النفسي والعقلي للأطفال. وقدّر أنّ الطفل يتأثر بذات أخرى من محيطه، فيراقبها ويعجب بما تفعل أو بكيفية تفكيرها.

تواصل التطهير العرقي إثر النكبة. وتمّ تنفيذ خطته في نحشون ودیر یاسین وحيفا وعكا وبيسان ويافا. فارتكبت المذابح ومات الكثير من المهجرين عطشا. ومما تذكر المصادر الإسرائيلية نفسها أن الفلسطينيين كانوا يُرغمون على حفر الخنادق التي سيدفنون فيها لاحقا. طُرد نحو مليون نسمة من بيوتهم بقوة السلاح.ثم يعيد إنتاج حاصل هذه المراقبة. فيتجاوز الأمر تقليد هذه السّمات ومحاكاتها، لتصبح عنصرا فاعلا في بناء شخصيّته هو، وفي اكتسابه لهويّته الخاصّة. ثم تكون النّرجسية الثّانوية. فتمثّل مرحلة لاحقة، تنقطع فيها الذات عن اتّجاهها إلى ذاتها وتكتسب القدرة على الاتّجاه إلى العالم الخارجي. ثمّ طوّر جاك لاكان  هذه الآلية التفسيرية. فاصطلح على التّقمص الأوّلي بمرحلة المرآة. وجعل مدارها على اكتشاف الأطفال لذواتهم وتمثّل هويّاتهم الجسديّة عبر تقمّص شبيه بإدراك صورهم من خلال مرآة حقيقيّة أو ما يشبهها من الآليات الرّمزية التي تسهم في إدراك الذات لذاتها.

ولا تُعدّ عنده المرآة مرحلة في حياة الرّضيع تنتهي بتجاوزها، وإنّما يتواصل أثرها. فهي تسهم في توفير الهويّة المرئيّة التي يتمّ الحصول عليها من المرآة باعتبارها "شكلًا" خياليًا لتجربة حقيقية مجزّأة. وتتعلّق بإدراك الذّات انطلاقا من الآخر. وعلى هذا النّحو يتحوّل التقمّص من خلق أنا مرآتية إلى إيجاد أنا اجتماعيّة. فيتحقّق البناء النرّجسي لينطلق المرء من صورة الذّات حتّى يدرك الآخر ضمانا لبعده الاجتماعي.

ونحن نستعرض مسار تأسيس إسرائيل الذي قام على الاستيلاء على أراضي السكان الأصليين واضطهادهم وممارسة التهجير القسري والتطهير العرقي ضدّهم. فنجد فيه إعادة لمسار تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية، يطرح والسؤال: ألا يجوز أن نسحب مفهوم التقمّص من تشكيل الهوية الفردية إلى تشكيل الهوية الجماعية؟ ألا نجد فيه ما يفسّر التركيبة النفسية للجماعات وما يجعلنا نفهم شيئا من "العشق المتبادل" بين الولايات المتحدة وإسرائيل؟ فعلى نحو ما تتقمص إسرائيل دور الولايات المتحدة وهي تعيد إنتاج تاريخها القذر. وتنظر الولايات المتّحدة بالمقابل، إلى هذه القصّة وهي تتشكّل بكثير من الذاتية. فترى نفسها وتاريخها في كل ما تفعله إسرائيل. ولا تملك إلاّ أن تصادق عليه لتضفي شرعية على تاريخها الإجرامي.

ليس ما نذكره غير انطباع ما، بشأن أحداث من التاريخ تبدو متباعدة وبشأن العلاقة المعقّدة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لا أكثر. ولكننا نميل إليه، وبه نبرّر اشتهار رقصة الهندي الأحمر والفلسطيني إثر الغزو الإسرائيلي لغزة. ففي اشتهاره إقرار ضمني بتوازي مساري المغتصبين على نحو مرآتي وتماثل مصير الضحايا على نحو درامي.

مقالات مشابهة

  • اجتماع متوقع بين بايدن ونتانياهو في واشنطن أواخر يوليو
  • تقارير: اجتماع متوقع بين بايدن ونتانياهو في واشنطن أواخر يوليو
  • هاريس تتهرب من الإجابة على سؤال حول استعدادها لقيادة الولايات المتحدة بدلا من بايدن
  • مارك رافالو: الولايات المتحدة تتجه إلى الديكتاتورية.. ما علاقة ترامب؟
  • الولايات المتحدة تقرض بولندا مليارين دولار لشراء أنظمة دفاع جوي أمريكية
  • مصادر إسرائيلية: مقتل جنديين وإصابة عشرة في هجوم للمقاومة على محور نتساريم وسط القطاع
  • أمريكا وإسرائيل.. حكاية حبّ يجب أن تُروى.. في السياسة لا بدّ من الإيضاح
  • بعد أدائه الضعيف.. هل فات الأوان على استبدال بايدن؟
  • بعد أدائه الضعيف.. هل فات الأوان على استبدال بايدن بمرشح آخر؟
  • ما حقيقة خبر قصف إسرائيل لأحد مخيمات صور؟ معلومة تكشف!