البعد الاجتماعي للعبادات في الإسلام
تاريخ النشر: 29th, January 2024 GMT
جاء الإسلام وكانت المجتمعات في تفكك وفى اختلاف وفى نزاع وفى صراعات وفى مشاحنات فجمع الكلمة ووحد الصف ونزع فتيل القتنة فأصبح المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضه وأصبح المؤمن مرآةَ أخيه يكف عنه ضيعته ويحوطه من وراءه قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) ولما شرع الإسلام العبادات لم تكن العبادات في حد ذاتها تقتصر على الجانب الروحي فقط بل كانت دعوة للألفة وللأخوة والمحبة والترابط فالصلاة يجتمع فيها المصلون خمس مرات في اليوم والليلة يتفقد الأنسان فيها حال أخيه إن غاب ويعرف حاله إن حضر ويقف بجواره إن احتاج ويعينه في أمره و يتعارف الناس في بيوت الله، وتنشأ بينهم صِلات المودَّة والحب واللِّقاء في الله، ويعظُم بينهم الإحساس بأُخوَّة الدين ورابطة العقيدة، وتتعمَّق في نفوسهم معاني التراحم، ومشاعر الإحساس بأنهم جسدٌ واحدٌ، وروحٌ واحدة مع اختلاف ألوانهم وألسنتهم وطبقاتهم فهم يصلون لقبلة واحدة ويؤمهم إمام واحد ويقرأون من كتاب واحد .
ثم بعد ذلك شرع لهم الجمعة وهو اجتماع أكبر تظهر فيه تلك الروابط أكثر وأكثر ثم شرع العيدين وأمر أن يشهده الكبير والصغير والرجال والنساء على حد سواء وكل هذا يزيد فى روابط الأخوة الأيمانية والإنسانية بين الناس ثم شرع الحج حيث يتجلى هذا المعنى أكثر وأكبر في اجتماع البشر من كل جنس ولون ومن كل بلد مع اختلاف الألوان والألسنة لكنهم فى لباس واحد وفى شعيرة واحدة يتوجهون لخالقهم بالتلبية والاستجابة ولذلك حرص النبي صلى الله عليه وسلم أن يغرس تلك المعاني فى نفوس الأمة في حجته حجة الوداع حيث قال صلى الله عليه وسلم: ) أَلاَ تَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ ، فَقَالَ : أَلَيْسَ بِيَوْمِ النَّحْرِ قُلْنَا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : أَيُّ بَلَدٍ هَذَا ، أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ الحَرَامِ قُلْنَا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ ، وَأَمْوَالَكُمْ ، وَأَعْرَاضَكُمْ ، وَأَبْشَارَكُمْ ، عَلَيْكُمْ حَرَامٌ ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا ، أَلاَ هَلْ
دعاء المظلومبَلَّغْتُ قُلْنَا : نَعَمْ ، قَالَ : اللَّهُمَّ اشْهَدْ ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ ، فَإِنَّهُ رُبَّ مُبَلِّغٍ يُبَلِّغُهُ لِمَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ ، قَالَ : لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا ، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ ) والزكاة كفريضة لها جانب اجتماعي كبيرحيث تسموا بالإنسان عن الشح والأنانية وتجعله يشعر بالآخرين ويسهم في مد العون لهم مع جزيل الجزاء في الآخرة والزكاة بمقاديرها المختلفة من المال كفيلةٌ أن تحقق التكافل الاجتماعيَّ بين أفراد المجتمع المسلم الواحد، فتُطيب نفسَ المعطي المزكِّي، وتُطهِّر قلب الفقير المُعدم؛ فلا ينظر إلى مال غيره بحَسرة وحسدٍ وندم، ولكن ينظر إليه متمنِّيًا له المزيد؛ لأنه أعطاه من ماله، وتطهرُ نفسه من السطو والاعتداء والسرقة، كلُّ ذلك يتأتَّى نتيجة لتأدية ركن الزكاة. فالزكاة هي عماد التكافل بين المجتمعات الإسلامية، ولها المردودات الإيجابية في خَلق مجتمع مسلم نظيف يحب بعضه بعضًا، وبجانب كون الزكاة عبادة دينية واجبةً على المسلم؛ فإنها على المستوى الماليِّ تجارةٌ مع الله عز وجل، فيقول تعالى: ﴿ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ﴾ الروم: 39 والصيام مدرسة فى تربية السلوك الاجتماعي حيث يعزز شعور الإنسان تجاه الفقراء والمحتاجين فهو يجوع ويعطش ويشعر بما يشعر به هؤلاء من الفقر وشدة الحاجة ولذلك حكي أن يوسف عليه السلام سئل نراك كثير الصيام وأنت على خزائن الأرض فقال: حتى لا أنسى الفقراء من هنا كانت اعبادات فى الإسلام لها دور كبير فى الترابط المجتمعى.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الإسلام صراعات بيوت الله
إقرأ أيضاً:
ممدوح: الإسلام يحفز على البحث العلمي والتأمل في الكون
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أكد الدكتور أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن الإسلام يدعو دائمًا إلى التأمل والتفكير في ملكوت الله.
وأضاف ممدوح، في سياق الندوة العلمية "الكَون بعيونِ العلمِ والإيمان" التي اقيمت بنقابة المهندسيين، أن القرآن الكريم مليء بالآيات التي تحفز العقل على التفكر في الكون وخلق الله، ما يثبت أن الإسلام ليس عائقًا أمام البحث العلمي بل هو الحافز الأساسي له.
كما أوضح ممدوح أن هذه الندوة تساهم في بناء جسور بين أهل العلم الشرعي والعلماء المتخصصين في الفلك والفضاء، وتؤكد أن استكشاف الكون لا يقتصر على الرحلات الفضائية بل هو رحلة فكرية وتدبرية. وأشار إلى أن الإسلام شجع على دراسة الكون من منظور علمي وعقلي، ما يسهم في تطور العلوم وفتح آفاق جديدة من الفهم.