هزيمة انتخابية لليمين المتطرف بألمانيا على وقع مظاهرات مناهضة
تاريخ النشر: 29th, January 2024 GMT
تعرض اليمين المتطرف في ألمانيا -يوم أمس الأحد- لهزيمة انتخابية، على خلفية موجة الاحتجاجات التي شهدتها مناطق مختلفة من البلاد تعبّر عن معارضة غير مسبوقة.
ولم ينجح حزب البديل من أجل ألمانيا في تحقيق فوز ثان برئاسة انتخابات محلية في منطقة زاليه-أورلا بولاية تورينغن شرق البلاد.
ولم ينل مرشحه أوفيه ترومه سوى 47.
وأشار المسؤول الثاني في الحزب الاشتراكي الديمقراطي بمنطقة تورينغن، يورغ ماير، إلى أن هزيمة حزب "البديل من أجل ألمانيا" تمت نتيجة لجهود المجتمع المدني.
واعتُبرت هذه الانتخابات بمثابة اختبار في الوقت الذي تشهد فيه ألمانيا منذ نحو أسبوعين مظاهرات حاشدة تندد باليمين المتطرف وبرنامجه "العنصري" كما يصفه معارضوه.
وقال منظمو المظاهرات أمس إن أكثر من 800 ألف شخص شاركوا في المظاهرات طوال عطلة نهاية الأسبوع، خاصة في هامبورغ ودوسلدورف، للتنديد بتصاعد "البديل من أجل ألمانيا" والتهديد الذي يمثله على النظام الديمقراطي.
ونهاية الأسبوع الماضي، قدّر المنظمون عدد المتظاهرين بـ 1.4 مليون شخص.
وقامت هذه التجمعات بعدما كشفت وسائل الإعلام عن معلومات صادمة تفيد بأن أعضاء في "البديل من أجل ألمانيا" ناقشوا نهاية العام الماضي خطة تشمل عمليات طرد جماعية للأجانب و"المواطنين غير المندمجين" في المجتمع.
تأثير الاحتجاجات
وبينما يواصل الحزب المناهض للهجرة والنظام القائم التقدم في استطلاعات الرأي منذ أشهر، أظهر استطلاع أجراه معهد إنسا بعد المظاهرات المناهضة للحزب الأولى تراجعا في النسبة من 23% إلى 21.5%. وقال مدير المعهد هيرمان بينكيرت -لصحيفة "بيلد" إن المظاهرات لها تأثير.
ورغم ذلك، يظل حزب "البديل من أجل ألمانيا" الحزب الثاني من حيث الشعبية، خلف المحافظين المعارضين لمستشار البلاد الاشتراكي الديمقراطي أولاف شولتس.
ويستغل الحزب ارتفاع عدد المهاجرين وعدم شعبية حكومة شولتس الحاكم منذ ديسمبر/كانون الأول 2021.
وذكرت صحيفة "فرانكفورتر الغماينه تسايتونغ" أنه ينضم 130 إلى 150 عضوا جديدا يوميا إلى هذا الحزب اليميني المتطرف، ومن المتوقع أن يرتفع عدد الأعضاء إلى ما بين 40 و50 ألفا بحلول نهاية العام الحالي.
ومن جهته، وأكد شولتس في مقابلة مع صحيفة "دي تسايت" خلال الأسبوع الجاري أن "العفريت قد خرج من القمقم" معترفا بضرورة التعامل مع الحجم المتزايد لهذا الحزب بدلا من محاولة التقليل منه كما كان يفعل سابقا.
قلق الأوساط الاقتصادية
وفي السياق ذاته، أفاد زعيم الحزب الديمقراطي الحر ووزير المالية كريستيان ليندنر -أمس- بأن "البديل من أجل ألمانيا" يشكل تهديدا للديمقراطية، معتبرا أن توليه مسؤوليات سيؤدي إلى تدمير الاقتصاد الألماني.
وتحذر الأوساط الاقتصادية من المخاطر المتعلقة بانتشار نظريات "البديل من أجل ألمانيا" مشددة على أن الاقتصاد يحتاج إلى يد عاملة أجنبية وتبادل تجاري دولي. وكان الحزب قد أعلن في وقت سابق نيته طرح استفتاء حول الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وأشار سيغفريد روسفورم (رئيس اتحاد الصناعات الألمانية) إلى أنه ينبغي على الناخبين أن يطرحوا على أنفسهم السؤال التالي: هل ترغبون العيش في بلد يتناول كل هذه القضايا؟.
وصرح رئيس غرفة التجارة والصناعة بيتر أدريان بأن الناس لن تأتي إلى (هذه) البلاد إلا إذا شعروا بالراحة فيها، مما يمكننا من استقطابهم بشكل دائم.
وفي ظل هذه الأجواء، يتزايد عدد المطالبين بقطع التمويل الرسمي عن "البديل من أجل ألمانيا" خاصة بعد وضعه تحت المراقبة من قبل أجهزة الاستخبارات. وقد وضعت فروعه المحلية في تورينغن وساكسن تحت المراقبة بسبب مواقفها التي اعتبرت شديدة الراديكالية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: البدیل من أجل ألمانیا
إقرأ أيضاً:
خطوة أخرى نحو اليمين المتطرف في فرنسا
أعلنت الرئاسة الفرنسية مساء الإثنين الماضي عن تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة فرانسوا بايرو، بعد عشرة أيام من تعيينه في منصب رئيس الوزراء، ما قد يشكل في نظر البعض بداية مرحلة سياسية جديدة للسلطة التنفيذية في فرنسا.
ويعتبر بايرو رئيس الوزراء السادس للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منذ 2017 وإلى حدّ الآن وهو رئيس الوزراء الرابع في سنة 2024، ما يدلّل على عدم استقرار سياسي غير مسبوق في فرنسا، وينتمي فرانسوا بايرو البالغ من العمر 73 عاماً إلى تيار الوسط، وكُلّف بتشكيل الحكومة في 13 ديسمبر الحالي بعد سحب البرلمان الثقة من حكومة سلفه ميشال بارنييه.
واحتوى التشكيل الحكومي المعلن على وجوه سياسية بارزة بعضها من الوزن الثقيل وضمّ بالخصوص رئيس ورئيسة حكومة سابقين، واحتفظ فيه رئيس الوزراء المعيّن بنصف الحكومة السابقة رغم تعرضها لحجب الثقة، أما البقية، فهم في الغالب شخصيات تعود إلى الفترات الرئاسية الثلاث الأخيرة.
وتعتبر حكومة بايرو المعلنة أكثر يمينية مقارنة بالحكومة السابقة، حتّى أنّ هناك من يعتقد أنّ «الرسالة السياسية التي يوجهها فرانسوا بايرو، من خلال هذه الحكومة، تتناقض تماماً مع المهمّة التي أوكلها إليه رئيس الجمهورية ظاهرياً أيْ التحرر من التجمع الوطني اليميني المتطرف»، وهي إلى جانب ذلك تبعث برسائل سلبية إلى اليسار الفرنسي الذي جاء الأوّل في نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وتضعف بالتالي فرص إقناع الحزب الاشتراكي بعدم التصويت على اقتراح جديد لحجب الثقة.
ولا يبدو إذاً أنّ بايرو نجح كذلك في توسيع القاعدة التي تتأسّس عليها حكومته الجديدة، ما يجعلها عرضة لهزّات مستقبلية لن تكون في مأمن منها سوى بتحالف مكشوف مع اليمين المتطرّف بزعامة مارين لوبان، وهو تحالف صعب الإنجاز لأسباب تاريخية وسياسية وحتّى أيديولوجية معلومة.
وتوجّه أصابع الاتهام إلى فرانسوا بايرو بالارتماء في أحضان اليمين المتطرّف، وتجلّى ذلك بالخصوص من خلال تعيينه وجوهاً من صقور اليمين في حقائب وزارية مهمّة كالداخلية والعدل وهو ما رأى فيه اليسار الفرنسي تمهيداً لتصفية وجود الأجانب في فرنسا وتركيزاً على محوري الأمن والهجرة اللذين يوليهما اليمين المتطرّف واليمين عموماً، مكانة محورية في برنامجهم السياسي.
وفي كلّ الأحوال، فإنّ رأي رئيس الوزراء المعيّن يبدو أنّه استقر في المراهنة على خلق شروط التحالف الموضوعي الذي يشمل قوى الوسط وصولاً إلى اليمين المتطرف، رغم ما يحتوي هذا التمشي من مخاطر محدقة، بعضها يرجع إلى استحالة التوافق بين اليمين الجمهوري التقليدي واليمين المتطرف حول بعض المسائل وخصوصاً الاقتصادية والاجتماعية منها.
ويرجع البعض الآخر إلى أن رغبة هذا اليمين المتطرف التي كثيراً ما يُعلنها ببعض التردد والتمنع وهي دفع الأزمة السياسية إلى منهاها المنطقي، أي استقالة رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون والتسريع بانتخابات رئاسية مبكرة.
وباستثناء محوري الأمن والهجرة فإن القواسم المشتركة بين مكونات اليمين واليمين المتطرف تكاد تنعدم وهو ما يعرض حكومة بايرو إلى الانهيار في كل لحظة، إِذْ لا ينتظر الفرنسيون الشيء الكثير من الحكومة الجديدة في المسائل الاجتماعية والاقتصادية والتي لها علاقة مباشرة بمعيشة المواطنين.
كما أن فرانسوا بايرو لا ينوي التخلي أو التراجع عن قانون التقاعد الذي يعتبر مطلباً أساسياً لليسار والتنظيمات النقابية وحتى اليمين المتطرف، وهو ما يعني أن أمد الحكومة لن يطول وسيكون مآلها السقوط في اختبار حجب الثقة إن لم يكن القادم في 16 يناير المقبل والذي أعلن عنه حزب «فرنسا الأبية»، فسيكون مع اختبار حجب الثقة الذي يليه.
والأكيد أن وجود الحكومة الجديدة أصبح مرهوناً بمدى رضا اليمين المتطرف عن أفعالها وأقوالها وسياساتها، لتبقى أهم تحديات أمام فرانسوا بايرو هي، كيفية إقناع الفرنسيين بأن الحكومة الجديدة ستؤمن الاستمرارية والاستقرار وبأن التصويت على الميزانية القادمة سيمر دون المخاطرة بإثارة إمكانية سحب الثقة من الحكومة.
وبالطبع فإن هشاشة الوضع السياسي الداخلي الفرنسي واستمرار أزمتها المالية والاقتصادية والتي أثرت سلباً على ترقيمها السيادي، سينعكس كل ذلك على مكانة فرنسا دولياً بما قد يحد من تأثيرها في بعض القضايا المهمة وخصوصاً الحرب الروسية الأوكرانية وقضايا الشرق الأوسط.