العرب والفصل بين “حماس” وغزة!
تاريخ النشر: 29th, January 2024 GMT
آخر تحديث: 29 يناير 2024 - 9:36 صبقلم: خيرالله خيرالله منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية، ليس هناك مأزق في حجم ذلك الذي تمرّ به المنطقة العربية ومحيطها وما يمرّ به العالم في ضوء حرب غزّة. منذ اليوم الأوّل لتلك الحرب، التي بدأت بهجوم شنته “حماس” مستهدفة مستوطنات إسرائيليّة واقعة في منطقة تسمّى غلاف غزّة، والولايات المتحدة تسعى إلى الحؤول دون توسيع الحرب.
توسّعت تلك الحرب، على الرغم من الجهود الأميركيّة، خصوصا في ظلّ إصرار إسرائيل على الانتقام من غزّة بعدما اكتشفت أنّ لا خيار آخر أمامها ما دامت عاجزة عن القضاء على “حماس”.تدفع إسرائيل عمليا ثمن رهانها على “حماس” من أجل دفن خيار الدولتين. ستدفع “حماس” ثمن تمكينها إسرائيل من تدمير غزّة وتهجير أهلها. أي غزّة تريد “حماس” في حال خروجها من تحت الأرض والعودة إلى حكمها بالحديد والنار كما فعلت بين منتصف 2007 و7 تشرين الأوّل – أكتوبر 2023؟ في الواقع، لم يعد من وجود لغزّة التي عرفناها، كي تقيم “حماس” إمارة إسلاميّة مجدّدا. شنت إسرائيل حربا تدميرية على غزّة استهدفت تحويلها إلى أرض طاردة لأهلها. يكفي حجم الدمار الذي تعرّض له القطاع وحجم القنابل التي ألقيت، وهي أربعة أضعاف ما ألقي على هيروشيما، للتأكد من ذلك ومن أن إسرائيل تريد جعل غزة مكانا غير قابل للحياة البشرية. عاجلا أم آجلا سيكتشف العالم حجم الأضرار التي خلفتها إسرائيل عن طريق ما تمتلكه من أسلحة دمار بغية التخلّص من غزّة وما يعتبره المسؤولون فيه “صداعا دائما” للدولة العبريّة. القرار الصادر عن محكمة العدل الدولية مهم في جانب منه خصوصا ما ورد فيه عن الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل، لكن المفيد أيضا النظر إليه ككل والاستفادة من عبر نتجت عن الحرب يظلّ ما هو أخطر من ذلك كلّه أنّ لا وجود لقوّة، بما في ذلك قوة تمتلك نفوذا معنويا، تتحدّث عن ضرورة وقف فوري لإطلاق النار في غزّة. يؤكد ذلك القرار الذي صدر عن محكمة العدل الدوليّة في لاهاي، وهو قرار راعى إسرائيل إلى حد كبير. تعكس ذلك قراءة كاملة لنص القرار الذي أصدرته المحكمة. صحيح أنّ القرار وقف ضد إسرائيل في شأن ما صدر على لسان كبار مسؤوليها و”ما تتخذه حكومتها من إجراءات ضد تمكين الفلسطينيين من الوصول إلى الطعام والطبابة والأمان والسلامة”، لكنّ الصحيح أيضا أنّه اعتبر أنّ حركة “حماس” تسبّبت بهذه الحرب، من خلال هجومها في السابع من تشرين الأوّل – أكتوبر الماضي على غلاف غزة “وما نتج عنه من دمار ورعب وقتل وأسر” لإسرائيليين. هذا هو الموقف الأميركي الرسمي الأساسي الذي تتمسّك به الإدارة منذ اندلاع حرب غزّة. كان ذلك واضحا في مستهل القرار الذي أصدرته المحكمة، إذ إنّها في سياق ما سمّته وضع إطار للقضية المعروضة أمامها، بدأت بالحديث عن هذا الهجوم الحمساوي الذي لم يكن يمتلك أيّ أفق سياسي يصبّ في خدمة المحافظة على غزّة وأهلها قبل أي شيء آخر. من هذا المنطلق، فإنّ محكمة العدل الدوليّة تقاطعت مع إسرائيل، إلى حد ما، باعتبار أنّ الحرب على قطاع غزّة “حرب دفاعية”. في منطق القوانين الدولية، لا تمتلك المحكمة أيّ حق في التصدي لأيّ دولة في حال شنّت “حرب الضرورة” بعد تعرّضها لهجوم. الثابت أن أكثريّة عربيّة ستهلّل لقرار المحكمة الدوليّة ولمبادرة جنوب أفريقيا، التي تمتلك علاقة عميقة بالنظام الإيراني منذ سنوات طويلة، إلى رفع قضيّة أمام المحكمة الدولية. مثل هذا القرار الصادر عن المحكمة الدوليّة لا يُغني عن ضرورة بلورة مبادرة عربيّة تتخذ بالأكثرية وتستهدف إنقاذ ما يمكن إنقاذه من غزّة من جهة والتصالح مع المنطق من جهة أخرى. مثل هذا التصالح مع المنطق يفرض وقف مأساة غزّة بأي ثمن كان. لا يجوز استمرار حرب على شعب بكامله بذريعة أنّ إسرائيل تستغلّ فعل “حماس” لتصفية القضيّة الفلسطينية، وهي قضيّة غير قابلة للتصفية. في هذا السياق تبدو الحاجة، أكثر من أي وقت، إلى موقف عربي مساند لغزّة ويفصل بينها وبين “حماس”، خصوصا أنّه ظهرت إشارات إلى وجود غزاويين غير راضين عن ممارسات الحركة. قبل أيّام قليلة، تظاهر فلسطينيون، وإن بحياء وخفر، في خان يونس معترضين على استمرار الحرب. هاجم هؤلاء رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، لكنّهم لم يوفروا “حماس” وممارساتها وعدم استيعابها المسبق للنتائج الكارثيّة التي ستترتّب على “طوفان الأقصى”. ليس في استطاعة الجانب الفلسطيني المتمثل في السلطة الوطنيّة وبـ“حماس” نفسها القيام بأي مراجعة نقديّة حقيقيّة في الوقت الحاضر نظرا إلى أنّ مثل هذه المراجعة لا تستجيب لرغبة الجمهور الفلسطيني الواسع الذي لم يستوعب بعد خطورة ما حلّ بغزّة. كذلك، لم يستوعب هذا الجمهور الذي لا يتشكّل من الفلسطينيين فحسب، بل يضمّ عربا كثيرين أيضا، كيف تستغلّ إيران حرب غزّة في خدمة مشروعها التوسّعي في المنطقة. كان القرار الصادر عن محكمة العدل الدوليّة مهمّا في جانب منه، خصوصا ما ورد فيه عن “الإبادة الجماعيّة” التي تمارسها إسرائيل. لكنّ المفيد أيضا النظر إليه ككل والاستفادة من عبر نتجت عن حرب غزّة. في طليعة هذه العبر أن الحروب التي تفتعلها “الجمهوريّة الإسلاميّة” في المنطقة لا تخدم فلسطين ولا غزّة. ففي ضوء المخاطر التي يشكلها الحوثيون، الذين ليسوا سوى أداة إيرانيّة، على الملاحة في البحر الأحمر، يخشى أن ينصب تركيز العالم على أمور أخرى بدل بقاء هذا التركيز على مأساة القطاع وأهله الذين راحوا في نهاية المطاف ضحيّة رهان اليمين على إفشال المشروع الوطني الفلسطيني القائم على قيام “دولة فلسطينيّة قابلة للحياة”.هل من مبادرة عربيّة تركّز على وقف إطلاق النار فورا من جهة وعلى ضمان أن تكون الدولة الفلسطينيّة، في حال قيامها يوما، دولة مسالمة وليست مشروعا شبيها بمشروع “طوفان الأقصى” من جهة أخرى؟
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: محکمة العدل الدولی الدولی ة من جهة
إقرأ أيضاً:
السعودية دومًا في موقع “المفعول به”
محمد محسن الجوهري
من المضحك المبكي أن تسمع محللين سعوديين أو عربًا مأجورين يقدّمون النظام السعودي على أنه “لاعب أساسي” في المنطقة، وأن لآل سعود حرية القرار والتحكّم بقواعد اللعبة بعيدًا عن التوجيهات الأمريكية. غير أن هذا التصور لا يصمد أمام الواقع، ولا أمام ما يكشفه الساسة الغربيون أنفسهم عن طبيعة علاقة التبعية التي تربط الرياض بواشنطن.
واحدة من أوضح الشهادات على هذه العلاقة جاءت من الرئيس الأمريكي اثناء ولايته السابقة دونالد ترامب، الذي لم يتوانَ عن وصف السعودية بأنها “تُحلب” لصالح أمريكا، بل قالها صراحةً في أكثر من مناسبة. ففي تجمع انتخابي بولاية ميسيسيبي عام 2018، قال: “قلت للملك: نحن نحميكم، وقد لا تبقون في السلطة لأسبوعين دوننا. يجب أن تدفعوا!”
وفي مقابلة أخرى على قناة فوكس نيوز عام 2019، صرّح بوضوح: “نحن نحصل على المليارات من السعودية مقابل حمايتهم، ولا ننسى أننا عقدنا معهم أكبر صفقة سلاح في التاريخ”.
أما الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، فقد وصف السعودية في مقابلة شهيرة مع مجلة The Atlantic عام 2016 بأنها من “الركاب المجّانيين”، الذين يتوقعون من واشنطن أن تخوض الحروب نيابةً عنهم، دون أن يتحملوا أدنى قدر من المسؤولية. وهو تصريح يعبّر عن النظرة الأمريكية الرسمية للسعودية، لا كشريك، بل كأداة وظيفية تُستخدم عند الحاجة.
وفي تسريب شهير من بريد وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، هيلاري كلينتون، نشره موقع “ويكيليكس”، قالت: “الحكومتان السعودية والقطرية تقدمان الدعم المالي واللوجستي السري لداعش وغيرها من الجماعات المتطرفة في المنطقة.”
هذا التصريح لا يترك مجالًا للشك في أن السعودية لم تكن سوى أداة في تنفيذ مشاريع خارجية، تخدم “الفوضى الخلاقة” التي صاغتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط بما يخدم مصالحها.
أما الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، فقد وصف السعودية بأنها “دولة منبوذة” بسبب سجلها في حقوق الإنسان، خصوصًا بعد اغتيال الصحفي جمال خاشقجي. لكنه ما لبث أن تعامل معها بمنطق البراغماتية السياسية حين احتاج إلى النفط، أو عند الإعداد للتطبيع مع “إسرائيل”. وهذا بحد ذاته دليل على أن بقاء السعودية في الساحة الدولية لا يرتبط بشرعيتها أو دورها المستقل، بل بمدى خدمتها للأجندة الغربية.
من جانبه، صرّح مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، جون بولتون، بأن: “كل تحركات السعودية في اليمن وقطر، وحتى ملفات النفط، تأتي بعد تنسيق مباشر مع البيت الأبيض، أو على الأقل بمباركة منه.”
ومن المفكرين الأمريكيين الذين فضحوا تبعية آل سعود للقرار السياسي الأمريكي، يأتي الفيلسوف والمفكر الكبير نعوم تشومسكي، الذي أكد أن السعودية “تلعب دور خادم المصالح الأمريكية في المنطقة… فهي لا تتحرك إلا بإذن، ولا تسكت إلا بتوجيه.”
إن الحديث عن حرية القرار السعودي، أو عن دور مستقل للسعودية في المنطقة، هو ضرب من الخيال. فالمشهد واضح لكل ذي بصيرة: القرار يُصنع في واشنطن، ويُنقل إلى الرياض للتنفيذ. وما يُمنح لآل سعود من “حرية وهمية” لا يتجاوز حدود ما يخدم المشروع الأمريكي –الصهيوني في الشرق الأوسط.
التاريخ لا يرحم من ارتضى لنفسه أن يكون مفعولًا به في معادلة لا ترحم، ولا مكان فيها إلا لمن يصنع الحدث، لا لمن يُستَخدَم في تنفيذه.
لا يمكن الحديث إذن عن “استقلال القرار السعودي”، في ظل اعتماد النظام اعتمادًا شبه مطلق على الحماية العسكرية الأمريكية، والغطاء السياسي الغربي في كل خطوة يخطوها، من العدوان على اليمن، إلى التطبيع غير المعلن مع الكيان الصهيوني، وهو تنسيق يجري برعاية مباشرة من تل أبيب وواشنطن.
من يقدّم آل سعود كلاعبين مستقلين في المنطقة، إما جاهل بالحقيقة، أو متواطئ في تزويرها. فالمشهد واضح: القرار يُصاغ في واشنطن، ويُنفذ في الرياض. والتاريخ لا يرحم من رضي لنفسه دور التابع في لعبة الأمم.