خبراء قانونيون للجزيرة نت: قرار محكمة العدل انتصار قانوني ضد إسرائيل
تاريخ النشر: 29th, January 2024 GMT
واشنطن- أجمع عدد من خبراء القانون الدولي تحدثت إليهم الجزيرة نت، على أهمية قرار محكمة العدل الدولية في الدعوى التي قدمتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، واتهامها بارتكاب جريمة إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني، لما له من تداعيات عديدة ومتنوعة.
وأشار الخبراء إلى أنه، وبناء على حكم محكمة العدل الدولية، يمكن العمل على محاسبة المسؤولين الإسرائيليين المتواطئين في هذه الجرائم، وإمكانية العمل على وقف إمداد إسرائيل بالأسلحة والمساعدات المالية والاقتصادية، وإمكانية العمل على طرد إسرائيل من المنظمات الدولية.
وأكد أستاذ القانون الدولي بجامعة إلينوي البروفيسور فرانسيس بويل في حديثه للجزيرة نت، أن "قرار المحكمة يعد انتصارا قانونيا هائلا وساحقا لجنوب أفريقيا ضد إسرائيل، من أجل دفعها للتوقف والكف عن ارتكاب جميع أعمال الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين"، مستندا لخبرته كمستشار للبوسنة والهرسك ضد الرئيس الصربي السابق سلوبودان ميلوسوفيتش، في محاكمته بتهمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
وأشار البروفيسور بويل إلى أن "حكم محكمة العدل، والتي تضم قضاة من مختلف أركان العالم، بأغلبية ساحقة، من 15 صوتا ضد صوتين، و16 صوتا ضد صوت واحد، يؤكد أن دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل لديها مبررات واضحة، وإلا فإن هذا الأمر لم يكن لينزل بهذه الطريقة".
وقالت المعلقة السياسية والخبيرة في الشؤون الدولية آسال راد إنه "رغم أن حكم محكمة العدل الدولية لم يصل إلى حد الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار، فإنه كان انتصارا لقضية جنوب أفريقيا برفضها رد القضية، كما أرادت إسرائيل، وبإثبات معقولية أعمال الإبادة الجماعية التي ارتكبتها".
وأضافت راد "حقيقة أن أحكام هيئة المحكمة المؤلفة من 17 قاضيا كانت قريبة من الإجماع تدعم صحة موقف جنوب أفريقيا، وتدل الإجراءات المؤقتة العاجلة الستة التي قررتها المحكمة على الحاجة الملحة لإسرائيل لاتخاذ إجراءات لمنع أعمال الإبادة الجماعية، ومحاسبة المسؤولين المتواطئين في هذه الجرائم علنا".
وذكرت الخبيرة أنه "وبالنظر إلى تاريخ إفلاتها من العقاب، فإن قرار المحكمة تاريخي لمحاكمة إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية، ومع ذلك، ونظرا لعدم وجود آليات إنفاذ، من المرجح أن تواصل إسرائيل هجومها حتى يتم اتخاذ إجراءات من قبل دول ثالثة لمحاسبة إسرائيل".
كما أشار خبير القانون الدولي بجامعة نيويورك البروفيسور روبرت هاوز في حديث للجزيرة نت، إلى أن "حكم محكمة العدل الدولية ممتاز، سواء من حيث قانونيته أو شرعيته، ومن وجهة نظر الشرعية، أيد أمر المحكمة ضد إسرائيل جزئيا 16 قاضيا من أصل 17 (بمن فيهم القاضي الإسرائيلي باراك)، وفي بقية المواد أيد 15 قاضيا من أصل 17، كما أن تأييد القاضية الأميركية لافت بشدة!"
تدابير ضد إسرائيلترى هايدي ماثيوز، أستاذة القانون الدولي بكلية الحقوق بجامعة يورك بكندا، والتي سبق لها العمل مع محكمة العدل الدولية في المحكمة الخاصة لسيراليون، وعملت ضمن فريق المدعي العام في المحكمة الخاصة بلبنان، أن "حكم المحكمة تاريخي، على الرغم من أن الولايات المتحدة وغيرها نسجته على أنه مجرد تكرار لمطالبة حماس وإسرائيل بالتصرف وفقا للقانون الإنساني الدولي".
وأكدت في حديثها للجزيرة نت "إن أهم ما يمكن استخلاصه من أمر التدابير المؤقتة، هو أن المحكمة وجدت أن جنوب أفريقيا قد قدمت حجة مفادها أن مزاعم الإبادة الجماعية في غزة معقولة على الأقل، وهذا يضع جميع الدول فعليا على علم أن هناك -على الأقل- خطرا جديا من أن إسرائيل تشارك أو ستشارك في أعمال إبادة جماعية بنية خاصة وواضحة للقضاء على الشعب الفلسطيني في غزة كليا أو جزئيا".
وذكرت البروفيسورة أن "قرارات المحكمة تخلق التزاما قانونيا دوليا إيجابيا على جميع الدول باتخاذ تدابير في حدود سلطتها لمنع الإبادة الجماعية، وقد يشمل ذلك على سبيل المثال: وقف صادرات الأسلحة، أو تقديم أنواع أخرى من المساعدات المادية لإسرائيل".
كما أكد خبير القانون الدولي البروفيسور هاوز أن "المحكمة وجدت بوضوح أن إسرائيل تنتهك اتفاقية الإبادة الجماعية، وهناك خطر فوري مستمر من استمرار الانتهاك، الذي يتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة، واستشهدت المحكمة على نطاق واسع بتصريحات عن نية الإبادة الجماعية من قبل قادة إسرائيل وكبار المسؤولين، مثل وزير الدفاع ورئيس وزرائها ورئيسها".
وقال هاوز "قبلت المحكمة بوضوح أن الوضع الإنساني في غزة، والتهجير القسري لجميع السكان تقريبا، وخطر انتشار المجاعة والمرض، كان كما قدمته جنوب أفريقيا، وأكدته العديد من تقارير الأمم المتحدة، وأمرت المحكمة بأن تضمن إسرائيل بأثر فوري وقف الأعمال التي تخاطر بالتسبب في أضرار جسيمة لسكان غزة، استشهدت بها من اتفاقية الإبادة الجماعية".
وذكر الخبير "في الواقع، أعلنت المحكمة أنه يجب أن يكون هناك وقف للأعمال العدائية ضد سكان غزة، ولكن ربما لم تستخدم كلمة (وقف إطلاق النار) للسماح لإسرائيل بالرد على هجمات محددة من قبل مقاتلي حماس، وإن كان ذلك مع التزام صارم بتجنب إلحاق الأذى بالمدنيين".
واعتبرت خبيرة القانون الدولي بمعهد ماكس بلانك الألماني جوليا إمتسيفا أنه "رغم أن محكمة العدل الدولية رفضت منح إجراء مؤقت لإسرائيل للتعليق الفوري لعملياتها العسكرية في غزة وضدها، فإنه لا يزال ينبغي النظر إلى الأمر وتشجيعه على أنه انتصار لجنوب أفريقيا".
وأضافت إمتسيفا "قالت المحكمة إن على إسرائيل أن تتخذ جميع التدابير التي في وسعها لمنع ارتكاب جميع أعمال الإبادة الجماعية التي قد ترتكب بنية الإبادة الجماعية، وإسرائيل مطالبة الآن بتقديم تقرير في غضون شهر واحد، ومن المرجح أن تفعل ذلك، حيث يتعين عليها أن تدافع عن نفسها ضد جوهر تهمة الإبادة الجماعية، عندما يحين الوقت لكي تنظر المحكمة في الأسس الموضوعية للقضية".
تأثير داخل إسرائيلولفتت البروفيسورة إمتسيفا النظر إلى أن "قرار المحكمة لديه القدرة على تغيير الخطاب ليس فقط في الساحة الدولية، ولكن أيضا داخل إسرائيل، ومن المرجح أن يحصل أولئك القانونيون والسياسيون الإسرائيليون الذين يختلفون حول كيفية إدارة دولتهم للحرب ضد حركة حماس، على المزيد من الدعم والشرعية في الدوائر المحلية".
وأضافت "غالبا ما تكون الآثار السياسية والاجتماعية لمثل هذه الأوامر أوسع بكثير من الآثار القانونية، فعلى سبيل المثال، ستخضع شركات الأسلحة للتمحيص بجدية أكبر فيما يتعلق بالامتثال للقوانين الدولية والوطنية التي تحظر التواطؤ في الإبادة الجماعية، وينطبق الشيء نفسه على الدول التي تتخذ قرارات المساعدات العسكرية".
كما شاطر البرفيسور كريغ مارتن بكلية واشبورن للقانون بجامعة ولاية كانساس، الرأي الشائع جدا بين فقهاء القانون الدولي، وهو أن قرار محكمة العدل الدولية بشأن التدابير المؤقتة كان بالغ الأهمية، وفي حديث للجزيرة نت، أشار البروفيسور إلى أنه "من المرجح أن يكون للقرار بعض التأثير على الخطاب وصنع القرار داخل إسرائيل، وكذلك بين حلفائها، فالقرار مهم جدا أيضا لسيادة القانون الدولي".
وعّلق بقوله "اتبعت المحكمة سابقة راسخة ومنطقا قانونيا للتوصل إلى قرار يتسق مع مكتسباتها في قضية غامبيا ضد ميانمار، وأوكرانيا ضد روسيا، من بين أمور أخرى، ولو أنها فعلت خلاف ذلك، في توافق واضح مع الضغوط السياسية، لكانت قد أضرت بشدة بنزاهة المحكمة وسيادة القانون الدولي بشكل عام، ولكانت غذت الروايات حول كون القانون الدولي مجرد أداة للقوة يمارسها الشمال العالمي على حساب الجنوب العالمي، وبهذا المعنى، فإن القرار مهم للغاية".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: أعمال الإبادة الجماعیة محکمة العدل الدولیة حکم محکمة العدل القانون الدولی جنوب أفریقیا من المرجح أن للجزیرة نت ضد إسرائیل فی غزة إلى أن
إقرأ أيضاً:
المحكمة الدستورية أنقذت قانون الإضراب فلننتظر ماذا ستفعل الأمانة العامة للحكومة
بقلم : عبدالرحيم المنار اسليمي / أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط.
واضح جدا، من خلال قراءة الطريقة والمضمون الذي تعاملت به المحكمة الدستورية مع القانون التنظيمي بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب ،أن قضاة المحكمة الدستورية بدلوا جهدا كبيرا لتبييض مشروع القانون التنظيمي وإنقاذه من عيب عدم الدستورية ،ويبدو من خلال مضمون قرار المحكمة الدستورية أن قضاة المحكمة كانوا أمام خيارين: إما استعمال مناهج التأويل التحفظي التي قد تكشف عن عيوب عدم الدستورية في بعض مقتضيات مشروع القانون التنظيمي، وإما خيار أن يقوم القاضي الدستوري بدور المفسر والشارح لمشروع القانون التنظيمي والقيام بدور التبييض القانوني لمشروع القانون التنظيمي لإنقاذه من عيب عدم الدستورية .
هذا الخيار الثاني، المتمثل في تبييض مشروع القانون التنظيمي وإنقاذه ذهبت فيه المحكمة الدستورية لعوامل متعددة منها الأهمية الإستراتيجية لهذا القانون التنظيمي، وطول انتظاره لمدة 63 سنة منذ دستور 1962 وهاجس الحفاظ على سمو الدستور الكتلة الدستورية المغربية بعيدا عن فتحها أمام الإتفاقيات الدولية ،لذلك اختار قضاة المحكمة الدستورية مقاربة المنهجية الأقل تكلفة المعتمدة على تفسير مضامين هذا القانون التنظيمي ،حيث تحول القاضي الدستوري في قراره الى شارح ومفسر لمضامين مشروع القانون الحاملة لاختيارات المشرع ،وأحيانا يبدو القرار وكأنه مرافعة حول مشروع القانون التنظيمي لحق الإضراب ،وذلك لانقاذه من عيب عدم الدستورية ،لذلك لم يقل القاضي الدستوري في قراره أن مواد مشروع القانون التنظيمي مطابقة للدستور وإنما صرح أنها غير مخالفة للدستور ،وبذلك فقضاة المحكمة الدستورية قدموا لنا في القرار تفسير لما يريده المشرع ،فقد اعطوا معنى لما جاء به المشرع.
ويلاحظ بناء على هذه المنهجية المعتمدة في قرار المحكمة الدستورية ،أن القاضي الدستوري ابتعد عن مناهج التاويل التحفظي بكل أنواعها، وذلك لكي لايلزم المشرع بإعادة صياغة النص وعرضه مجددا على المجلسين وماقد ينتج عن ذلك من صراعات سياسية جديدة ،فقد كان من الممكن للقاضي الدستوري أن يعمد إلى التأويل التحفظي التوجيهي المدعم، ولكنه اختار أسلوب تفسير ما جاء به المشرع ،ورغم أن القاضي الدستوري صرح بأن بعض مقتضيات المادة الأولى المسماة بأحكام عامة لاعلاقة لها بالقانون التنظيمي، فإنه لم يطلب حذفها ،ولم يطلب تحويلها الى ديباجة للقانون التنظيمي .
هذا التوجه المنهجي الذي اختارته المحكمة الدستورية له تفسير مرتبط بوظيفتها في الضبط وإدارة التوازنات والتفكير بالمصلحة العليا ،لكن السؤال الان مرتبط بالملاحظات التي قدمتها المحكمة في قرارها واشترطت ضمنيا الأخذ بها لما أوردت عبارة -مع مراعاة الملاحظات – هل سيقوم المشرع بتدوين هذه الملاحظات في ملحق مشروع القانون التنظيمي قبل نشره ؟ وهنا سيكون دور الأمانة العامة في مراقبة نص مشروع القانون التنظيمي التي سيصلها للنشر ،فالأمانة العامة للحكومة ملزمة بمراقبة هل ملاحظات المحكمة الدستورية على ثلاث مواد من مشروع القانون التنظيمي موجودة في النص أم لا ،وبلغة دستورية، لايمكن للأمانة العامة نشر مشروع القانون التنظيمي لممارسة حق الإضراب دون وجود ملاحظات المحكمة الدستورية في ملحق مع مشروع القانون التنظيمي .فوجود ملاحظات المحكمة الدستورية شرط جوهري لنشره في الجريدة الرسمية ،فلننتظر كيف سيتم نشر مشروع القانون التنظيمي لممارسة حق الإضراب .