وعود زيادة الصادرات المصرية.. أهداف أم أوهام؟
تاريخ النشر: 18th, July 2023 GMT
عندما ترك منير فخري عبد النور منصبه كوزير للتجارة والصناعة بمصر في سبتمبر/أيلول 2015، نصح خليفته المهندس طارق قابيل ألا يعد بزيادة الصادرات لأن ذلك لن يحدث، وبرر تلك النصيحة لاحقا في حوار صحفي بأن عدم توفر العملات الأجنبية لاستيراد المواد الأولية (حينذاك) أدى لتأخير الإنتاج والتأثير على الصادرات.
توقعات فخري تحققت، ففي العام التالي تراجعت الصادرات بنسبة 20% واستمر التراجع في العام الذي تلاه، وها هم المنتجون يعيشون مجددا منذ فبراير/شباط 2022 نقصا حادا في العملات الأجنبية يعوق استيراد المواد الخام ومستلزمات الإنتاج، دون مؤشرات واضحة على اقتراب الأزمة من نهايتها، وفي ظل ذلك كان غريبا "جدا" أن يعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي مؤخرا أن حكومته تستهدف تحقيق صادرات بقيمة 88 مليار دولار في السنوات الثلاث المقبلة.
استند رئيس الوزراء في إعلانه إلى ارتفاع قيمة الصادرات المصرية العام الماضي بشكل غير مسبوق تاريخيا إلى نحو 51.6 مليار دولار، مسجلة نموا نسبته 18% عن العام السابق عليه، ولكننا نرى مع ذلك أن هناك صعوبات كبرى تواجه تحقيق الوعد الذي قطعه رئيس الوزراء من بينها:
أولا: ترتبط قيمة الصادرات المصرية بالظروف المحلية والدولية المتغيرة والتي تسببت في تذبذب أداء الصادرات المصرية صعودا وهبوطا في السنوات العشر الأخيرة، وعندما يعلن رئيس الوزراء أنه يستهدف تحقيق زيادة سنوية بنسبة 20% للصادرات، فإنه يتجاهل أثر تلك الظروف.فمحليا هناك حاليا بيئة طاردة للاستثمار بدليل توقف نشاط العديد من الشركات مؤقتا لحين حلّ مشكلة نقص الدولار. كما زاد عدد الشركات المصرية التي اتجهت للاستثمار في السعودية.
أما دوليا، فيتوقع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي انخفاض معدل النمو العالمي هذا العام بنسبة تتراوح بين 2% و3%، كما يتوقع حدوث انكماش في الأسواق التصديرية لمصر (كألمانيا وإنجلترا) وكذلك في روسيا.
هناك عدة تجارب لزيادة الصادرات المصرية على مدار العشرين عاما الماضية، كانت حظوظها من النجاح والفشل متباينة
ثانيا: التعامل مع زيادة قيمة الصادرات المصرية العام الماضي كأساس قابل للتكرار، يغفل الحقيقة المهمة والاستثنائية التي أدت لتحقيق هذه الزيادة، وهي أن ارتفاع الأسعار العالمية للسلع المصدرة -وليس زيادة كميتها- هو السبب في تحقيق الزيادة، فإذا كانت عوائد العام الماضي قد ارتفعت بـ8 مليارات دولار، فإن 6.1 منها كانت قيمة صادرات الغاز الطبيعي و2.7 مليار دولار للسلع غير البترولية.وتكشف بيانات أوبك انخفاض صادرات الخام المصري في 2022 بنسبة 36% عن عام 2021، كما انخفضت صادرات المشتقات بنسبة 64%، لكن زيادة سعر برميل النفط المصري إلى 96.2 دولارا للبرميل مقابل 67.8 دولارا (نموا بـ42%) عوّض ذلك جزئيا.
وبالمثل فقد انخفض إنتاج الغاز الطبيعي في عام 2022 بنسبة 5% عن عام 2021، ومن بين إنتاج بلغ 67 مليار متر مكعب العام الماضي، اتجه 62.7 مليار متر مكعب للسوق المحلي، ولم يبق للتصدير إلا 4.3 مليارات متر مكعب، فاستعانت الحكومة بواردات الغاز الإسرائيلي لتزيد حجم صادراتها، ولا سيما مع ارتفاع سعر الغاز في الأسواق الأوروبية بنسبة 150%، وارتفاع سعر الغاز المُسال في الأسواق اليابانية بنسبة 70% العام الماضي، وكما زادت أسعار الغاز فقد استفادت مصر من ارتفاع الأسعار دوليا لسلع أخرى كالأسمدة والألومنيوم والبرتقال والخضر.
ويؤكد صواب توقعنا أنه مع تراجع أسعار النفط والغاز الطبيعي والأسمدة دوليا هذا العام، انخفضت قيمة الصادرات المصرية بنسبة 27% في الثلث الأول من العام مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وبلغت نسبة الانخفاض 54% لصادرات النفط الخام، و57% للمشتقات و49.5% للغاز الطبيعي و14% للصادرات غير البترولية. ثالثا: للحكومات المصرية سجل في الوعود التي لا تتحقق، فقبل الإعلان الأخير لرئيس الوزراء عن زيادة مستهدفة بقيمة 88 مليار دولار على مدار 3 سنوات، كان رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي أعلن عام 2020 أن عائدات الصادرات (السنوية) ستصل إلى 100 مليار دولار، وذلك في غضون مهلة حدد سقفها بـ4 سنوات، وقد مرّ على ذلك الإعلان 3 سنوات دون بوادر طفرة في الصادرات، ودون أن يعقبه إعلان برنامج تنفيذي لتحقيق هذا الهدف، وهو نفس ما حدث مع الإعلان الأخير لرئيس الوزراء.
عقدان من محاولة زيادة الصادرات
وهناك عدة تجارب لزيادة الصادرات على مدار العشرين عاما الماضية، كانت حظوظها من النجاح والفشل متباينة:
التجربة الأولى بين عامي 2001- 2003، إذ أعلنت إستراتيجية لتنمية الصادرات لها برنامج تنفيذي متعدد الجوانب تضمن إجراءات تحققت بالفعل كإنشاء صندوق لدعم الصادرات، وتحديد مستهدفات رقمية تصديرية للقطاعات السلعية، ولم تتحقق إجراءات أخرى مثل التعاقد مع مؤسسات تسويق عالمية ومع شركات دولية لتطوير نظام ضمان وتمويل الصادرات، وإتاحة القروض الأجنبية لبنك الصادرات ليستخدمها في إعادة الإقراض، وإنشاء اتحاد للمصدرين، ومع ذلك فقد واصلت الصادرات الارتفاع دون انقطاع خلال الفترة من 2001 إلى 2008.
التجربة الثانية كانت خطة أعدتها المجالس التصديرية بداية عام 2010، استهدفت مضاعفة الصادرات من 92 مليار (جنيه) في 2009 إلى 200 مليار (جنيه) عام 2013، وتضمنت الخطة المعلنة العناصر التي تضمن نجاحها، ومنها إنشاء 60 منطقة صناعية، وتوفير الأراضي الصناعية، وخفض تكلفة توصيل المرافق لها، وتسهيلات بنكية لشراء الآلات، ودعم المشاركة بالمعارض الدولية.
وعندما تبنى رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة -في ذلك الوقت- الخطة، أعلن أن نجاحها يحتاج لتدريب 400 ألف عامل، ودخول ألف مُصدر جديد إلى السوق، وتطوير هيئة المواصفات والجودة، وعقد اتفاقيات تجارة حرة تسهل نفاذ الصادرات المصرية للأسواق الأخرى دون جمارك.
التجربة الثالثة كانت إستراتيجية وزارة التجارة والصناعة عام 2015، التي بدأنا المقال بالإشارة إليها، واستهدفت زيادة الصادرات إلى 42.5 مليار دولار عام 2018، عبر نمو سنوي بنسبة 15%، لكن المستهدف لم يتحقق في أي من سنوات الإستراتيجية الأربع، ولم تزد الصادرات عام 2018 عن 29.2 مليار دولار.
في المقابل، يخضع الوزير حاليا لتعليمات تأتيه من رئاسة الجمهورية وضغوط إعلامية -يمارسها مقربون من السلطة- تربط التصدير بالحسابات السياسية، مثلما حدث عند قطع العلاقات التجارية مع قطر، والتي لم تتعاف مصر منها بعد إذ لم تزد قيمة الصادرات إليها العام الماضي على 21 مليون دولار، ونفس الأمر حدث عندما دعا إعلاميون إلى مقاطعة المنتجات التركية فانعكس ذلك على الصادرات إليها. خامسا وأخيرا: يشير التوزيع النسبي لسلع الصادرات المصرية العام الماضي إلى تصدر السلع تامة الصنع بنسبة 41%، وهي نسبة جيدة لولا أنها تضم منتجات زراعية خاما كالبصل والليمون والبرتقال والطماطم والبطاطس والليمون، ومنتجات غذائية ذات تدخل صناعي محدود كالأرز المقشور، والبصل المجفف والخضر المجمدة والمبردة ومنتجات الألبان والعجائن، وهذا كله يشير إلى ضعف واضح في قطاع التصنيع.
وتزداد الصورة وضوحا إذا علمنا أن الصادرات الصناعية المصرية تحتاج إلى مكونات مستورده تصل إلى 60% أي أن زيادة الصادرات تقتضي بالضرورة زيادة الواردات.
لهذا كله يرى بعض الخبراء أن الأولوية في مصر يجب أن تكون لـ"إيجاد السلع التي يمكن تصديرها"، قبل السعي إلى تنمية الصادرات، على أن يزيد المكون المحلي في تلك السلع لتحظى بميزة نسبية في الأسواق، وترتفع قيمتها المضافة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: زیادة الصادرات العام الماضی رئیس الوزراء ملیار دولار فی الأسواق
إقرأ أيضاً:
صندوق النقد يعلق على إمكانية زيادة قرض مصر
يحقق برنامج صندوق النقد الدولي، البالغ قيمته ثمانية مليارات دولار، لمصر تقدما فيما صرح أكبر مسؤول إقليمي في المؤسسة الدولية، بأن أي مناقشات لزيادة حجم البرنامج الإجمالي سابقة لأوانها.
وزاد صندوق النقد حجم قرضه لمصر إلى ثمانية مليارات دولار، من ثلاثة مليارات دولار في مارس، مع إعلان البنك المركزي أنه سيسمح بتحرير سعر الصرف، وسط تصاعد مخاطر الآثار الناجمة عن الحرب بين إسرائيل وغزة.
وحذر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في الآونة الأخيرة من أن البلاد قد تضطر إلى إعادة تقييم برنامج قرضها الموسع، إذا لم تأخذ المؤسسات الدولية في الاعتبار التحديات الإقليمية غير العادية التي تواجهها البلاد.
وقال جهاد أزعور ، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد، رداً على سؤال عما إذا كان واثقا من قدرة مصر على تحقيق أهداف برنامجها، إن من المتوقع أن تتحسن الظروف الاقتصادية في مصر ، وإنه من السابق لأوانه مناقشة أي تغييرات في حجم البرنامج.
وأضاف أن "البرنامج يسير في الاتجاه الصحيح، ويحقق أهدافه تدريجياً، سواء من حيث تعافي النمو أو التراجع التدريجي للتضخم أو الأداء الطبيعي لسوق الصرف الأجنبي".
وتابع أن "بناء أو تعزيز الاحتياطيات المالية لمصر هو خط الدفاع الأول الذي يمكن أن يساعد الاقتصاد المصري على الصمود، في وجه أي صدمة خارجية إضافية".
وتوقع أزعور أيضاً أن توفر مصر نحو 800 مليون دولار، على مدى السنوات الست المقبلة، بفضل الإصلاحات الأخيرة لسياسة الرسوم، والرسوم الإضافية لصندوق النقد، وهو ما من شأنه أن يوفر دعما إضافيا.
وفي أحدث تقرير له عن التوقعات الاقتصادية الإقليمية، يتوقع صندوق النقد نمو الناتج المحلي الإجمالي 4.1 بالمئة في عام 2025، مقارنة بنحو 2.7 بالمئة هذا العام، وأكثر من خمسة بالمئة في المدى المتوسط.
وتستند هذه التوقعات إلى افتراض أن الصراع بين إسرائيل وغزة سوف ينحسر في العام المقبل، وأن البلاد ستواصل تنفيذ الإصلاحات.
ومن المتوقع أن يصل معدل التضخم في مصر إلى نحو 16 بالمئة بحلول نهاية السنة المالية 2025/2024، وهو أقل بكثير من نحو 40 بالمئة في سبتمبر أيلول من العام الماضي.
ومن المقرر أن يتوجه فريق صندوق النقد المعني بمصر إلى القاهرة، في نوفمبر تشرين الثاني، للتحضير للمراجعة الثالثة للبرنامج. كما تخطط المديرة العامة للصندوق، كريستالينا جورجيفا، لزيارة مصر قصد التأكيد على دعم المؤسسة للبلاد.