الخليل- لم تكن حياة اللجوء إثر نكبة 1948 الوجع الوحيد لعائلة الفلسطيني ابن مدينة عجّور المهجّرة نسيم العناتي (60 عاما)، والمقيم حاليا في مخيم الفوار (جنوبي الضفة الغربية)، إنما فتحت له أبواب الألم على مصراعيها لترهقه وعائلته منذ عقود.

من التهجير إلى الاعتقال إلى الإصابة بالرصاص الإسرائيلي إلى مرض الفشل الكلوي مع صعوبة الإمكانات، يَعُد العناتي ساعاته كأنها شهور.

أكرم العناتي يقف بجانب شقيقه محمود المصاب برصاص الاحتلال (الجزيرة) رصاص في البطن وفشل كلوي

فجر يوم الاثنين الماضي، كان محمود، الابن الأصغر للعناتي، وعمره 22 عاما، على موعد مع رصاصة متفجّرة أطلقها قناص إسرائيلي من سطح منزل مجاور، فأصابت بطنه وهتّكت أحشاءه ومعدته.

في قسم العناية المكثفة بالمستشفى الأهلي في الخليل (جنوب الضفة الغربية) يستلقي الابن الشاب في قسم العناية الفائقة على أمل أن يتجاوز مرحلة الخطر، بينما ينتظر أشقاؤه وأصدقاؤه في الخارج أخبارا جيدة عن صحته.

سمحت إدارة المستشفى لمراسل الجزيرة نت بالدخول إلى القسم لدقائق وتصوير محمود، بصحبة شقيقه أكرم، فكان منوّما وموصولا بالعديد من الأجهزة.

حاول أكرم الحديث إلى شقيقه وناداه بلقبه المفضل "ميدو، ميدو"، رمشت عينا محمود لكنه لم يجب، لم يتمالك أكرم نفسه وغلبته الدموع وغادرنا الغرفة.

الأسوأ هو أكثر ما تخشاه العائلة والأطباء، فمحمود يعاني منذ سنوات من فشل كلوي ويجري غسيلا للكلى عدة مرات أسبوعيا.

كان أكرم أول من وصل لمحمود بعد إصابته، وقال إنه "ينام في غرفة على سطح المنزل، وسمع أصوات طرق شديد على أبواب الجيران، خرج لمعرفة ما يجري فباغتته رصاصة من جندي على سطح منزل مجاور".

ويوضح أكرم أن الجيش كان يداهم منازل قريبة ويطرق الأبواب بشدة بينما ينتشر القناصة على أسطح المنازل.

 

غارق في الهموم

محمود ليس أول ولا آخر المعاناة لوالده نسيم، ففي كل زاوية من بيته قصة معاناة ووجع وألم، لتحيط بهم الهموم من كل جانب وترهقه ماديا ونفسيا. ورغم مساعدة السماعات الطبية، فبالكاد كان الوالد يسمعنا، ثم يجيب عن أسئلتنا باقتضاب.

للعناتي 8 أبناء ذكور وابنتان، ولكل واحد منهم قصة مأساوية، فمنهم من اعتقله جيش الاحتلال ومنهم 3 جرحى برصاص الاحتلال واثنان مصابان بالفشل الكلوي، بل إن أحدهم اجتمع عليه السجن والإصابة والفشل الكلوي معا.

يحكي الوالد باختصار حال أبنائه وأغلبهم متزوجون وأعمارهم في العشرينيات والثلاثينيات، ويقول "ناهد اعتقل 4 سنوات، وحسام اعتقل 4 سنوات، وأكرم اعتقل 5 سنوات، وعلاء أصيب برصاصة أودت بعينه واعتقل إداريا (اعتقال متجدد من دون تهمة)، ثم أصيب بالفشل الكلوي، ومحمد مصاب بالرصاص في القدم، وأحمد مصاب بعدة جلطات في القدمين.

ويتابع "أيوب مصاب بإعاقة خلقية، ولي ابنة من ذوي الاحتياجات الخاصة لا تستطيع الحركة، وأخيرا وأصغرهم محمود مصاب بفشل كلوي وبرصاص متفجر".

وبين محمود الذي هو يرقد بين الحياة والموت في المستشفى ويتمنى أن يشفى وأن يتمكن من زراعة كلية له، وابنه علاء المصاب الآخر ويسكن في الطابق العلوي من المنزل، وبين باقي أبنائه، ينشطر قلب العناتي.

محمود العناتي مريض بالفشل الكلوي وأصيب قبل أيام برصاص قناص إسرائيلي وهو على سطح منزله (الجزيرة) علاء.. مأساة بدأها الاحتلال

الزائر للابن "علاء" سيجد مشهدا قاسيا؛ شاب في نهاية الثلاثينيات لا يقوى على الحركة، يتآكل جسده عضوا بعد الآخر، هشاشة في العظام وأطراف مكسورة، الشِق الأيمن من جسده متورم ويغلب عليه السواد وكأنه محترق، وشق أيسر من الجسد ضعيف ليس فيه إلا العظم، ووجه شاحب وشفتان متورمتان.

أما عينه فقد فقأها الاحتلال منذ عقود، وكانت بداية المعاناة، ثم جاء الاعتقال الإداري قبل 15 عاما ومعه جاء الفشل الكلوي، لكن ذلك لم يمنع علاء من الزواج قبل بضع سنوات، وإنجاب طفل وطفلة يكبران على وجعه وتدهور صحته.

في هذا الواقع، يجلس الوالد متوكلا على الله، تلفّه الحيرة، مقيد الذهن واليدين أمام هموم اجتمعت عليه من كل جانب، فهو بلا دخل وأبناؤه بالكاد يتحملون مسؤوليات أسرهم.

8 أبناء يعانون من الاعتقال والإصابات والمرض (الجزيرة) ماذا يحتاج العناتي؟

رغم تغطية وكالة الغوث بعض احتياجاته فإن أبناءه "بحاجة للتنقل وأدوية طبية وتكميلية وطعام خاص، إضافة إلى مصاريف أسرهم"، كما يقول العناتي.

وعلى مضض وبلسان متثاقل وكلمات متقطعة، يفضي العناتي بهمومه ولا يريد أن يظهر كإنسان عاجز رغم تراكم الديون عليه، لكن الهموم أكبر من قدرته على التحمل ومن قدرته على إخفائها.

ووفق الناطق باسم نادي الأسير الفلسطيني في الخليل أمجد النجار، الذي يتابع أوضاع العائلة منذ سنوات، فإن علاج الفشل الكلوي متوفر في المشافي الفلسطينية "لكن مصاريفه كثيرة ومتاعبه قاسية وأحوج ما تكون له عائلة العناتي قلوب رحيمة تقف إلى جانبها وتساعدها ماديا".

ويضيف في حديثه للجزيرة نت "من سجن إلى آخر ومن مستشفى إلى آخر، أمضى الحاج نسيم العناتي وهو مريض بالسكري حياته وسنوات عمره".

وتابع النجار أن "مصاريف التنقل بين المستشفيات وشراء الأدوية والأدوات الطبية والاحتياجات الشخصية كبيرة جدا وتفوق قدرة العناتي وأبنائه"، داعيا الجهات الرسمية والأهلية إلى الوقوف إلى جانبه.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

الاحتلال يفرج عن أسيرين مقدسيين ويحكم على آخر 

القدس المحتلة - صفا

أفرجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، يوم الخميس، عن أسيرين مقدسيين بعد إنتهاء مدة محكومياتهم البالغة ما بين 13 شهر و 9 سنوات.

وقال رئيس لجنة أهالي الأسرى والمعتقلين المقدسيين أمجد ابو عصب لوكالة "صفا" إن سلطات الاحتلال أفرجت اليوم عن الأسير يوسف الرجبي من سجن النقب، بعد اعتقال دام 9 سنوات.

وأوضح أن الأسير يوسف الرجبي نقل للعلاج في مستشفى المقاصد فور الإفراج عنه من سجن النقب، بسبب وضعه الصحي السيء، وإصابته بأمراض جلدية.

كما أفرجت سلطات الاحتلال اليوم عن الأسير المقدسي إياد السلايمة من سجن ريمون الصحراوي بعد  اعتقال دام 13 شهرا.

وفي السياق، أصدرت محكمة الاحتلال اليوم حكما على القاصر محمد ياسر درويش بالسجن الفعلي لمدة 7 أشهر، ودفع غرامة مالية بقيمة 3000 شيكل.

مقالات مشابهة

  • الكيان الصهيوني يواصل عدوانه على عدة مدن فلسطينية مساء اليوم
  • سليندا سوسا: تنقل تحيات رئيس بوليفيا إلى السيسي
  • أبو صفية: الاحتلال استهدف مشفى كمال عدوان بشكل مباشر ونطالب بحماية دولية لكوادرنا
  • أبو صفية: الاحتلال استهدف مستشفى كمال عدوان بشكل مباشر ونطالب بحماية دولية لكوادرنا
  • الاحتلال يفرج عن أسيرين مقدسيين ويحكم على آخر 
  •  الرصاص معدن سام يهدد حياتنا.. العقم والولادة المبكرة والأنيميا والفشل الكلوي وانخفاض مستويات الذكاء.. أبرز المخاطر
  • فصائل فلسطينية تعقب على قرار الجنائية الدولية بحث نتنياهو وغالانت
  • وسائل إعلام فلسطينية: 3 شهداء وعدد من الجرحى جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي مجموعة من الفلسطينيين جنوب شرقي خان يونس جنوب قطاع غزة
  • مصادر طبية فلسطينية: نحو 75 شهيدًا شمالي غزة
  • اختصاصات هامة للجنة الدائمة المعنية بشئون اللاجئين.. تعرف عليها