شكرا جنوب افريقيا… لكنه الغرب المفلس أخلاقيا
تاريخ النشر: 29th, January 2024 GMT
شكرا جنوب افريقيا… لكنه الغرب المفلس أخلاقيا
«على إسرائيل أن تتخذ كل الإجراءات التي في وسعها لمنع ارتكاب جميع الأفعال، ضمن نطاق المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية».
الاحتلال لا يعرف إلا لغة القوة، ولن يرضخ لأية قرارات دولية تعرقل مشروعه، ولن يرغمه على وقف إطلاق النار سوى استمرار المقاومة وإفشال مشروع التهجير.
الاحتلال الإسرائيلي يضرب بعرض الحائط كل المواثيق والقوانين الدولية، فمن الذي يجبره على الانصياع لقرارات المحكمة؟ هل ستجبره أمريكا ودول الغرب؟
موقف مشرف لجنوب افريقيا حيال مأساة غزة، فقد تطوعت وهي الدولة التي عانت ويلات العنصرية وأخذت على عاتقها إدانة الاحتلال الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية بالإبادة الجماعية.
* * *
حتما لن يسقط من الذاكرة العربية والإسلامية أبدا، ذلك الموقف المشرف لدولة جنوب افريقيا حيال المأساة الإنسانية في قطاع غزة، عندما تطوعت – وهي الدولة التي عانت كثيرا ويلات العنصرية – وأخذت على عاتقها مهمة إدانة الاحتلال الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية، بتهمة الإبادة الجماعية في القطاع.
لم تكن أمتنا تنتظر النتائج الرسمية لهذه الجهود المشرفة، لكي تعرب عن امتنانها لهذه الدولة الافريقية، خاصة أنها فعلت ما لم تفعله أية دولة عربية كانت أحق بتبني هذه المساعي، فيحسب لجنوب افريقيا أنها أوقفت الاحتلال للمرة الأولى موقف المتهم أمام المجتمع الدولي.
حققت هذه الدعوة إنجازا تاريخيا غير مسبوق ضد الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن أعلنت محكمة العدل الدولية اختصاصها في الدعوى المقدمة، وأخذها بعين الاعتبار الأدلة التي قدمتها جنوب افريقيا بوجود نية ارتكاب الإبادة الجماعية.
وأصدرت المحكمة حزمة من الأوامر التي تفرض على الكيان الإسرائيلي اتخاذ إجراءات لمنع ومعاقبة التحريض المباشر على الإبادة الجماعية في حربها على القطاع، وقالت رئيسة المحكمة القاضية الأمريكية جوان دونوهيو، خلال كلمتها في جلسة الجمعة الماضية: «على إسرائيل أن تتخذ كل الإجراءات التي في وسعها لمنع ارتكاب جميع الأفعال، ضمن نطاق المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية».
إلى هنا يتقدم كل فرد في الأمة العربية والإسلامية بالشكر إلى جنوب افريقيا على جهودها المتفردة، ولكن.. رغم حالة التفاؤل التي عمت أرجاء الأمة، بأنها بداية جيدة لها ما بعدها من إجراءات من شأنها أن تؤدي إلى عزلة الكيان الإسرائيلي، إلا أنني على قناعة كاملة بأن الحق الفلسطيني لا يمكن أن يعيده المجتمع الدولي، أو دول الغرب التي أظهرت إلى هذه الساعة انهيار منظومتها الأخلاقية التي طالما ترنمت بها.
ماذا فعلت محكمة العدل الدولية؟ قالت على لسان رئيسة المحكمة «على إسرائيل أن تتخذ كل الإجراءات التي في وسعها لمنع ارتكاب جميع الأفعال»، لكن هل تضمّن القرار وقف إطلاق النار؟ بالطبع لم يحدث، ولن يحدث.
سنكون مفرطين في التفاؤل وأصحاب أحلام وردية لو اعتقدنا أن هذه المنظمات الدولية التي أنشأتها الدول الكبرى لتحقيق مصالحها سوف تنصفنا وتعيد لنا حقوقنا. محكمة العدل الدولية اهتمت بوزن القصيدة، لكنها لم تلامس أبدا بيت القصيد، فالإجراءات المؤقتة التي فرضتها على الكيان الإسرائيلي لن تطبق إلا في ظل وقف إطلاق النار، وهو ما لم تتضمنه الأوامر التي فرضتها المحكمة.
المقطوع به أن الاحتلال الإسرائيلي يضرب بعرض الحائط كل المواثيق والقوانين الدولية، فمن الذي يجبره على الانصياع لقرارات المحكمة؟ هل ستجبره أمريكا وحلفاؤها من دول الغرب؟
هذه الدول هي التي زرعت في منطقتنا ذلك الكيان اللقيط ليفتت لُحمتنا، ويفصل شرقنا عن غربنا، وينوب عن تلك الدول في رعاية مصالحها في المنطقة، فكيف نتوقع لهذه الدول أن تجبر الكيان الصهيوني على وقف إطلاق النار، الذي يعني هزيمة الاحتلال؟ نتساءل جدلا: كيف الحال لو قامت الدول العربية بقصف تل أبيب؟ ما هو المتوقع للموقف الأمريكي حيال هذا القصف؟
يمكننا للإجابة على هذا السؤال أن نستدعي أحداث حرب أكتوبر 1973، عندما شنت القوات المصرية والسورية هجوما على القوات الإسرائيلية في سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية الواقعتين تحت سيطرة الاحتلال الصهيوني.
على الفور تدخلت الولايات المتحدة بإقامة جسر جوي لإمداد الصهاينة بالعتاد والمعدات والدبابات، وسيرت طائرة استطلاع تفوق سرعة الصوت لا تطالها الدفاعات الأرضية، وجعلت مواقع تمركز القوات المصرية وتحركاتها على طاولة غولدا مائير، وحددت لها الثغرة التي تعبر منها القوات الإسرائيلية إلى غرب القناة، وأمدتها بخبراء للتعريف بكيفية تشغيل الأسلحة والمعدات الأمريكية، التي زودت بها الاحتلال، فكان اشتراكا فعليا لأمريكا في الحرب، أدى إلى القبول العربي بوقف إطلاق النار، والخسارات الفادحة على طاولة المفاوضات.
هي نفسها الولايات المتحدة، التي تصمت عن جرائم الاحتلال ضد الفلسطينيين، وعن التدمير الشامل الذي يلحقه الاحتلال بقطاع غزة، عشرات الآلاف من الضحايا، وعشرات الآلاف من المصابين، ومئات الآلاف من النازحين، ومجاعة أوشكت على إهلاك مئات الآلاف، لكنها قامت منذ البداية بإعلان موقفها بتأييد الكيان الصهيوني، ومثلت مع حليفاتها غطاء دوليا للكيان في قصف المدنيين، بدعوى أنها تقصف المقاومة الفلسطينية.
جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض يؤكد، أن شيئا لم يتغير بشأن وجهة نظر الرئيس بايدن القوية، بأن على أمريكا التأكد من أن إسرائيل لديها ما تحتاج إليه للدفاع عن نفسها.
نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني، يؤكد أن إسرائيل لم ترتكب جريمة الإبادة الجماعية خلال قصف قطاع غزة. لن ننسى كذلك أن أمريكا وبريطانيا وفرنسا واليابان، قد أبطلت مشروعا في مجلس الأمن يقضي بوقف إطلاق النار، خلافا لموقفها من الحرب الروسية على أوكرانيا.
يكفي أنه بعد يوم واحد فقط من قرار محكمة العدل الدولية، علّقت أمريكا وبريطانيا وإيطاليا وكندا وأستراليا وفنلندا، تمويلها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، التابعة للأمم المتحدة، تزامنا مع إنهاء الوكالة عقودا لموظفين في قطاع غزة اتهمتهم بالمشاركة في هجوم السابع من أكتوبر، استنادا إلى معلومات مقدمة من الاحتلال الإسرائيلي.
طويلة هي القائمة التي تتضمن مظاهر الانحياز الغربي للكيان الصهيوني، وفقدان المنظومة الأخلاقية، وازدواجية المعايير لدى الغرب واتباعه سياسة الكيل بمكيالين، وليست هي تهمة وليدة اليوم، بل يشهد لذلك شاهد من أهلها، برونوين مادوكس مديرة مركز شتام هاوس للدراسات والأبحاث، التي تقول عن هذا الإفلاس القيمي للغرب:
«الغرب يهتم بالديمقراطية، ولكن ليس عندما يرغب في تنصيب زعماء على هواه في البلدان الأخرى. ويحترم السيادة باستثناء الأماكن التي لا يحلو له ذلك فيها مثل العراق. ويدافع عن حق تقرير المصير في تايوان، ولكن ليس في كتالونيا. ويدعم حقوق الإنسان، ولكن ليس في البلدان التي يحتاج إلى نفطها. ويدافع عن حقوق الإنسان، باستثناء عندما يكون ذلك صعبا جدا، كما هو الحال في أفغانستان.»
الاحتلال الذي يستقوي بالغرب، لا يعرف سوى لغة القوة، ولن يرضخ لأية قرارات دولية تعرقل له مشروعه، ومع الأسف التفاؤل بقرارات المحكمة الدولية يستند إلى الفراغ، ولن يرغم الاحتلال على وقف إطلاق النار سوى استمرار المقاومة وصمود أهل غزة وإفشال مشروع التهجير، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
*إحسان الفقيه كاتبة أردنية
المصدر | القدس العربيالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: فلسطين غزة الغرب الأونروا الفصل العنصري جنوب أفريقيا المقاومة الفلسطينية شكرا جنوب افريقيا الكيان الصهيوني الاحتلال الإسرائیلی محکمة العدل الدولیة الإبادة الجماعیة وقف إطلاق النار جنوب افریقیا
إقرأ أيضاً:
توغل جديد لـ الاحتلال الإسرائيلي في ريف القنيطرة جنوب سوريا
بعد احتلالها عدة بلدات في الجنوب السوري على الحدود، وتوغلها بريف القنيطرة، وسعت إسرائيل مجددا تواجدها بالمنطقة.
بايدن وترامب يضغطان على إسرائيل وحماس للتوصل إلى اتفاق قبل 20 يناير خبير عسكري: الجيش اللبناني يستعد لدخول منطقة الناقورة بعد انسحاب إسرائيلحيث أفادت اليوم مصادر محلية بتوغل إسرائيلي جديد في موقع التلول الحمر بريف القنيطرة الشمالي جنوب سوريا.
كما نفذت إسرائيل عمليات تجريف باستخدام جرافات ودبابات ميركافا وعشرات الجنود.
وكانت القوات الإسرائيلية توغلت الأسبوع الماضي أيضا في مدينة البعث بريف القنيطرة.
كما طردت حينها موظفين من دوائر حكومية تحت ذريعة التفتيش، وفق ما نقلت آنذاك فرانس برس.
يشار إلى أنه بعد سقوط الرئيس السابق بشار الأسد في الثامن من ديسمبر، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه اتخذ مواقع في المنطقة العازلة بمرتفعات الجولان المحتل، التي تفصل بين المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية والسورية منذ عام 1974.
وسرعان ما توغلت قواته لاحقا في عدة مناطق ونقاط بمحيط تلك المنطقة العازلة.
كما سيطرت لاحقا على الجانب الشرقي من جبل الشيخ.
فيما زعم رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، أن هذا الإجراء مؤقت وذات طبيعة دفاعية يهدف إلى كبح التهديدات المحتملة لبلاده من الجانب السوري.
لكنه أشار في الوقت عينه إلى أن القوات ستبقى هناك حتى تحصل إسرائيل على ضمانات أمنية على الحدود.
المنطقة العازلة
يشار إلى أنه بعد سقوط الرئيس السابق بشار الأسد في الثامن من ديسمبر، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه اتخذ مواقع في المنطقة العازلة (بلغت أكثر من 10 مواقع) بمرتفعات الجولان المحتل، التي تفصل بين المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية والسورية منذ عام 1974.
وسرعان ما توغلت قواته لاحقا في عدة مناطق ونقاط بمحيط تلك المنطقة العازلة.
كما سيطرت لاحقا على الجانب الشرقي من جبل الشيخ.
فيما زعم رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، أن هذا الإجراء مؤقت وذات طبيعة دفاعية يهدف إلى كبح التهديدات المحتملة لبلاده من الجانب السوري.
لكنه أشار في الوقت عينه إلى أن القوات ستبقى هناك حتى تحصل إسرائيل على ضمانات أمنية على الحدود.
بينما تخوف العديد من السوريين في المنطقة من أن يكون هذا التوغل احتلالا دائما.
مأساة غزة تتفاقم مع انهيار القطاع الصحي جراء القصف الإسرائيلي
أكدت صحيفة "الجارديان" البريطانية أن مأساة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة تتفاقم على نحو غير مسبوق في ظل انهيار القطاع الصحي بسبب القصف الإسرائيلي على جميع أرجاء القطاع.
وأشارت الصحيفة في مقال افتتاحي إلى أنه لا يجب التعامل مع تلك المأساة، التي تزداد حدتها يوما بعد يوم، على أنها أمر واقع لن يتغير بل يجب العمل على التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
وأوضحت أن العام الجديد لم يحمل لسكان قطاع غزة أي بارقة أمل في تحسن أوضاعهم المعيشية في ظل إعلان الأمم المتحدة انهيار قطاع الخدمات الصحية في غزة بشكل شبه كامل جراء القصف الإسرائيلي للمرافق الطبية، مشيرة إلى تصريحات أحد موظفي وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) منذ عدة أيام والتي حذر فيها أن الهيكل الاجتماعي في القطاع سوف ينهار إذا أقدمت إسرائيل على تنفيذ تهديدها بإيقاف جميع أشكال التعاون مع الوكالة نهاية الشهر الجاري.