يستضيف ملعب البيت المونديالي المباراة بين منتخبنا الوطني ونظيره الفلسطيني اليوم في دور الستة عشر من بطولة كأس آسيا 2023 في تمام الساعة السابعة مساءً وهي المواجهة المرتقبة بين المنتخبين بكل تأكيد، ملعب البيت يعتبر فأل خير لمنتخبنا الوطني أمام المنتخبات العربية، حيث نجح العنابي في تحقيق الانتصارات جميعها على هذا الملعب أمام الفرق العربية، وهذا ما يزيد من التفاؤل قبل موقعة الليلة أمام الفدائي لحسم التأهل لربع النهائي لرفقاء حسن الهيدوس في رحلة البحث للمحافظة على اللقب بعد نسخة 2019 الماضية في الإمارات.


افتتاح كأس العرب 
أولى مباريات المنتخب الوطني التي لعبت على استاد البيت كانت افتتاح كأس العرب أمام المنتخب البحريني والذي بالمناسبة كان افتتاحا تاريخيا وتحدث عن العديد من القصص الجميلة، وبالنسبة لنتيجة المواجهة فنجح العنابي وقتها في تحقيق الانتصار على الأحمر البحريني بهدف دون رد للنجم عبدالعزيز حاتم في الشوط الثاني. 

ثلاثية العراق 
انتصار جديد حققه العنابي على ملعب البيت كان في نفس البطولة وفي الدور الأول في المجموعة الأولى للبطولة على حساب المنتخب العراقي بثلاثية دون رد، سجلها المعز علي وأكرم عفيف وحسن الهيدوس، وحقق وقتها منتخبنا العلامة الكاملة في المجموعة بعد الفوز على البحرين وعمان والعراق.

خماسية الإمارات 
في ربع نهائي كأس العرب، استضاف ملعب البيت لقاء منتخبنا الوطني والإمارات، ووقتها كانت مباراة على اعلى المستويات ليس بسبب الحضور الجماهيري الكثيف والرائع بحسب ولكن بعد الفوز الكبير والاداء المقنع للعنابي بخمسة أهداف دون رد، للاعب سالمين بالخطأ في مرماه، والمعز علي هدفين، وعبدالعزيز حاتم هدفا وخوخي بوعلام هدفا، وتأهل العنابي لنصف النهائي قبل أن يودع أمام الجزائر بهدفين مقابل هدف في اللقاء الذي اقيم على ملعب الثمامة.

النسخة الحالية 
العنابي في هذه النسخة نجح في الفوز على ملعب البيت ولكن ليس أمام منتخب عربي، بعد الانتصار على طاجيكستان بهدف دون رد للنجم أكرم عفيف وهو الهدف الذي أهل العنابي لدور الستة عشر من الجولة الثانية، ولذلك يتمنى نجوم منتخبنا والجماهير أن تستمر الانتصارات على الملعب أمام المنتخبات العربية ويصل العنابي لربع نهائي البطولة. 

مدرج العنابي في سوق واقف 
تواجدت اعداد كبيرة من الجماهير القطرية أمس في سوق واقف وذلك لمساندة منتخبنا الوطني قبل لقاء الليلة أمام فلسطين في دور الستة عشر من بطولة كأس آسيا في المباراة التي ستقام على ملعب البيت، حيث وجه « مدرج العنابي» الدعوة عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، للتواجد في سوق واقف من اجل مساندة العنابي، وتواجد امس كبار وصغار وسط اعداد كبيرة بالاعلام والشالات ورابطة المنتخب، ولعل هذا الامر تأكيد على الاعداد والآلاف من الجماهير القطرية التي ستذهب اليوم لملعب البيت لدعم منتخبنا في مهمته الوطنية بكأس آسيا، لما لا وهي مباراة حاسمة بكل تأكيد باعتبار أنها مؤهلة لربع نهائي البطولة القارية.

المصدر: العرب القطرية

كلمات دلالية: قطر كأس آسيا منتخبنا الوطنی أمام المنتخب على ملعب دون رد

إقرأ أيضاً:

ابن ميمون وابتهال أبو السعد: حكايتان في مواجهة سلطة واحدة

واقعة صائغ مرو وأبي مسلم الخراساني

تروي عدة مصادر في التاريخ الإسلامي واقعة ذات دلالات أخلاقية عميقة، تمثل نموذجًا عمليًا للإشكالات المتعلّقة بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الإسلام.

بطلا هذه الحادثة هما: إبراهيم بن ميمون، المعروف بـ "صائغ مرو" (ت. 131هـ/749م)، الذي عدّه البعض من فقهاء الحنفية، وقدّمته المصادر التاريخية على أنه رجل ورِع وملتزم بأداء الشعائر، حتى إنه كان إذا سمع الأذان رمى بمطرقته وبادر للصلاة؛ وأبو مسلم الخراساني (ت. 137هـ/755م)، صاحب الدعوة العباسية وأحد أبرز من وطّد أركان دولتها الناشئة، والمعروف بالبطش وكثرة القتل وسفك الدماء، إذ أفنى خلقًا كثيرًا في حروبه ومعاركه.

كان صائغ مرو من جلساء أبي مسلم في بدايات الدعوة العباسية، وقد وعده الأخير – آنذاك – بإقامة العدل متى استتب له الأمر. غير أن أبا مسلم، بعد أن اشتد سلطانه واستقرّت له الأمور في خراسان، تنكّر لتلك الوعود، وانتهج طريق الشدة وسفك الدماء.

ومع مرور الوقت توترت العلاقة بين الرجلَين، وظل الصائغ يلحّ على أبي مسلم بالوفاء بعهده، غير أن هذا الأخير كان يصده ويقول له: "انصرف إلى منزلك، فقد عرفنا رأيك". فلما يئس الصائغ من استجابته، اختار المواجهة الجريئة، وتهيّأ للموت؛ فتحنّط وتكفّن، فأتاه وهو في مجمع من الناس فوعظه وكلّمه بكلام شديد، فأمر به أبو مسلم فقُتل.

إعلان

استرشادًا بما يُنسب للإمام الشافعي من قوله "من قرأ التاريخ زاد عقله"، سنعود إلى هذه الواقعة في ثنايا هذا المقال لتوضيح بعض التفاصيل والإشارة إلى الدروس المستفادة من تاريخ الصراع الأخلاقي بين أصحاب المبادئ وأهل السلطة والنفوذ.

واقعة ابتهال أبو السعد في حفل مايكروسوفت بمرور 50 عامًا على التأسيس

ابتهال أبو السعد، مهندسة ومبرمجة مغربية وُلدت عام 1999، وتخرّجت في جامعة هارفارد الأميركية بعد حصولها على منحة دراسية. التحقت للعمل بشركة مايكروسوفت العالمية عام 2022، حيث عملت في قسم الذكاء الاصطناعي، كما شاركت في الفريق الذي كلفته مايكروسوفت بتطوير تقنيات تُستخدم في مجالات مثل المراقبة والتحليل البياني.

يبدو من المعلومات المتاحة على الشبكة العنكبوتية أن الجانب الأخلاقي والقيمي لابتهال كان حاضرًا وفاعلًا في مراحل حياتها المختلفة، حيث تجسّد ذلك في مساهماتها في مشاريع ومبادرات اجتماعية تهدف إلى رعاية الفئات الضعيفة والمهمّشة عندما كانت طالبة في المرحلة الثانوية.

واستمرّ هذا الاهتمام بعد انتقالها إلى الولايات المتحدة الأميركية، حيث التحقت ببرنامج يسعى لمحو الأمية الرقْمية، وأسهمت في تأسيس منصة رقمية تعنى بحفظ وتوثيق السجلات الطبية الرقمية للاجئين حول العالم.

وبالتالي، نحن أمام شخصية لها اهتمامات وانشغالات أخلاقية، لم تفارقها أثناء رحلتها سعيًا وراء التفوق الدراسي والنجاح المهني، مما يذكرنا بحال صائغ مرو الذي كان لا يشغله عمله وحِرفته عن التمسك بقيمه التي يؤمن بها والتزامه بشعائر دينه.

ويبدو كذلك من المعلومات المتاحة أن علاقة ابتهال بشركة مايكروسوفت كانت إيجابية ومبشّرة في بداياتها، كما كان الحال في بداية العلاقة بين صائغ مرو وأبي مسلم الخراساني.

فقد استبشرت خيرًا بأن عملها في عملاق مثل مايكروسوفت سيقرّبها من تحقيق المثال المنشود بتسخير التكنولوجيا لتحقيق الخير والنفع للناس (technology for social good)، وهو مبدأ يتردّد كثيرًا في الخطاب العام لكبار مديري شركات التكنولوجيا العملاقة، وسوف تشير ابتهال إليه لاحقًا في معرض اعتراضِها على الشركة بعد أن ساءت العلاقة بين الطرفَين.

إعلان

بعد أكثر من ثلاث سنوات من العمل في شركة مايكروسوفت، بدأت وتيرة اعتراضات ابتهال تتصاعد تدريجيًا. وقد حرصت في البداية على إيصال رسائلها عبر قنوات داخلية بقيت حبيسة أروقة الشركة ولم تخرج للعلن.

لكن في احتفال مايكروسوفت بالذكرى الـ50 لتأسيسها، كان قد "بلغ السيل الزُّبى"، كما يقال، فقامت ابتهال بمقاطعة كلمة المدير التنفيذي لقطاع الذكاء الاصطناعي في الشركة مصطفى سليمان (البريطاني ذي الأصول السورية) وذلك أمام جمهور ضمَّ مؤسس مايكروسوفت، بيل غيتس، وعددًا من كبار الموظفين. ومرة أخرى تذكرنا الواقعة بمحاولات صائغ مرو لإصلاح سلوك أبي مسلم الخراساني دون جدوى، حتى اضطر إلى مواجهته علنًا أمام الملأ.

تقدمت مهندسة مايكروسوفت نحو المنصة، وهي تصرخ: "مصطفى، عارٌ عليك!" ثم تابعت: "تدّعي أنك تهتم باستخدام الذكاء الاصطناعي للخير(AI for good)، لكن مايكروسوفت تبيع أسلحة ذكاء اصطناعي للجيش الإسرائيلي.

خمسون ألف إنسان قُتلوا، ومايكروسوفت تغذّي هذه الإبادة الجماعية في منطقتنا!" ردّ سليمان: "شكرًا على احتجاجك، لقد سمعتك."، إلا أن ابتهال واصلت اعتراضها متهمة سليمان و"كل شركة مايكروسوفت" بأنهم مسؤولون، وقالت إن أيديهم ملطخة بالدماء. كما ألقت بكوفية فلسطينية على المنصة، في إشارة رمزية لدعم الشعب الفلسطيني، قبل أن يتم اقتيادها خارج القاعة.

تم تسجيل المواجهة عبر الهاتف من قِبَل بعض الحاضرين في الاحتفال، وانتشرت بعد ذلك كالنار في الهشيم على مواقع الإنترنت وتداولها روّاد وسائل التواصل الاجتماعي وتناقلتها مواقع إخبارية.

وقد أثارت الواقعة ردود فعل واسعة تضمّن جُلها إشادة بموقف ابتهال النبيل وشجاعتها. وجدير بالذكر أن تورط مايكروسوفت في تسخير تقنيات الذكاء الاصطناعي يعود إلى سنوات قبل التحاق ابتهال بها؛ إذ أعلنت مايكروسوفت عام 2018 عن انخراطها في مشروع عسكري مع وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، دون نكير يذكر من العاملين فيها في ذلك الوقت، بالرغم من احتجاج العديد من العاملين في هذا المجال بشركات أخرى، كما سنبين لاحقًا في هذا المقال.

إعلان ما تحت قمة جبل الجليد: تحديات أخلاقية كبرى في عالم يحكمه الذكاء الاصطناعي

لا يمكن اعتبار واقعة المهندسة في مايكروسوفت، ابتهال أبو السعد، مجرّد حادثٍ عابر أو انفعالٍ لحظي، كما لا يستقيم حصره في سياق المجازر التي تُبثّ على الهواء من غزة، رغم أن قسوتها باتت تفوق قدرة كثيرين على المشاهدة، فضلًا عن المآسي التي يرزح تحتها الضحايا الأبرياء وعائلاتهم.

فهذه الواقعة تُمثل امتدادًا لقلق أخلاقي عميق تشترك فيه ابتهال مع شخصيات بارزة في المجال، ويتعلق بسلطة جديدة باتت تهيمن على عالم اليوم: سلطة شركات التكنولوجيا العملاقة ونفوذها المتنامي من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي، حتى صارت تتحكم بالبشر، في محياهم ومماتهم، بل وفي الدول والحكومات التي يتزايد اعتمادها على هذه الشركات لتنفيذ أجنداتها ومآربها، الصالح منها والطالح.

هناك قائمة طويلة من المنذرين بمخاطر الذكاء الاصطناعي، والمنزعجين من المسار التنافسي المحموم بين عمالقة التكنولوجيا، والذين فقدوا وظائفهم المرموقة، طوعًا أو كرهًا، بسبب مواقفهم الأخلاقية.

يتصدر هذه القائمة جيفري هينتون (Geoffrey Hinton)، الحائز جائزةَ نوبل عام 2024 والمُلقب بـ"الأب الروحي للذكاء الاصطناعي". فقد استقال من منصبه في شركة غوغل عام 2023 ليتمكن من "التحدث بحرية عن مخاطر الذكاء الاصطناعي"، مشيرًا ضمنيًا إلى أنه لم يكن قادرًا، رغم منصبه الرفيع، على مناقشة هذه القضايا وهو داخل أروقة الشركة.

وقد عُرف هينتون بعد استقالته بانتقاداته العلنية لعدد من الشخصيات القيادية في مجال الذكاء الاصطناعي، مثل سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، وإيلون ماسك (Elon Musk)، أحد أبرز المستثمرين في هذا المجال.

ومن الأسماء البارزة أيضًا تيمنيت جيبرو (Timnit Gebru)، والتي أثار رحيلها عن غوغل في 2020 جدلًا واسعًا، إذ كانت تشغل منصب الرئيس التقني المشارك للفريق المسؤول عن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي.

إعلان

وقد بدأت الأزمة حينما كتبت تيمنيت ورقة بحثية تحذّر فيها من مخاطر النماذج اللغوية الضخمة (LLMs)، وبعد أخذ ورد مع إدارة الشركة التي سعت لعدم نشر البحث، قامت غوغل بإنهاء عقدها معلنة أنها قبلت استقالتها، في حين أكدت تيمنيت أنها لم تقدم استقالة رسمية، وإنما لوّحت بها فقط.

وفيما يتعلّق باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري تحديدًا، تعالت أصوات كثيرة من داخل كبرى شركات التكنولوجيا تصرّ على عدم أخلاقيته في المطلق، لا من زاوية سوء الاستخدام فحسب المتمثل في قتل الأبرياء، بل من منطلق مبدئي يرى أن الذكاء الاصطناعي لا ينبغي أن يُزجّ به في ساحات الحروب بأي حال.

ومن الوقائع الشهيرة في هذا السياق، استقالة البعض، واحتجاج ما يزيد على 3100 موظف في شركة "غوغل" عام 2018 – بينهم عدد من كبار المهندسين – الذين وقعوا على رسالة داخلية يرفضون فيها انخراط الشركة في "مشروع مافن" التابع للبنتاغون، وهو برنامج تجريبي يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل الصور وتحسين دقة الضربات بالطائرات المسيّرة.

وجاء في الرسالة الموجهة إلى المدير التنفيذي للشركة: "نؤمن بأن غوغل لا ينبغي أن تكون جزءًا من صناعة الحروب". وطالب الموقّعون بانسحاب الشركة من المشروع، واعتماد سياسة معلنة تقضي بعدم تطوير أي تكنولوجيا ذات طابع عسكري مستقبلًا، مستشهدين بالشعار الذي تتبناه الشركة "لا تكن شريرًا "(Don’t be evil).

وقد رفض حينها عدد من المحتجين الإفصاح عن هوياتهم للصحافة، خشية التعرّض لإجراءات انتقامية. وتحت الضغوط المتزايدة لهذا الحراك الداخلي، أعلنت غوغل لاحقًا عدم تجديد عقدها في هذا المشروع.

عِبَر من التاريخ

لا يسعنا فهم سطوة أبي مسلم الخراساني بمعزل عن سياق التحول التاريخي الكبير، من دولة بني أمية في لحظة الأفول إلى دولة بني العباس في لحظة البزوغ. فقد كان الرجل بقدرته على البطش وبسط النفوذ، عنصرًا حاسمًا في تمكين الدولة العباسية الناشئة. بل تذكر كتب التاريخ أن نفوذه قارب، وربما تجاوز، نفوذ الخليفة العباسي ذاته في تلك الفترة. حتى إن أخاه، أبا جعفر المنصور، كتب إليه بعد زيارة له إلى خراسان ومعاينته نفوذَ أبي مسلم قائلًا: "لستَ خليفة ولا أمرك بشيء؛ إن تركت أبا مسلم ولم تقتله"، إلا أن الخليفة رفض أن يتعرض لأبي مسلم بسوء؛ خوفًا من المتاعب التي قد تنجم عن قتله، لا سيما أن الدولة الناشئة ما زالت بحاجة إلى جهوده وجنوده الذين كانوا يشكلون دعامة أساسية للدولة العباسية في ذلك الوقت.

إعلان

وفي المقابل، نحن نعيش اليوم تحوّلات كبرى قد لا تترك آثارها حجرًا على حجر، ولا تستطيع دول وحكومات اليوم العيش دون مايكروسوفت وأخواتها من عمالقة التكنولوجيا، لا في السِلم ولا في الحرب.

وهناك مخاوف عبّر عنها مفكرون وساسة كبار، تلميحًا وأحيانًا تصريحًا، من أننا نتّجه تدريجيًا من عصر الدول والحكومات إلى عصر إمبراطوريات شركات التكنولوجيا العملاقة. حتى أنْ عبرت مرشحة الرئاسة الأميركية إليزابيث وارِن (Elizabeth Warren) عام 2019 وكأنها تقول بلسان حالها إننا لسنا دولًا ولا حكومات حقًا ولا نملك من أمرنا شيئًا إن تركنا هذه الشركات العملاقة على حالها.

فقد دعت إلى "تغيير هيكلي كبير"، وقامت حملتها الانتخابية بنشر دعاياتٍ مدفوعة الأجر مكتوبٍ عليها: "تفكيك الشركات التكنولوجية الكبرى"، بخط كبير.

صحيح أن واقعة صائغ مرو صاحب المبادئ لم تحمل نهاية سعيدة بانتصاره على خصمه صاحب النفوذ، حيث قُتل الرجل على يد أبي مسلم الخراساني، إلا أن إكبار الناس لشجاعته وصلابته في الحق والصدع بالنهي عن المنكر لم يمت في أذهانهم، بل صارت قصته مضرب المثل عند الكثيرين.

فتذكر كتب التاريخ أن قبره في مرو، بعد مرور زمن طويل على الواقعة، بقي معروفًا ومزارًا. وفي المقابل، قام أبو جعفر المنصور، بعد تولي الخلاقة، بقتل أبي مسلم الخراساني، في رمزية لانتقام الدولة ممن يحاول منافسة سلطتها ونفوذها.

ومهندسة مايكروسوفت لم تلقَ مصير صائغ مرو، فابتهال، ولله الحمد، لا تزال حية ترزق، تعيش بيننا وتمارس نشاطها بنشر فيديوهات تعبر فيها عن آرائها وتعليقها على هذه الواقعة.

بيدَ أنها قد فقدت وظيفتها، حيث قامت الشركة بفصلها عن العمل بعد الواقعة بأيام معدودة، بتهمة "سوء السلوك المتعمد، والعصيان، والإهمال في أداء الواجب!"

والعِبرة الأهم هنا هي ضرورة العمل الجماعي، وأن يتحمل كل منا مسؤوليته في هذا الظرف الدقيق، وعدم الاقتصار على تصفيقنا من بعيد للبطولات الفردية التي يواجه فيها أصحاب المبادئ أهل السلطة والنفوذ، ثم يَلفُهَا النسيان بعد فترة قد تطول أو تقصر. حيث يذكر أن صائغ مرو كان له نقاش مباشر مع الإمام أبي حنيفة حول فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وطريقة إنكاره على أبي مسلم.

إعلان

ويروى أن أبا حنيفة قد نصحه قائلًا: "هذا أمر لا يصلح بواحد، ما أطاقته الأنبياء حتى عقدت عليه من السماء، وهذه فريضة ليست كسائر الفرائض؛ لأن سائر الفرائض يقوم بها الرجل وحده، وهذا متى أمر به الرجل وحده أشاط بدمه، وعرض نفسه للقتل، فأخاف عليه أن يعين على قتل نفسه، وإذا قتل الرجل لم يجترئ غيره أن يعرض نفسه".

فلا يسعنا أن نترك ابتهال وزملاءَها المخلصين فريسة لأنياب شركات التكنولوجيا العملاقة، دون أن يكتب علماء الأخلاق في تحليل هذه الظواهر وكشف سوءات هذه الشركات وأن يتضامن معها النابهون من زملائها المهندسين في هذا المجال، حتى تدرك هذه الشركات أنها ستخسر كفاءات مهمة إذا تخلت عن أبسط مبادئ احترام حياة الأبرياء.

ولا يمكن كذلك القَبول بخسارة وظائف مرموقة لابتهال وزملائها الذين يقومون بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نيابة عنا جميعًا بينما تُخصص المليارات من قِبل الدول العربية والإسلامية لشراء الأجهزة والاستثمار مع هذه الشركات، بل لا بدّ أن يجد أمثال ابتهال التقدير الواجب والمستحق.

وفي المقابل لا نقول بأن الذكاء الاصطناعي والشركات الرائدة فيه شر مطلق، وإنما الأمر في حاجة إلى حسن إدارة وتدبير حتى تدرك هذه الشركات أن إهمال القيم له تكلفة باهظة، وهذا لن يكون إلا بعمل جماعي، وأن يتم الإصرار على إيصال هذه الرسالة مرارًا وتكرارًا وبطرق مختلفة لهذه الشركات.

ويبقى السؤال معلقا حول سيناريوهات المستقبل الأكثر احتمالا: هل ينجح صائغ مرو في عصرنا، ابتهال وزملائها، في ترويض أبي مسلم الخراساني، متمثلا في شركات التكنولوجيا، بكفها عن الظلم والاستهانة بحياة الأبرياء وتطوير نسخة أفضل وأنفع للناس؟ وهل ستترك الدول والحكومات شركات التكنولوجيا العملاقة أن ترث منها السلطة والنفوذ، على ما بها من سوءات؟ أم أن تجربة أبي جعفر المنصور ستتكرر، عندما تخلص من أبي مسلم، عبر محاولات إليزابيث وارِن وأمثالها التي ربما تؤتي أكلها في نهاية المطاف؟ صدق الله تعالى إذ يقول في محكم كتابه: "قُلِ ٱللَّهُمَّ مَـٰلِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِى ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ ۖ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌۭ."

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • ابن ميمون وابتهال أبو السعد: حكايتان في مواجهة سلطة واحدة
  • ديب: “أسعى للتألق في الشان لطرق أبواب المنتخب الأول”
  • الأسطورة تييري هنري يفاجئ المغربي أشرف حكيمي بـاللغة العربية (شاهد)
  • زوجة أمام محكمة الأسرة: بقاله 5 سنين مبيصرفش على البيت وعايز يتجوز
  • البيت الأبيض عن اتفاق تجاري مع بكين: "الكرة الآن في ملعب الصين"
  • منتخب سوريا لكرة السلة للسيدات يخسر أمام منتخب إيران في افتتاح مشاركته ببطولة غرب آسيا
  • اتحاد الكرة يحتفي بـ«أبيض الناشئين» وسط أجواء التأهل إلى «المونديال»
  • مهندسة في دعوى خلع: قاعد في البيت وعايش على قفايا
  • معسكر إعدادي لأحمر الشاطئية استعدادًا لبطولة كأس العالم
  • ناشئو الشاطئية في مشاركة تاريخيه أولى بكأس العالم بتونس