يُعَد جوزيف مسعد أستاذ سياسة العرب الحديثة وتاريخ الأفكار في جامعة كولومبيا، من أهم المفكرين الذين اشتغلوا على تفكيك السرديات الاستشراقية والاستعمارية التي تغذي كلا من الفكر الغربي والصهيونية، وذلك طيلة العقدين الأخيرين، وذلك من خلال كتاباته الأكاديمية الرصينة التي سلطت الضوء على مدى أهمية القضية الفلسطينية، ومدى سعي الغرب والمشروع الاستيطاني الإسرائيلي لاستدامة الحرب على فلسطين والفلسطينيين، ومن بين هذه الكتب نجد "ديمومة المسألة الفلسطينية" و"التأثيرات الكولونيالية: صناعة الهوية الوطنية في الأردن" و"الإسلام في الليبرالية" و"اشتهاء العرب".

وهو ما جعل من كتابات البروفيسور جوزيف مسعد تكتسي أهمية كبيرة، في ظل ما أعقب "طوفان الأقصى" أو ما بات يعرف بما بعد يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وفق السرديات الغربية، التي عاشت فيها دولة الاحتلال الإسرائيلي ومناصروها عبر العالم لحظات من اختلال التوازن وسقوط لسرديات القوة والهيمنة الاحتلالية التي كان يتم الترويج لها في السياق الغربي وصدقها العالم العربي.

تميزت كتابات المفكر جوزيف مسعد بكونها تحفر في جذور القضية الفلسطينية وتفكك المشروع الاستيطاني، وتسبر أغواره وتبحث عن الجذور الرابطة بينها وبين المشروع الاستعماري الكولونيالي الأوروبي الذي شهده العالم، وربط العلاقة العضوية بين الاستيطان الإسرائيلي والاحتلال الغربي.

لا يتوقف تفاعل البروفيسور جوزيف مسعد عند هذا الحد، بل سبر أغوار المقاومة الفلسطينية والدروس التي يجب أن نتعلمها منها، والتي يجبُ أن تتعلمها من حركة التاريخ التي شهدت مقاومات أخرى قاومت الاحتلال الأجنبي سواء في نجاحاتها أو إخفاقاتها، وحتى نفهم مواقفه أكثر نستضيف في الجزيرة نت البروفيسور جوزيف مسعد أستاذ السياسة العربية الحديثة في جامعة كولومبيا العريقة، فإلى الجزء الأول من الحوار:

رغم أن ما تشهده غزة طيلة هذه الأيام هو إجرام حقيقي تنتهك فيه دولة الاحتلال الإسرائيلي كل الأعراف والقوانين الدولية، بارتكابها لـ"إبادة جماعية" في حق الفلسطينيين، فإن هناك من يرى أن هناك "صيرورة تاريخية" تحكم المشهد بين المُستعمِر والمستعمَر تتكررُ عبر التاريخ، ومشهد غزة دليل على ذلك، هل تتفق مع هذا الرأي؟ ولماذا؟

نعم هذا صحيح، نحتاج دائما إلى التأكيد على أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يجب أن يوضع في سياق التاريخ الاستعماري الاستيطاني لأوروبا والولايات المتحدة في العالم المستعمَر ككل، أي في الأميركيتين، وفي أفريقيا وأستراليا ونيوزيلندا وآسيا بالطبع.

أعتقد أن مجمل تاريخ الحركة الصهيونية وعنصريتها ونشاطها الاستيطاني منذ أوائل ثمانينيات القرن الـ19 إلى يومنا هذا هو جزء لا يتجزأ من الصيرورة والجهود الاستيطانية الأوروبية في بلاد "غير البيض"، وبالتالي لا بدّ لنا عندما نقدم تحليلا للتطورات التي تشهدها الساحتان الفلسطينية والإسرائيلية من النظر لهذه التطورات من زاوية المنظور التاريخي للاستعمار الأوروبي، والذي أصبح يعرف بـ"العالم الثالث".

 كما لا يخفى عليك هناك تصدير لخطاب "الشيطنة" للجانب الفلسطيني ككل من أجل خلق سردية تبرر "إبادة" الشعب الفلسطيني في غزة بدم بارد تحت أنظار العالم، كيف ظهر خطاب "الشيطنة" وما علاقته بثقافة الاحتلال والاستيطان؟  وكيف تحولت تهمة "معاداة السامية" إلى سلاح لحماية الصهيونية؟

أعتقد أن هذا الخطاب، قد بدأ مبكرا لا سيما أن بعض اليهود المستوطنين في فلسطين الذين قدموا من أوكرانيا وجنوب روسيا في أوائل ثمانينيات القرن التاسع عشر، كانوا قد عانوا من حركات مناهضة لليهود من قبل المسيحيين واللاساميين الأوروبيين، وعندما جاؤوا لاستيطان فلسطين، لم يكن لديهم فكرة بأن فعلهم الاستيطاني قد يولّدُ مقاومة ضدهم، لذا سعوا إلى شرعنة وجودهم الاستيطاني عبر ربط مقاومة الاستيطان بأنهُ رفضٌ لهم كيهود، لذا تشكل منذ ذلك الحين تياران داخل العقلية الصهيونية، أحدهما كان متَّسقا تماما مع نفسه في اعتقادي حينما أعلن بأن "كل من يواجه أي يهودي في العالم بغض النظر عن الأسباب فهو معاد للسامية".

وقد تجدد هذا التيار بعد تأسيس الصهيونية في فلسطين أثناء الانتداب البريطاني في أواخر الحرب العالمية الأولى، لا سيما بعد غزو بريطانيا لفلسطين في أواخر 1917، ومن ثم نجد في العشرينيات أن كل مقاومة لتأسيس الاستيطان واستمرار الصهيونية في فلسطين رد عليها آنذاك صهاينة ذوو نزعات اشتراكية، بوصفها تستهدفهم كيهود، وتذكّرهم ببعض المذابح اللاسامية التي ارتكبت بحقهم في أوروبا.

منذ عشرينيات القرن الماضي تأسس خطاب يرى في المقاومة التي تقاوم الاستيطان الجاري في فلسطين شكلا من أشكال "معاداة السامية" عوضا عن النظر إليها باعتبارهِا حركة مقاومة للاستعمار، وهو ما شكل البروباغندا والدعاية السياسية الصهيونية، وهذا هو الخطاب الذي تبلور في ثلاثينيات القرن الـ20 مع صعود النازية في ألمانيا، واتخذ منحى أكثر جدية وصرامة من قبل الصهاينة، إذ أصروا على أن استيطانهم لفلسطين وعنفهم ضد الفلسطينيين  ليس هو المحرك الحقيقي للمقاومة الفلسطينية، بل زعموا أن محرك المقاومة هو كره الفلسطينيين لليهود كيهود و"معاداة السامية" وليس كره الفلسطينيين للمستعمرين والمستوطنين.

استمر هذا النهج بعدما تأسست "المستعمرة الاستيطانية" المتمثلة في "إسرائيل" في عام 1948، لا سيما بـ"خطاب الدولة" الذي اعتبر رفض الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر التعاون والمساومة مع إسرائيل على أنه نابع من لاساميته، إلى حد اتهامه بالنازية في الخمسينيات قبل العدوان الثلاثي.

كما نجد بروز هذا الخطاب مجددا في النصف الثاني من ستينيات القرن الـ20 تجاه المقاومة الفلسطينية على أنّ هذه المقاومة تستهدفهم لكونهم يهودا لا باعتبارهم مستوطنين ومستعمرين لوطنهم. وفي أوائل السبعينيات قررت الحكومة الإسرائيلية أن تنتهج نهجا أكثر جدية وفعالية، أثناء انعقاد مؤتمر جمع بعض المنظمات اليهودية الأميركية في إسرائيل حيث أكد وزير الخارجية الإسرائيلي السابق أبا إيبان (الذي يتحدر من أسرة استوطنت جنوب أفريقيا وكان اسمه الأصلي أوبري سولومون) على أن الإستراتيجية الجديدة للدعاية الإسرائيلية لمواجهة الاعتراض اليساري المنحى في الغرب على سياسات الاستيطان والاستعمار، حيث رأى أنهُ يجبُ أن يتم مساواة العداء للصهيونية بالعداء للسامية.

قرر أبا إيبان بأن ما يصدر من نقد من بعض القادة السياسيين في المجتمعات الغربية يجب النظر إليه بوصفه "لا سامية جديدة"، وعليه، تم اعتماد هذا النهج منذ أوائل السبعينيات من قبل إسرائيل من أجل وصم أي معارضة أو مقاومة لإسرائيل على أنها تنهلُ من نبع "معاداة السامية"، مما أدى بنا اليوم إلى تفاقم هذا الخطاب، لا سيما العقود الأربعة الماضية، كما أن الغرب قد بات شريكا لإسرائيل بعدما تم اعتماد هذا النهج من قبله كذلك عبر تعريف المقاومة العربية والفلسطينية للاستعمار والاستيطان الإسرائيلي على أنهُ ينبع من أصول "معادية للسامية" إن لم تكن "نازية".

لكننا في المقابل لاحظنا منذ الخمسينيات وجود بعض النقاد الإسرائيليين لسياسات محددة للحكومة الإسرائيلية، حيث يصفون حكومتهم بأنها ترتكب أعمالا نازية، واستمر هذا في الخمسينيات لنجده يطرح مرة أخرى بعد "مجزرة صبرا وشاتيلا" عام 1982، وأثناء اجتياح إسرائيل للبنان في ظرف 4 سنوات (1978- 1982)، ولكن في المقابل وجدنا الجانب الفلسطيني والمتمثل على الأقل بـ"منظمة التحرير الفلسطينية" منذ أوائل السبعينيات إلى حدود أوائل الثمانينيات والتي تخللها خطاب ياسر عرفات في الأمم المتحدة عام 1974، تنتهج نهجا متضامنا مع كل اليهود من ضحايا اللاسامية والنازية.

قارنت "منظمة التحرير الفلسطينية" اضطهاد الفلسطينيين من قبل قوة استعمارية استيطانية، تتميزُ بانتهاج نهج قائم على الفصل العنصري والعرقي، بوضع اليهود أثناء المحرقة، وعليه كانت منظمة التحرير الفلسطينية تضعُ أكاليل الزهور في ذكرى المحرقة أو ذكرى انتفاضة حي اليهود في غيتو وارسو أثناء الحرب العالمية الثانية، تكريماً لليهود الذين عانوا من الفاشية كما يعاني اليوم الفلسطينيون من فاشية النظام الصهيوني حسب خطاب منظمة التحرير الفلسطينية في ذلك الوقت.

إذن هنالك خطابان كلاهما ينددان بالآخر على أنه نازي وعنصري الهوى، لكن الفارق هنا هو أن الخطاب الإسرائيلي والصهيوني دائما ما يصم الشعب الفلسطيني ككل على أنه نازي، بينما الجانب الفلسطيني حريص على تركيز إدانته على النظام الإسرائيلي (والصهيونية) بوصفهما يحملان إيديولوجيا عرقية وفاشية ونازية، دون أن يربطها بشكلٍ حتمي بالشعب اليهودي، وذلك بالرغم من أن معظم استطلاعات الرأي منذ عملية "طوفان الأقصى" تظهر لنا بأنَّ أغلبية الإسرائيليين الساحقة أي ما يقدر بـ 98% ترى بأنَّ ما تقوم بهِ إسرائيل في غزة من قصف وقتل ليس كافيا.

تقدم إسرائيل نفسها للعالم على أنها من يدافع عن "فكر التنوير" و"الحضارة الغربية" من "بربرية" العرب والفلسطينيين، وتسوق إبادتها الجماعية في غزة على أنها حرب " الخير ضد الشر"، هل هذا خطاب استعماري استيطاني كذلك؟

صحيح هذا الخطاب والنهج استعماري أوروبي قديم يعود تاريخه إلى القرن الـ19، حيث نجد أمثلة عديدة على استخدام المستوطنين المستعمرين الأوروبيين لخطاب مُمَاثل تماما خاصة حينما استخدمته بريطانيا لتبرير احتلالها لمصر حينما اعتبرت المقاومة على أنها همجية، وأنَّ بريطانيا ممثلة للحضارة وهو ما نجده كذلك في إصرار فرنسا على أن استعمارها للجزائر أو تونس هو جزء من الحملة الحضارية التي تقوم بها فرنسا في أراضي "الهمجيين" و"الوحوش". ونجدُ أن هذا الطرح قد استخدم حينما احتلت أوروبا الأميركيتين في ما قبل عصر الأنوار وما بعد عصر النهضة، حيث تمت تسمية السكان الأصليين للأميركيتين بـ"الهنود الحمر" ووصفوا بـ"الهمجيين"؛ وبالتالي كان ينبغي قتلهم والإجهاز عليهم باسم الحضارة والمدنية الأوروبية.

الخطاب الصهيوني منذ بداياته يرى نفسهُ على أنهُ يقوم على الدفاع عن الحضارة الغربية، مثلا مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هرتزل في عام 1896 حينما نشر كتابه "دولة اليهود" (Der Judenstaat) أصرَّ على أنَّ الدولة اليهودية المزمع إقامتها في فلسطين ستكونُ حاجزا بين الحضارة الأوروبية والبربرية الآسيوية إن لم نقل أنهُ يقصدُ كذلك "البربرية العربية والإسلامية"، كما نجدُ "حاييم وايزمان" رئيس منظمة الصهيونية العالمية وأول رئيس لإسرائيل، يقولُ كلاما مشابها لما قالهُ هرتزل في عشرينيات وثلاثينيات القرن الـ20، على أنَّ الحركة الصهيونية تمثلُ "النور" فيما يمثلُ الفلسطينيون "الظلمات"، وعليه فإن ما نسمعهُ اليوم منذ بداية الهجوم الضاري على الشعب الفلسطيني في غزة ليس سوى استمرارية لنفس الخطاب الصهيوني الذي قمنا وضحنا جذوره.

يجبُ أن أنوهَ هنا إلى أنَّ الصهيونية ليست مبدعة في أفكارها، حيث اقترضت معظم أفكارها من الحركات الاستيطانية الأوروبية المسيحية، فمثلا الزعم بأنَّ اليهود الأوروبيين يريدون "العودة" إلى فلسطين التي تعدُ موطنهم باعتبارِ أنهم يتحدرون من العبرانيين القدماء، هذه الفكرة خيالية وخاطئة، وقد بات بعض العرب يظنُ أنها حقيقية دون وعي منهم بأنَّ يهود أوروبا اعتنقوا الدين اليهودي باعتبارهم أوروبيين ولم يكونوا مهاجرين عبرانيين من فلسطين إلى أوروبا، فهم لا يتحدرون من العبرانيين القدماء شأنهم شأن الأوروبيين المسيحيين الذين اعتنقوا المسيحية، ولم يأتوا من فلسطين حيث ترعرعت المسيحية كدين قبل اعتناق أوروبا لها.

كما أنَّ فرنسا أصرت بأن احتلالها للجزائر عام 1830 هو "عودة" الرومان إلى أراضيهم الرومانية، واعتبرت أنَّ العرب والأمازيغ هم المستوطنون الذين يجبُ طردهم من الجزائر، كما أنَّ الإيطاليين استخدموا الخطاب نفسه حينما احتلوا وارتكبوا جرائمهم ضد الشعب الليبي حينما بدأ الغزو الإيطالي لليبيا عام 1911؛ حيث أصَّرَ الإيطاليون على أنهم ورثة روما القديمة وبأنَّ ليبيا أرض رومانية يجبُ استردادها و"العودة" إليها وأن سكان ليبيا في ذلك الوقت ليسوا سوى مستوطنين للأرض الرومانية.

هذه المزاعم الأوروبية تنطبقُ تماما على الصهيونية التي مازلت تزعم بأن أصول اليهود تعود إلى فلسطين قبل ألفي عام، وبأنّ العرب والفلسطينيين هم المستوطنون لفلسطين، وهنا حتى لو قبلنا هذه المزاعم الكاذبة التي فندها المؤرخون وأكدوا زيفها، يجبُ أن نؤكد أن فلسطين لم يتم استيطانها من قبل العرب والمسلمين الفاتحين، بل، على العكس من ذلك، لم يأت أكثر من 4 آلاف عربي إلى فلسطين بعد الفتوحات الإسلامية، وكان معظم الموجودين في فلسطين من سكان فلسطين الأصليين الموجودين قبل الفتح الإسلامي، والذي اعتنقوا الإسلام بالتدريج عبر الزمن، وحجة الصهاينة في كون العرب المسيحيين والمسلمين ليسوا سوى مستوطنين هي فقط أكذوبة مفضوحة، ومجددا حتى لو افترضنا ذلك فهذا لا يشرعن للصهيونية القدوم بعد ألفي عام لتستبيح أرضا ليست بأرضها، وتطرد منها الفلسطينيين، وتسرق وطنهم منهم.

بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك فكرة تقول إن يهود أوروبا يمثلون الحضارة الأوروبية بخلاف السكان الأصليين الذين يمثلون الوحشية والبربرية والجهل الذي يمثلُ "الظلام" وعليه، فإن رفضهم لـ"التنوير" الذي يحملهُ الأوروبيون إليهم يبرر سياسة الاحتلال حسبَ منظورهم، وعليه نجد مجددا أن معظم المرتكزات الصهيونية تعتمد على نفس المرتكزات الاستيطانية والاستعمارية الأوروبية المسيحية التي أقرضت الصهاينة معظمَ هذه المفاهيم بما في ذلك أن الشعوب الأصلية لا تتمتعُ بـ"حق الدفاع عن نفسها" لأنها لا تعرفُ طريقها للحضارة، وعليه فإنها وفق زعمهم لا تمتلكُ أي "حق"، بالمعنى الحضاري والحداثي لكلمة "الحق" وبالأخص "الحق القانوني" كما يعرفهُ عصر ما بعد الأنوار في أوروبا، بينما يحق للمستعمِر "حق الغزو"؛ ووفق هذا "الحق" يحق للمستعمِر احتلال أي أرض لا سيما لو كان أهل هذه البلاد قد أخفقوا في تطويرها حضاريا حسبَ مزاعم الأطروحة الكولونيالية. وبالطبع ما تقوم به الحركة الصهيونية بمحو التاريخي الفلسطيني خاصة التاريخ الزراعي والتاريخ المهني هو تجسيد لأطروحة الكولونيالية.

وفق المنظور الذي شرحته والذي يربطُ الحركة الصهيونية بالإرث الاستعماري والاستيطاني في العالم، فهل يمكن اعتبار أن المقاومة في فلسطين بدورها استفادت من تاريخ حركات المقاومة وإرثها في مواجهة الاستعمار؟ أم أنها تبدع في مقاومتها بطريقة جديدة؟

تعتمد المقاومة في فلسطين في اعتقادي في مقاومة الاحتلال الاستيطاني على تاريخ وإرث المقاومة الشعبية في سواء في الجزائر أو تونس أو ليبيا أو المغرب، أو في جنوب أفريقيا، أو مقاومات الاستعمار الإمبريالي بعد الحرب العالمية الثانية كما حدث في فيتنام وكوريا، كما نهلت المقاومة الفلسطينية من تجارب المقاومة الفاشلة في الأميركتين وأستراليا ونيوزيلندا حينما تم الإجهاز على أغلب المقاومات الشعبية، رغم استمرارها الضعيف إلى الآن في الولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية، بسبب الإبادة الجماعية التي ارتكبت في حق الشعوب الأصلية في هذه المناطق.

كما أعتقد أن نهج الثورة الجزائرية يُعّدُ أقرَب نموذج ثوري قريبٍ للمقاومة في فلسطين، بسبب وجودِ تزامن بين احتلال فرنسا للجزائر والاستعمار الصهيوني والبريطاني لفلسطين على الأقل منذ عام 1917، وعليه فإن تزامن الاحتلالين لبعض الفترات جعل المقاومة الفلسطينية تستفيد من نظيرتها المغاربية.

أعتقد أن المقاومة الفلسطينية سواء في فترة الخمسينيات أو ما بعدها حينما تأسست الحركات الفلسطينية للتحرير، كانت المقاومة تنهل وتتعلم من تجارب حركات المقاومة التي تولدها الشعوب التي يتمُ احتلالُ أراضيها، وأعتقد أن من أهم الدروس التي استوعبتها أخيرا حركة المقاومة الفلسطينية التي تمثلها حركة حماس والجهاد الإسلامي وحركات المقاومة الأخرى، تتمثلَ في ضرورة أن يُجْبِرَ المُقاوِم قوى الاحتلال على محاربته وفق مقاييس المقاومة وأدواتها، وليس بحسب ما يقرره المستعمِر، بمعنى أنَّ المقاومة أدركت أنَّ الحرب بناء على معطيات المستعمِر تعدُ حربا خاسرة، لذا يجب على المُستَعْمَر خوض حروب أو معارك تَفرض على المُسْتَعمِر تبني إستراتيجيات لم تكن في حسبانهِ من قبل فتربكهُ وتسقطهُ في أخطاء إستراتيجية، ويمكنُ إدراج عملية "طوفان الأقصى" ضمن ذلك.

ولعل الهزيمة الأكثر شهرة من بين هزائم البريطانيين على يدِ قوات المقاومة هي تلك التي مُنوا بها في أواخر القرن الـ19 على يد جيش مملكة الزولو في معركة إيسانِدلْوانا بجنوب أفريقيا في يناير/كانون الثاني 1879، حيث استطاعَ جيش الزولو المكون من 20 ألف جندي مسلح بأسلحة خفيفة من هزيمة الجيش البريطاني المدجج بالأسلحة الثقيلة، ونتيجة خشية حكومة رئيس الوزراء البريطاني بنجامين دزرائيلي من أن انتصار الزولو سيشجع الشعوب المستعمَرة الأخرى عبر الإمبراطورية البريطانية على المقاومة، انطلق البريطانيون لإعادة غزو أرض الزولو في يوليو/تموز 1879 بقوة عسكرية أكبر حجما بكثير، قامت بنهب عاصمتهم أولوندي وهدمها وتسويتها بالأرض، كما قاموا بنفي ملك الزولو خارج البلاد، ولم يتردد البريطانيون عن قتل 10 آلاف من الزولو، رغم أن ذلك كلفهم فقدان 2500 جندي بريطاني.

نجدُ حدوثَ شيء مماثل باسم الدفاع عما يسمى بـ"الحضارة الغربية"، في عام 1965، قبل شهرين من إعلان المستوطنين البيض "استقلال" روديسيا، الذي عبّر عن نفسه من خلال ارتكاب مجازرٍ ضد السكان الأصليين على يد المستوطنين البيض.

وفي سياق مماثل، في عام 1896، قرر الإيطاليون، الذين كانوا قد أنشؤوا مستعمرة-استيطانية في إريتريا، من غزو إثيوبيا لاحتلال المزيد من الأراضي، لكنهم تعرضوا للإهانة والهزيمة على يد الجيش الإثيوبي بقيادة الإمبراطور الحبشي منليك الثاني. وقد قُتل الآلاف من الجنود الإثيوبيين والإريتريين والإيطاليين في "معركة أدوَة"، وهو ما عمّق إحساس إيطاليا بالذل أمام نظيراتها الأوروبية، إلا أنَّ انتقامها انتظرَ وصولَ النظام الفاشي للحكم؛ حيث انتقم موسوليني لإيطاليا من هزيمة "معركة أدوَة" عندما غزا إثيوبيا في عام 1935. وارتكب فيها مجازر قتل فيها 70 ألف إثيوبي لتتحول إثيوبيا إلى مستعمرة-استيطانية.

كما نجدُ ذلك في السودان أيضا حينما حرر جيش الزعيم السوداني محمد أحمد بن عبد الله، المعروف بالمهدي، الخرطوم من المستعمرين البريطانيين وهزم قواتهم في يناير/كانون الثاني 1885، لكن نتيجة القلق من الهزيمة التي مُنيت بها إيطاليا في أدوَة، قرر البريطانيون غزو السودان في عام 1896، واستولوا على الخرطوم في عام 1898 بعد أن قتلوا وجرحوا وأسروا أكثر من 30 ألف سوداني.

كما أن الفيتناميين الشماليين أذلوا فرنسا عام 1954 في معركة ديان بيان فو، مما دفع الأميركيين على الفور إلى الأخذ بزمام أمور الحرب، وقتلوا الملايين في العقدين التاليين في جميع أنحاء جنوب شرق آسيا، إلا أن الولايات المتحدة انهزمت كذلك في فيتنام وكمبوديا، ولكن بعدما قتلت 5 ملايين شخص في المنطقة.

إذن هناك أمثلة عديدة تظهرُ أن القوى الأوروبية شعرت بالإذلال والمهانة وخاصة أنها ترى نفسها "أرقى" و"أسمى" عرق وحضارة، بسبب هزيمتها من قبل عرق "أدنى" وفق علم الأعراق العنصري الذي أوجدتهُ أوروبا في القرن الـ19، وهذه التجارب كانت مهمة استفادت منها المقاومة الفلسطينية لجعل عملية "طوفان الأقصى" عملية مفاجئة للاحتلال الإسرائيلي، لأنَّ عنصريتهم وشعورهم بالـ"تفوق العرقي" لم يكن يتيح لهم تصور إمكانية أنَّ يقوم الفلسطينيون "الأقل منهم عرقيا" بحسب زعمهم العنصري بالمبادرة بالهجوم وبأن يلحقوا الهزيمة بالجيش الإسرائيلي، وأن يحتلوا قواعد عسكرية إسرائيلية، وأن يخرقوا جدار المعتقل الذي اسمهُ "غزة" الذي اعتقلتهم فيه الصهيونية ودولة إسرائيل لمدة 17 عاما. أراد نهج المقاومة أن يجبرَ إسرائيل على التعامل مع المقاومة الفلسطينية بحسب نهج المقاومة نفسها، وليس بحسب ما تفرضهُ إسرائيل على الفلسطينيين في الواقع المعاش.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: منظمة التحریر الفلسطینیة المقاومة الفلسطینیة الحرکة الصهیونیة معاداة السامیة طوفان الأقصى إسرائیل على القرن الـ19 هذا الخطاب فی فلسطین على أنها أعتقد أن على أنه لا سیما على ید وهو ما من قبل على أن فی غزة کما أن فی عام ما بعد

إقرأ أيضاً:

100 عام من محاولات نزع سلاح المقاومة الفلسطينية

على مدى ما يزيد عن 100 عام، سعى الاستعمار البريطاني ثم الاحتلال الإسرائيلي والكثير من الدول إلى تجريد الفلسطينيين من سلاحهم، مقابل تسليح وتنظيم العصابات اليهودية، التي شكلت لاحقا الجيش الإسرائيلي واستمرت في تلقي الدعم الدولي في مساعيها لتكريس الاحتلال ومنع الفلسطينيين ومناصريهم من مقاومته.

الانتداب البريطاني

فرض الانتداب البريطاني على فلسطين قوانين تضع عقوبات مشددة على تسلح العرب مقابل تعزيز تسليح اليهود، واعتمدت سياسات بالغة القسوة لتطبيقها.

وتلقي دراسة للباحث ماثيو هيوز منشورة عام 2010 في مجلة دراسات فلسطين، الضوء على ممارسات الانتداب البريطاني لملاحقة ونزع سلاح الفلسطينيين إبان الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939)، والتي تضمنت:

عمليات التفتيش: حيث كانت القوات البريطانية تقوم بتفتيش مكثف في القرى الفلسطينية، فتحاصر القرية وتفصل الرجال عن النساء والأطفال، مع استخدام الكلاب البوليسية لتتبع المشتبه فيهم والأسلحة المخبأة. العقوبات الجماعية: إذا تم العثور على أسلحة أو اشتبه بوجودها، كانت القوات البريطانية تفرض عقوبات جماعية على القرى وسيلة لردع القرويين عن دعم الثوار أو إخفاء الأسلحة، بما في ذلك تدمير المنازل وفرض غرامات مالية كبيرة، وحرق المحاصيل وصب الزيت على المؤن الغذائية. التعذيب والضغط لاستخراج المعلومات: حيث تم تعذيب المشتبه فيهم لاستخراج معلومات عن أماكن إخفاء الأسلحة، وشمل التعذيب أساليب مثل "الغمر بالماء" والضرب المبرح، وربط المشتبه فيهم بسيارات عسكرية وإجبارهم على السير فوق ألغام. جندي بريطاني يفتش عربا ويبحث عن أسلحة عند بوابة يافا بالقدس عام 1936 (شترستوك)

كما أشارت دراسة عن تاريخ الأحكام العرفية في فلسطين للباحثين نهات دانغ ومايكل بروفانس، نشرت عام 2016، إلى أساليب أخرى لجأ إليها الانتداب البريطاني في تلك الفترة، منها:

إعلان فرض غرامات جماعية كبيرة على القرى التي كانت تعد غير متعاونة، مما أدى إلى إفقار السكان وإجبارهم على دفع الغرامات نقدا أو عينا (مثل الحيوانات والحبوب). إنشاء محاكم عسكرية لمحاكمة الفلسطينيين المشتبه في حيازتهم الأسلحة أو مشاركتهم في أعمال مقاومة، وكانت هذه المحاكم تفتقر إلى الاستقلالية والنزاهة، وكانت الأحكام صارمة بما في ذلك عقوبات الإعدام في بعض الحالات.

ورغم الرقابة الشديدة، نجح الفلسطينيون في تهريب الأسلحة من الدول المجاورة، مثل الأردن وسوريا ولبنان ومصر، وتم تهريب البنادق عبر الحدود الوعرة.

كما لجأ المقاومون إلى تصنيع الأسلحة يدويًا، مثل: القنابل اليدوية المصنعة من مواد بسيطة. إضافة إلى استخدام بنادق معدلة محليًا خلال المواجهات مع البريطانيين والمستوطنين.

واستخدم الفلسطينيون أساليب لإخفاء الأسلحة مثل: دفن الأسلحة في المزارع وتحت الأشجار، وإخفاؤها داخل آبار المياه أو الكهوف في المناطق الجبلية، وتهريب قطع منفصلة من البنادق ثم تجميعها لاحقًا عند الحاجة.

رغم الرقابة الشديدة، فإن الفلسطينيين نجحوا في تهريب الأسلحة من الدول المجاورة (غيتي) خلال النكبة

يشير المؤرخ إيلان بابيه، في كتابه "التطهير العرقي في فلسطين"، إلى أن عمليات نزع سلاح الفلسطينيين خلال النكبة كانت جزءا من إستراتيجية التطهير العرقي التي هدفت إلى إضعاف مقاومة الفلسطينيين، ومنعهم من الدفاع عن أنفسهم، وضمان تفوق القوات الصهيونية وسيطرتها على الأرض.

ويذكر بابيه أن العصابات الصهيونية، بقيادة الهاغاناه والإرغون وشتيرن، كانت قد جمعت معلومات استخباراتية دقيقة عن القرى والمدن الفلسطينية من خلال ملفات القرى التي أُعدت مسبقًا.

وهدفت هذه المعلومات إلى تحديد قدرة الفلسطينيين على المقاومة، وأماكن تخزين الأسلحة، وهوية القادة المحليين الذين يمكن أن يقودوا عمليات مقاومة مسلحة.

إعلان

وعند اندلاع الحرب وسيطرة هذه العصابات على المدن الفلسطينية الكبرى (حيفا ويافا والقدس واللد والرملة) عام 1948، فرضت عمليات تفتيش صارمة على الفلسطينيين وأجبرتهم على تسليم أي أسلحة يمتلكونها.

وبعد انتهاء الحرب، فرضت إسرائيل إجراءات قمعية صارمة لمنع أي محاولة فلسطينية لإعادة التسلح، وشملت:

فرض الأحكام العرفية داخل الأراضي المحتلة عام 1948. اعتقال أي فلسطيني يُشتبه في حيازته سلاحا. تنفيذ إعدامات ميدانية ضد المقاومين السابقين الذين كانوا يحملون أسلحة خلال الحرب. فرض نقاط تفتيش عسكرية دائمة للسيطرة على أي تحركات مسلحة محتملة. عضوان بالهاغاناه اليهودية يفتشان فلسطينيين 1948 (الفرنسية) الجدار الحديدي

تناول المؤرخ الإسرائيلي "آفي شلايم" جهود نزع السلاح بعد النكبة في كتابه "الجدار الحديدي"، مشيرا إلى اشتمالها على الاعتقالات الجماعية، وتدمير المنازل التي يشتبه في أنها تخزن أسلحة، وتنفيذ العمليات العسكرية الوقائية كالغارات الليلية على القرى التي يشتبه في أنها تدعم المقاومة.

كما واجهت قوات الاحتلال أعمال المقاومة الفلسطينية بردود فعل قاسية، بما في ذلك الهجمات الانتقامية وتدمير البنية التحتية الفلسطينية.

وفي بعض الحالات، حاولت إسرائيل التعاون مع زعماء محليين فلسطينيين لنزع السلاح بشكل سلمي، ومع ذلك كانت هذه الجهود محدودة النجاح بسبب العداء المستمر وعدم الثقة بين الطرفين.

يقدمه نتنياهو على أنه ملهمه ومرشده الروحي، وأنه يحتفظ بسيفه ويقرأ أعماله بشكل دائم.. تعرف على جابوتنسكي مؤسس الليكود وصاحب نظرية "الجدار الحديدي"

للمزيد: https://t.co/qKMPk1vrnc pic.twitter.com/Rdjp8IVX9W

— Aljazeera.net • الجزيرة نت (@AJArabicnet) August 18, 2024

وكانت سياسات إسرائيل تعكس رؤية أمنية قائمة على فكرة "الجدار الحديدي"، التي طرحها زئيف جابوتنسكي والتي تدعو إلى استخدام القوة العسكرية المفرطة لكسر إرادة الفلسطينيين وإجبارهم على الخضوع للاحتلال.

إعلان

وساهم نزع السلاح في ضمان التفوق العسكري الإسرائيلي، حيث أصبح الفلسطينيون في الداخل غير قادرين على تنظيم مقاومة مسلحة لسنوات طويلة.

وأدى ذلك إلى تحول المقاومة الفلسطينية من الداخل إلى الخارج، حيث بدأت منظمة التحرير الفلسطينية (1964) والفصائل الأخرى بالعمل من الأردن ولبنان لاحقًا.

ضغوط عربية ودولية

رصد المؤرخ الفلسطيني رشيد الخالدي استمرار مساعي نزع السلاح الفلسطيني وتوسعها في كتابه "مئة عام من الحرب في فلسطين"، حيث أشار إلى فرض بعض الأنظمة العربية قيودًا على النشاط المسلح الفلسطيني.

ففي الخمسينيات، قامت مصر -التي كانت تدير قطاع غزة آنذاك- بقمع الفدائيين ومنع محاولاتهم للتسلح، كما حدث مع ياسر عرفات ورفاقه في غزة، كما قيدت الحكومات الأردنية واللبنانية العمل المسلح الفلسطيني من أراضيها. ​

وخلال السبعينيات والثمانينيات، واجهت منظمة التحرير الفلسطينية ضغوطا مستمرة لنزع سلاحها، سواء عبر العمليات العسكرية الإسرائيلية مثل اجتياح لبنان عام 1982 أو عبر ضغوط دولية لإجبارها على نبذ الكفاح المسلح.

منظمة التحرير الفلسطينية واجهت ضغوطًا دولية وإسرائيلية مستمرة لنزع سلاحها (الفرنسية)

كما استندت اتفاقيات لاحقة مثل أوسلو (1993) إلى مبدأ "نزع سلاح الفلسطينيين" كشرط أساسي لإقامة السلطة الفلسطينية، مما جعل الضفة الغربية خاضعة لرقابة أمنية مشددة.

وبعد فوز حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الانتخابات الفلسطينية عام 2006، ازدادت الضغوط الدولية والإسرائيلية لنزع سلاح الحركة.

وشهد قطاع غزة محاولة انقلاب بقيادة الأجهزة الأمنية المدعومة من الولايات المتحدة لإضعاف حماس، لكن الحركة تمكنت من إحكام سيطرتها على القطاع.

في المقابل، استمرت الضفة الغربية تحت سيطرة السلطة الفلسطينية التي تنسق أمنيًا مع إسرائيل لمنع أي نشاط مسلح لمقاومة الاحتلال.

إعلان ذريعة الحصار

شدد الاحتلال الإسرائيلي حصاره على الأراضي الفلسطينية عموما، وعلى قطاع غزة خصوصا منذ العام 2006، بذريعة منع الفلسطينيين من استخدامها لتصنيع الأسلحة.

ويوثق تقرير لمؤسسة حقوق الإنسان الإسرائيلية "غيشاة-مسلك"، صادر في يناير/كانون الثاني 2022، تقييد إسرائيل دخول آلاف المواد إلى الضفة الغربية وقطاع غزة باستخدام "قانون مراقبة التصدير الأمني (2007)"، وأمر مراقبة التصدير الأمني.

ويتضمن هذا الأمر قائمتين؛ واحدة مشتركة للضفة الغربية وقطاع غزة، وأخرى تتضمن تصنيفات إضافية لبضائع ومواد "ثنائية الاستخدام" ويقيد دخولها إلى قطاع غزة فقط.

وتتعدى هذه القائمة بكثير ما تحدده اتفاقية "فاسينار" التي تنظم التجارة الدولية بالمواد الثنائية الاستخدام وتضم 42 دولة، منها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.

وفي القائمة الإسرائيلية للمواد الثنائية الاستخدام، تلك الخاصة بقطاع غزة، تظهر مواد ضرورية للبناء مثل الأنابيب الحديدية التي تزيد عن قطر معين وخلاطات الباطون ومضخات ومعدات ميكانيكية ثقيلة مختلفة.

وإضافة لمواد البناء، فإن القائمة الإسرائيلية تتضمن آلاف المواد المطلوبة لحاجات مدنية يومية، مثل الأسمدة الزراعية أو مركبات لمستحضرات التجميل.

حرب الظلال

نشطت المقاومة الفلسطينية في العقود الثلاثة الأخيرة في مجالي تهريب وتصنيع الأسلحة، وهو ما واجهه الاحتلال وحلفاؤه بالعمل الأمني والاستخباري وأحيانا العسكري. وشكلت إيران مصدرا أساسيا لتهريب الأسلحة، إضافة إلى ليبيا والصين وغيرها من الدول.

ونشطت طرق التهريب عبر البحر الأحمر والسودان ومصر وسوريا والعراق والأردن، وصولا إلى الضفة الغربية وقطاع غزة.

وإبان انتفاضة الأقصى سيطرت قوات الاحتلال على السفينة "كارين إيه" المحملة بالسلاح، التي كانت حمولتها متجهة إلى قطاع غزة، واتهمت إسرائيل حينها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بالوقوف خلفها.

إعلان

ولاحقت إسرائيل خطوط الإمداد حيث قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية السودان عدة مرات، زاعمة أنها استهدفت شحنات سلاح متجهة إلى قطاع غزة.

واغتالت إسرائيل محمود المبحوح القيادي في كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، في دبي عام 2010، والذي اتهمه الإعلام الإسرائيلي بالمسؤولية عن تهريب الصواريخ من إيران إلى قطاع غزة.

كما لاحق جهاز الموساد شبكات التطوير العسكري والتصنيع للمقاومة الفلسطينية داخل وخارج فلسطين، فاختطف المهندس والخبير بالصواريخ ضرار أبو سيسي من أوكرانيا عام 2011.

واغتال مهندس الطائرات المسيرة التونسي محمد الزواري في تونس عام 2016، واغتال دكتور الهندسة الفلسطيني فادي البطش في ماليزيا عام 2018 والذي وصفه الإعلام الإسرائيلي بأنه خبير في الطائرات المسيرة.

ولاحق العالم العراقي طه الجبوري بتهمة دعم حركة حماس، وصولا إلى اعتقاله في الفلبين وتسليمه للسلطات العراقية عام 2018.

واغتالت إسرائيل في حربها على القطاع عام 2021 عالم الصواريخ الفلسطيني العائد من وكالة "ناسا" جمال الزبدة.

إعادة التسليح

وفي المقابل كانت المقاومة الفلسطينية تقتنص كل فرصة لإعادة التسلح، إذ وفر سقوط أنظمة عربية خلال الربيع العربي فرصة ذهبية لتهريب الأسلحة بوفرة من ليبيا إلى قطاع غزة عبر الأراضي المصرية، وفق تصريحات لعدد من قادة حركة حماس نقلتها مواقع إخبارية إسرائيلية وعربية ودولية، وبحسب تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز في يناير/كانون الثاني 2024 تحت عنوان "من أين تحصل حماس على أسلحتها؟".

وكشف تحقيق لبرنامج "ما خفي أعظم" الذي تبثه الجزيرة، عن استخدام المقاومة خطوط المياه المهجورة في مناطق المستوطنات المخلاة في قطاع غزة كمواد خام لتصنيع الصواريخ.

كما استخرجت المقاومة من قعر البحر المتوسط أسلحة من سفن بريطانية غارقة، وأعادت تدوير القذائف والصواريخ الإسرائيلية التي لم تنفجر بعد قصف القطاع بها، وهو ما ظهر بكثرة إبان حرب طوفان الأقصى في الأعوام 2023-2025.

إعلان نزع السلاح من جديد

وخلال العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، يطرح الاحتلال وحلفاؤه خططا لنزع سلاح المقاومة في غزة، كما تكرر في تصريحات قادة الاحتلال.

وسبق أن أشارت صحيفة يديعوت أحرونوت إلى مطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن استئناف مفاوضات المرحلة الثانية لوقف إطلاق النار في غزة، والتي تشمل إبعاد قيادة الحركة من غزة، وتفكيك ذراعها العسكرية كتائب القسام، ونزع سلاحها، وإطلاق سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين.

كما توالت تصريحات وزير خارجية الاحتلال غدعون ساعر بأن إسرائيل تطالب بـ"نزع كامل للسلاح" من قطاع غزة، وبتنحي حركة حماس كشرط للانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار.

يأتي هذا في وقت ترفض فيه الإدارة الأميركية الاعتراف بحق الفلسطينيين في التحرر وتقرير مصيرهم، في تكرار لمساع عمرها مئة عام، رفضها وأحبطها إصرار الفلسطينيين ومناصري قضيتهم من العرب والمسلمين على استمرار النضال حتى تحرير أرضهم.

مقالات مشابهة

  • "الخارجية الفلسطينية": استهداف إسرائيل مكتب تابع للأمم المتحدة في غزة جريمة حرب
  • الجولة الجديدة من الحرب الصهيونية على غزة
  • مندوب فلسطين بالجامعة العربية: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية في غزة
  • خبير عسكري: العدوان الجوي للاحتلال على غزة لن يتحول لعمل بري.. ‏هذه الأسباب
  • خبير عسكري: إسرائيل استهدفت تحقيق الصدمة والمقاومة استعدت للسيناريو الأسوأ
  • رئيس المجلس الأوروبي يستنكر سقوط ضحايا مدنيين بغارات إسرائيل على غزة
  • 100 عام من محاولات نزع سلاح المقاومة الفلسطينية
  • هل قصفت إسرائيل أهدافا عسكرية؟ وما خيارات المقاومة؟ الفلاحي يجيب
  • أونروا: لجوء إسرائيل إلى القوة العسكرية يزيد معاناة الشعب الفلسطيني
  • رئيس الوزراء: الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة هي حرب على الإنسانية