قوة عسكرية تعتقل قيادات سياسية بشمال كردفان
تاريخ النشر: 28th, January 2024 GMT
اعتقلت قوة تابعة للجيش السوداني عضوين بحزب المؤتمر السوداني في ولاية شمال كردفان، فيما وصف الحزب هذا السلوك بأنه يستهدف تضييق دائرة الفعل المدني.
الأبيض: التغيير
اتهم حزب المؤتمر السوداني- ولاية شمال كردفان، قوة عسكرية مسلحة باعتقال عضوي الحزب بالولاية سيف الدولة أحمد خليل ورفعت عبد العزيز من منزليهما بمدينة بارا بواسطة قوة مسلحة يقال إنها تتبع للعمل الخاص.
ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع بالعاصمة الخرطوم ومدن أخرى، في 15 ابريل الماضي، تعرض كثير من الفاعلين السياسيين والناشطين والإعلاميين، للاعتقال والتهديد من قبل طرفي النزاع، وأوقفت استخبارات الجيش واستجوبت العديدين.
وقال الحزب في بيان صحفي اليوم الأحد، إن القوة العسكرية اعتقلت عضوي الحزب بفرعية بارا من منزليهما مساء أمس السبت بمدينة بارا.
واعتبر الحزب أن هذا الاستهداف للقيادات السياسية والثورية السلمية سواء في القوى السياسية أو لجان المقاومة ولجان الطوارئ ومنظمات المجتمع المدني، ليس إلا استمراراً في تضييق دائرة الفعل المدني سعياً من أجل عسكرة الفضاء العام.
وقال إنها سياسة سلطوية عبثية تتصل مع نسق هذه الحرب التي يدفع المواطنات والمواطنون أثمانها الباهظة، دون أن يكون لهم فيها أية مصلحة.
وأدان الحزب ممارسات قوات العمل الخاص والقوات المسلحة في مصادرة حرية المواطنين والمواطنات وعلى رأسهم آخرين، مجتبى قاسم أحمد عضو لجان المقاومة، وعز الدين محمد شطة عضو لجنة المعلمين ببارا والشيخ حسين من لجان التغيير والخدمات.
وأكد أن ذلك سلوك لا ينتمي للقانون أو للمبادئ الإنسانية في الحروب، وحملها المسؤولية الكاملة عن سلامتهم وسلامة جميع المعتقلين لديها، وطالب بإطلاق سراحهم فوراً، وأكد أن هذه التصرفات لن تمنعهم عن السير في طريق المستقبل الذي لا يرنو إلا لوطنٍ دون حروب يسعنا جميعاً.
الوسومالأبيض الجيش الدعم السريع الناشطين بارا حرب 15 ابريل حزب المؤتمر السوداني شمال كردفانالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الأبيض الجيش الدعم السريع الناشطين بارا حرب 15 ابريل حزب المؤتمر السوداني شمال كردفان
إقرأ أيضاً:
الحزب الشيوعي السوداني بين زمنين
دكتور هشام عثمان
الحزب الشيوعي السوداني بين زمنين: من رفض الاستقلال الصوري إلى رفض الحلول السياسية الناقصة.. ثبات النظرة و تغير السياق..
منذ نشأته، ارتبط الحزب الشيوعي السوداني بفكر نقدي عميق ورؤية سياسية ثاقبة لم تقتصر على القضايا الأيديولوجية التقليدية، بل امتدت لتشمل تحليل الواقع السياسي والاجتماعي السوداني في سياقه المحلي والعالمي. في خمسينيات القرن الماضي، كان موقف الحزب من اتفاقية الحكم الذاتي التي اقترحتها الإدارة الاستعمارية البريطانية يعكس رفضاً جذرياً لفكرة الاستقلال الصوري. هذه الرؤية الاستشرافية لم تقف عند حدود تلك الفترة، بل تمتد لتشكل أساساً لتحليل الحزب لمختلف القضايا السياسية في السودان، وصولاً إلى موقفه من الاتفاق الإطاري ومختلف الحلول السياسية التي أعقبت ثورة ديسمبر 2018.
الاستقلال الصوري: موقف الحزب من اتفاقية الحكم الذاتي
رفض الحزب الشيوعي السوداني اتفاقية الحكم الذاتي في خمسينيات القرن الماضي كان بناءً على قراءة واعية لطبيعة الاستعمار الجديد الذي كان يسعى إلى نقل السلطة إلى نخب محلية متعاونة مع الاستعمار البريطاني. هذه النخب، التي تربت في كنف السلطة الاستعمارية، لم تكن تحمل مشروعاً وطنياً يعكس طموحات الشعب السوداني في التحرر الحقيقي. بدلاً من ذلك، كانت هذه الاتفاقية تهدف إلى تحقيق استقلال شكلي، حيث يتم الحفاظ على الهياكل الاقتصادية والسياسية التي تخدم مصالح الاستعمار وإن كان بواجهة محلية.
الحزب الشيوعي السوداني، برؤيته الاستشرافية، أدرك أن هذا النوع من الاستقلال لن يحقق العدالة الاجتماعية ولا التنمية الاقتصادية التي يتطلع إليها الشعب السوداني. رفض الحزب الحكم الذاتي كان رفضاً لاستمرار التبعية الاستعمارية بصيغ جديدة، حيث كان يعتقد أن التحرر الحقيقي لا يتحقق بتغيير الوجوه في السلطة فقط، بل بتحقيق تحرر اقتصادي وسياسي كامل يقطع مع كل أشكال الهيمنة الأجنبية.
بعد نظر الحزب الشيوعي في رفض الحلول السياسية الناقصة
هذا الفهم العميق لمفهوم الاستقلال الحقيقي أصبح مبدءاً جوهرياً في توجهات الحزب الشيوعي السوداني، وظهر ذلك جلياً في موقفه من الحلول السياسية التي أعقبت ثورة ديسمبر 2018. بعد الإطاحة بحكم عمر البشير، دخل السودان في مرحلة انتقالية شابتها الكثير من التحديات السياسية والأمنية. ظهرت عدة محاولات للتوصل إلى حلول سياسية بين قوى الثورة والمجلس العسكري الذي تولى السلطة بعد سقوط البشير، ومنها الاتفاقات الإطارية التي كانت تسعى لتأسيس مرحلة انتقالية هشة تتقاسم فيها السلطة بين المدنيين والعسكريين.
الحزب الشيوعي كان واضحاً في رفضه لهذه الحلول السياسية التي وصفها بأنها ناقصة وغير قادرة على تحقيق أهداف الثورة. رأى الحزب أن هذه الحلول تهدف إلى احتواء الثورة وإعادة إنتاج النخب القديمة في شكل جديد. كما أن هذه الاتفاقات أبقت على دور المؤسسة العسكرية في السياسة، وهو ما يتعارض مع رؤية الحزب لحكومة مدنية ديمقراطية تقوم على إرادة الشعب.
تأسيس نظري وسياسي لرفض الحلول الناقصة
رفض الحزب الشيوعي للحلول السياسية الناقصة يستند إلى مجموعة من المبادئ النظرية والسياسية التي تؤكد على:
1. استقلال القرار الوطني:
كما رفض الحزب في خمسينيات القرن الماضي الوصاية الاستعمارية على استقلال السودان، فإنه يرفض اليوم كل الحلول التي تضع البلاد تحت تأثير القوى الخارجية أو تضمن استمرار تدخل العسكريين في السياسة. الحزب يؤمن بأن السيادة الوطنية لا تتحقق إلا بتأسيس سلطة مدنية ديمقراطية مستقلة تماماً عن أي ضغوط أو إملاءات خارجية.
2. العدالة الاجتماعية والاقتصادية:
منذ تأسيسه، ركز الحزب الشيوعي السوداني على تحقيق العدالة الاجتماعية كجزء من مفهومه للاستقلال الحقيقي. في مواقفه الحديثة، استمر الحزب في التأكيد على أن أي حل سياسي يجب أن يكون مرتبطاً بتوزيع عادل للثروة وتحقيق التنمية المتوازنة. الحلول السياسية الناقصة، التي تركز فقط على تقسيم السلطة دون معالجة جذور الفقر والتهميش، تعد في نظر الحزب غير كافية لتحقيق التغيير المطلوب.
3. استبعاد المؤسسة العسكرية من الحكم:
كما كان الحزب الشيوعي يرفض في الماضي محاولات النظام الاستعماري تمكين النخب المتعاونة معه، يرفض اليوم محاولات المجلس العسكري الاستمرار في السيطرة على مفاصل الدولة. الحزب يرى أن أي دور للمؤسسة العسكرية في السياسة يقوض التحول الديمقراطي الحقيقي ويعيد إنتاج الاستبداد.
4. استقلالية الحركة الجماهيرية:
الحزب الشيوعي السوداني كان وما زال يؤمن بأن التغيير الحقيقي يأتي من حركة جماهيرية مستقلة عن النخب الحاكمة. في موقفه من الحلول السياسية بعد ثورة ديسمبر، شدد الحزب على ضرورة أن تستمر قوى الثورة في الضغط من أجل تحقيق كامل مطالبها وعدم الانخداع بالحلول الوسط التي تقدمها الأطراف المسيطرة على السلطة.
من الحكم الذاتي إلى الاتفاق الإطاري: استمرارية الموقف
إذا كان رفض الحزب الشيوعي لاتفاقية الحكم الذاتي في خمسينيات القرن الماضي نابعاً من رفضه لاستقلال صوري يبقي السودان في دائرة التبعية، فإن رفضه للاتفاق الإطاري في الزمن الحاضر يأتي من نفس المبدأ، حيث يرى أن هذه الحلول السياسية لا تلبي تطلعات الشعب السوداني في حكم مدني ديمقراطي كامل. الحلول السياسية الناقصة تعيد إنتاج نفس أنماط السلطة التي قامت الثورة ضدها، سواء من خلال شراكة مع العسكريين أو من خلال تقديم تنازلات للنخب الاقتصادية والسياسية القديمة.
يستمر الحزب الشيوعي السوداني في تقديم رؤية نقدية مستمرة وثابتة تجاه قضايا الحكم والسياسة، سواء في الماضي أو الحاضر. من رفضه للاستقلال الصوري في حقبة ما بعد الاستعمار إلى رفضه للحلول السياسية الناقصة في أعقاب ثورة ديسمبر، يظهر الحزب الشيوعي كمؤسسة سياسية مبدئية تسعى لتحقيق الاستقلال الحقيقي والعدالة الاجتماعية، رافضةً كل الحلول الوسط التي لا تحقق هذا الهدف. الزمن أثبت صحة تحليلات الحزب الشيوعي، سواء في الماضي أو الحاضر، في أن التنازلات السياسية التي لا تستند إلى تغيير جذري لن تؤدي إلا إلى إعادة إنتاج نفس الأزمات.
hishamosman315@gmail.com